عالقون في البلاد العالقة … عالقون في الأمنيات العالقة
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
الوليد محمد الأمين
في المطارات، في صالات المغادرة وفي صالات الوصول، في صالات الترانزيت وفي محطات السفر البرية بين المدن وبين البلاد، تلمح السودانيين في رحلة تيههم التي لا يعلمون متى تنتهي. من سوء طالعهم أنها لن تنتهي، يتيهون في الأرض ألف عام أو يزيد، ولكنهم لا يعلمون. عالقون بين خطوط الطيران، عالقون بين بصات السفر، عالقون في المداخل والمخارج.
في داخل المدن في الخليج يتبادلون قصص التوطين وخساسة الشعوب العديدة وحكايات من ظفروا بالجوازات في الخليج، والحسرة على جيل الآباء الذين رفض بعضهم جوازات مدن الملح في ذلك الوقت المبكر من عمر البلاد. خرجوا من البلاد ولكنها لم تخرج منهم فصاروا عالقين في البلاد العالقة. في حكاياتهم الفخر بالأبناء الذين يدرسون في ليدز وفي وست منستر وفي قبرص وفي كوالالمبور وفي كانبرا وضواحي جورجيا. أولئك الذين هربوا من محرقة البلاد مؤخرا أو قبل سنوات، أما البقية من العالقين من الذين لا جوازات أجنبية لهم ولا سعوا لإعادة التوطين وما نظرت إليهم قرعة الأمريكان فليس لهم غير الحسرة والنواح. ربما احتملتهم السنابك في بحر المتوسط أو السيارات في درب الأربعين أو شارع الكفرة وما لم يخطر ببال مدار الجدي وخط الاستواء، فإن نجوا من كل ذلك انضموا لجحافل العالقين. في مدن البلاد التي تموت من البرد حيتانها يجلسون في محلات نقل البضائع وفي سيارات الأوبر، يكتبون على وسائل التواصل بلغة لا يفهمها أبناؤهم وبناتهم، لا يرون انقطاع سرتهم الأبدي عن بلاد السجم والرماد وأنهم صاروا غرباء في بلاد غريبة، يصرون على سماع حمد الريح وأحمد المصطفى وحنان بلوبلو والمحدثات من القونات، يحذروننا نحن العالقون في البلاد العالقة من مكر الكيزان وهم قد ظفروا بالجوازات الأجنبية. يعيشون على ذاكرة خربة خدعوا بها سلطات اللجوء ويصرخون في صفحات الميديا رافعين شعارات دولة المدينة مرة وحق الطبقة العاملة مرة أخرى، وفي طرف اللثة يصلحون من وضع التمباك.
عالقون في الأمنيات العالقة، في الكذبات الأممية الكبيرة من اللاءات الثلاثة وسلة الغذاء والأوهام النبيلة. يحلفون باسم شيخ الطريقة مكتنز أراضيهم وباسم الإمام خادعهم باسم الجدود الكذبة، وأنا ما بايعت بعد محمد رجلا (1). ولكنهم باعونا، كلهم باعونا، بحفنة من الأموال أو حفنة من الأهوال. ويا غافر السودان/ كُتار الغِلطو فينا/ شي تار ودم/ وشي سوء فهم/ وشي لأجلك عفينا (2)!
عالقون في رائحة الشوارع التي لن تعود، في نسيم الصباح عند باب الحنين. في الكتاحة والهبوب وفي مطر الفواصل والشاي باللبن/ براده لابس تاج/ ويلفت انتباهي / هل سكر زيادة/ أم سكر خفيف؟ (3) ينتظرون فجرا لن يجيء، لا يصدقون أنه لن يجيء، نحن الذين تغنينا في عصر من الزمان بتلك النبوءات كنا نظن ذلك ضربا من الشعر ومن الغناء:
مستني ريد / ما أظن يجي/ ويا الله هوي/ تعب اللسان من الشكية / وفي الحكي/ مسجون براي/ محشور براي/ وسط الشوارع وفي المدن (4)
ينتظرون نصرا لن يتحقق، وبلادا لن تكون ولن تتكون، وحنينا لن ينطفي. لقد جاءت فرصتنا التاريخية عدة مرات وانقضت. تلك أشياء لن تعود، والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء (5)، والغافل من ظن العالم يأبه بنا أو بأوهامنا البليدة. إنك لا تعبر النهر مرتين، وطعم القبلة الأولى لن يتكرر، وكذلك يحدث للبلاد. إنما نحن عالقون، عالقون ولا خيارات أمامنا. نخادع أنفسنا بأوهام البدايات الجديدة في بلاد جديدة بانتظار عودة البلاد وعودتنا، والحق أنه لا البلاد ستعود ولا نحن عائدون. والحقيقة أننا منذ زمان خارج هذا العالم فليس من مدخل لنا إليه بعد الآن. ربما بعد زمان سوف نصبح نسيا منسيا، سوف يحدث ذلك لا محالة، قريبا أو بعد زمن قد يطول. سينتهي الأمر بالبلاد إلى أرض منسية وشعوب تتقاتل بينها ولا يتذكرها أحد. مرة مرة سيتحدث واحدهم عن نجاحه في امتحان كذا وكذا وواحدهم عن افتتاحه لمطعم الكمونية والقراصة، وواحد منهم عن سفرته ودخوله لبلاد واق الواق، وهكذا وهكذا من نجاحات العالقين. مرة مرة سيذكروننا في الأخبار، سيقولون لك، أو ربما يكتفون بالكتابة على شريط الأخبار المتحرك، إن انفجارا قد وقع في ضاحية الجريف وإن كميناً قد نصب لجماعة النمر الأزرق عند تخوم الدويم، وسوف تصدر الكنداكات بيانا من محل إقامتهن بمدينة بازل في سويسرا، ويكتب لص المياه من مستقره بأميركا عن فساد لص التراب. إنما العالم مشغول بأشيائه وبالحكايات التي تهم الناس فيه. بإعلانات مقويات الجنس وبنكهة الكوكاكولا الجديدة وبحكايات المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات ولاعبي الكرة. برونالدو وجورجينا، وبالأمين جمال والحبيبة التي تركته، بأنجلينا جولي ونيكول كدمان وكرستينا اغيليرا، وبخطرفات إيلون ماسك ومنجزات الذكاء الاصطناعي ودخول البشرية عصرها الجديد. بينما إن أنت نظرت للعالقين في البلاد العالقة وجدتهم في ذات حالهم منذ سنوات. سنوات؟ منذ قرن ربما. عالقون في حكايات المغنية التي تقطن في الخليج ويحج إليها التجار لتسهيل دخول بضائعهم عبر ميناء بورتسودان لعلاقتها بالحاكمين القدماء الجدد، عالقون في بذاءة القونات والسياسيين ومثليي الجنس والعساكر اللصوص الفسدة. عالقون في الأمنيات العالقة: عالجني يا عابدين شرف/ سامحني يا استاد الهلال (6)، عالقون في الحنين البليد: ويا بلاد النيل/ يا بلاد الخير/لابد يوم باكر /يبقى أخير (7).
عالقون في الأسى والنحيب. عالقون في الذكريات، والذكريات في كل ليل/ تفتح حنينك بيت بكا (8).
لقد مضت البلاد إلى حتفها الأخير، تآمر عليها الجنجويد ومن باع من العساكر وساسة الغفلة والارتزاق، مضت البلاد ومضت الأناشيد التي صدقناها نحن المساكين أولاد الناس المساكين فجلسنا بانتظار بزوغ فجرها حتى وقعت واقعتنا، الأناشيد التي صاغها مساكين آخرون مثلنا، من متشكرين ومقدرين/يا معلمات يا معلمين (9) إلى أوعك تقطع صفقة شجرة/عشان ما يجينا جفاف وتصحر (10)، مضت البلاد إلى حتفها الأخير ولا تزال تمضي، البلاد التي خدعتنا بالشعارات من حرية سلام وعدالة ومن يا عنصري ومغرور ، إلى الضوء في آخر النفق ووعد السنابل التي استحالت جرادا قضى علينا نحن الذين صدقنا وعد النوار أول ما صدقنا. واعفيني من تلك البلاد الزهللة: ﺣﻨﻴﺖ إلى السودان/ ﻣﺴﻘﻂ ﻏﺮﺑﺘﻲ/ ﻭﺧﺎﺭﺏ ﻃﺒﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯ/ ﺃﻋﻔﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺎﺩﻱ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﺬﻫﻠﻠﻪ/ اﻋﻔﻲ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺪﻯ/ ﻭﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺘﺤﺘﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺧﻤﺞ ﺍﻟﻨﺴﻴﻢ (2).
عالقون في البلاد العالقة، عالقون في الأمنيات العالقة، عالقون في الحكايات العاطلة، وآخر دعوانا أن على البلاد الفاتحة: الفاااااتحة.
1- عبد القادر الكتيابي
2- عاطف خيري
3- محجوب شريف، تجميعة من قصيدتين
4- هاشم صديق
5- الفيتوري
6- محمد محمد خير
7- عماد الدين إبراهيم
8- أزهري محمد علي
9- التجاني حاج موسى
10- عبد الحميد الشبلي
wmelamin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من هم المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا رفضا لسياسة بايدن في غزة؟
سرايا - دفع دعم الرئيس جو بايدن لإسرائيل خلال حربها المستمرة منذ أكثر من 14 شهرا في غزة أكثر من عشرة مسؤولين في الإدارة الأميركية إلى الاستقالة، واتهمه بعضهم بغض الطرف عن الفظائع الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني.
وتنفي إدارة بايدن ذلك مستشهدة بانتقادها لسقوط شهداء مدنيين في غزة، وجهودها لتعزيز المساعدات الإنسانية للقطاع حيث يقول مسؤولون بقطاع الصحة هناك، إن نحو 45 ألف شخص استشهدوا في الهجوم الإسرائيلي، فضلا عن انتشار الجوع على نطاق واسع.
وشنت إسرائيل هجومها على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، ولم تعلق الحكومة الأميركية على كل استقالة على حدة، لكنها قالت، إنها ترحب بالمعارضة. وفيما يلي المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا:
في تموز، ترك مايك كيسي منصب نائب المستشار السياسي لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون غزة، وكشف عن أسباب ذلك في مقابلة مع صحيفة الجارديان في كانون الأول الحالي. وقال للصحيفة: "سئمت جدا من الكتابة عن الأطفال القتلى... تعين علي أن أثبت لواشنطن باستمرار أن هؤلاء الأطفال ماتوا بالفعل، ثم أرى أن لا شيء يحدث".
تركت مريم حسنين التي كانت تعمل مساعدة خاصة بوزارة الداخلية الأميركية - المختصة بالموارد الطبيعية والإرث الثقافي- منصبها في تموز.
وانتقدت سياسة بايدن الخارجية ووصفتها بأنها "تسمح بالإبادة الجماعية" وتجرد العرب والمسلمين من إنسانيتهم.
وتنفي إسرائيل مزاعم الإبادة الجماعية التي وجهتها لها جنوب إفريقيا في قضية رفعتها أمام محكمة العدل الدولية والاتهامات المماثلة التي توجهها لها جماعات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
في منتصف عام 2024، أنهى محمد أبو هاشم، وهو أميركي من أصل فلسطيني، مسيرة مهنية استمرت 22 عاما في سلاح الجو الأميركي.
وقال، إنه فقد أقارب له في غزة في الحرب، بما في ذلك عمته التي استشهدت في غارة جوية إسرائيلية في تشرين الأول 2023.
قال رايلي ليفرمور، الذي كان مهندسا بسلاح الجو الأميركي، في منتصف حزيران الماضي، إنه سيترك منصبه. وأضاف لموقع إنترسبت الإخباري: "لا أريد أن أعمل على شيء يمكن أن يتغير (الهدف منه) ويستخدم لقتل الأبرياء".
غادرت ستايسي جيلبرت التي عملت في مكتب السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية، منصبها في أواخر شهر أيار الماضي. وقالت إنها استقالت بسبب تقرير إلى الكونغرس قالت فيه الإدارة كذبا، إن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية عن غزة.
استقال ألكسندر سميث، وهو متعاقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في أواخر أيار الماضي، بدعوى الرقابة بعد أن ألغت الوكالة نشر عرض له عن وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين. وقالت الوكالة، إن العرض لم يخضع للمراجعة والموافقة المناسبة.
في أيار، أصبحت ليلي غرينبيرغ كول أول شخصية سياسية يهودية معينة تستقيل، بعد أن عملت مساعدة خاصة لكبير موظفي وزارة الداخلية الأميركية. وكتبت في صحيفة الجارديان: "باعتباري يهودية، لا أستطيع أن أؤيد كارثة غزة".
تركت آنا ديل كاستيلو، نائبة مدير مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، منصبها في نيسان وأصبحت أول مسؤولة معروفة في البيت الأبيض تترك الإدارة؛ بسبب السياسة تجاه غزة.
غادرت هالة راريت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية باللغة العربية، منصبها في نيسان؛ احتجاجا على سياسة الولايات المتحدة في غزة، حسبما كتبت على صفحتها على موقع لينكدإن.
استقالت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية في أواخر آذار، وكتبت في مقال نشرته شبكة "سي.إن.إن" أنها لا تستطيع خدمة حكومة: "تسمح بمثل هذه الفظائع".
استقال طارق حبش، وهو أميركي من أصل فلسطيني، من منصبه كمساعد خاص في مكتب التخطيط التابع لوزارة التعليم في كانون الثاني. وقال، إن إدارة بايدن "تتعامى" عن الفظائع في غزة.
استقال هاريسون مان، الضابط برتبة ميجر في الجيش الأميركي والمسؤول بوكالة مخابرات الدفاع، في تشرين الثاني؛ بسبب السياسة في غزة، وأعلن أسباب استقالته في أيار.
غادر جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية، منصبه في تشرين الأول في أول استقالة معلنة، مشيرا إلى ما وصفه "بالدعم الأعمى" من واشنطن لإسرائيل.
رويترز
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1069
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 20-12-2024 09:06 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...