كشفت دراسة علمية أجريت في إسبانيا أن المزارعين في غرب أوروبا في العصر الحجري الحديث كانوا يستخدمون أساليب زراعية عصرية تكاد تضاهي الأساليب المعمول بها حاليا، وإن كانت تختلف عن طرق الزراعة التي كانت سائدة في مناطق أخرى في العالم القديم مثل الشرق الأوسط. وتوصل الفريق البحثي من جامعة برشلونة الإسبانية إلى أن المزارعين الأوائل قبل نحو سبعة آلاف سنة في غرب أوروبا كانوا يستخدمون طرق زراعية متقدمة من حيث استخدام الأسمدة وتنويع المحاصيل الزراعية بما يتماشى مع طبيعة التربة.


 وقامت الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية Proceedings of the National Academy of Sciences ببناء نموذج تصوري للبيئة الزراعية قبل آلاف السنين وطرق الحصاد وطبيعة المحاصيل والزراعات التي سادت في تلك الفترة في منطقة غرب أوروبا التي كانت تعرف باسم «لا دراجا» وتشمل الآراضي الإسبانية في الوقت الحالي، وتضمنت أيضا بيانات بشأن 16 موقعاً زراعياً شهدت نشأة نشاط الزراعة في تلك المنطقة من العالم. 
وأكدت النتائج أن الزراعة منذ نشأتها في شبه جزيرة إيبيريا قطعت شوطاً طويلاً فيما يتعلق بتقنيات زراعة الحبوب، وانتقلت في وقت لاحق إلى باقي أنحاء أوروبا، بعد أن حققت طفرة كبيرة مقارنة بمنطقة الهلال الخصيب في الشرق الأوسط الذي يعتبر مهد الثورة الزراعية في العصر الحجري الحديث.
 ومنذ أن عرف البشر الزراعة قبل أكثر من 12 الف سنة في الهلال الخصيب، تغيرت طبيعة العلاقة بين الانسان والبيئة التي يعيش فيها، كما تعدلت شكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات البشرية الأولى.
 وقام الفريق البحثي بأعمال حفر وبناء تصوري للبيئة القديمة اعتماداً على عينات حفريات النباتات من أجل التعرف على الظروف التي سادت في قرى منطقة لادراجا عندما نشأت الزراعة للمرة الأولى. وتركزت الدراسة على قرية زراعية على الضفاف الشرقية لبحيرة بانيوليس، وهي من أقدم مستوطنات نشاط الزراعة وتربية الماشية في شمال غرب شبه جزيرة إيبيريا خلال الفترة بين أعوام (5200 إلى 4800 قبل الميلاد)، كما شملت أيضا مناطق من جنوب فرنسا بغرض إعطاء البحث بعدا إقليمياً ليشمل أنشطة زراعة الحبوب في تلك المناطق بصفة عامة. 
ويقول الباحث جوزيب لويس أراوس المتخصص في علوم الأحياء بجامعة برشلونة، وعضو مركز سيركاً للأبحاث الزراعية في إسبانيا إن الزراعة بدأت في أراض غير مستصلحة، ولكن المزارعين الأوائل كانوا يحسنون اختيار التربة الصالحة للزراعة، ولم تختلف طبيعة المحاصيل التي اختارها المزارعون الأوائل في البداية عن النهج الذي سار عليه أحفادهم في نفس المناطق بعد آلاف السنين. 
واعتمد أرواس في الدراسة على عينات الحفريات الزراعية التي عثرت عليها عدة جامعات وهيئات بحثية أوروبية من أجل معرفة طبيعة نشاط الزراعة وخصائص المحاصيل في ذلك العصر.
 وكان المصدر الرئيسي لاستقاء المعلومات في تلك العصور التاريخية بقايا بذور النباتات والفواكه التي عثر عليها في المناطق الأثرية التي تم حفرها. وكان يتم إخضاع هذه العينات لعمليات فحص بالنظائر المشعة لاستكشاف خواص الممارسات الزراعية في الماضي البعيد، بحسب فيران أنطولين من المعهد الألماني للحفريات.
 وذكر أنطولين في تصريحات للموقع الإلكتروني «سايتيك ديلي» المتخصص في الأبحاث العلمية أن المحاصيل الرئيسية في منطقة لا دراجا كانت تتمثل في القمح الصلب والخشخاش، كما ظهر الشعير في مساحات محدودة بالإضافة إلى الذرة، مضيفا أن المساحات التي كانت مخصصة لزراعة الحبوب بشكل عام ظلت بدون تغيير خلال مختلف مراحل تطور الزراعة في تلك الحقبة.
 ويقول الباحث خوان بدرو فيريو من المجلس الوطني الإسباني للأبحاث إنه رغم أن أنشطة تدجين الحيوان لم تكن محور الدراسة، فقد تم العثور على عدة دلائل تؤكد أن حقول الحبوب في تلك المناطق شهدت أنشطة تربية للحيوان، وهو ما يفسر كيف اعتمد المزارعون الأوائل على فضلات الحيوان كوسيلة لتسميد الأرض الزراعية، كما تبين من عمليات الفحص بالنظائر المشعة لبذور الحبوب التي تم استخراجها خلال أعمال الحفر والتنقيب الأثري.
 وأظهرت الدراسة أن البيئة الطبيعية على ضفاف بحيرة بانيوليس كانت مواتية للزراعة عندما استوطن البشر تلك المناطق في العصر الحجري الحديث، وكشفت الدراسات التي أجريت على البذور القديمة أن المياه كانت وفيرة بتلك المناطق أكثر من الوقت الحالي، وأن الخضراوات التي كانت تزرع آنذاك تختلف عن الخضراوات التي تزرع حاليا حيث كانت تتطلب أجواء أكثر رطوبة من الآن، وكانت هناك وفرة في أشجار البلوط والغار والكساء الشجري على ضفاف الأنهار. 
وفي تصريحاته لموقع «سايتيك ديلي»، أكد الباحث جوزيب أراوس أن الدلائل العلمية تشير إلى أن «البيئة آنذاك كانت أكثر رطوبة مقارنة بالوقت الحالي، وبالتالي مناسبة لتطور نشاط الزراعة» مثلما كان الحال في مناطق أخرى في غرب المتوسط، موضحا أن نشاط الزراعة لم يكن ليتطور في تلك المناطق بنفس الوتيرة لو كانت هناك ظروف بيئية سلبية تتعارض مع أنشطة الزرع والحصاد.
 ورغم أن معلوماتنا بشأن طبيعة النشاط الزراعي خلال المراحل المبكرة من العصر الحجري الحديث مازالت قاصرة ومنقوصة، لاسيما في المستوطنات البشرية في مراحل ما قبل التاريخ نظراً لقلة الحفريات والعينات المتاحة التي يمكن إخضاعها للدراسة العلمية، فإن تقنيات وطرق البحث المتقدمة مثل علوم الفيزيولوجيا البيئية والفحص بالنظائر سوف تمهد الطريق في المستقبل لتسليط مزيد من الضوء على طبيعة نشاط الزراعة في فجر التاريخ. 

أخبار ذات صلة العراق يفقد 60 % من أراضيه الزراعية الزراعة الذكية مناخياً في الإمارات.. حلول مبتكرة لتحقيق الأمن الغذائي وحماية البيئة المصدر: د ب أ

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الزراعة العصر الحجری الحدیث نشاط الزراعة تلک المناطق الزراعة فی التی کانت فی تلک

إقرأ أيضاً:

طفرة غير مسبوقة.. 10 مليارات دولار قيمة الصادرات الزراعية لأول مرة

أعلن علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي قيمة الصادرات الزراعية التي حققتها مصر خلال العام الماضي والتي بلغت رقمًا غير مسبوق بقيمة تجاوزت 10.6 مليار دولار بزيادة اقتربت من 17% عن العام السابق، موجها التحية للمزارعين والمصدرين المصريين.

وأكّد وزير الزراعة خلال كلمة بمنتدى «توطين زراعة النباتات الطبية والعطرية بالوادي الجديد» أنَّ «التفتت الحيازي» من أهم التحديات التي تواجه الزراعة المصرية حيث تتجاوز حوالى 3,2 مليون مزارع، وبالتالي تمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد ونحاول التغلب عليه من خلال توسيع منظومة الزراعات التعاقدية وتوفير تمويل ميسر بنسبة 5% وبالتالي نستطيع تحقيق طفرة كبيرة في القطاع الزراعي.

«التفتت الحيازي» أكبر تحدي يوجه الزراعة

وأضاف أنَّ الدولة المصرية في السنوات الأخيرة وبفضل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بذلت قصارى جهدها في استصلاح الأراضي الجديدة سواء في الدلتا الجديدة أو الصعيد وتوشكي والوادي، ولذلك نحن نشجع المزارعين على اتباع الأساليب الحديثة في الزراعة والري حتى تكون هناك فرصة لزيادة الإنتاجية وتحقيق عائد اقتصادي كبير من خلال أيضا التصدير.

وأضاف فاروق أنَّ الدولة المصرية من أولوياتها دعم صغار المزارعين والاهتمام بالقيمة المضافة وسلاسل الإمداد، مشيرًا إلى تطلعه في انضمام جميع صغار المزارعين إلى منظومة الزراعة التعاقدية وبالتالي نضمن زيادة مساحة الأراضي الزراعية لأكثر من 10% مهدرة في الحدود والترع والمصارف والطرق بين الحيازات الصغيرة المفتتة كما تضمن الزراعة التعاقدية عودة الدورة الزراعية اختياريا دون إجبار المزارعين عليها.

الزراعة التعاقدية تسهم في زيادة مساحة الأراضي الزراعية

وشدد وزير الزراعة على اهتمام الدولة بالممارسات الحديثة وكذلك الزراعات الأورجانيك، بما يضمن تكويد هذه المزارع والتصدير مباشرة دون الدخول في تعقيدات وإجراءات إدارية.

وقال إنَّ الحكومة حاليًا تعمل كلها مع بعضها بروح الفريق والمستثمر أصبح من أهم أولوياتها مشيرًا على دور مركز البحوث الزراعية في استنباط أصناف جديدة من التقاوي والبذور للمحاصيل الاستراتيجية عالية الجودة والإنتاجية، وكذلك دور الإرشاد الزراعي الذي يستعيد مكانته مرة أخرى في دعم المزارعين، مشيرًا إلى أنه يوميًا تصدر من الوزارة بيانات وتوصيات وارشادات بما يجرى على أرض الواقع والتواجد الميداني مع المزارعين في الحقول والمزارع.

جاء ذلك خلال كلمة وزير الزراعة في منتدى «توطين زراعة النباتات الطبية والعطرية العضوية في محافظة الوادي الجديد» والذى استضافته ونظمته جامعة هليوبوليس بحضور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، واللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، والدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، والدكتور حلمي أبو العيش رئيس مجلس أمناء جامعة هليوبوليس وبعض العلماء والخبراء والمتخصصين والمزارعين.

مقالات مشابهة

  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • طفرة غير مسبوقة.. 10 مليارات دولار قيمة الصادرات الزراعية لأول مرة
  • وزير الزراعة يتابع خطة مسح الأضرار الزراعية في الجنوب
  • المنوفية: إزالة 4906 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية
  • ”الزراعة الذكية“.. الفضلي: المملكة رائدة في الحلول الزراعية المستدامة
  • الكشف على 7 آلاف شخص في قوافل طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» بسوهاج
  • صحة سوهاج: الكشف الطبي على 7 آلاف مواطن خلال يناير 2025
  • بالفيديو.. مسؤولون: الهليكوبتر التي تحطمت كانت ضمن وحدة استعداد في حالة هجوم على أمريكا
  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • بالأرقام والتفاصيل.. الكشف عن كافة العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني إسناداً لغزة