كان المزاج السائد في الغرفة الصغيرة المخفية في الطابق الرابع من مركز مؤتمرات ماكورميك بليس مختلفا تماما عن الاستعراض الذي شهده المؤتمر الوطني الديمقراطي الثلاثاء، الذي أقيم على بعد خمسة أميال.

وقالت مجلة "ذي نيشين" في تقرير للصحفية سارة لازار إن ستة أطباء وقفوا في صف واحد، مرتدين ملابس العمليات الجراحية والأحذية الرياضية، وكانت تعابير قاتمة على وجوههم، ومن ثم صعدوا تواليا إلى المنصة لمشاركة ما شهدوه خلال عملهم الطبي الإنساني الأخير في غزة ــ وتوسلوا إلى الديمقراطيين، وخاصة المرشحة الرئاسية كامالا هاريس، أن يعيدوا التفكير في عملية تسليحهم المتسارع لحملة القتل الإسرائيلية التي لا هوادة فيها.



وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من دعم فكرة "وقف إطلاق النار" المجردة ظاهريا، فقد شوهت إدارة بايدن معنى المصطلح، لذلك غير الناشطون مطلبهم الأساسي، موضحة أن هؤلاء الناس يطالبون الآن بفرض حظر على الأسلحة، وهو ما يعكس إجماعا متزايدا بين أولئك الذين يحشدون تضامنا مع الفلسطينيين على ضرورة وقف الدعم المادي لعمليات "إسرائيل". وحتى الآن، وعلى الرغم من التحولات "في اللهجة"، رفضت نائبة الرئيس هاريس مناشداتهم اليائسة.

وصفت تانيا حاج حسن، وهي طبيبة في العناية المركزة للأطفال، كيف أمسكت بأيدي الأطفال المحتضرين "وكانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة في غياب أي أسرة على قيد الحياة قادرة على مواساتهم". 

وقالت إن ظاهرة وصول الأطفال الجرحى وحدهم شائعة هناك إلى الحد الذي جعل هناك مصطلحا يصفها: "طفل جريح، لا أسرة على قيد الحياة".

بينما قال أحمد يوسف، وهو طبيب في الطب الباطني وطب الأطفال، عن امرأة أصيبت بحروق شديدة في جميع أنحاء جسدها، ثم اكتشف الأطباء أنها حامل، كاشفا: "كنا نعلم أنها ستموت هناك وأن طفلها سيموت هناك، ولم يكن بوسعنا أن نفعل شيئا". 

وذكر "نقلت إلى وحدة العناية المركزة "وكانت تعاني من الألم كل يوم حتى وفاتها، لأننا لم نكن نملك النوع الذي نحتاجه من الأدوية لها، في أحد الأيام، دخل إلى المستشفى ووجد سريرها فارغا.. قصتها ليست سوى واحدة من عشرات الآلاف من القصص".

وقالت تامي أبو غنيم، وهي طبيبة في طب الطوارئ: "كانت الأشياء التي رأيناها في غزة لا يمكن تصورها. فالأطفال لا يحصلون على التغذية الأساسية. وكل طفل بحاجة إلى رعاية نفسية لن يتمكن من الحصول عليها لفترة طويلة جدا".

وأضافت: "لا أستطيع أن أخبركم كم هو محبط أن أعلم وأنا أقف أمام مريضة أسحب شظايا من جسدها، أن دولارات الضرائب التي أدفعها دفعت ثمن تلك الشظايا".

وسافر الأطباء من مختلف أنحاء البلاد لمشاركة شهاداتهم، محاطين بمندوبين يمثلون حوالي 740 ألف شخص صوتوا "غير ملتزمين" في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للاحتجاج على قصف غزة وحصارها.

 وكان حدث الثلاثاء الماضي واحدا من العديد من الأحداث التي نظمها المندوبون غير الملتزمين، وقد أعقب ذلك ندوة مكتظة حول حقوق الإنسان الفلسطينية في اليوم السابق. 


وقالت الصحيفة "يبدو أنهم يفعلون كل ما في وسعهم للتأكد من أن المؤتمر الوطني الديمقراطي لن ينسى ما تفعله الولايات المتحدة في غزة، حيث استخدمت إسرائيل أسلحتها وذخائرها، بالإضافة إلى حزم المساعدات المستمرة، لقتل أكثر من 40 ألف شخص، أكثر من 16 ألف منهم من الأطفال" (على الرغم من أن العدد الحقيقي للشهداء من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير).

وأوضحت الصحيفة أن "مشهد المؤتمر الوطني الديمقراطي يصعب اختراقه. المؤتمرات السياسية هي أحداث مصممة جيدا لتقديم عرض، وليس لإجراء حوارات صعبة. كما يتمتع مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي هذا بدفعة إضافية من الطاقة من استبدال بايدن بهاريس وجعل ذلك في أعلى القائمة.

لقد كان مليئا بموضوعات الفرح والوحدة، وقوبل المتحدثون رفيعو المستوى في الحزب بتصفيق مدو (على الرغم من أن الرئيس بايدن واجه إزعاجا واحدا من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذين حثوا الولايات المتحدة على التوقف عن تسليح إسرائيل).

وبينت أنه إلى الحد الذي كانت فيه غزة قد ظهرت على المسرح الرئيسي للحدث، فإن ذلك كان قصيرا نسبيا، ولم يُخل بأجواء الاحتفال والبهجة.

واعتبرت أن "هذا لا يعني أن أحدا في قاعدة الحزب الديمقراطي لا يهتم بغزة. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأغلبية الساحقة من الديمقراطيين يريدون وقف إطلاق النار. وتدعو سبع نقابات عمالية كبرى، تمثل ما يقرب من نصف جميع العمال النقابيين، إلى فرض حظر على الأسلحة بموجب وقف إطلاق نار دائم، وعدد النقابات والمنظمات العمالية التي تحث على وقف إطلاق النار أكبر من ذلك بكثير".

 وقالت أسماء محمد، وهي مندوبة غير ملتزمة من ولاية مينيسوتا، للحضور إن المحادثات مع المندوبين الآخرين "كانت إيجابية حقا". وأضافت أن أكثر من 200 مندوب وقعوا على رسالة الحركة الوطنية غير الملتزمة التي تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة.

وهناك فجوة واضحة بين هذه القاعدة وزعماء الحزب. فقد رفضت نائبة الرئيس هاريس الموافقة على وقف إرسال القنابل إلى "إسرائيل"، وفي حين مُنحت الحركة غير الملتزمة فرصة عقد ندوة في ساحة ماكورميك خارج الموقع خلال النهار، ومساحة للوقفة الاحتجاجية، إلا أنها تُبْقَى بعيدة عن المسرح الرئيسي، على الرغم من مطالبها باستضافة متحدث فلسطيني أميركي. "إن ما نحتاج إليه بشكل عاجل هو وقف القنابل"، هكذا قال عباس علوية، وهو مندوب غير ملتزم من ديربورن بولاية ميشيغان.


وقال ثائر أحمد، وهو طبيب طوارئ فلسطيني أميركي عمل مؤخرا في مستشفى ناصر في خانيونس: "لا توجد موسيقى يمكنك تشغيلها على المسرح الرئيسي خلال هذا المؤتمر من شأنها أن تجعلنا ننسى أصوات ودموع كل الأطفال الذين رأيناهم مستلقين على أرض المستشفى".

وتحدث المتحدثون في حدث يوم الثلاثاء بصراحة عن التحدي المتمثل في محاولة جعل الناس يهتمون. وقال نبيل رنا، وهو جراح أوعية دموية: "نحن ننشغل بالأرقام، ولكن كل إنسان هناك هو إنسان مثلك ومثلي". والواقع أن الأرقام مذهلة. فقد وجدت إحدى الدراسات أن واحدا من كل 10 أشخاص في غزة مات أو جُرح أو فُقد نتيجة لأفعال إسرائيل على مدى الأشهر العشرة الماضية. وبعد ستة أشهر فقط من بدء الحرب، حددت الأمم المتحدة أن 19 ألف طفل أصبحوا أيتاما، وهو رقم أعلى بكثير الآن.

ولإيصال هذه المخاطر، يضطر المدافعون في كثير من الأحيان إلى إعادة سرد صدماتهم مرارا وتكرارا. وخلال الحدث، انفجر المتحدثون في البكاء، بينما وأدار المندوبون غير الملتزمين ظهورهم للحشد ووضعوا وجوههم بين أيديهم وهم يبكون. 

وتم تمرير المناديل الورقية عدة مرات، وكان من الممكن رؤية أحد الأطباء وهو يهمس بصمت لآخر: "هل أنت بخير؟". وقد شكلت هذه المجموعة من الأطباء مجتمعا مؤقتا حول تجربتهم المشتركة في العمل في غزة، وقد سافر أحدهم، يوسف، إلى أركنساس فقط من أجل هذا الحدث، للتحدث إلى حفنة من المنافذ الصحفية التي ستستمع.

وقال يوسف: "السبب الذي يجعلنا نبكي ليس الحزن بعد الآن. بل الشعور بأننا لا نملك القدرة على حمل أقوى دولة في العالم على وقف القنابل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية غزة الولايات المتحدة الولايات المتحدة غزة حرب غزة مؤتمر الحزب الديمقراطي المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوطنی الدیمقراطی على الرغم من وقف إطلاق فی غزة

إقرأ أيضاً:

فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع

بقلم: على كمنجة

تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .

ولنا عودة

aosman@alhagigasouthsudan.com  

مقالات مشابهة

  • حزب العدل يعلن التوقيع على عدد من البروتوكولات للاستثمار في الطاقة الشمسية
  • احتفالًا باليوم العالمي للكلى.. الصحة تضيء مبانيها باللونين الأزرق والأحمر.. أطباء يوضحون آليات عمل المرض المزمن ويحذرون من تناول أدويته دون روشتة
  • الديمقراطي الكردستاني يوجه انتقاداً جديداً للمحكمة الاتحادية
  • هل سافر ابن بطوطة إلى الصين؟ باحثون يروون من جديد حكاية الرحالة المغربي
  • فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
  • ساحة السبع بحرات تحتضن فرحة أهالي إدلب خلال الاحتفال بذكرى الثورة السورية
  • قسم الغاز في معمل “سادكوب” بانياس يستأنف عمله بعد التوقف الذي نتج عن هجمات فلول النظام البائد.
  • محافظة دمشق: تدعوكم جماهير الثورة للمشاركة في استكمال فعاليات احتفال ذكرى الثورة السورية المباركة، التي ستُقام اليوم السبت عند الساعة الثامنة والنصف مساءً في ساحة الأمويين، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة نهاراً
  • لأول مرة في التاريخ.. أكثر من نصف الديمقراطيين في أمريكا يؤيدون فلسطين ضد إسرائيل
  • "فرحة لا توصف“.. متطوعون بالأحساء يروون تجربتهم في إفطار الصائمين