بثينة تروس
اَفة حكم الإسلاميين ان الذين خارج تمكينهم، لا يعبئون بحياتهم او مماتهم! فحين تعلقت افئدة السودانيين بمحادثات جنيف أملاً في اتفاق يحقن الدماء ويحفظ أرواحهم، ويمدهم بالمساعدات الإنسانية من المواد الغذائية والعلاج، نشط سماسرة حرب أبريل ومستثمرو الازمات في تعويق المحادثات، وعلت موجة التهديد للبرهان في امتداد لظاهرة قادة الجيش الذين يهابون الفلول، سماسرة الموت، فهم يجلبون لهم أبناء المساكين لساحات الفداء، في الوقت الذي أمنوا لأبنائهم في الحركة الإسلامية العيش الاَمن واستمرار الحياة خارج البلاد بعيدا عن (البل) و(الجغم)! فشهدنا اثناء تلك المباحثات تباري طرفي الحرب في المزيد من إراقة دماء للمواطنين، كل فريق يعلن انه بصدد دك مناطق تواجد حواضن الطرف الآخر، والمحصلة البائنة أن الطرفين يزهقان أرواح المدنيين بدم بارد.
الشاهد قط لم تكن الأوضاع الإنسانية والكوارث شغل شاغل للحركة الإسلامية في دست الحكم، فلقد ظل المواطن يدفع فاتورة سوء سياساتهم، وتحمل كلفتها الباهظة، وجبلت الحكومة علي تطفيف الموت الجماعي بسبب حمي الضنك والكوليرا في زمان الامطار والفيضانات، ولم يحدث قط ان أعلنت عن الكارثة الصحية للمواطنين، بل يزعم اعلامها المضلل انها مجرد (اسهالات مائية) ولو مات جميع من بتلك المناطق المنكوبة. اما ما كان يحدث من مجازر الموت والاغتصابات في مناطق دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق تبرر له الحكومة بذرائع صد الاحتراب القبلي والجهوي، متخذين أداة سلطة الاعلام في تغبيش الراي العام حول تطفيف اعداد القتلى وليس نفي القتل، لذلك كان نصيب المواطنين في تلك المناطق المهمشة (الموت لأتفه الأسباب). فما يحدث في الجنينة اليوم من تناثر أشلاء النساء والشيوخ والأطفال بعد قصف طيران الجيش لا يعني شيئا للمتأسلمين، وبالمقابل كانت قضايا تلك المناطق هي هم المعارضين السياسيين الذين قال في حقهم الخبير الاستراتيجي للجيش من منفاه في (بورتكيزان) موتوا في منافيكم!
وشتان ما بين الموت في المنافي من أجل الوطن، وبين الموت في سبيل السلطة، فموت المنافي شرف بسقوف أخلاقية تناهض الظلم وتنشد العدالة لمطلق مواطن سوداني في أي بقعة من أرضه، وهذا ما لم يتيسر للفلول الذين يموتون متخمين في بلدان باعوا لها موارد البلاد احتساباً وإعداداً مستطاعاً للهروب عند سقوط مشروعهم الإسلاموي.. لذلك كان المجدين في إجهاض المفاوضات بجنيف يتلكؤون ويحتمون باتفاق جدة وتنفيذ بنوده كاملة، مع العلم ان منبر جدة لم يسهم ولو في هدنة طويلة الأمد بين الأشقاء المتقاتلين! لكي يتيسر توصيل المساعدات.. ولذلك تجد ان هواهم ليس بجنيف ولا يؤلم ضمائرهم ما يواجهه النازحون الفارون من جحيم الحرب الذين يعيشون في أسوأ حالات العوز واللجوء وانسداد أفق الرجوع لمنازلهم التي صارت ورقة اتجار في المفاوضات لدى مليشيا الدعم السريع والجيش، والموت يحصد من انسدت لديهم سبل الفرار وظلوا حبيسي الموت بل موعودين بمزيد من إراقة الدماء في سبيل تحقيق اماني الجيش في الانتصار!ـ إذ يستقبل الدعم السريع احدث الاسلحة الفتاكة من حليفتها الامارات، ومصر لم تبخل علي الجيش السوداني بما يمكنه من استطالة أمد الحرب لتصير البلاد خرابا وضيعة مفتوحة للدولتين ترعى فيها متى ما شحت المياه والمعادن والثروة الحيوانية والأراضي الخصبة! وعلي التحقيق يظل الواقع ان تلك الدول لم تتمكن من تلابيب الدولة إلا بعد أن مكنها الإخوان المسلمين من ذلك، في خلال معركتهم مع المواطن وحربه الدائمة ضده لأكثر من ثلاث عقود! فلا نعيب زماننا والعيب فينا، فمن الذي فرط في سيادة بلده؟ ولا يزالون؟ انهم هم الذين لا تستهويهم دعوات إيقاف الحرب لا يهمهم ان تطاول امدها او تغيرت ديمغرافيا البلاد وتم تدمير بنيتها الاقتصادية ونهبها من الدول الطامعة في خيراتها، فهواهم يجافي السلام وسعيهم أن يحارب من تبقى من شعب جائع ومذعور ويحلم بالسلام، ان يحمل السلاح ويقاتل الجنجويد الذين فشلت المؤسسة العسكرية المؤهلة من قتالهم، فبعد جنيف سينصرف العالم عن حرب السودان، والبلاد موعودة بمزيد من نزيف الدماء وأرتال من الجوعى والمشردين وتراب بلد تفوح منها رائحة الموتى!
tina.terwis@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المدهش أن عرمان وفي ذات الجلسة كان يمدح مليشيا التمرد السريع
• قبل شهرين من بداية الحرب التي أشعلتها قوي الحرية والتغيير وتولّت كِبرها مليشيات التمرد السريع، تلقيت دعوة لحضور منتدي صحفي كان المتحدث الرئيس فيه ياسر عرمان .. وبحضور عدد غفير من زملاء وأصدقاء المهنة الذين كانت أكثريتهم من المؤيدين لشتات الحرية والتغيير ومليشياتها .. كال عرمان المديح والثناء للتمرد السريع وعدّه من ممسكات وحدة البلاد ..
• فوجئت حقاً بإعتراف جهير لعرمان في تلك الندوة الصحفية .. قال إنه وبعد تجربة طويلة مع الكفاح المسلح كما قال بات علي قناعة بعدم جدوي التغيير الديمقراطي عبر حمل السلاح وأن الطريق إلي الديمقراطية عبر البندقية لا جدوي منه ..
• لكن المدهش أن عرمان وفي ذات الجلسة كان يمدح مليشيا التمرد السريع وزعيم عصابتها حميدتي .. وحديث عرمان يومها موثق بالصوت والصورة وتداولته الوسائط يومها علي نطاقٍ واسع ..
• من جهة أخري دعا عرمان بعد أيام من اجتياح مليشيات التمرد لمدن وقري ولاية الجزيرة الوادعة إلي ضرورة التعايش مع التمرد السريع ونادي بتعميم تجربة مدينة الهلالية التي قال إنها قدمت نموذجاً مبهراً في التأكيد علي تعزيز الشراكة المدنية لأهل المنطقة مع التمرد السريع .. وحديث عرمان جاء علي خلفية إعلان عدد من كلاب صيد المليشيا والمتعاونين معها عن ترحيبهم بتدنيس القتلة والمجرمين للهلالية وغيرها من قري وحواضر ولاية الجزيرة ..
• من مفارقات الزمان العجيبة أن عرمان عاد اليوم يذرف دموع التماسيح علي من سماهم بضحايا الحرب في كلٍ من الضعين والهلالية !!
• عرمان .. وبلا وخزة من ضمير يتجاهل أن من نقل الحرب إلي الضعين هو حليفهم حميدتي وأن من أدخل عصابات القتلة إلي الهلالية هو تحالف الحرية والتغيير !!
• التاريخ لن يرحم ياسر وعرمان ومن لفّ كدموله المدني والمليشي .. أياديهم ملطخة بدماء الأبرياء وإن غسلوها بالتراب ألف مرة ..
عبد الماجد عبد الحميد
إنضم لقناة النيلين على واتساب