الحداثة والأصولية.. مَنْ سيأكل مَنْ؟
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
في عبارة موجزة أثار "بايدن" المخاوف التي يمكن أن تهدد الاستقرار الذي يتميز به الغرب عموما وأمريكا خصوصا: "إنّا نخشى ألا يتم تسليم السلطة بشكل سلميّ في الانتخابات القادمة"، فهل صدرت منه هذه الجملة في سياق الدعاية الانتخابية؟ أمّ إنّ التصرف الطائش الذي قام به أتباع "ترامب" على إثر الانتخابات الماضية يُخشى أن يتكرر فلا يلقى من حزم المؤسسات الحارسة للديمقراطية ما لقيه في المرة الأولى؟ أم إنّه يعبر عن حالة يُعاني منها المجتمع الأمريكيّ منذ نشأته، تعلو وتخبو ولكنّها لا تخمد، وهي النزاع بين الاتجاه العلمانيّ والاتجاه الديني البيوريتانيّ؟ كلُّ ذلك وارد، لكنّ التخوف من الانقسام الثقافيّ حاضر في حسّ الكبار، وهو الذي صوره مُستطلِعٌ شهيرٌ للرأي العام، وهو "وليام ماك إنترف"، في تصريح لواشنطن بوست بقوله: "عندنا قوتان ضخمتان تصطدمان، واحدة ريفية مسيحية محافظة دينيّا، والأخرى متسامحة اجتماعيّا؛ توافق على تخيير المرأة بين الحمل وعدمه، علمانية تعيش في نيو إنجلاند وعلى شاطئ المحيط الهادئ"، وهو ما أكده "باتريك بوكنان" في كتابه "موت الغرب".
الاجتياح الحداثيّ
حالة يُعاني منها المجتمع الأمريكيّ منذ نشأته، تعلو وتخبو ولكنّها لا تخمد، وهي النزاع بين الاتجاه العلمانيّ والاتجاه الديني البيوريتانيّ
جاءت نشأة الحداثة كردّةِ فعل عنيفة لهيمنة الكنيسة بفكرها المتصلّب على الحياة بكافّة نواحيها، وانطلقت تقرر الأسس الفكرية للعالم الحديث: سيادة الإنسان على الطبيعة، وتجاوز الإله، وإدارة الظهر للميتافيزيقا، والتطور كَمَسارٍ حتميّ، ونسبية الحقيقة، وغلّ يد الدين عن التدخل في الحياة بكافّة مجالاتها، يقول ألان تورين: فالحداثة تستبعد أيّ غائيّة.. تُحِلّ فكرة "العلم" محلَّ فكرة "الله"، ويواصل: "يقول أنصار الحداثة: إنّه لا المجتمع ولا التاريخ ولا الحياة الفردية تخضع لكائن أسمى يجب الإذعان له". ومضى الفكر الحداثيّ يطور نفسه ويزداد مع كل طور بعدا عن الله وانغماسا في المادية، فهذا جون ستيوارت ملْ يقرر بصراحة: "ترى النظرية التي تعتنق المنفعة، أو مبدأ "أعظم قدر من السعادة كأساس للأخلاق"، أنّ الأفعال تكون صوابا بقدر ما تساعد على زيادة السعادة، وخطأ بقدر ما تساعد على إنتاج ما هو ضد السعادة، ونحن نقصد بالسعادة اللذة وغياب الألم"!
خروج المارد من القمقم
مع أول هجرة للإنجليز إلى "أمريكا الشمالية" كان للإنجيليّين البيوريتانيين حلمٌ سعوا إلى تحقيقه؛ معتقدين أنّ هذه الأرض الجديدة هي أرض الميعاد، وعندما قامت الثورة الأمريكية ضدّ التاج البريطانيّ استمدت من فكر عصر التنوير وقودها، وحاول المتطرفون تَدْيين الدستور، وتفاوضوا مع الآباء المؤسسين ولا سيما "جفرسون"، لكنّهم لم يفلحوا، وظل هذا التيار يستعر في جوف أمريكا، فلا يكاد يخبو حتى يعود للاشتعال، وفي ثمانينات القرن المنصرم كانت صحوة المارد وخروجه من القمم، ليلفظ على السطح أمثال: جيمي سواغرت وجيري فلول وهول ليندسي.
ومن يومها والتعانق التام قائمٌ بين المشروع الصهيونيّ والمشروع الإنجيليّ الأصوليّ المتطرف، ليس فقط على المستوى الديني الدعوي وإنّما على المستوى السياسي كذلك، يقول كتاب "البعد الدينيّ في السياسة الأمريكية": "إنّ القدس عندهم هي الدمينة التي سيحكم المسيح العالم منها عند قدومه الثاني، وبدلا من العمل على تنصير الإسرائيليين فقد أجلت الحركة هذا الموضوع إلى حين اكتمال النبوءات التوراتية بقيام مملكة الألف عام السعيد.. وقد نظرت الحركة من الناحية اللاهوتية إلى احتلال القدس عام 1967م على أنه بمثابة الخطوة قبل الأخيرة لنهاية العالم".
وتقول "غريس هالسل" في "النبوءة والسياسة": "سألت البروفيسور غوردون وَالْتي عالم الاجتماع: هل من الأخلاق إعطاءُ المال لإسرائيل لإبادة الفلسطينيين؛ فأجاب: "إنّ الإنجيليين الأصوليين الذين يجمعون الأموال لتدمير المسجد يمارسون نفس العقيدة التي مارسها أجدادهم من قبل.. وكما أنّ بعض المستوطنين المسيحيين وجدوا أنه من الصواب قتل الهنود الحمر؛ فإنّ بعض المسيحيين يجدون الآن أنّه من الصواب تقديم المال إلى الصهاينة الذين يقتلون الفلسطينيين؟"، فهذا اتجاه فكريّ حركيّ ضخم في تكوينه ثقيل في تأثيره على توجهات السياسيين من كلا الحزبين الكبيرين.
حداثة وأصولية!.. كيف يجتمعان؟!
الدولة المدنية في الغرب عموما وفي أمريكا خصوصا دولة غريبة الأطوار عجيبة الأحوال، فبينما هي علمانية تفصل الدين عن السياسة وعن الحياة كلها، وحداثية لا تكترث بالميتافيزيقا ولا بما يتوارى خلفها من الغيب، إذا بالخلق يكتشفون أنّها إلى جانب ذلك تحمل في زاوية من بطنها الواسعةِ العميقةِ الكثيرةِ الأدغالِ لاهوتا أسود كالغول القادم من القرون الخوالي، ومع ذلك فهي قادرة على احتواء ذلك كله، بل واستثماره في التوسع والإمبريالية، فهي المبشرة بالديمقراطية وهي أيضا المنذرة بهرمجدون
وإذن فإنّنا أمام معضلة لا مخرج منها إلا بالصمت والانتظار؛ فالدولة المدنية في الغرب عموما وفي أمريكا خصوصا دولة غريبة الأطوار عجيبة الأحوال، فبينما هي علمانية تفصل الدين عن السياسة وعن الحياة كلها، وحداثية لا تكترث بالميتافيزيقا ولا بما يتوارى خلفها من الغيب، إذا بالخلق يكتشفون أنّها إلى جانب ذلك تحمل في زاوية من بطنها الواسعةِ العميقةِ الكثيرةِ الأدغالِ لاهوتا أسود كالغول القادم من القرون الخوالي، ومع ذلك فهي قادرة على احتواء ذلك كله، بل واستثماره في التوسع والإمبريالية، فهي المبشرة بالديمقراطية وهي أيضا المنذرة بهرمجدون!
المهم أنّها الدولة التي تحمل رسالة للعالمين أجمعين، ولا يهم أن يكون الربّ قد أخرجها لتخرج الناس من ظلمات الثيوقراطية إلى أنوار الديمقراطية، أو لتدخلهم في صفّها عنوة، فمن لم يكن معها كان ضدّها، المهم هو التعالي الرسالي. يقول: "توماس باترسون": "وأعتقد كثير من الرسميين في حكومة الولايات المتحدة أنّ رسالتهم ليست قاصرة على الحفاظ على الحضارة، بل وأيضا العمل على نشرها إلى أبعد أركان المعمورة، واستلزم هذا أن يتوفر لدى جميع الأمريكيين تقييم وتقدير عميقان للرأي القائل: إنّ مجتمعهم ليس فقط مجتمعا استثنائيّا فريدا، بل إنّ أبناء هذا المجتمع أيضا هم شعب مختار، اختاره الربّ لمهمة انجاز رسالته سبحانه وتعالى لنشر الحضارة"!
مَنْ سيأكل مَنْ؟
لقد ظهر واتضح الآن أنّ سؤال: من سيأكل من؟ لم يعد له أهميّة الآن؟ على الأقلّ بالنسبة لنا نحن المسلمين، الأهمية إنّما تكون لأمرين، الأول: يتمثل في الفرصة التي يوجدها احتدام الصراع، وفي الهامش الكبير الذي يوفره تدافع القوى؛ كيف يمكننا استثمار ذلك كلّه لنصرة قضايانا، وعلى رأسها قضية فلسطين، والثاني: يتمثل في استعادة الثقة بما تتمتع به هذه الأمة -رغم كل آلامها وآثامها- من سلامة الحقيقة الكبرى واستقامتها، وفي استمداد الأمل في تغيير كبير ووشيك؛ (واللهُ غالبٌ على أمرِه).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانقسام الحداثة امريكا العلمانية الصهيونية الانقسام الحداثة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أخصائية نفسية تحذر من نشر الحياة الخاصة على السوشيال
كتبت -داليا الظنيني:
قالت الأخصائية النفسية سهام حسن، إن التنمر الإلكتروني هو نوع من التنمر يتم عبر الإنترنت، ويشمل استغلال المتنمر لأي شيء متاح على الإنترنت لمهاجمة شخص آخر، سواء كان ذلك من خلال ملامح الشخص أو طريقته في الكلام أو حتى صوته، لافتة إلى أنه يُعد هذا النوع من التنمر خطيرًا بشكل خاص لأنه يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة التي تتيح للمتحرشين استهداف ضحاياهم في أي وقت ومن أي مكان.
وأضافت الأخصائية النفسية، خلال حوار مع الإعلامية مروة شتلة، ببرنامج "البيت"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن هذه الظاهرة تنتج في كثير من الأحيان عن إهمال من الأهل الذين يسمحون بتداول صور أو فيديوهات لأطفالهم على الإنترنت، أو من خلال منح الأطفال صلاحيات غير مناسبة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بدون أي إشراف أو حدود.
التنمر لا يتوقف فقط عند الأطفالوتابعت : "في كثير من الحالات، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم أقل من 12 سنة هم الأكثر عرضة للتنمر الإلكتروني، سواء من خلال مظهرهم الجسدي، أو طريقة كلامهم، أو حتى ملامحهم".
وأوضحت أن التنمر الإلكتروني لا يتوقف فقط عند الأطفال أو أولئك الذين يقدمون محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وفي بعض الحالات، يتم استغلال شهرة هؤلاء الأطفال لابتزازهم أو إيذاء عائلاتهم نفسيًا عبر نشر التعليقات المسيئة أو السخرية منهم.
وعن كيفية التعرف على التنمر الإلكتروني أوضحت أنه يمكن تحديده من خلال التعليقات المسيئة أو الهجومية التي تركز على أمور لا يمكن للشخص تعديلها أو تغييرها، مثل الشكل أو الصوت أو المستوى الاجتماعي، مؤكدة أن التنمر الإلكتروني يمكن أن يشمل أيضًا التنمر على الأطفال بسبب المظهر الجسدي أو لهجة الصوت، وهو ما يخلق تأثيرات سلبية كبيرة على نفسية الطفل.
وأشارت إلى أن معظم الأطفال الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني هم أولئك الذين ينشرون محتوى على الإنترنت، وبالتالي أصبح من الضروري أن يتمتع الأطفال والأهالي بوعي أكبر حول المخاطر المتعلقة بالإنترنت، وكيفية حماية الأطفال من الاستغلال والإيذاء النفسي الذي قد يتعرضون له بسبب هذه الظاهرة.
اقرأ أيضًا:
الأمور سارت في اتجاه إيجابي.. مدبولي: بعثة صندوق النقد تفهمت المطالب المصرية
استخراج قرار علاج على نفقة الدولة.. إجراءات وأوراق مطلوبة
الحكومة تغلظ عقوبة سرقة الكهرباء.. حبس سنة وغرامة تصل لمليون جنيه
تسجيل جامع بيبرس بالدرب الأحمر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية
الأخصائية النفسية سهام حسن نشر الحياة الخاصة على السوشيال تحذير من نشر الحياة الخاصة التنمر الإلكتروني
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
أخبار مصر أخصائية نفسية تحذر من نشر الحياة الخاصة على السوشيال منذ 9 دقائق قراءة المزيد أخبار مصر موعد إطلاق المرحلتين الثالثة والرابعة من التأمين الصحي الشامل منذ 21 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر "النقل": رشق القطارات بالحجارة يعرض المواطنين للخطر ويشكل عبئا على منذ 29 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر هالة أبوعلم: نحتاج تغيير الوجوه الإعلامية الحالية.. والإعلام فقد جمهوره منذ 31 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر 28 فدانًا ويضم 32 عمارة سكينة.. مواصفات مشروع إسكان الديسمي المتكامل منذ 31 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر حدث في 8 ساعات| تغليظ عقوبة سرقة الكهرباء والحكومة توافق على مشروع منذ 39 دقيقة قراءة المزيدإعلان
إعلان
أخبارأخصائية نفسية تحذر من نشر الحياة الخاصة على السوشيال
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك * إزاي تعرف نتيجة قرعة الحج من موقع وزارة الداخلية بالرقم القومي؟ الحكومة تغلظ عقوبة سرقة الكهرباء.. حبس سنة وغرامة تصل لمليون جنيه 28القاهرة - مصر
28 19 الرطوبة: 37% الرياح: شمال المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك