سودانايل:
2024-12-22@20:07:27 GMT

السودان.. درب الآلام و أهوال أقلاها الحرب العبثية

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

طاهر عمر

النخب السودانية في أغلب محاولاتها اليائسة من أجل خلق مشروع نهضوي لاحقة للأحداث و سائرة كما السائر في نومه لذلك جاءت كل مشاريع نهضتها مشاريع مجهضة لأنها تفتقر لأهم بعدين و هما الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و دورهما في خلق نظرية للتاريخ و فلسفة نقدية للتاريخ و هذا يحتاج لجهد فكري هائل و مراقبة للعالم من حولنا في كيفية فهمه لظاهرة المجتمع البشري و كيف وصل لفكرة مفهوم الدولة الحديثة و كيفية ممارسة السلطة و ليست المحاصصة في تقسيم السلطة كما هو حاصل في السودان و ما ترتب عن ذلك في القرن الأخير و نتيجته الحرب العبثية الجارية الآن بين جيش الكيزان و صنيعته الدعم السريع.


لتوضيح مسألة أن النخب السودانية لاحقة للأحداث أقصد أنها لم تأخذ زمام المبادرة في إستشراف لمستقبل مفهوم الدولة و مفهوم ممارسة السلطة في المجتمع الحديث و أقصد بزمام المبادرة فهم الفلسفة النقدية للتاريخ و هذا هو دور عباقرة الرجال من فلاسفة و سياسيين و إقتصاديين لهم قدرة على فهم و إدراك كيف تتحول المجتمعات.
مثلا بعد سته عقود من قيام الثورة الصناعية عام 1776 كانت هناك تحولات هائلة أدت الى التفكير في فكرة الضمان الإجتماعي لأن الثورة الصناعية أفرزت نوع جديد من المشاكل الإجتماعية في حالات حوادث العمل أي أن يفقد عامل يده في حادث و في حالة المرض و في حالة وصل لسن المعاش و هذا ما أنتبه له توكفيل في كتابه الديمقراطية الأمريكية و كيف إستطاعت أن تحقق أمريكا ديمقراطية عجزت أوروبا أن تبلغ ما حققته أمريكا فيما يتعلق بقيم الجمهورية و هذا ما جعل توكفيل معجب بالديمقراطية الأمريكية.
توكفيل بإعجابه بالديمقراطية الأمريكية لم يكن لاحق لأحداث فرنسا بل كان ينظر للمستقبل البعيد لذلك اهتدى لفكرة الديمقراطية الامريكية و عليه قدم نقد للكاثوليكية الفرنسية و الكاثوليك و قال يستحيل أن تصل الكاثوليكية الى مرحلة ترسيخ ديمقراطية في فرنسا لأن توكفيل كان يعرف بأن الديمقراطية الأمريكية لم تكن نظم حكم فحسب بل فلسفة لفكر ليبرالي يقوم على أساس المساواة بين أفراد المجتمع و قد أصبحت بديلا للفكر الديني لذلك كان توكفيل في نقده للكاثوليكية و الكاثوليك في فرنسا نقد يرتكز فيه على ما رأه من نجاح للديمقراطية الامريكية في إبعادها للفكر الديني و فصلها بين الدين و الدولة نتيجة لتشبع السياسيين الامريكيين بفلسفة جون لوك أب الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الإقتصادي و هو فكر غائب من أفق النخب السودانية.
و عليه يصبح الدين شأن فردي و يصير أفق الرجاء للفرد فيما يتعلق بعلاقته بربه أماعلاقة الفرد و صراعه مع مجتمعه فتحكمه معادلة الحرية و العدالة و في ظل المساواة الراسخة في نظم الحكم الليبرالي متى ما ظهرت إختلالات سياسية و إختناقات إقتصادية ظهرت الشخصيات التاريخية لكي تعيد توازن المجتمع و توازن الإقتصاد الى نقاط توازنه.
و هنا وجب التوضيح لفلسفة جون لوك فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة كان يقول لو كان هناك مطلق واحد يجب الايمان به سيكون فكرة فصل الدين عن الدولة لأنه لا يمكن لأي كان أن يتحدث عن التسامح و هو منطلق من خطاب ديني- أي دين و عليه تكون مسألة فصل الدين عن الدولة قاعدة تأسيس لفكرة المساواة بين أفراد المجتمع و هذا هو البعد الغائب عن أفق النخب السودانية و هي عاجزة عن مواجهة التحدي و ليس لها أي تصور لكي تنتصر على نفسها و تتخطى تبعيتها للامام في حزب الأمة و الختم في حزب محمد عثمان الميرغني و أستاذ الحزب الشيوعي.
و الأغرب من كل ذلك إعتقاد النخب السودانية بأنها تستطيع أن تأتي بنظام ديمقراطي بأحزاب الطائفية أي حزب الأمة و حزب الختم و حزب المرشد أي الكيزان و هنا نتذكر بأن توكفيل قبل قرنيين من الزمان قال بأن الكاثوليكية و الكاثوليك لا يمكنهم ترسيخ فكرة الديمقراطية بفكرهم الديني و عليه يمكننا أن نقول في هذه النقطة بالذات و هي أن كاثوليك السودان الآن و هم الكيزان و أتباع حزب الأمة و أتباع الختم يفصلهم من حاضر الفكر الحديث قرنيين من الزمان أي أنهم في زمن توكفيل حينما إنتقد الكاثوليكية و الكاثوليك و نادى بأن يصبح الفكر الليبرالي بديلا للفكر الديني و عليه نسأل متى تقتنع النخب السودانية بأن الديمقراطية بديلا للفكر الديني؟ و لا يمكن تحقيق الديمقراطية بأي فكر ديني مهما زعم الزاعمون و أن الفكر الديني في ظله لا يمكن تأسيس دولة حديثة و لا تحقيق تنمية و لم تفارق البشرية الجهل و الفقر و المرض إلا عندما فارقت وحل الفكر الديني و أيقنت بأن لا ظل يظل ظاهرة المجتمع البشري غير ظلال مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و محاولتهما لإعادة خلق تجربة الإنسانية وفقا لقدرات العقل البشري و بعيدا عن شطحات رجال الدين.
و هذا ما توصل له ولي العهد السعودي في مشروع 2030 و قد أبعد رجال الدين المزعجين من المشهد و قال أن معهم و بهم لا يمكن تحقيق أهداف دولة حديثة و لا يمكن تحقيق تنمية و إزدهار مادي. على العموم و حتى لو فشل مشروع ولي العهد السعودي إلا أنه قد خلق لنفسه موعد مع التاريخ و موعد مع الحضارات و ما قاله محمد بن سلمان ولي عهد السعودية عن رجال الدين المزعجين يذكّر بما قاله توكفيل في إبعاده للكاثوليك و الكاثوليكية فمتى يستيقظ المثقف التقليدي السوداني و يكون على مستوى ولي عهد السعودية؟ و يستطيع أن يبعد رجال الدين المزعجيين لأن فكرهم لا يسمح لأفكار الحداثة أن تسود و لا في ظله يمكن تحقيق تنمية و إزدهار مادي.
و هنا وجب أن نرجع لفكرة ألا تكون لاحق للأحداث كما رأينا مسيرة توكفيل لم يكن لاحق لأحداث فرنسا بل فيلسوف و مؤرخ و عالم اجتماع و إقتصادي طرح فكر يفتح لأفاق جديدة في فرنسا و بعد قرنيين من الزمان ما زالت فرنسا توصف بأنها توكفيلية و إختفى طموح الكاثوليك و فكرة تحقيق ديمقراطية عبر فكرهم الطائفي و مثلما إنتصر فكر توكفيل على الكاثوليك بعد عقود ربما يثمر فكر ولي العهد السعودي بجلب أفكار الحداثة و خلق تنمية و تأسيس دولة حديثة و لو بعد عقود من إبعاده لرجال الدين المزعجيين و طبعا ينتظر السعودية إصلاح سياسي يتواكب مع إزدهارها المادي و إدخال أفكار الحداثة بعد إبعاد رجال الدين المزعجين و فكرهم.
مثلما فعل توكفيل و أعلن إعجابه بالديمقراطية في أمريكا و لم يك لاحق لأحداث فرنسا بل كان مستشرف لمستقبلها و هذا ما نريده أن يكون أفق النخب السودانية فيما يتعلق بشوقها للديمقراطية و لهذا لا يتحقق ما لم تنعتق النخب السودانية من تبعية المرشد الكيزاني و الامام و الختم لأن الديمقراطية هي بديل للفكر الديني الذي لا يحقق مساواة بين أفراد المجتمع على الإطلاق.
و هذا هو سبب فشل النخب السودانية على مدى سبعة عقود أي منذ الإستقلال و الى اللحظة لم يخرج السودان من إختلالاته السياسة و إختناقاته الإقتصادية و لن يخرج ما مادام الفكر اللاهوتي مسيطر على عقل المثقف السوداني و يجعله خانعا تابعا للامام و المرشد و الختم و الإستاذ الشيوعي الذي ما زال غير مدرك بأن الليبرالية التقليدية التي يحاولها ماركس قد أعقبتها ليبرالية حديثة و أن فلسفة التاريخ الحديثة قد وضعت ماركس في الأغلال و لم تعد الماركسية غير ثمرة مرة للفلسفة المثالية الالمانية و قد بلغت منتهاها في الهيغلية و الماركسية بفضل أفكار ماكس فيبر في إرتكازه على أفكار النيوكانطية.
و مثلما نجح كانط في جسر الفلسفة المثالية الالمانية و التجريبية الإنجليزية بفضل إضطلاعه على فلسفة ديفيد هيوم و أفكار أدم إسمث في نظرية المشاعر الإخلاقية و قد إستيقظ من سباته الدوغمائي العميق فقد فشل ماركس في أن يجسر البون بين الفلسفة المثالية الالمانية و التجريبية الإنجليزية عندما فشل في مقاربة نظرية القيمة لديفيد ريكاردو فمتى يستيقظ المثقف التقليدي السوداني من ثباته الدوغمائي العميق؟
و عليه مثلما لم يك توكفيل لاحق لأحداث فرنسا بل مستشرف لمستقبلها كذلك قبل قرن أي منذ عام 1930 لم يكن ريموند أرون لاحق لأحداث فرنسا و هي تحت سيطرة الفكر الماركسي و بالتالي كما أعجب توكفيل بالديمقراطية الأمريكية كذلك ريموند أرون أعجب بفلسفة ماكس فيبر و هي مرتكزة على أفكار النيوكانطية حيث لم يعد فيها للميتافيزيقيا أن تصبح حقول فلسفة و بالتالي تحدث ماكس فيبر بأن الدين كان سحر للعالم و قد زال و لم يعد يلعب أي دور بنيوي لا في السياسة و لا في الإقتصاد و لا في الإجتماع و بالتالي لم تعد الفلسفة المثالية الألمانية مفيدة في تقديم ثمرتي الهيغلية و الماركسية و ليس ذلك فحسب بل أن الفلسفة المثالية منذ إفلاطون و مرورا بالفكر المدرسي المسيحي و الى المثالية الالمانية لم تعد ذات جدوى.
و بعدها يصبح الإنسان محكوم بأن يعيد خلق عالمه وفقا لقدرة عقله البشري و أن مسيرته تراجيدية و مأساوية بلا قصد و لا معنى و لا يعالجها غير القرار و الإختيار و كيفية إدراك الشرط الإنساني و هنا تكمن أهمية السياسي و الإقتصادي في تجسيد فكرة الشرط الإنساني و من قبل قرن من الزمن لمع نجم السياسي في قدرته على إختيار الشرط الإنساني و أفل نجم المؤرخ التقليدي و كذلك لمع نجم الإقتصادي في إمكانية تجسيد الشرط الإنساني عبر النظريات الإقتصادية و أفل نجم القانوني. و لهذا نجد اليوم أن القانوني السوداني و المؤرخ التقليدي السوداني أصعف حلقتين في سلسلة النخب السودانية الفاشلة.
و حتى يكتمل نصاب الديمقراطية في السودان لكي تكون بديلة للفكر الديني ستمر على مسرح الأحداث في السودان أهوال أقلاها الحرب العبثية التي تدور الآن بين جيش الكيزان و صنيعته الدعم السريع و سيحترق بنيران الأهوال التي ستمر كل واهم بنصر لجيش الكيزان أو واهم بأن صنيعة الكيزان الدعم السريع كأداة موت ستكون يوما نصيرة لمسيرة الحرية. فاقد الشئ لا يعطيه لأن أتباع الدعم السريع نتاج ثقافة الأسرة الجذعية التي لا تنتج غير نظام سلطة الأب و ميراث التسلط أما جيش الكيزان تحت قيادة العدميين تربية الكيزان أعداء الإشراق و الوضوح و بالتالي لن ينتصروا للحياة أبدا.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدیمقراطیة الأمریکیة النخب السودانیة الدعم السریع فیما یتعلق یمکن تحقیق رجال الدین هذا ما لا یمکن

إقرأ أيضاً:

هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (2-2)

عبد الله علي إبراهيم

هذه مذكرات عن الثورة الفرنسية أخذتها من "أوربا الثورية 1780-1850" (2000) كتاب زميلي السابق في شعبة التاريخ بجامعة ميسوري جونثان سبيبربر. جلست إلى الكتاب في أعقاب ثورة ديسمبر حين سقمت نفسي أحاديث مطلوقة عن الثورة اشترطت أن تنهض الثورة، متى قامت، بالتغيير الجذري بعد اسقاط النظام مباشرة وإلا صارت "انتفاضة" في أحسن الأحوال أو هرجاً وضلالاً. وعرفت أن أياً من مشيعي تلك الخزعبلة لم "يشق" بطن كتاب عن ثورة ليعرف أن الثورة هي تعريفاً ثورة متى أسقطت حكومة النظام القديم. وبس. أما التغيير فلا يأتي لحزته لأنه مما تختلف الآراء فيه وسبله بين من ائتلفوا لإسقاط النظام القديم. ولا أعرف إن كان من يذيع هذا الضلال وقف عند الثورة الفرنسية (1789) وتضاريسها ليرى أنها اختلفت حول التغيير اختلافاً محلياً وأوربياً اختلافاً مضرجاً كبيراً. فلا الجمهورية ولا العلمانية اللتين هما المعنى الذي كان من وراء الثورة تحققا في اليوم العاقب لسقوط النظام القديم كما يتشهى بعضنا. ويكفي أن جرى استرداد الملكية لفرنسا ثلاث مرات ولم تتوطد الجمهورية إلا في ثمانينات القرن التاسع عشر. كما لم يقع فصل الدين عن الدولة إلا في دستور 1905 ولينص دستور 1958 صريحاً على العلمانية لأول مرة.
نحن، وذكرى ثورة ديسمبر على الأبواب، قبايل "تجديد البكا" على الثورة في تاريخنا. وهو بكاء كاليتم لانقطاعه عن تاريخ الثورات ويريد لثورة السودان أن تغير ما بنا في لمح البصر: short and sweet
أردت عرض هذه المذكرات عن الثورة الفرنسية حتى لا نخدع عن حقائقنا وثوراتنا بثمن جهالة بخس. وعينت الصفحة من الكتاب أمام تلخيصي لما فيها. وربما صادفت القارئ متاعب هنا وهناك لأن هذه المذكرات مما أردت منه أن أعرف عن الثورة لا أن أنشرها كما أفعل الآن.
(سيلقى القارئ غموضاً هنا وهناك كما وجدت أنا نفسي لدي عودتي لقراءة هذه المذكرات بعد سنوات من كتابتها. أردت فقط بها أن يرى شبابنا أن الثورة كينونة غريبة لا كما يبسطها صغار الأحلام: أنت ثرت وريني عمرت شنو؟ ولا أتوقع أن يطالع القارئ هذه المادة على صفحتي. هي للاحتفاظ بها كمذكرة المحاضرات"

72 اكتنفت الثورة أزمة مالية لم تخرجها منها حتى السندات المالية بضمان أرض الكنيسة المصادرة. فلم يقبل الفرنسيون في المناطق المناصرة للقسس المنشقين على شراء الأرض، بل قابلوا من حاول ذلك بالاحتجاج والشنق سحلاً. وفرضت الحكومة تداول السندات التي اشتراها أهل المال من الناس بثمن بخس أدى إلى تدهور سعر العملة. فامتنع المزارعون من بيع محصولاتهم بالثمن البخس. فنقص المعروض من الطعام في الأسواق. وأدى هذا إلى نشأة فئة اجتماعية سياسية في المدينة عرفت ب"سانس-كولتس". وهي من العاملين بأيديهم من الحرفيين وصغار التجار وسيطة بين البرجوازية والعمال: برجوازية صغيرة. فهم يعملون بأيديهم ويؤجرون من يعملون بأيديهم. وظهرت سطوتهم في سقوط الباستيل 1789 وحصار فرسايل في أكتوبر 1791. ولما كانت الحكومة قد عادت إلى باريس أعطى ذلك السانس قوة للضغط زائدة.
ص 17-72. ومن تلك العوامل تورط فرنسا في حرب أوربية. فإلغاء النظام الإقطاعي في فرنسا أخاف أوربا. وقوى من هذه الحرب عامل للسياسة الداخلية هو المهاجرون الفرنسيون ممن كونوا فرقهم المسلحة على حدود فرنسا الشرقية. طالبت العناصر الأكثر جذرية في الجمعية التأسيسية (1791) بشن الحرب على المانيا لإيوائها المهاجرين لكسر ظهر عناصر الثورة المضادة. ومتى انتصروا في الحرب، حسب تقديرهم، كان سبباً لترويع المعارضة الداخلية وإخراسها علاوة على نشر مبادئ الثورة الفرنسية في الخارج. وافق الملك على الحرب على المانيا برغم أن بعض أسرته من بين "الثورة المضادة". وعارض روبيسبير، زعيم اليعاقبة، الحرب لأنها مشقة غير مأمونة العواقب. بدأت الحرب في 1792 وما لبث أن بدأ عوار الحرب للحكومة. فتناصرت قوى أوربا مع قوى الثورة المضادة. وكان متى احتلت الجيوش الأوربية موضعاً فرنسياً استعادت فيه النظم التي ألغتها الثورة. وصارت الحرب، التي اختلفت دوافع القوى الأوربية لدخولها، تعرف بحرب بين الثورة والثورة المضادة، الثورة والاستعادة (restoration). حرب لم تقع للإنسانية من قبل.
74 بدا للجذريين في باريس أن دروس الحرب تلك أن يعنفوا. فالوسطيون حاربوا بغير نفس بل انضم بعض قادتهم للعدو. وكان القائد العام لجيش الحكومة يراسل الأعداء. وكان جورج دانتون، من الجهة الأخرى، من نادي كوديلر متحمساً للحرب" قال: الجراءة والجراءة أكثر والجراءة ما يزال هي التي ستنقذ فرنسا". وبدأ الجذريون في الإعداد لانتفاضة جمعوا لها الحرس الوطني من سائر فرنسا (20 ألف) في مظاهرة في 10 أغسطس 1792. سارت للقصر الملكي وهزمت حرسه وقتلت أكثرهم. وأعلنت أن فرنسا جمهورية.
75 وفرضوا إرادتهم على الجمعية التأسيسية بحل نفسها وإجراء انتخابات جدية لجمعية تضع دستوراً للبلاد الجمهورية. وحدث ذلك واجتمع البرلمان في سبتمبر 1792.
75 تواصلت الحرب واقترب البروسيون (بروسيا) من باريس. واستقل السناس (البرجوازية الصغيرة) بأنفسهم عن الأندية. وأخذوا يستأصلون السجناء السياسيين من النبلاء والقسس المنشقة في ما عرف ب"السبتمبريين". وهي لعنة دم لاحقت الجذريين. وأمض ارتفاع الأسعار السناس أيضاً. وكان مقترحهم لاحتوائها هو تحديد الأسعار وإن لم يسلم الفلاحون نتاجهم صادرته الدولة.
وبذلك التصعيد صارت الجمعية التأسيسية ساحة مرة أخرى لمن أراد اطراد الثورة ومن رغبوا عن ذلك. منشأ اليمين واليسار كان خلال هذه الخصومة. صار جذريو الجمعية السابقة، قُرُيندنز، في صدام مع اليعاقبة الذين رغبوا في التحالف مع السانس ممن طلبوا تحديد الأسعار. وهو تعد على الملكية لم يقبله القريندز. وأشد خلافهم كان حول مصير الملك المخلوع. لم يمانع كثير من النواب من تقديم الملك للمحاكمة بتهمة الخيانة. ودفع الملك عن نفسه بأن دستور 1791 جعله مبرأ من مثل هذه المحاكمة. أما دفاع أنصاره المهجرون فكان أن الثورة هي الخيانة. ونشب الخلاف حول العقوبة. فأراد القريندز، متاثرين بعقيدة الملك المعصوم، تفادي قتله بأي صورة وبالدعوة لسجنه أو لنفيه وغيرها.
ص 77 وأراد القريندز بذلك ألا يقطعوا شعرة معاوية مع أوربا الملكية. وهي الشعرة التي أراد اليعاقبة قطعها. صوتت الجمعية لقتله بأغلبية قليلة بعد جلسة متصلة دامت 36 ساعة. وقتل في 21 يناير 1793 على المقصلة شهيداً مسيحياً باركه البابا في نزال قوى الشر. وكان السانس يغنون المارسليز. واحتدم الصراع بين الجماعتين. أراد القريندز إغلاق أندية اليعاقبة وغيرهم ووقف صحفهم. فجنح اليعاقبة إلى السانس فآزروهم باقتحام الجمعية في يونيو 1793 والمطالبة بنزع القريندز من عضويتها. فاستجاب اليعاقبة مسرورين.
وصار بوسع من تبقى من الأعضاء المضي قدماً في مواصلة الثورة. فقرروا التجنيد الاجباري وتنفير قوة الأمة كلها رجالاً ونساء شيباً وشباباً للنصر في الحرب من أجل الجمهورية.
87 واتبعوا إجراءات عنيفة ضد الثورة المضادة كبؤرة عملاء لقوة أجنبية. تكونت لجان الرصد لأعداء الثورة لفرز من معها ومن ضدها. انتزاع شهادات الولاء للثورة. وصار أهل الحظوة القديمة موضع ريبة. محاكم خاصة لمحاكمة الخونة. وتمت مصادرة ممتلكات المهاجرين المعادين. ونشأت لجنة السلامة العامة تتوج إجراءات العنف ضد الخصوم. وكافأوا السانس بتحديد الأسعار ومصادرة منتوج الفلاحين الممتنعين عن البيع. وكان ذلك خلافاً لعقيدتهم في السوق الحر. كان روبسبير من وراء لجنة السلامة. وجعلت أندية اليعاقبة نفسها حكومة من وراء الحكومة الرسمية في التربص بالأعداء. وكلما أوغلت اللجنة في العنف كلما خلقت طائفة من الأعداء لها. ففي مدن الجنوب انتصر المعتدلون على المتطرفين. وساءهم طرد القريندز المعتدلين من الجمعية في باريس فقاموا بعصيان سموا أنفسهم فيه الفدراليين. وكانوا مع الثورة رغم عدائهم للجمعية ويريدون لفرنسا أن تحتفظ بنظمها الباكرة للثورة من المصالح والدوائر الذاتية لا المركزة التي جرت لاحقاً على يد اليعاقبة. كانت وراء ثورتهم عوامل: 1-الدين لأن سكان غرب فرنسا أكثرهم تديناً، وهم ضد القانون المدني للقساوسة. وصارت تحرشات وصدامات طوال عامي 1791 و1792. وكان أهل غرب فرنسا ضد التجنيد الاجباري أيضاً لأن العمل بالجيش ليس في طبعهم أو ممارستهم. وجاء قساوسة متمردون ونبلاء لقيادة سخط غرب فرنسا على الجمعية.
81 وكونوا في مكان ما "الجيش الملكي والكاثوليكي" وساروا لباريس لإسقاط الجمعية. جماعة أخرى نهضت بحرب عصابات. وكلاهما متصل بالمهاجرين الآملين بتدخل بريطانيا. وجسد ذلك الصراع صدام الدين وثقافة عهد الأنوار المناوئة له. وكان صراعاً اتسم بالوحشية. ذبح الثوار أنصار النظام الحاكم في باريس ذبح الشياه وشيعوهم بالترانيم الدينية. ولما تلقى أنصار الحكومة عوناً قتلوا كل سجنائهم.
ص 80
عهد الرعب 1893 إلى 1794
أدى رعب الحكومة إلى ضحايا بلغوا 35 ألف موتاً بالسجن أو بواسطة المقصلة. أكثرهم كان من جنوب فرنسا الذين حملوا السلاح ضد الحكومة. ولا يشمل هذا من قتلوا في غرب فرنسا الذين ربما كانوا خمسة اضعاف ذلك العدد. ولكنهم ماتوا في قتال مباشر بين أطراف الحرب بين الحكومة والمنشقين عليها.
81 وما يجعل ارقام أولئك الضحايا قابضاً للنفس ليس أننا لم نشهد ضحايا أكثر منه في عصرنا ولكن لأنه وقع في محاولة لبناء فرنسا جديدة على بينة "جمهورية الفضيلة" في عبارة لروبيسبير. خلال الحرب الأهلية والخارجية عكف اليعاقبة على تدبيج نظام جديد لفرنسا استمر في صوره المتطرفة لسنة واحدة:
1-ثقافة جديدة لفرنسا تحل مكان الثقافة القديمة شملت تغيير التقويم. جعلوا الثاني والعشرين من سبتمبر 1792 بدء للتقويم الجديد الذي حل التقويم المسيحي. جعلوا الأسبوع 10 أيام تنتهي بيوم عطلة ليس هو الأحد. وسموا الشهور تسميات جديدة. مثلاً شهر الحرارة Thermidor وهو ذروة الصيف. وgerminal وهو من بعض مايو ويونيو وهو شهر نمو المحاصيل. ولم يقبل بالتقويم أحد للخبطته الأعياد الدينية واختزاله أيام العطلة. اقتصر التقويم على الاستعمال الرسمي حتى جرى إلغاؤه في 1806.
2-إصلاح الموازيين والمكاييل وضبط معاييرها. كانت المقاييس قبل الثورة مقاسة على جسد الملك. فالقدم في الواقع هو طول قدم الملك. جاؤوا بمقياس المتر مستفاداً من تراكيب الطبيعة. وجرى قبول هذه "البدعة".

3-إعادة تسمية الشوارع التي أطلقت على ملوك. استبدالها بأسماء لأبطال الأغاريق والرومان. وسمى اليعاقبة أولادهم بروتس وحتى فرانكلن (ألأمريكي) احتساباً للجمهورية. ويخاطب الواحد الآخر يا"مواطن" كسراً لنظام الألقاب.
وكان القصد هدم الكاثوليكية. زادوا بالاعتداء على الكنائس وتدنيس رموزها. ولم يسلم حتى القساوسة المطاوعين من التضييق فأضطر 18 ألف منهم لنزع الرداء الكنسي وقبلوا بمدنيتهم وأول مظاهرها الزواج مما كان محرماً عليهم.
واحتار الجذريون في ما يحلونه محل المسيحية. فأقترح البعض الإلحاد أو حكم العقل. فسموا كاتدرائية نوتردام بمعبد العقل. ثم انتهوا إلى نسخة هادئة من الدين الجديد هي ال"deist". وهي عقيدة تؤمن بوجود الرب. ولكنه تلاشي حين حرك الكون وأطلق عنانه. وانقطعت صلته بالكون والخلائق. وصار مصير الدين الجديد مصير التقويم: النفور منه. ولكن ثبت اليعاقبة مبدأ المواطنة أما السوية القانون فشملوا بها كل الذكور دون النساء. ونواصل.
تقويم الثورة الفرنسية "المدني" الذي ألغى التقويم المسيحي
Naming the Months
This is where the commissioners really got creative. They made up a whole set of new words, generally with French or Latin roots.
Fall
• Vendémiaire (from French vendange ‘grape harvest’)
• Brumaire (from French brume ‘mist’)
• Frimaire (from French frimas ‘frost’)
Winter
• Nivôse (from Latin nivosus ‘snowy’)
• Pluviôse (from French pluvieux ‘rainy’)
• Ventôse (from French venteux ‘windy’)
Spring
• Germinal (from French germination)
• Floréal (from French fleur ‘flower’)
• Prairial (from French prairie ‘meadow’)
Summer
• Messidor (from Latin messis ‘harvest’)
• Thermidor (from Greek thermē ‘summer heat’)
• Fructidor (from Latin fructus ‘fruit’)

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية ترحب باعتذار أوغندا بعد تصريحات قائد قوات الدفاع
  • لجنة المعلمين تتهم الحكومة بتزييف أعداد طلاب الشهادة السودانية
  • اكتمال الترتيبات .. ٣٤٣٦٤٤ طالبا وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة السودانية المؤجلة من العام ٢٠٢٣
  • ماكرون: فرنسا تشارك في عملية إعادة هيكلة الدين الإثيوبي
  • الخارجية السودانية: أي حل سلمي يجب أن يبنى على تنفيذ اتفاق جدة
  • أفتيته” يبحث مع وزيرة الشباب والرياضة السودانية تعزيز التعاون الرياضي بين ليبيا والسودان
  • 343644 طالبا وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة السودانية المؤجلة من العام 2023
  • أرقام جلوس احتياطية وتوقيت نهاري لامتحانات الشهادة السودانية
  • هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (2-2)
  • عقار يستنكر تسييس التعليم ويتلقى وعدًا من ممثل اليونسيف ويكشف عن خطة لإمتحانات الشهادة السودانية المؤجلة