معارضة الإنقاذ قَطَّاعة جنس قطيعة
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
أقولها بكل صراحة أن القوى الحداثية (خلافاً عن تلك التي يرمونها ب"الظلامية") في تقدم والجذري بصدد الانتحار بمشروعها إذا لم تقطع علاقتها بقوة الدعم السريع اليوم قبل الغد. فهو، كما قالت هي نفسها، ينحل ولا يحكم دولة. وهذه هي الحداثة. وفي اعتزال هذه القوى القوات المسلحة، بل تمني هزيمتها، خلاف عن موقف لها في الستينات اعتقدت فيه أن الجيش، الحديث حتى أخمص قدميه، هو المؤهل دون غيره من القوى لحكم السودان وكل بلد نام آخر.
أخشى على المعارضة "الرسمية" لنظام البشير في التجمع الوطني أن يحصل عليها محصول أهل بربر. فقد كنا في عطبرة، وهي المدينة التي سرقت الباك من بربر على عهد الإنجليز، نقول إن الجماعة المحبة للقطيعة من أهل بربر تجلس وتقطع في خلق الله. فإذا استأذن واحد منهم بالانصراف أصبح موضوع "القطيعة" وهو الذي كان يقطع معهم منذ لحظات. وتدور الدائرة على كل من انصرف عن المجلس ، حتى يبقى اثنان . وحين يستأذن واحد منهم يبقى الأخير مغيظاً بلا جليس. وبين رغبته المجلس،ة وعدم من يستمع له يضطر إلى كتح التراب في أثر آخر المغادرين.
لم أصدق أذني وأنا أقرأ تحليل كادر المعارضة هذا لإعلان جيبوتي (1999) الموقع من قبل الفريق البشير والسيد الصادي المهدي. فقد قال قائلهم أن السيد الصادق هو أصلاً قد زرعته الإنقاذ في التجمع الوطني لبذر الشقاق بين صفوفه، وأن الإنقاذ هي التي نظَّمت له عملية تهتدون (1996) التي عبرت بها من السودان إلى إريتريا (وكان قد نشأ فقه حول هذا العبور أهو "الهجرة" أم "هروب"). وقال قائلهم أيضاً إن الخير في ترك السيد الصادق لصف المعارضة لأنها بدونه ستكون موحدة الرؤية والإرادة. وفتح هؤلاء المعارضون "فايل" السيد الصادق، وعادوا إلى حكاية تناقضاته، التي كتب عنها أحدهم كتاباً وإلى اشتهاره بالكلام "أبو الكلام" دون الفعل. وهاك يا قطيعة.
سمعت هذه الفايلات يفتحها المعارضون الرسميون لنظام البشير حين ارتضى الشريف الهندي ورهطه العودة لممارسة السياسة في السودان. وسمعت قطيعة غير ذكية عن الدكتورين مشار ولام أكول حين وقَّعا اتفاقية الخرطوم. فقد قيل إنهما باعا نفسيهما لـ NIF (الجبهة الإسلامية القومية) وقبضا المال الحرام من السيد علي الحاج سمسار السلام للنظام في الجنوب. وصدر هذا القول بحق الأستاذين اللذين كانا كالنجوم بين اليسار الجديد في آخر الثمانينات، تقدس سرهم الجنوبي الباتع. وحتى الرجل الفاضل الأريب الدكتور حيدر إبراهيم سمع ما لا يرضى ولا يسر حين التمس (ولم يحمل أحداً حملاً) من المعارضة العودة للسودان للجهاد من فوق المنابر القانونية التي سنحت.
هل ستبقى المعارضة "تقطع" في كل مغادر لساحتها لوفاق أو آخر مع الحكومة؟ متى تخرج المعارضة عن فتح الفايلات إلى تحليل شجاع عن "عوجة رقبتها" لا عن عوجه النظام أو مفارقي صف المعارضة. وعملاً بأهل القطيعة بين أهل بربر من سيكون آخر المعارضين الذي سيضطر في وحشة عدم الجليس أن يكشح التراب في أثر آخر الناهضين لصلح الحكومة؟
خالد عمر يوسف يقدم مرافعة عصماء عن أننا إما تمسكنا بالقوات المسلحة أو تفرقنا مليشيات كالعراق. ليه هذا الكلام مستنكر في يومنا ومستقبح؟
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
دراويش المعارضة المدنية السودانية- بين التمترس الأيديولوجي وفشل التكيف مع الواقع السياسي”
التمترس الأيديولوجي وأثره على الفكر السياسي
التأثير على تطور الفكر السياسي التمترس الأيديولوجي ليس مجرد تجميد للفكر، بل يؤدي إلى تقييد قدرة الأحزاب السياسية على فهم الواقع المتغير. العديد من الأفكار المعتمدة على أيديولوجيا ثابتة لا تتكيف مع المتغيرات في المجتمع السوداني الذي يتنوع بشكل متزايد. لذا يجب التركيز على أهمية تبني أيديولوجيات مرنة تحاكي تحديات العصر وتستجيب لمطالب الشباب السوداني المتنوع.
التحديات في التعامل مع التنوع أن الاهتمام المفرط بالهويات قد يحد من إمكانية بناء جسر بين مختلف الفئات السودانية. تحتاج المعارضة إلى التفكير في كيفية احتواء هذا التنوع بطريقة تشجع على الوحدة بدلًا من الانقسام.
تحليل مواقف المعارضة وفق معايير العلوم السياسية
ممارسة الديمقراطية الداخلية غائبة إن غياب الانتخابات الداخلية داخل الأحزاب المعارضة يعكس ضعفًا في الثقة والشفافية، وهو ما ينعكس في النهاية على صورتها أمام الجمهور. يمكن اقتراح إجراء انتخابات ديمقراطية داخلية بشكل دوري لكل الأحزاب السياسية لتطوير قيادات جديدة وتحقيق التجديد الفكري.
أهمية تقديم بدائل اقتصادية واضحة لا توجد حلول للمشكلة الكبرى في المعارضة السودانية هي افتقارها إلى حلول اقتصادية عملية. يمكن تسليط الضوء على أهمية وجود خطة اقتصادية متكاملة تكون واضحة ومبنية على أسس واقعية، مثل الاستفادة من التجارب التنموية في دول مثل إثيوبيا و تونس بعد الانتقال السياسي.
تطور الفكر السياسي السوداني: إشكاليات تاريخية
الأنظمة الديمقراطية: التركيز على مسألة أن المشكلة لا تكمن فقط في الأنظمة العسكرية قد يكون محوريًا. فحتى في الفترات الديمقراطية، فشل الأحزاب المعارضة في بناء استقرار سياسي ناجح بسبب عدم وجود ثقافة سياسية جامعة. يمكن الإشارة إلى أن البناء السياسي يحتاج إلى أكثر من مجرد الانتخابات؛ يحتاج إلى بناء ثقافة سياسية مشتركة بعيدًا عن الأيديولوجيا.
الأنظمة العسكرية: في فترة الأنظمة العسكرية، حيث كانت المعارضة إما مقموعة أو تعمل في السر، تبرز الحاجة إلى تعزيز قدرة المعارضة على الصمود أمام القمع وبناء استراتيجيات مقاومة لا تعتمد فقط على المواجهة.
التحديات الراهنة للمعارضة السودانية
التركيز على إسقاط الأنظمة بدلاً من بناء البدائل: هذه النقطة جوهرية لأن المعارضة في السودان غالبًا ما تركز على إزالة الأنظمة السياسية الحالية دون تقديم رؤية واضحة لما يمكن أن يكون بديلًا. يجب أن يتحول الخطاب إلى الحديث عن بناء الدولة السودانية المنشودة التي يتشارك فيها الجميع.
غياب التحالفات الواسعة: إضافة إلى كون التحالفات السياسية أكثر فاعلية عندما تعتمد على أسس وطنية، يجب التأكيد على أهمية التنسيق بين مختلف التيارات السياسية، بما في ذلك الإسلاميين (في حال كانت لديهم الرغبة في المساهمة في العملية الديمقراطية) للوصول إلى توافق سياسي يضمن الاستقرار.
مقترحات لتطوير المعارضة السودانية
تبني خطاب سياسي قائم على الحلول: يمكن اقتراح أن المعارضة يجب أن تتبنى برنامجًا عمليًا يعالج القضايا المستعجلة مثل الفقر، التعليم، والصحة، من خلال حلول قابلة للتنفيذ. لا يكفي مجرد نقد الأنظمة الحالية، بل يجب تقديم رؤية بديلة قابلة للتحقيق.
تعزيز الممارسة الديمقراطية الداخلية: مع ضرورة إجراء انتخابات داخلية، يجب أيضًا تفعيل دور الشباب داخل الأحزاب المعارضة. فالشباب يمثلون الجزء الأكبر من المجتمع السوداني وهم قادرون على تقديم حلول مبتكرة للأزمة.
السياق الإقليمي والدولي وتأثيره على المعارضة
التأثيرات الإقليمية: التركيز على كيفية تأثير التغيرات السياسية في دول الجوار، مثل مصر و إثيوبيا، على المواقف السياسية في السودان قد يكون ذا أهمية كبيرة. إضافة إلى ذلك، قد تساعد المعارضة في بناء علاقات دبلوماسية استراتيجية تضمن لها الدعم والتأييد الإقليمي والدولي في أوقات الحراك السياسي.
الدعم الدولي: يجب أن يكون الدعم الدولي للمعارضة مشروطًا بالحفاظ على استقلاليتها السياسية.
ولكن يمكن أيضًا الاستفادة من منظمات المجتمع المدني الدولية لضمان وجود رقابة شفافة على العمليات الانتخابية والانتقال الديمقراطي.
نحو معارضة أكثر نضجًا
دور المعارضة في بناء الديمقراطية- المعارضة السودانية بحاجة إلى التغيير الجذري في خطابها السياسي وتنظيمها الداخلي. النجاح لا يعتمد فقط على التخلص من الأنظمة السياسية، بل على استعداد المعارضة لتقديم بديل سياسي واقتصادي واضح وعملي.
ماهي توقعات المستقبل - في ظل التحولات الإقليمية والعالمية، سيكون على المعارضة السودانية أن تثبت قدرتها على التكيف وتقديم حلول واقعية لتحديات السودان في الفترة القادمة.
هل ستظل المعارضة تركز على هدم الأنظمة فقط أم ستستطيع بناء مشروع سياسي حقيقي؟
zuhair.osman@aol.com