عربي21:
2025-02-23@20:35:07 GMT

الحداثة والأصولية.. مَنْ سيأكل مَنْ؟

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

في عبارة موجزة أثار "بايدن" المخاوف التي يمكن أن تهدد الاستقرار الذي يتميز به الغرب عموما وأمريكا خصوصا: "إنّا نخشى ألا يتم تسليم السلطة بشكل سلميّ في الانتخابات القادمة"، فهل صدرت منه هذه الجملة في سياق الدعاية الانتخابية؟ أمّ إنّ التصرف الطائش الذي قام به أتباع "ترامب" على إثر الانتخابات الماضية يُخشى أن يتكرر فلا يلقى من حزم المؤسسات الحارسة للديمقراطية ما لقيه في المرة الأولى؟ أم إنّه يعبر عن حالة يُعاني منها المجتمع الأمريكيّ منذ نشأته، تعلو وتخبو ولكنّها لا تخمد، وهي النزاع بين الاتجاه العلمانيّ والاتجاه الديني البيوريتانيّ؟ كلُّ ذلك وارد، لكنّ التخوف من الانقسام الثقافيّ حاضر في حسّ الكبار، وهو الذي صوره مُستطلِعٌ شهيرٌ للرأي العام، وهو "وليام ماك إنترف"، في تصريح لواشنطن بوست بقوله: "عندنا قوتان ضخمتان تصطدمان، واحدة ريفية مسيحية محافظة دينيّا، والأخرى متسامحة اجتماعيّا؛ توافق على تخيير المرأة بين الحمل وعدمه، علمانية تعيش في نيو إنجلاند وعلى شاطئ المحيط الهادئ"، وهو ما أكده "باتريك بوكنان" في كتابه "موت الغرب".



الاجتياح الحداثيّ
حالة يُعاني منها المجتمع الأمريكيّ منذ نشأته، تعلو وتخبو ولكنّها لا تخمد، وهي النزاع بين الاتجاه العلمانيّ والاتجاه الديني البيوريتانيّ
جاءت نشأة الحداثة كردّةِ فعل عنيفة لهيمنة الكنيسة بفكرها المتصلّب على الحياة بكافّة نواحيها، وانطلقت تقرر الأسس الفكرية للعالم الحديث: سيادة الإنسان على الطبيعة، وتجاوز الإله، وإدارة الظهر للميتافيزيقا، والتطور كَمَسارٍ حتميّ، ونسبية الحقيقة، وغلّ يد الدين عن التدخل في الحياة بكافّة مجالاتها، يقول ألان تورين: فالحداثة تستبعد أيّ غائيّة.. تُحِلّ فكرة "العلم" محلَّ فكرة "الله"، ويواصل: "يقول أنصار الحداثة: إنّه لا المجتمع ولا التاريخ ولا الحياة الفردية تخضع لكائن أسمى يجب الإذعان له". ومضى الفكر الحداثيّ يطور نفسه ويزداد مع كل طور بعدا عن الله وانغماسا في المادية، فهذا جون ستيوارت ملْ يقرر بصراحة: "ترى النظرية التي تعتنق المنفعة، أو مبدأ "أعظم قدر من السعادة كأساس للأخلاق"، أنّ الأفعال تكون صوابا بقدر ما تساعد على زيادة السعادة، وخطأ بقدر ما تساعد على إنتاج ما هو ضد السعادة، ونحن نقصد بالسعادة اللذة وغياب الألم"!

خروج المارد من القمقم

مع أول هجرة للإنجليز إلى "أمريكا الشمالية" كان للإنجيليّين البيوريتانيين حلمٌ سعوا إلى تحقيقه؛ معتقدين أنّ هذه الأرض الجديدة هي أرض الميعاد، وعندما قامت الثورة الأمريكية ضدّ التاج البريطانيّ استمدت من فكر عصر التنوير وقودها، وحاول المتطرفون تَدْيين الدستور، وتفاوضوا مع الآباء المؤسسين ولا سيما "جفرسون"، لكنّهم لم يفلحوا، وظل هذا التيار يستعر في جوف أمريكا، فلا يكاد يخبو حتى يعود للاشتعال، وفي ثمانينات القرن المنصرم كانت صحوة المارد وخروجه من القمم، ليلفظ على السطح أمثال: جيمي سواغرت وجيري فلول وهول ليندسي.

 ومن يومها والتعانق التام قائمٌ بين المشروع الصهيونيّ والمشروع الإنجيليّ الأصوليّ المتطرف، ليس فقط على المستوى الديني الدعوي وإنّما على المستوى السياسي كذلك، يقول كتاب "البعد الدينيّ في السياسة الأمريكية": "إنّ القدس عندهم هي الدمينة التي سيحكم المسيح العالم منها عند قدومه الثاني، وبدلا من العمل على تنصير الإسرائيليين فقد أجلت الحركة هذا الموضوع إلى حين اكتمال النبوءات التوراتية بقيام مملكة الألف عام السعيد.. وقد نظرت الحركة من الناحية اللاهوتية إلى احتلال القدس عام 1967م على أنه بمثابة الخطوة قبل الأخيرة لنهاية العالم".

 وتقول "غريس هالسل" في "النبوءة والسياسة": "سألت البروفيسور غوردون وَالْتي عالم الاجتماع: هل من الأخلاق إعطاءُ المال لإسرائيل لإبادة الفلسطينيين؛ فأجاب: "إنّ الإنجيليين الأصوليين الذين يجمعون الأموال لتدمير المسجد يمارسون نفس العقيدة التي مارسها أجدادهم من قبل.. وكما أنّ بعض المستوطنين المسيحيين وجدوا أنه من الصواب قتل الهنود الحمر؛ فإنّ بعض المسيحيين يجدون الآن أنّه من الصواب تقديم المال إلى الصهاينة الذين يقتلون الفلسطينيين؟"، فهذا اتجاه فكريّ حركيّ ضخم في تكوينه ثقيل في تأثيره على توجهات السياسيين من كلا الحزبين الكبيرين.

حداثة وأصولية!.. كيف يجتمعان؟!
الدولة المدنية في الغرب عموما وفي أمريكا خصوصا دولة غريبة الأطوار عجيبة الأحوال، فبينما هي علمانية تفصل الدين عن السياسة وعن الحياة كلها، وحداثية لا تكترث بالميتافيزيقا ولا بما يتوارى خلفها من الغيب، إذا بالخلق يكتشفون أنّها إلى جانب ذلك تحمل في زاوية من بطنها الواسعةِ العميقةِ الكثيرةِ الأدغالِ لاهوتا أسود كالغول القادم من القرون الخوالي، ومع ذلك فهي قادرة على احتواء ذلك كله، بل واستثماره في التوسع والإمبريالية، فهي المبشرة بالديمقراطية وهي أيضا المنذرة بهرمجدون
وإذن فإنّنا أمام معضلة لا مخرج منها إلا بالصمت والانتظار؛ فالدولة المدنية في الغرب عموما وفي أمريكا خصوصا دولة غريبة الأطوار عجيبة الأحوال، فبينما هي علمانية تفصل الدين عن السياسة وعن الحياة كلها، وحداثية لا تكترث بالميتافيزيقا ولا بما يتوارى خلفها من الغيب، إذا بالخلق يكتشفون أنّها إلى جانب ذلك تحمل في زاوية من بطنها الواسعةِ العميقةِ الكثيرةِ الأدغالِ لاهوتا أسود كالغول القادم من القرون الخوالي، ومع ذلك فهي قادرة على احتواء ذلك كله، بل واستثماره في التوسع والإمبريالية، فهي المبشرة بالديمقراطية وهي أيضا المنذرة بهرمجدون!

 المهم أنّها الدولة التي تحمل رسالة للعالمين أجمعين، ولا يهم أن يكون الربّ قد أخرجها لتخرج الناس من ظلمات الثيوقراطية إلى أنوار الديمقراطية، أو لتدخلهم في صفّها عنوة، فمن لم يكن معها كان ضدّها، المهم هو التعالي الرسالي. يقول: "توماس باترسون": "وأعتقد كثير من الرسميين في حكومة الولايات المتحدة أنّ رسالتهم ليست قاصرة على الحفاظ على الحضارة، بل وأيضا العمل على نشرها إلى أبعد أركان المعمورة، واستلزم هذا أن يتوفر لدى جميع الأمريكيين تقييم وتقدير عميقان للرأي القائل: إنّ مجتمعهم ليس فقط مجتمعا استثنائيّا فريدا، بل إنّ أبناء هذا المجتمع أيضا هم شعب مختار، اختاره الربّ لمهمة انجاز رسالته سبحانه وتعالى لنشر الحضارة"!

مَنْ سيأكل مَنْ؟

لقد ظهر واتضح الآن أنّ سؤال: من سيأكل من؟ لم يعد له أهميّة الآن؟ على الأقلّ بالنسبة لنا نحن المسلمين، الأهمية إنّما تكون لأمرين، الأول: يتمثل في الفرصة التي يوجدها احتدام الصراع، وفي الهامش الكبير الذي يوفره تدافع القوى؛ كيف يمكننا استثمار ذلك كلّه لنصرة قضايانا، وعلى رأسها قضية فلسطين، والثاني: يتمثل في استعادة الثقة بما تتمتع به هذه الأمة -رغم كل آلامها وآثامها- من سلامة الحقيقة الكبرى واستقامتها، وفي استمداد الأمل في تغيير كبير ووشيك؛ (واللهُ غالبٌ على أمرِه).

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانقسام الحداثة امريكا العلمانية الصهيونية الانقسام الحداثة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

كاتب أمريكي: ترامب يريد أن يصبح رئيسًا مدى الحياة

أجرى باتريك هيلي نائب رئيس تحرير مقالات الرأي بصحيفة نيويورك تايمز حوارا مع الكاتب الأميركي توماس فريدمان عبر قناته للبث الصوتي الرقمي (بودكاست)، تناول فيه نهج الرئيس دونالد ترامب غير المتوقع في معالجة قضايا السياسة الخارجية.

ونشرت الصحيفة نصا مكتوبا للحوار المطول ضمن سلسلة أسبوعية من برنامج “ذا أوبنيونز” (الآراء)، تتناول كيفية استخدام ترامب السلطة وسعيه لتغيير الولايات المتحدة في أول 100 يوم منذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض.

وبدا فريدمان، في المقابلة، غير متفائل من الطريقة التي ينتهجها الرئيس الأميركي في تعامله مع قضايا مثل الحرب في أوكرانيا، وخطته لتهجير الفلسطينيين، ووصفه بأنه شخص يسعى إلى أن يصبح رئيسا مدى الحياة، زاعما أنه يرغب في تقليد زعماء مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

صراع الأقوياء
وعلّق مقدم البرنامج باتريك هيلي على هذا النقطة، زاعما أن ترامب ينظر إلى هؤلاء على أنهم الرجال الأقوياء في عالم يغص بالمجتمعات الضعيفة والأشخاص الضعفاء، مضيفا أنه يرى العالم في الأساس على أنه متاح للاستحواذ عليه، وتقاسمه بين الأقوياء.

واعتبر فريدمان، من جانبه، أن ما ذهب إليه محاوره بأنه وصف عادل للطريقة التي ينظر بها الرئيس الأميركي إلى العالم الذي ينظر إليه على أنه “قسم للبيع بالتجزئة في برج ترامب”.

وقال إننا سنفتقد تلك الفترة الطويلة نسبيا التي ظل العالم ينعم فيها بالسلام والازدهار منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وساد فيها الاستقرار رغم أنها تخللتها حروب، ولكنها ليست كتلك التي تقلب حياة الجميع رأسا على عقب.

وقال إنه ضاق ذرعا إلى حد ما بالسياسة في بلاده، وشن هجوما عنيفا على أداء مجلسي الشيوخ والنواب (الكونغرس) اللذين يسيطر عليهما الجمهوريون.

قضية فلسطين
وعن خطة ترامب بشأن قطاع غزة، تساءل كاتب العمود الشهير في صحيفة نيويورك تايمز عن الأسباب التي تجعل الناس لا يزالون يتحدثون عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعن لماذا لا يزال هناك لاجئون فلسطينيون بعد مرور 75 عاما على تأسيس إسرائيل؟

وتساءل أيضا عن أسلوب ترامب في التعامل مع الحرب الروسية في أوكرانيا. واستطرد قائلا: إن الرئيس الأميركي رجل يثير القلق، ومبعث ذلك أنه يجنح إلى تصديق الرئيس الروسي بوتين في كل ما يقوله.

ووصف ما قام به بوتين في أوكرانيا بأنه كان “خطوة غبية”، فقد ظن أنه سيدخل ويخرج من كييف في غضون أسابيع قليلة وينصب حكومة جديدة. لقد فهم الأمر خطأً تماما ولم يكن يتعين عليه أن يخطئ بذلك القدر، ومع ذلك فقد أخطأ لأنه لم يكن على دراية وقد ضُلل بمعلومات خاطئة.

لكن لماذا يلقي له ترامب طوق النجاة؟ وما الذي يخطط له إذن؟ يجيب فريدمان عن السؤالين: إن ترامب يعمل على 3 مستويات مختلفة، أولها عدم الإلمام بتفاصيل المواضيع المطروحة.

وثانيا: إن الرئيس الأميركي يشعر بتقارب ثقافي معين مع بوتين لا يشعر به تأكيدا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. أما على المستوى الجيو اقتصادي، فإن فريدمان يعتقد أن إستراتيجية ترامب في أوكرانيا تتمحور حول انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد عامين من الآن.

الجزيرة نت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • فيلم الرعب الكوميدي - The Monkey لعبة ملعونة تحول الحياة إلى كابوس!
  • وزير الري: الاحتلال جفف منابع الحياة في قطاع غزة
  • نينوى تتسلم رفاة 53 مغدوراً على يد داعش ووعود حكومية بإعادة الحياة
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • البدوي الذي يشتم رائحة الثلج ..!
  • كاتب أمريكي: ترامب يريد أن يصبح رئيسًا مدى الحياة
  • الحياة تدب من جديد في ود مدني والنازحون يعودون
  • أوفر دوز.. دفن جثة جامع خردة فارق الحياة بأكتوبر
  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • توماس فريدمان: ترامب يريد أن يكون رئيسا مدى الحياة