تونس.. داء الكلب يستنفر الحكومة والإعلام
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
في مطلع الأسبوع الجاري ترأس كمال المدوري، رئيس الحكومة الجديد في تونس، مجلسا وزاريا مصغرا، ضم وزراء الداخلية والصحة والفلاحة والبيئة، بجدول أعمال يتضمن نقطة وحيدة هي محاصرة تفشي داء الكلب( السعار) في البلاد.
امتدت الإجراءات التي اتخذها المجلس من تفعيل خلية الأزمة بوزارة الصحة، وتعزيز محاور البرنامج الوطني التونسي لمقاومة داء الكلب ومراجعته وتحيينه في ضوء المستجدات، وتقديم موعد انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد داء الكلب إلى وضع أرقام خضراء للإرشاد والتوجيه.
وفي الفترة الأخيرة وجدت الأخبار المتعلقة بالوضع الصحي المرتبط بداء الكلب، وبشكل متواتر، طريقها إلى مختلف وسائل الإعلام التونسية بالرغم من ازدحام الاجندة الإعلامية الوطنية بالأخبار السياسية وخاصة منها تلك المرتبطة بمسار الانتخابات الرئاسية، ومستجدات سوق الانتقالات الصيفي للاعبي الرابطة المحترفة لكرة القدم، وأخبار المهرجات الصيفية التي تغطي أغلب المدن التونسية.
كما تضج وسائل الإعلام المحلية خلال الأسبوع الجاري بأنباء عن حملات تلقيح ضد داء الكلب وأخرى لقنص الحيوانات الضالة في شوارع المدن، وتقارير حول الداء والوضع الصحي المرتبط به فيما تبث وسائل الإعلام السمعية البصرية بانتظام وصلات تحسيسية حول سبل الوقاية وبروتوكول التعاطي مع أي إصابة محتملة.
فقد بلغ عدد حالات الوفاة بداء الكلب في تونس 9 حالات منذ بداية السنة الجارية فيما تسجل إصابات حيوانية جديدة في عدد من مناطق البلاد.
وفي شهر غشت الجاري نشرت وسائل إعلام محلية وعلى نطاق واسع نبأ وفاة امرأة مسنة وطفل بداء الكلب في سيدي بوزيد (وسط البلاد) حيث سجل ما مجموعه 889 حالة عضة من كلب في النصف الأول من السنة الجارية فقط.
وفيما يتحدث مسؤولون محليون في مختلف الولايات والبلديات عن تنظيم حملات قنص للكلاب الضالة باعتبارها عاملا ناقلا للداء، رأت رئيسة جمعية حماية الحيوانات نوال لعكش في تصريحات صحافية أن عمليات القنص هذه “ليست الحل الناجع لمكافحة انتشار داء الكلب” داعية إلى إيجاد حلول “فعالة تحمي المواطن والحيوانات” .
أما المسؤولة عن مختبر داء الكلب بمعهد باستور بتونس، مريم حندوس فحددت في تصريحات صحافية الحل الأنجع للقضاء على انتشار داء الكلب في “تلقيح الحيوانات المملوكة وعدم إلقائها في الشارع فضلا عن ضرورة رفع البلديات للفضلات بطريقة منتظمة ودورية حتى لا تكون فضاء ملائما لتجمع الحيوانات السائبة(الضالة) وانتقال العدوى”.
وفي انتظار وضع إطار قانوني يتعلق ب”تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب” كما أكد على ذلك المجلس الوزاري المصغر ، شدد بلاغ مشترك لوزارات الصحة والداخلية والفلاحة صدر في منتصف غشت الجاري على إجبارية تلقيح الكلاب والقطط .
وذكر البيان بأنه يتم سنويا تأمين حملة وطنية لتلقيح الكلاب والقطط مجانا من قبل الأطباء البيطريين العموميين بكامل البلاد حيث يوجد 190 مركز تلقيح قار ومجاني.
يذكر أن داء الكلب داء فيروسي ينتقل إلى البشر من لعاب حيوانات مصابة بالعدوى. وحسب منظمة الصحة العالمية فإن 99 بالمائة من حالات داء الكلب البشري تنجم عن عضات الكلاب والخدوش التي تحدثها.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: داء الکلب
إقرأ أيضاً:
هل يمكن للأقليات الأيديولوجية أن تكون قاطرة لأي مشروع مواطني؟
بعد توحّد أغلب النخب التونسية خلف المقاومة الفلسطينية وطوفان الأقصى، جاء انتصار الثورة السورية بقاطرتها الإسلامية-السُّنية وسقوط النظام البعثي العلوي ليعيدا الانقسام إلى مربعه الهوياتي الأول. فسوريا الممانعة والمقاومة والقومية والتقدمية كما تصوّرها سرديات "القوى الحداثية" في تونس، هي ذاتها -عند أغلب الإسلاميين والمحافظين- سوريا الطائفية العلوية التي أثخنت في الأغلبية السُّنية قتلا وتهجيرا على أساس الهوية، بدعم شيعي عابر للحدود، بل بدعم من "محور التطبيع" الذي يدعي "محورُ المقاومة" معاداته.
ولأنّ ما يحدد الموقف من الصراعات الإقليمية هو منطق الصراعات في الداخل التونسي من جهة تحالفاته ورهاناته، ولأن المتحكم الأساسي في هندسة المشهد العام التونسي -سلطة ومعارضةً- هو الفاعل "الديمقراطي" أو "الأقليات الأيديولوجية العلمانية" (بمختلف انتماءاتها الشيوعية والقومية والليبرالية)، فإننا سنحاول في هذا المقال أن نجيب عن السؤال التالي: لماذا تنتصر "الأقليات الأيديولوجية" في تونس لكل الأقليات في الداخل والخارج بصرف النظر عن مشروعها وشرعيتها؟ ولماذا تصرّ تلك "القوى الديمقراطية" دائما على وصم الأغلبية -ومن يمثلها- بالتطرف والإرهاب والرجعية والعمالة وغير ذلك من مفردات "القتل الرمزي" الممهّد أو المبرر للقتل المادي؟
بمنطق التناقض الرئيس والتناقض الثانوي، فإن قدر "الأقليات الأيديولوجية" هو أن تكون جزءا من بنية الاستبداد أو هامشا من هوامشها المدجنة أو العاجزة عن التغيير خارج استراتيجيات منظومة الاستعمار الداخلي. ولكنّ الأخطر من ذلك هو أن يتحول الذين يدعون تمثيل الأغلبية والدفاع عن الهوية الجماعية -أي الإسلاميون الذين ارتضوا العمل القانوني وطبّعوا مع الفلسفة السياسية للدولة الحديثة- إلى جسم وظيفي لا يختلف دوره عن دور الأقليات الأيديولوجية العلمانية
لفهم البنية العميقة لوعي "الأقليات الأيديولوجية" التي تسمى مجازا "عائلة ديمقراطية" أو نخبا وطنية وحداثية، قد يكون علينا أن نعود إلى لحظة تأسيس الدولة-الأمة. فالنخب التي أشرفت على مشروع بناء الدولة الوطنية هي بالأساس أقليات جهوية (ساحلية وبلدية) وأيديولوجية (فرنكوفِيليّة، أي محبّة لفرنسا بل خاضعة لها ثقافيا واقتصاديا وسياسيا). وقد لا نحتاج هنا إلى أكثر من الإحالة إلى المهندس الصغير الصالحي وكتابه المرجعي "الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة: منظومة التهميش في تونس". ففي هذا الكتاب ما يغني عن بسط القول في الطابع الجهوي-الريعي-الزبوني لمنظومة الاستعمار الداخلي، تلك المنظومة التي جعلت من "الوطنية" و"التحديث" و"القانون" مجرد استعارات سلطوية ليس لعموم المواطنين منها إلا فتنة المجاز ومذاق العلقم.
لقد تأسست الدولة-الأمة على نواة جهوية-أيديولوجية تشابكت فيها "البورقيبية" مع اللائكية ومبادئ التنوير وقيم الجمهورية الفرنسية، لكن بعد "تَونسة" ذلك كله ليكون على مقاس ثالوث الزعيم-الحزب-الوطن. وبصرف النظر عما أثارته علاقة "الزعيم بورقيبة" بالماسونية وباللوبي الصهيوني العالمي من سجالات، فمن المؤكد أن بورقيبة لم يكن ينظر إلى القضية الفلسطينية نظرة الإسلاميين ولا القوميين ولا الشيوعيين، بل كان يتعامل معها بخطاب براغماتي. ومثل كل خطاب براغماتي، فإن مواقف المرحوم بورقيبة كانت حمّالة أوجه في التأويل بين التغني بحكمته بل قدراته الاستشرافية، وبين اعتباره مجرد أداة لتنفيذ مخططات الغرب كما حصل في موقفه من قرار التقسيم الأممي عند زيارته لأريحا سنة 1965، وموقفه من ترحيل القيادات الفلسطينية إلى تونس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان 1982، وكذلك شبهات تورط النظام التونسي في قصف الكيان لمنطقة حمام الشط سنة 1985.
إذا كانت البورقيبية قد بنت موقفها من القضية الفلسطينية على رؤية براغماتية استبقت "مبادرة السلام العربية" المتبنّية لحل الدولتين منذ قمة بيروت سنة 1982، فإن أصحاب السرديات الكبرى -في العائلات اليسارية والقومية والإسلامية- قد اعتبروا هذا الموقف خيانة للقضية الفلسطينية، وجعلوه أحد محاور الاشتباك مع النظام في لحظتيه الدستورية والتجمعية، وذلك بالتوازي مع صراعاتهم البينية ومزايداتهم على بعضهم البعض. ولمّا كان نظام المخلوع يتجه نحو "التطبيع"، فإنه قد وفّر للإسلاميين ولبعض القوى الثورية مناسبة لتجذير التناقض معه داخليا وخارجيا، ولكنه وفّر للعديد من القوى اليسارية والقومية المرتهنة لمنطق التناقض الرئيس والتناقض الثانوي فرصةً للمزايدة على السلطة وإظهار تمايزها عنها دون دفع كلفة ذلك سياسيا أو أمنيا.
مهما كانت درجة التناقض بين مواقف المعارضة الديكورية وأغلب مكونات المجتمع المدني والنقابات وبين النظام/الحزب الحاكم قبل الثورة، فإن انتماءهم المتخيل إلى "العائلة الديمقراطية" -أو بالأحرى انتماءهم إلى سرديات أقلوية ووظيفية من جهة العلاقة بمنظومة الاستعمار الداخلي ورعاتها الأجانب- قد دفعهم دائما إلى تذويب التناقضات وتجاوزها عندما يتعلق الأمر بالموقف من "النمط المجتمعي" ومن "الإسلاميين"، وما يستوجبه هذان الملفان من مقاربات أمنية-قضائية في الداخل، وتحالفات إقليمية ودولية في الخارج. فما يسمى بـ"النمط المجتمعي التونسي" ليس في الحقيقة إلا تجسيدا لخيارات "أقليات أيديولوجية" تم فرضها بمنطق الوصاية والإكراه بعيدا عن الإرادة الشعبية لعموم المواطنين، أما "الإسلاميون" فإنهم لا يهددون فقط تلك الخيارات الفوقية للسلطة وهندستها الاجتماعية، بل هم يهددون بفقدان الأقليات الأيديولوجية لعلة وجودهم ذاتها.
عندما تحدث بول نيزان عن "كلاب الحراسة الأيديولوجية" (الفلاسفة والمثقفين) وتحدث سيرج حليمي عن "كلاب الحراسة الجدد" (الإعلاميين والمحللين والخبراء)، فإنهما كانا يشيران إلى أولئك الذين "يدّعون المصداقية والموضوعية والاستقلالية والحياد، في حين أنهم ليسوا إلا حراسا للأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة"، وهو ما أكّده الباحث يونس لبان في مقاله المنشور على مدونات الجزيرة والمُعنوَن بـ"الكلاب الجدد للحراسة: إعلاميون مسخّرون لقمع الشعوب".
بمنطق التناقض الرئيس والتناقض الثانوي، فإن قدر "الأقليات الأيديولوجية" هو أن تكون جزءا من بنية الاستبداد أو هامشا من هوامشها المدجنة أو العاجزة عن التغيير خارج استراتيجيات منظومة الاستعمار الداخلي. ولكنّ الأخطر من ذلك هو أن يتحول الذين يدعون تمثيل الأغلبية والدفاع عن الهوية الجماعية -أي الإسلاميون الذين ارتضوا العمل القانوني وطبّعوا مع الفلسفة السياسية للدولة الحديثة- إلى جسم وظيفي لا يختلف دوره عن دور الأقليات الأيديولوجية العلمانية. وهو ما أكده الربيع العربي في بعض مساراته المجهضة رغم كل التنازلات والتسويات مع الدولة العميقة (كما هو شأن تونس ومصر).
لا شك عندنا في أن ما يحدد مواقف "الأقليات الأيديولوجية" من الشأن التونسي هو خدمة منظومة الاستعمار الداخلي وواجهتها السياسية الحالية، لكن مع محاولة التمايز عن السلطة "صوريا" لتضمن مكانا لها في خدمة النواة الصلبة للحكم مهما كانت مخرجات الأزمة السياسية الحالية
لقد جاءت المسألة السورية ومن قبلها الانقلاب المصري -وما بينهما إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 في تونس- لتؤكد أن بوصلة أغلب مكونات "العائلة الديمقراطية" في تونس وفي غيرها ليست هي "القدس" (كما يدّعون في المواقف الخارجية المدافعة عن "محور الممانعة" والمرتهنة لمحور "التطبيع")، ولا هي "التحرير الوطني" (كما يدعون في التأسيس للموقف المساند للنظام التونسي الحالي)، بل إن البوصلة الحقيقية لهم جميعا هي "منظومة الاستعمار الداخلي" المتحالفة استراتيجيا مع سلطة "الأقليات الأيديولوجية" والمدافعة عن الأقليات الأجنبية، سواء أكانت طائفية أم جهوية أم أيديولوجية. فالأقليات الأيديولوجية تلتقي مع الأنظمة الاستبدادية -بما فيها تلك المدافعة عن التطبيع والمحاربة للثورات العربية- في رفض الديمقراطية التي ستحمل الإسلاميين إلى السلطة، وكذلك في تسفيه أي مشروع مواطني هدفه التحرر الوطني وبيناء دول حقيقية تتجاوز مستوى "الكيانات الوظيفية" في مرحلة الاستعمار غير المباشر. ولعل ذلك يفسر التناقضات الداخلية في السرديات "الديمقراطية" من جهة علاقتها بـ"المقاومة" خطابيا، وعلاقتها بمحور التطبيع واقعيا
إن مهاجمة "الأقليات الأيديولوجية" التونسية (أو ما يُسمى نخبا حداثية وديمقراطية) للثورة السورية وللنظام الجديد في دمشق، لا يعود إلى استحالة بناء مشروع ديمقراطي ومشترك مواطني في سوريا بقيادة الإسلاميين، بل هو راجع إلى رفض هؤلاء تحقق ذلك المشروع على أيدي الإسلاميين أو على أيدي ممثّلي الأغلبية السنية. فهؤلاء لا مشكلة لهم مع أي نظام ذي شرعية دينية ما دام يعادي الإسلام السياسي السني، ولا يجد أغلب "الديمقراطيين" و"الحداثيين" في تونس أي حرج في التحالف مع السعودية الوهابية ومع إيران الإمامية الإثني عشرية، بل لا يجدون أي حرج في الدفاع عن المقاومة الإسلامية بقيادة حماس "الإخوانية"؛ لكن بشرط أن تظل سرديتُها "مُعوّمة" في سردية أكبر هي سردية محور المقاومة ونواته الشيعية، وبشرط أن تُفصل المقاومة "الإخوانية" في فلسطين عن حاضنتها الشعبية داخل الأغلبية السُّنية كي لا يستفيد منها "الإسلام السياسي" في تونس.
فالشأن التونسي هو القضية الأساسية أو التوليدية لسائر المواقف الخارجية التي هي مواقف مشتقة بالضرورة منه. ولا شك عندنا في أن ما يحدد مواقف "الأقليات الأيديولوجية" من الشأن التونسي هو خدمة منظومة الاستعمار الداخلي وواجهتها السياسية الحالية، لكن مع محاولة التمايز عن السلطة "صوريا" لتضمن مكانا لها في خدمة النواة الصلبة للحكم مهما كانت مخرجات الأزمة السياسية الحالية.
x.com/adel_arabi21