المصرف المركزي.. جبهة صراع جديدة تهدد استقرار ليبيا
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
في خضم توترات سياسية وأمنية متصاعدة، تخيم على ليبيا بوادر أزمة جديدة، محورها الصراع للسيطرة على المصرف المركزي، الذي تحول إلى جبهة تنافس تهدد استقرار البلاد.
وعبرت السفارة الأميركية بليبيا، الخميس، عن مخاوفها تجاه تقارير تفيد بوقوع اشتباكات في العاصمة طرابلس، داعية كافة الأطراف إلى خفض التصعيد وتجنب العنف على الفور.
وجاء بيان السفارة عقب تحذير مشابه من بعثة الأمم المتحدة في البلاد، أعربت فيه أيضا عن قلقها البالغ إزاء التقارير التي تفيد بحشد قوات في طرابلس.
الخبير في الشؤون الليبية، محمد الرميلي، يؤكد أن "الوضع في البلاد على صفيح ساخن، بسبب الصراع الحاصل بين القوى المختلفة بشأن البنك المركزي في البلاد".
من جهته، يقول المحلل السياسي والإعلامي الليبي، محمد الصريط، إنه لـ"حدود اللحظة لم تحصل أي اشتباكات بين أي فصائل أو قوى مسلحة داخل طرابلس"، غير أنه يلفت إلى "حالة الترقب والخوف التي تعمّ البلاد".
ويوضح الصريط في حديثه لموقع "الحرة"، أن التوترات الأخيرة ترتبط أساسا بـ"تقارير عن إقالة المحافظ الذي يملك قوى متنفذة، ونفس الأمر بالنسبة للأطراف الأخرى التي تسعى للإطاحة به، متمثلة في رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي"، بالإضافة إلى عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس.
ويبقى مصرف ليبيا المركزي هو الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا فيما يتعلق بإيداع إيرادات النفط، وهي دخل اقتصادي حيوي للبلد المنقسم منذ سنوات، بين حكومتين متناحرتين في طرابلس وبنغازي.
واعتبرت السفارة الأميركية، في بيانها أن "محاولة حل النزاع المتعلّق بمصرف ليبيا المركزي بالقوة "غير مقبول"، وستترتب عليها عواقب وخيمة على نزاهة هذه المؤسسة الحيوية واستقرار الدولة، إضافة إلى آثار جدية محتملة على موقع ليبيا في النظام المالي الدولي.
وشهد مصرف ليبيا المركزي، خلال الأسابيع الأخيرة، سلسلة من التطورات المقلقة في ظل محاولات لتغيير قيادة المصرف، تكشف عن عمق الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد.
وبدأت أولى التوترات، عقب إعلان المجلس الرئاسي عزمه على تنفيذ قرار صادر عن مجلس النواب عام 2018، يقضي بتشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي.
وردا على القرار، أكد محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، ونائبه، مرعي البرعصي، رفضهما لهذه الخطوة، معتبرين أن المجلس الرئاسي لا يملك صلاحية عزلهما، وأعلنا استمرارهما في مناصبهما.
وتفاقمت الأزمة، بعد ذلك مع حادثة اختطاف مسؤول رفيع في المصرف المركزي "من قبل جهة مجهولة"، مما أدى إلى تعليق البنك لعملياته بشكل مؤقت.
وجاءت هذه التطورات، بعد أسبوع تقريبا، على محاصرة مسلّحين مقر المصرف في طرابلس.
وأشارت وسائل إعلام محلية إلى تقارير تفيد بأن ذلك محاولة لإجبار محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، على الاستقالة.
ويتولى الكبير منصب محافظ المصرف المركزي منذ عام 2012، ويواجه انتقادات متكررة بشأن كيفية إدارته للموارد النفطية الليبية وموازنة الدولة، توجهها شخصيات بعضها مقرب من الدبيبة.
وسبق أن ندّد السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بمحاولات "غير مقبولة" لدفع محافظ المركزي للاستقالة، محذرا من أن استبداله "بالقوة يمكن أن يؤدي إلى استبعاد ليبيا من الأسواق المالية العالمية".
في هذا الجانب، يقول الصريط إن ليبيا تعيش على وقع نزاعات سياسية مستمرة بين الأجهزة الرئيسية، كاشفا أن لهذه الخلافات طابع قانوني ظاهري، إذ تلجأ كل مؤسسة إلى تأويلات مختلفة لنطاق سلطاتها، في محاولة لإضفاء المشروعية على مواقفها وإجراءاتها.
وتعاني ليبيا من انقسامات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. وتدير شؤونها حكومتان: الأولى معترف بها دوليا في طرابلس برئاسة الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
ويشير المحلل ذاته، إلى أن العاصمة الليبية تبقى مركز قوى ومحل نزاع بين مختلف الأطراف الليبية، بالتالي فإن "طرابلس الهدف النهائي لأي قوة تسعى للهيمنة أو السيطرة على البلاد".
ومطلع الشهر الحالي، شهدت ضواحي طرابلس اشتباكات "غير واضحة الدوافع" بين فصيلين مسلحين مرتبطين بحكومة الوحدة الوطنية، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح العشرات، وفقا لفرانس برس.
في هذا الجانب، يقول المحلل الليبي، الصريط، إن أحداث بداية أغسطس "كانت معزولة وتقتصر على مواجهات بين فصائل فيما بينها"، مشيرا إلى أنها وقعت في أطراف العاصمة ولم تشمل أحياء ووسط العاصمة.
ورغم أن المحلل يشير إلى تراجع حدة أعمال العنف بالعاصمة منذ عام 2017، إلا أنه يحذر من التبعات السلبية لهذه الحوادث المتفرقة، مؤكدا أن تأثيرها يمتد ليطال سمعة ليبيا دوليا، ويقوض الشعور بالأمان لدى المواطنين.
كما يلفت الانتباه إلى الأثر السلبي على جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية، مما ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي العام.
زيادة التوتراتوأعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء التدهور السريع للوضع الاقتصادي والأمني في ليبيا، منددة بالتصرفات "الأحادية" لبعض الجهات الفاعلة والتي تؤدي إلى زيادة التوترات.
وقالت، ستيفاني خوري، التي تتولّى منصب الرئيس الموقت لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أمام مجلس الأمن الدولي، "خلال الشهرين الماضيين، تدهور الوضع في ليبيا بسرعة كبيرة على صعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني".
وأضافت أن "التصرّفات الأحادية لجهات سياسية وأمنية ليبية فاعلة، أدّت إلى زيادة التوترات وزادت من عمق الانقسامات المؤسسية والسياسية، كما عقّدت الجهود المبذولة للتوصّل إلى حل سياسي عبر التفاوض".
وتشغل الدبلوماسية الأميركية مؤقتا منصب رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بانتظار تعيين خليفة، لعبد الله بتيلي، الذي استقال من هذه المهمة في أبريل، مشيرا إلى "غياب الإرادة السياسية وحسن النية لدى القادة الليبيين السعداء بالمأزق الحالي".
الخبير الليبي، محمود الرميلي، يؤكد أن حالة "الانسداد السياسي" تبقى السبب وراء كل الإشكالات الأمنية والتنافس الحاصل بشأن السيطرة على مؤسسات البلاد.
ويحذر الرميلي في تصريح لموقع "الحرة"، من أنه قد تكون للانقسامات والخلافات الأخيرة بشأن المصرف المركزي "تبعات مؤسفة قد تفتح الباب لدوامة العنف والسلاح"، ما لم يكن هناك تدخل من أجل إخماد هذه الأزمة.
ويشير المحلل السياسي، إلى أن "البلاد في حاجة إلى حلول سياسية تحقن الدماء"، مشدّدا على ضرورة التوجه لصناديق الانتخابات لاختيار أوجه جديدة".
ويوضح الرميلي أن الكيانات الحالية من نواب ومجالس وحكومات تبقى "سيدة الإشكالات والصراع المطروح"، مما يستدعي "تغييرها بالاحتكام إلى صناديق الانتخابات عوضا عن صناديق الذخيرة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: السفارة الأمیرکیة المصرف المرکزی الأمم المتحدة فی طرابلس فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
أستاذ العلوم السياسية: الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين تهدد استقرار العالم
قال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الانتهاكات المستمرة التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية قد تجاوزت حدود المنطقة، مشيرًا إلى أن تداعيات هذه الانتهاكات ستؤثر على العالم بأسره.
وأوضح بدر الدين في مداخلة هاتفية لقناة إكسترا نيوز، أن استمرار العنف والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين يزيد من تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أن هذه التصعيدات قد تؤدي إلى موجات جديدة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ليس فقط في الدول المجاورة لفلسطين، بل على المستوى الدولي أيضًا.
وأشار إلى أن هذا العنف المستمر قد يؤدي إلى زيادة حدة الانقسامات بين القوى الدولية الكبرى، حيث تتخذ بعض الدول مواقف متشددة ضد السياسات الإسرائيلية، في حين أن دولًا أخرى تستمر في دعمها لهذه السياسات، مما يعمق الخلافات داخل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.
تداعيات الانتهاكات على الأزمات الإنسانية والهجرةوأكد بدر الدين أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات سيؤدي إلى تصاعد الأزمات الإنسانية في المنطقة، وزيادة معدلات اللجوء والهجرة غير الشرعية.
وأوضح أن هذا الوضع يشكل تحديًا كبيرًا للدول الأوروبية والدول المضيفة للاجئين، مما يضيف مزيدًا من الضغوط على هذه الدول في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية.
الضغط الدولي لإنهاء الاحتلالوشدد الدكتور بدر الدين على أن الحل الوحيد لاحتواء هذه التداعيات الخطيرة هو الضغط الدولي الجاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإيجاد تسوية عادلة وشاملة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
وأشار بدر الدين إلى أن السلام في منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال التوصل إلى حل عادل يعترف بحقوق الفلسطينيين ويوقف سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.