قال الأمين العام للاتحاد الطلابي الإسلامي ببنغلادش "شيبير"، جاهد الإسلام، في حوار خاص مع "عربي21" إن: "الاحتجاجات الطلابية انطلقت رفضا لنظام الحصص في الوظائف الحكومية".

ولفت جاهد إلى أن "هذه الاحتجاجات تحوّلت فيما بعد إلى مظاهرات مطالبة بإصلاح النّظام ككل، ومطالبة أيضا بحكم ديمقراطي يشارك فيه الجميع، وليس فقط رابطة عوامي التي تنتمي لها رئيسة الوزراء السابقة، الشيخة حسينة".



وبخصوص ما إذا كان الطّلاب في بنغلاديش قد تأثروا بالربيع العربي، أكّد القائد الطلابي أن: "الوضع في بنغلادش مشابه للوضع في الدول العربية قبل الربيع العربي، من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وانتخابات مزورة وقمع شديد واعتقالات، وغيرها من الانتهاكات المشابهة".



وتاليا نص الحوار:


ما الذي دفع الطلاب للقيام بهذه الاحتجاجات؟ ولماذا الآن؟
على الرّغم من أن الحركة الاحتجاجية بدأت بمطلب إصلاح نظام الحصص في الوظائف الحكومية، إلا أننا نجد أنها تحوّلت في النهاية إلى حركة احتجاجية لإصلاح الدولة والنظام السياسي ككل.

كما تعلم وصلت رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة إلى السلطة في عام 2008، واستمروا في حكمهم لمدة تقارب 16 عاما، وللحفاظ على سلطتهم، قاموا مرارا وتكرارا بإجراء انتخابات برلمانية صورية وانتخابات ليلية، وهي انتخابات تعرضت لانتقادات واسعة في الداخل والخارج.

حيث كان من المقرر أن تبدأ انتخابات البرلمان الوطني لعام 2018، في تاريخ 29 كانون أول/ ديسمبر، في الساعة 8.00 صباحًا، وذكرت العديد من وسائل الإعلام أنه تحت الحماية الإدارية، قام قادة رابطة عوامي بإغلاق 40-70 في المئة من أوراق الاقتراع، في معظم الدوائر الانتخابية، قبل شروق الشمس.

وفي العديد من المراكز، قاموا بختم جميع أوراق الاقتراع، وتبين صحة ذلك عندما ذهبنا إلى مراكز التصويت، وقال الضباط إن التصويت قد اكتمل بالفعل، ولهذا السبب يطلق عليها الشعب البنغالي اسم "الانتخابات الليلية".

للأسف، لقد دمّروا حقوقنا الديمقراطية ونظامنا الديمقراطي وحقوق الإنسان، كذلك أجنحة الطلاب التابعة للحكومة الفاشية، كم عددهم؟ أعني، هل لا يزال هناك نشاطات في بنغلادش؟! لقد اضطهدت رابطة الطلاب "تشاترا" التابعة لرابطة عوامي، الطلاب الآخرين والشعب بشكل عام واقتحمت الحرم الجامعي.

احتجّ الطلاب أيضا على نظام الحصص في الوظائف الحكومية حيث يتم حرمان الطلاب من 56 في المئة من الوظائف الحكومية، وهذا يؤدي إلى حرمان الطلاب المتميزين والبارعين من حقهم بالوظيفة، ولهذا السّبب خرجوا إلى الشوارع.

لكن الحكومة حاولت إيقافهم باستخدام القوة عبر الأجهزة الأمنية، واستخدام قادة وموظفي حزبهم بشكل غير قانوني، لقد قتلوا أكثر من 500 طالب ومدني خلال هذه الاحتجاجات، وأصيب أكثر من 2000 شخص بإصابات خطيرة جدا، كما تم اعتقال حوالي 12 ألف شخص، أخيرا، ماذا سيحدث؟ نجد أن حسينة استقالت وهربت من البلاد.

ما هي مطالبكم الإضافية؟
حسناً، الآن يجب تحسين النظام، ونحن نعمل على ذلك، ومن الضّروري تغيير الهيكل الاجتماعي والسياسي الحالي، أيضا يجب تغيير الثقافة السياسية، أعتقد أن بنغلادش بلد ذو اقتصاد ذي إمكانيات كبيرة، وهناك العديد من الفرص لتطبيق القوة الفكرية لجيلنا الشاب.

إذا حصل شبابنا على فرصة كبيرة للانخراط في قطاع العمل وفقا لمؤهلاتهم، بغض النظر عن المحسوبية والقضايا الأخرى، سوف يكون بلدنا مزدهرا، إن شاء الله، ولهذا مطلبنا هو تحسين النظام السياسي بالكامل.


والقضية الأهم هي الاقتصاد القوي، ونظام التعليم الأفضل، والأمان الاجتماعي، وأيضا السياسة الخارجية الجيدة جدا، هذه هي الأمور التي من الضروري تحسينها في نظامنا الحالي حالا.

إلى أي مدى تأثّر الطلاب في بنغلادش بالحركات الطلابية والشعبية العربية خلال الربيع العربي؟
لو لاحظتم فإن الوضع في بنغلادش تحت دكتاتورية الشيخة حسينة، أعتقد أنه مشابه للوضع قبل الربيع العربي، حيث كان هناك ارتفاع مُفرط في الأسعار، كذلك ارتفاع نسبة البطالة، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، أيضا لا وجود لحرية التعبير.

بالتالي جميع هذه الانتهاكات موجودة هنا في بنغلادش، ونتيجة لذلك، عندما قتلوا أبو سعيد، وكان هو الشهيد الأول، في تلك اللحظة شعر جميع الناس وكأنه أخوهم أو أبنهم، كما شعروا أنهم هم أنفسهم أبو سعيد.

ولذك انفعل الناس وأصبحت أدمغتهم وكأنّها بارود متفجر، وفي النهاية، تدفق الملايين من الناس من جميع أنحاء البلاد نحو مقر رئيسة الوزراء، لذا أعتقد أن الربيع العربي مُحفز كبير للمتظاهرين ومنظمي هذه الاحتجاجات.

تم اتّهامكم بأنكم تُنفذون أجندة خارجية، ما ردّكم؟
تقول إن أنصار الحكومة يتّهموننا، بتنفيذ أجندة أجنبية، حقاً؟! إنه خطاب سخيف جدا، حسناً، من الذي طالب بذلك "التدخل الخارجي"؟ إنهم هم الذين لم يمتلكوا الشجاعة الكافية للظهور في انتخابات نزيهة خلال الفترات الانتخابية الثلاث الماضية، وسارعوا إلى بلدان مختلفة من قبل، ووافقوا على إجراء انتخاباتهم ليلاً، إنهم هم الذين دفعوا بنغلادش إلى الخلافات الجيوسياسية.

وقائدتهم لعبت بالبلاد، وتعيش الآن في بلد أجنبي، والآن يلقون اللوم علينا! هم لو كانوا يشعرون بالخجل لما كانوا أظهروا وجوههم للناس لأن شعب بنغلادش منزعج من مواجهتهم، إن الشعب لن ينسى "مجزرة يوليو" في لحظة قصيرة، لكن نحن نحاول تهدئة الناس، وتركيز الهجوم على تلك العمليات المثيرة للجدل.

هل تعتقد أن استقالة الشيخة حسينة كافية بالنسبة لكم؟ وما رأي الطلاب في تعيين السيد محمد يونس رئيسا للوزراء؟
لا، لا أعتقد أن استقالة حسينة كافية لنا، كما أنها ليست كافية لبلدنا، في الواقع، لقد أنشأت نظاما فاشيا في الهيكل الكلي للحكومة، وأفرادها لا يزالون في الحكومة، الاستقالة هي المحاولة الأولى أو الخطوة الأولى.

نحن بحاجة إلى تغيير هذه المؤسسات الدستورية الفوضوية والفاسدة، علاوة على ذلك، من الضروري تجميل وتحسين المؤسسات بالهيكل الاجتماعي والسياسي وإصلاح المناهج التعليمية المتحيزة وإصلاح الدستور أيضا، الآن، مهمّتنا هي القضاء على جميع الآليات والعقليات الفاشية من النظام الكلي في بنغلادش.


أمّا فيما يخص الدكتور محمد يونس، فهو الوحيد الحائز على جائزة نوبل في بنغلادش، وهو مقبول لدى جميع الأحزاب السياسية والأطراف الأخرى المعنية، والأهم من ذلك، أن الطلاب والذين هم الأبطال الحقيقيون لهذا التنظيم الجماعي سعداء، لذا، فقد اعتبرنا تعيينه فرصة إيجابية لتحقيق آمال الجماهير.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الحالي في بلدنا، كما تعلمون، بائس للغاية، سواء من ناحية فساد الشرطة والاضطرابات في أوضاع أجهزة إنفاذ القانون، ومن ناحية أخرى، هناك مشاكل البطالة، وارتفاع الأسعار وعلى رأسها أسعار المنتجات الضرورية، وإفلاس الاقتصاد.

نحن نعتقد أن الدكتور محمد يونس سيكون قادرا على التعامل مع هذا الوضع الفوضوي بشكل مثالي، وللعلم فإن اتحادنا "شيبر" مستعد لمساعدة الحكومة في أي مجال تراه ضروريا، وأيضا طاقمنا يقوم بذلك بالفعل حاليا.

برأيكم بعد استقالة الشيخة حسينة وتعيين محمد يونس رئيسا للوزراء، إلى أين ستذهب البلاد؟
في الواقع، الوضع الحالي الذي نواجهه يتضمّن بعض الأزمات، والتي تعتبر طبيعية بعد أي تغيير في نظام استبدادي استمرّ طويلا في الحكم، وعندما أدركوا أن حكومة الجيش هي التي سوف تحكمهم، أدركوا أن تنحيهم أمر لا مفر منه.

لكنهم حاولوا تدمير ممتلكات الدولة وإحداث الفوضى من خلال مهاجمة الناس وإبقائهم تحت الخوف باستخدام وكالات مختلفة، لكن إذا عملنا، نحن الطلاب وشعب بنغلادش معا من أجل تحسين البلاد، أعتقد أن الوضع سيتحسن قريبا، إن شاء الله.

لقد رأينا أن الجيش يتولى حاليا مسؤولية العملية السياسية، لكن هل تعتقد أنّ بقاء جميع قادة الجيش في مناصبهم أمرا يمكن الوثوق به؛ خاصة أنهم كانوا تحت قيادة الشيخة حسينة؟

في الواقع، جيش بنغلادش هو قوّة ماهرة ووطنية في بلادنا، ومن المعروف أن جميع أفراد الجيش يستلهمون روح الأمل من الشعب، ولقد كرّسوا حياتهم لحماية استقلالنا وحريات بلدنا.

لذلك أستطيع أن أقول بثقة، إن الأمل والإلهام وسرعة تلبية مطالب الجماهير في بنغلادش ستسود في أعمال الجيش، إن شاء الله، وأنا أؤمن بشدة أننا سنعمل مع الجيش لجعل بلدنا خاليا من التمييز ومتطورًا بشكل جيد أيضًا.

حدثت ثورة في مصر منذ حوالي 13 عاما وانقلب عليها الجيش، ممّا أدى إلى بقاء نفس الرئيس في السلطة لمدة 11 عاما، هل درستم مثل هذه الحالة وهل يمكن حدوث ذلك في بنغلادش؟
في الواقع، كان ذلك انقلابا عسكريا في مصر، لكن في بنغلادش الأمر مختلف تماما، فما حدث في بلدنا هو تنظيم جماهيري، كما تم تشكيل حكومة مؤقتة وفقا لمطالب الشعب، وجيشنا الوطني هو الذي نسّق هذا الإجراء، لذلك أعتقد أن هناك اختلاف كبير بين هاتين الحالتين.

أخيرا، هل أنتم مستعدون للمستقبل، وماذا تتوقعون أن يحدث في قادم الأيام؟
في المستقبل، بلا شك، الأيام القادمة ستكون مليئة بالتحدّيات، لكن هناك أسباب لنكون متفائلين أيضا، لأننا نرى العديد من الاحتمالات الممكنة في بنغلادش، إذا استطعنا التغلب على التحديات، فقد تتمكن بلادنا من لعب دور مهم في الجغرافيا السياسية.


ستزداد أهمية بنغلادش في السّياسة العالمية بالتأكيد، لدينا قوة عاملة كبيرة وماهرة، وإذا استطعنا استغلال هذه القوة العاملة بشكل صحيح، فسوف يرتفع اقتصاد البلاد بلا شك، كما سيساعدنا ذلك في بناء بنغلادش كدولة ذات ناتج محلي إجمالي عالي وجودة حياة جيدة أيضا.

ما علينا فعله هو القضاء على التمييز والفساد من كل نظام وضمان سيادة القانون، سيؤدي ذلك إلى توزيع عادل للثروات وتعزيز صورة الأمة، مما سيؤدي إلى تدفق المزيد من الاستثمارات من الخارج وكذلك من الداخل، لذا، أخيرا، آمل أن الأيام القادمة ستجلب التنمية والازدهار لبلادنا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات الاحتجاجات الطلابية بنغلادش الربيع العربي مصر الربيع العربي بنغلادش الاحتجاجات الطلابية المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوظائف الحکومیة هذه الاحتجاجات الربیع العربی الشیخة حسینة رابطة عوامی فی بنغلادش محمد یونس العدید من فی الواقع أعتقد أن

إقرأ أيضاً:

إيران في سوريا.. خفايا ومستقبل التغيير الديمغرافي الهادئ

منذ انخراطها في الحرب السورية لحماية النظام السوري من السقوط دخلت الاستراتيجية التي اتبعتها إيران في البلاد بعدة محطات كان أبرزها و"أخطرها"، حسب خبراء ومراقبين، تلك المتعلقة بعمليات "التغيير الديمغرافي" التي أحدثتها وشاركت بها مع ميليشياتها ووكلائها في عدة مدن وقرى وبلدات.

من بين تلك المدن تدمر التي تعرضت لضربة إسرائيلية كبيرة، الأسبوع الماضي، والقصير الواقعة بحمص في وسط البلاد والمحاذية للحدود مع لبنان، فضلا عن دير الزور المحافظة التي طالما تردد اسمها من منطلق ما فعلته وتفعله إيران هناك، إضافة إلى محيط مدينتي حلب ودمشق.

وتشير تقديرات تقريبية إلى أن عدد سكان تدمر بلغ في عام 2011 نحو 110 آلاف نسمة، لكن اليوم لم يتبق منهم سوى بعض العائلات "التي تعد على الأصابع"، كما يقول الشاب، أحمد المعمو، المقيم في إسطنبول، مضيفا لموقع "الحرة"، وهو من أهالي المدينة: "الفئة الأكبر التي تعيش في مدينتي الآن من ميليشيات إيران وعوائل العناصر والقادة".

قتل إثر الضربة الأخيرة على (عروس الصحراء) و"مدينة الملكة زنوبيا"، كما تعرف منذ عقود، عناصر من ميليشيا "فاطميون" و"زينبيون" ومن ميليشيات عراقية أخرى كـ"حركة النجباء"، وهؤلاء كانوا جلبوا عوائلهم إلى تدمر، بحسب الشاب السوري، وحولوا المدينة بالتدريج إلى "مستوطنة خاصة بهم"، على حد تعبيره.

لا تختلف حالة تدمر عن القصير التي سيطر عليها "حزب الله" اللبناني في عام 2013، ولم يسمح النظام السوري والأخير لسكانها بالعودة حتى الآن. ورغم وجود بعض "الاستثناءات" على صعيد عودة بعض العوائل يدفع أفرادها الآن ثمن "الصراع بين عدوين"، وفق تعبير الشاب عبد الله، الذي يقطن مع عائلته في شمال غرب سوريا.

يقيم حاليا في القصير ما بين 2000-5000 شخص، من أصل سكانها الـ60 ألفا بحسب الإحصاء الرسمي الصادر عن حكومة نظام الأسد في عام 2011.

ويقول عبد الله لموقع "الحرة": "تخيل أن مدينة كاملة ببضع سكان (في إشارة للقصير)، الغالبية ممن هم في الشتات يشاهدون ما يحصل فيها من بعيد وعلى شاشات التلفاز، الحسرة مضاعفة، لكنها أشد عندما يتعلق الأمر بحزب الله، وما فعله مع إيران هناك طوال سنوات".

وبعد أن انحرفت دفة الصراع بالتدريج لصالح نظام الأسد (عقب عام 2014) وثقت عدة تقارير محلية وغربية عمليات "تغيير ديمغرافي" قادتها إيران بهدوء، مع ميليشياتها ووكلائها في عدة مناطق سورية.

وفي حين شملت تلك العمليات إحلال سكان جدد بدل آخرين أصليين وصلت في مسارات أخرى إلى حد تقديم "الإغراءات" لتغيير الفطرة التي كان عليها السكان ونموا عليها، في سلوك "هادئ"، لوحظت أدواته في أكثر من ساحة ومناسبة.

ويجادل خبراء تحدث إليهم موقع "الحرة" بأن "التغيير الديمغرافي" لم يشمل كل المناطق التي سيطرت عليها إيران مع النظام السوري وأنه اقتصر على مواقع "استراتيجية" دون غيرها، لكن آخرين تحدثوا عن "استراتيجية مرسومة أسست وتؤسس لها إيران لبعيد"، كما الحالة التي اتبعتها سابقا في العراق.

وأمام ما تتعرض له إيران من ضغوط في المنطقة، على صعيد ملفاتها الخاصة والشكل العسكري والأمني العام لوكلائها في المنطقة وأبرزهم "حزب الله" تثار تساؤلات عن مآلات ذلك على ما بنته في سوريا بالتحديد، خلال السنوات الماضية.

"3 أشكال للتغيير الديمغرافي"

"التغيير الديمغرافي" يعني إحداث تغيير في بنية السكان، ووفقا للباحث في الشأن الإيراني، عبد الرحمن الحاج، فإن الممارس إيرانيا منه أخذ عدة أشكال في سوريا، أولها "التشييع وتغيير الهوية الدينية"، "بغرض خلق حاضنة موالية لإيران".

ويقول الحاج لموقع "الحرة" إن الشكل الأول الذي أحدثته إيران بدأ قبل اندلاع الثورة السورية في 2011، وحدثت فيه طفرة بعد هذا العام، واعتمد على الاستثمار في الفاقة والحاجة الاقتصادية للسكان، والحاجة للأمن والغذاء والتعليم (الحاجات الضرورية للبقاء)، وخاصة لدى الذين أنهكتهم سنوات الحرب.

كان أبرز أدوات إيران لتحقيق ذلك "الإغاثة" ونشاط المنظمات الإنسانية التابعة لها، والتي أسست لهذا الغرض، بالإضافة إلى المدارس الخاصة، والتطوع في الميليشيات الشيعية بهدف الحماية أو بسبب الإغراء المالي أو بسبب الحماية والخوف من التجنيد الإجباري.

ويوضح الباحث أن الشكل المتعلق بـ"التشييع وتغيير الهوية الدينية" استهدف عشرات الآلاف في أنحاء سوريا، وتركز بشكل رئيسي على الممرات الواصلة بين العراق وسوريا إلى لبنان وحلب ودرعا مرورا بحمص ودمشق، مشيرا إلى أنه "كان تغييرا بطيئا ومكلفا، لكنه أكثر استدامة من غيره".

في أعقاب تثبيت إيران أقدامها في سوريا أمنيا وعسكريا، عبر ميليشيات أجنبية ومحلية، أخذ التغيير الديمغرافي لإيران شكلا ثانيا في سوريا، وقام على وجه التحديد على عملية "تجريف السكان".

وحصل ما سبق في ريف دمشق ومحيط العاصمة، في مدن مثل داريا ودوما ومخيم اليرموك والقصير ومضايا والزبداني وغيرها، بحسب الحاج، ويضيف أن الهدف الإيراني وراء ذلك كان باتجاه "تقليص عدد السكان (غير المرغوب بهم والمقدرة أعدادهم بمئات الآلاف)".

استكمالا لعملية "التجريف" أخذت عمليات "التغيير" خلال السنوات الماضية شكلا جديدا وصل إلى نقطة إحلال سكان جدد، عبر توطينهم أو تجنيسهم أو شراء عقارات تتبع لإيران على نطاق واسع.

وقد جرت عمليات إحلال كثيرة في الوسط التجاري في مدينة دمشق وريفها وحمص وبشكل رئيسي في دير الزور وريفها الجنوبي، وفي أماكن سورية متفرقة أخرى، وفق الباحث السوري.

وفي حين يوضح الحاج أنه من غير المعروف حجم التغيير الذي تم بهذا الشكل، يشير إلى تغييرات معروفة وفق هذا النمط تمت في القصير وريفها والزبداني والقلمون ودمشق القديمة وجوبر وريف دمشق في ببيلا والقرى والبلدات في الغوطة الشرقية والغربية، خصوصا الواقعة على طريق المطار وفي البوكمال وريفها.

"سوريا حالة خاصة"

بناء على ما تظهره خرائط السيطرة في سوريا يتبين أن نفوذ إيران في البلاد يقتصر عسكريا وميليشياتيا على مناطق بعينها، مثل محافظة دير الزور ومحيط مدينة حلب ومحيط العاصمة السورية دمشق وفي حمص وسط البلاد.

ومع ذلك، لا تعكس الخرائط حجم النفوذ والتغلغل المرتبط بعمليات "التغيير الديمغرافي"، والتي تتشعب أدواتها في أكثر من ساحة ومجتمع، ودائما ما تبقى بعيدة عن دائرة الضوء.

ويعتقد الباحث في جامعة ماريلاند، المتابع لنشاطات وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط، فيليب سميث، أن التغيير الديمغرافي الذي عملت عليه إيران في سوريا "كان عملية بطيئة الحركة، ومقتصرة حاليا على بعض المناطق الاستراتيجية الرئيسية".

ويشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى القصير بريف محافظة حمص، المنطقة التي وقع فيها الهجوم الأول بقيادة "حزب الله" اللبناني، وتحولت فيما بعد وبالتدريج إلى بقعة جغرافية رئيسية لإعادة توطين الشيعة.

رغم أن هذه المنطقة (القصير) يوجد فيها مجتمع كبير مؤيد لحزب الله، إلا أن الأخير بدعم إيران نقل إليها آخرين، بما في ذلك اللبنانيين، بحسب الباحث في جامعة ماريلاند.

وانطبقت الحالة المذكورة أيضا على منطقة السيدة زينب وعلى محيط مدينة حلب.

كانت السيدة زينب موطنا لمجموعة واسعة من الشيعة الاثني عشرية، ولكن الآن تم استكمالها بالشيعة الأفغان الموالين لإيران، وبعضهم تابع لجماعة "فاطميون"، بحسب الباحث سميث.

وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة حلب ومحيطها، التي أعيد فيها توطين العديد من عوائل وعناصر الميليشيات، المحلية والأجنبية، أبرزها "فاطميون".

يعتبر الباحث أن "سوريا تشكل حالة خاصة تستند إلى تجارب سابقة شوهدت في لبنان والعراق"، لكنها تختلف من ناحية "التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي إلى حد كبير".

ومن جهتها ترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، أن "التغيير الديموغرافي الوحيد الذي نجحت إيران في تحقيقه جزئيا في سوريا كان من خلال العمليات العسكرية عبر نقل السكان وإخلاء المدن والمناطق الكبيرة من سكانها، ثم ملء هذه المناطق بعناصر ميليشياتهم وعائلاتهم".

منطقة القصير في ريف حمص الجنوبي، التي احتلها حزب الله في ربيع عام 2013، تم تفريغ سكانها وتمركز مقاتلوه هناك، والآن، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، يعيش عشرات الآلاف من الشيعة اللبنانيين هناك.

وتشير الباحثة في حديثها لموقع "الحرة" إلى أمثلة أخرى كذلك، مثل مناطق الزبداني ومضايا في ريف حلب.

"تسليح وترغيب"

في عام 2017 نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا نقلت فيه عن أحد كبار القادة اللبنانيين دون أن تسمه أن "إيران والنظام السوري لا يريدان وجود أي سُنّة بين دمشق وحمص والحدود اللبنانية. وهذا يمثل تحولا تاريخيا في التركيبة السكانية".

وجاء حديث المسؤول على هامش التعليق على العمليات العسكرية التي قادها حزب الله وكيل إيران في المنطقة في عدة مناطق سورية تقع على الحدود مع لبنان. أبرزها القصير ومدن أخرى تتبع لريف دمشق، مثل مضايا والزبداني.

وتحقق الهدف المتعلق بـ"عدم وجود أي سُنّة" أو تقليص نسبتهم بالفعل، وخاصة في مناطق القلمون المحاذية لحدود لبنان، إذ تم تهجير سكانها إلى مناطق الشمال السوري، ولم يسمح لهم بالعودة حتى الآن.

كما أشارت "الغارديان"، آنذاك، إلى أن المزارات الشيعية في داريا ودمشق كانت بمثابة مبرر لوجود حزب الله وغيره من الجماعات الشيعية المدعومة من إيران.

وفي غضون ذلك تم تحصين منطقة السيدة زينب على الجانب الجنوبي من العاصمة من قبل حزب الله وسكنتها عائلات الجماعة المسلحة، الذين انتقلوا للعيش هناك منذ أواخر عام 2012.

كما اشترت طهران أعدادا كبيرة من المنازل بالقرب من مسجد السيدة زينب، ومساحة من الأرض، التي تستخدمها لإنشاء منطقة عازلة أمنية - وهي نموذج مصغر لمشروعها الأكبر، وفق "الغارديان".

هذه الاستراتيجية لم تقتصر على المناطق المذكورة فحسب، بل توسعت خلال السنوات الماضية إلى مناطق أخرى، أبرزها دير الزور الواقعة على حدود العراق، وتنظر إليها إيران كبوابة لطريقها البري.

ويوضح الباحث السوري ومدير شبكة "دير الزور 24"، عمر أبو ليلى، أن أدلة التغيير الديمغرافي الذي أحدثته إيران في سوريا كثيرة هناك، ويقول إن تحقيق ذلك من قبلها شمل جانبين.

الجانب الأول: تسليح الميليشيات الطائفية التابعة لها، وإظهارها على أنها أقوى سلطة في المنطقة، لفرض الضغوط على الناس كي تغير أفكارها.

الجانب الثاني: الترغيب من خلال إرسال رجال دين وعمليات اغتيال ضد وجهاء وشيوخ دين بسبب رفضهم للفكر الشيعي، وهو ما حصل في دير الزور خلال السنوات الماضية.

ويؤكد أبو ليلى لموقع "الحرة" أن التغيير الذي عملت عليه إيران ليس جغرافيا فقط، بل عقائديا، ويتابع: "على مستوى نبع في شرق سوريا فقد حولته إيران إلى مزار، كما غيّرت الفطرة السليمة للسكان، وجلبت أناس من العراق وأسكنتهم مكان السكان الأصليين".

تعتبر مناطق شرق سوريا المحاذية للعراق من أكثر البقع التي تأثرت بالتغيير الديمغرافي الذي قادته إيران، بشكل عملي وليس نظري.

ويضيف أبو ليلى: "استخدمت في ذلك عدة أدوات بيد ميليشياتها المحلية والأجنبية. وقدمت أيضا الإغراءات".

"تشبه داعش بمشروعها"

في مقال تحليلي سابق بـ"معهد واشنطن" تشير الباحثة، علا الرفاعي، إلى أن "الحرس الثوري" الإيراني وقوات الحشد الشعبي تسللت إلى النسيج الاجتماعي للأغلبية من السكان العرب السنة في شرق سوريا، منذ استحواذها على المنطقة.

وتوضح أن هذا المسار جاء "من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية"، مما يساعدهم على فرض علامتهم من الإسلام الشيعي الاثني عشري على الذين يعانون من ضائقة مالية من السكان المحليين.

على سبيل المثال، وبمباركة نظام الأسد تقول الرفاعي إن "المركز الثقافي الإيراني في مدينة دير الزور يجبر طلاب المدارس والجامعات على المشاركة في فعالياته".

وتشير إلى أن "اتحاد شبيبة الثورة" المنبثق عن حزب البعث التابع للنظام أمر في وقت سابق أيضا مديرية التعليم المحلية بقيادة رحلات ميدانية لحضور الاحتفالات الدينية الشيعية، ومحاضرات "الحرس الثوري"، وفعاليات كتابة القصة القصيرة، والمسابقات الرياضية.

هذه المعلومات سبق وأن أكدها سكان لموقع "الحرة"، وأوضح الصحفي، زين العابدين العكيدي، في مارس 2024 أن الإيرانيين "يستهدفون الصغار على نحو أكبر من الكبار في دير الزور والمناطق التي ينتشرون فيها في شرق سوريا".

"يحكون لهم من خلال الجولات التي يقيمها المركز الثقافي عن مناقب قاسم سليماني والإمام علي"، وفق حديث الصحفي المقيم في دير الزور لـ"الحرة".

ويضيف: "يعملون مثل داعش ويحاولون غسل الأدمغة.. يريدون الصغار لا الكبار" ويركزون على مدينة دير الزور بشكل كبير، رغم نشاطات "المركز الثقافي" في مناطق وبلدات أخرى محيطة.

ويعتبر الباحث والصحفي أبو ليلى أن مشروع إيران في سوريا يشبه "المشروع الذي كان عليه تنظيم داعش والإيديولوجيا الخاصة به".

ويقول: "هو مشروع هش. إذا تلقى ضربة قوية سينتهي وإذا تم غض النظر عنه سيتنامى".

هل نجحت إيران؟

جميع أشكال التغيير الديمغرافي الذي قامت به إيران خلال السنوات الماضية في سوريا، وبشكل خاص منذ عام 2017 إلى اليوم "لازال واقعا غير مستقر وقابلا للتغير"، بحسب الباحث في الشأن الإيراني، عبد الرحمن الحاج.

وسيكون للتغييرات الإقليمية الجارية والضاغطة على حزب الله والميليشيات الإيرانية (التابعة للحرس الثوري) أثرا كبيرا في تراجع هذا التغيير الديمغرافي الذي تم على نطاق واسع.

وفي مقابل ما سبق تبرز عقبتين رئيسيتين تواجهان إيران في تغيير ديموغرافيا المجتمع السوري، وهما وفق الحاج: ضآلة وجود الشيعة السوريين (من غير المتشيعين) والنفور الشعبي، بسبب دورهم في مساعدة الأسد في المواجهة الدامية مع الثورة الشعبية ضد حكمه.

ولذلك يعتقد الحاج أن "أية تغييرات في وضع الإيرانيين في سوريا قد تطيح بجميع الجهود التي بذلوها، وأنفقوا عليها خلال سنوات طويلة".

وترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، أن سياسة طهران في إحداث تغيير داخل المجتمع السوري نفسه "فشلت"، رغم الأموال التي أُنفقت على هذه المهمة.

لا تزال عشائر شرق سوريا سنية وتفخر بذلك، كما أن جنوب دمشق، رغم النفوذ الإيراني الكبير هناك وتمركز ميليشياتها في بلدة السيدة زينب، لا يزال ذو غالبية سنية.

و"الرفض لم يكن فقط من السنة في سوريا، بل حتى داخل مناطق الأغلبية العلوية في محافظة طرطوس، حيث لم يكن هناك استجابة أو قبول لعملية التشييع التي تديرها طهران وحرسها الثوري"، بحسب الخبيرة.

وتضيف أنه وفي ظل التحركات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان، فمن المؤكد أن طهران قلقة من خسارة ورقة أخرى، وهي وجودها العسكري في سوريا، لكن الضامن الأهم لها في الملف السوري هو نظام الأسد نفسه.

ونظرا للنفوذ الإيراني الكبير داخل بنية هذا النظام، وتراجع استقلالية بشار الأسد وعودته إلى طهران في قرارات مصيرية، فإن هذا الواقع قد يكون سببا في أن تكون إيران أكثر مرونة في مسألة سحب ميليشياتها من سوريا طالما أن هناك ضمانات لبقاء الأسد في السلطة وتوفير الحماية الدولية والدعم الإقليمي له ولنظامه.

تعتقد كولوريوتي أن الأسد وفر لإيران مساحة كافية للعمل داخل المجتمع السوري بمختلف أطيافه وطوائفه، وقدم لهم تسهيلات كبيرة في هذا المجال من خلال الحفاظ على الوضع الأمني المنفلت في بعض المناطق ومن خلال الفساد المالي الذي أدى إلى واقع اقتصادي بائس في سوريا.

ويأتي ذلك في ظل المهمة المستمرة لهذا النظام لتفكيك المجتمع السوري، ضمن قرار تم تبنيه حتى قبل الثورة السورية.

"المراقبون للساحة السورية قبل عام 2011 يتذكرون الثورة التي أطلقها الأكراد في شرق سوريا في مدينة القامشلي عام 2004، مطالبين بحقهم في ممارسة أو تعلم لغتهم وحمل الهوية والجنسية السورية، وهي حقوق حُرم منها آلاف من الأكراد السوريين". ورد النظام على هذه الاحتجاجات بتقديمها كصراع بين الأكراد والقبائل العربية، بحسب الخبيرة.

كما اتبع النظام هذه "السياسة الخبيثة" بين دروز السويداء وقبائل درعا.

وتتابع كولوريوتي أن "هذا النهج برز بشكل أكثر وضوحا مع انطلاق الثورة السورية في مارس 2011 عندما قدم هذه الثورة كحركة سنية ضد العلويين والأقليات، مستغلا خوف الأقليات لحماية وتعزيز نظامه داخليا وحتى خارجيا تحت شعار (الأسد هو حامي الأقليات في سوريا)".

سياسة تفكيك نسيج الشعب السوري استمرت على أسس طائفية وقومية وتوسعت مع مرور الوقت، مما فتح الطريق أمام طهران للعمل داخل مجتمع هش منهك أمنيا واقتصاديا.

واختار الإيرانيون المناطق الريفية كهدف لاختراق المجتمع السوري، حيث تركزت منظماتهم الدينية في أرياف دير الزور، البوكمال، الرقة، حلب، حمص، دمشق، وطرطوس.

وكانت التغطية لهذه المنظمات هي الدعم الإنساني من خلال تقديم المساعدات الغذائية والطبية للمحتاجين، واستغلال الحاجة المادية داخل هذه المناطق الفقيرة لتجنيد سكانها في ميليشياتهم التي ترعاها "قوة القدس"، أو من خلال وسائل أكثر وضوحا عبر تقديم رواتب شهرية لأولئك الذين يعتنقون المذهب الشيعي، كما تحدثت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • إيران في سوريا.. خفايا ومستقبل التغيير الديمغرافي الهادئ
  • طلاب يرفعون أعلام فلسطين ولبنان فوق مبنى بجامعة كامبريدج (شاهد)
  • الشتاء قادم في أوروبا.. وتقلب أسعار الطاقة آت أيضا
  • غوارديولا يتعهد بإنهاء مسلسل الهزائم: لسنا معتادين على خسارات متتالية
  • جامعة حلوان: حسم انتخابات اتحاد الطلاب بالتزكية في جميع الكليات ماعدا الهندسة
  • 25 % انبعاثات أقل.. الأحساء تُشجع إعادة التشجير في مبادرة "سوياً نصنع التغيير"
  • الجيش السوداني يستعيد سنجة.. البرهان يتعهد بتحرير المزيد (شاهد)
  • "البلديات في صلب التغيير.. مناقشات حيوية بالجمعية العامة للـ ANCI " بإيطاليا
  • أمل وإحباط.. عربي21 تستطلع آراء ضحايا العدوان في غزة بشأن مذكرة اعتقال نتنياهو
  • ترسيم الحدود البريّة هدفٌ للوساطة الأميركية أيضاً: فماذا عن الملفّ؟