هواهم يجافي جنيف والجنينة!
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
بثينة تروس
اَفة حكم الإسلاميين ان الذين خارج تمكينهم، لا يعبئون بحياتهم او مماتهم! فحين تعلقت افئدة السودانيين بمحادثات جنيف أملاً في اتفاق يحقن الدماء ويحفظ أرواحهم، ويمدهم بالمساعدات الإنسانية من المواد الغذائية والعلاج، نشط سماسرة حرب أبريل ومستثمرو الازمات في تعويق المحادثات، وعلت موجة التهديد للبرهان في امتداد لظاهرة قادة الجيش الذين يهابون الفلول، سماسرة الموت، فهم يجلبون لهم أبناء المساكين لساحات الفداء، في الوقت الذي أمنوا لأبنائهم في الحركة الإسلامية العيش الاَمن واستمرار الحياة خارج البلاد بعيدا عن (البل) و(الجغم)! فشهدنا اثناء تلك المباحثات تباري طرفي الحرب في المزيد من إراقة دماء للمواطنين، كل فريق يعلن انه بصدد دك مناطق تواجد حواضن الطرف الآخر، والمحصلة البائنة أن الطرفين يزهقان أرواح المدنيين بدم بارد.
الشاهد قط لم تكن الأوضاع الإنسانية والكوارث شغل شاغل للحركة الإسلامية في دست الحكم، فلقد ظل المواطن يدفع فاتورة سوء سياساتهم، وتحمل كلفتها الباهظة، وجبلت الحكومة علي تطفيف الموت الجماعي بسبب حمي الضنك والكوليرا في زمان الامطار والفيضانات، ولم يحدث قط ان أعلنت عن الكارثة الصحية للمواطنين، بل يزعم اعلامها المضلل انها مجرد (اسهالات مائية) ولو مات جميع من بتلك المناطق المنكوبة. اما ما كان يحدث من مجازر الموت والاغتصابات في مناطق دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق تبرر له الحكومة بذرائع صد الاحتراب القبلي والجهوي، متخذين أداة سلطة الاعلام في تغبيش الراي العام حول تطفيف اعداد القتلى وليس نفي القتل، لذلك كان نصيب المواطنين في تلك المناطق المهمشة (الموت لأتفه الأسباب). فما يحدث في الجنينة اليوم من تناثر أشلاء النساء والشيوخ والأطفال بعد قصف طيران الجيش لا يعني شيئا للمتأسلمين، وبالمقابل كانت قضايا تلك المناطق هي هم المعارضين السياسيين الذين قال في حقهم الخبير الاستراتيجي للجيش من منفاه في (بورتكيزان) موتوا في منافيكم!
وشتان ما بين الموت في المنافي من أجل الوطن، وبين الموت في سبيل السلطة، فموت المنافي شرف بسقوف أخلاقية تناهض الظلم وتنشد العدالة لمطلق مواطن سوداني في أي بقعة من أرضه، وهذا ما لم يتيسر للفلول الذين يموتون متخمين في بلدان باعوا لها موارد البلاد احتساباً وإعداداً مستطاعاً للهروب عند سقوط مشروعهم الإسلاموي.. لذلك كان المجدين في إجهاض المفاوضات بجنيف يتلكؤون ويحتمون باتفاق جدة وتنفيذ بنوده كاملة، مع العلم ان منبر جدة لم يسهم ولو في هدنة طويلة الأمد بين الأشقاء المتقاتلين! لكي يتيسر توصيل المساعدات.. ولذلك تجد ان هواهم ليس بجنيف ولا يؤلم ضمائرهم ما يواجهه النازحون الفارون من جحيم الحرب الذين يعيشون في أسوأ حالات العوز واللجوء وانسداد أفق الرجوع لمنازلهم التي صارت ورقة اتجار في المفاوضات لدى مليشيا الدعم السريع والجيش، والموت يحصد من انسدت لديهم سبل الفرار وظلوا حبيسي الموت بل موعودين بمزيد من إراقة الدماء في سبيل تحقيق اماني الجيش في الانتصار!ـ إذ يستقبل الدعم السريع احدث الاسلحة الفتاكة من حليفتها الامارات، ومصر لم تبخل علي الجيش السوداني بما يمكنه من استطالة أمد الحرب لتصير البلاد خرابا وضيعة مفتوحة للدولتين ترعى فيها متى ما شحت المياه والمعادن والثروة الحيوانية والأراضي الخصبة! وعلي التحقيق يظل الواقع ان تلك الدول لم تتمكن من تلابيب الدولة إلا بعد أن مكنها الإخوان المسلمين من ذلك، في خلال معركتهم مع المواطن وحربه الدائمة ضده لأكثر من ثلاث عقود! فلا نعيب زماننا والعيب فينا، فمن الذي فرط في سيادة بلده؟ ولا يزالون؟ انهم هم الذين لا تستهويهم دعوات إيقاف الحرب لا يهمهم ان تطاول امدها او تغيرت ديمغرافيا البلاد وتم تدمير بنيتها الاقتصادية ونهبها من الدول الطامعة في خيراتها، فهواهم يجافي السلام وسعيهم أن يحارب من تبقى من شعب جائع ومذعور ويحلم بالسلام، ان يحمل السلاح ويقاتل الجنجويد الذين فشلت المؤسسة العسكرية المؤهلة من قتالهم، فبعد جنيف سينصرف العالم عن حرب السودان، والبلاد موعودة بمزيد من نزيف الدماء وأرتال من الجوعى والمشردين وتراب بلد تفوح منها رائحة الموتى!
الوسومبثينة تروس
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
الحزب المحلول.. هل عاد نشاطه بموافقة وشروط الجيش؟
رئيس الحزب المحلول يعتزم تكثيف نشاطه وزيارة عدو ولايات لإطلاع الأعضاء على خطة العمل الجديدة بعد تكليفه بقيادة الحزب.
بورتسودان – كمبالا: التغيير
بدأ حزب المؤتمر الوطني المحلول، يتحرك بصورة طبيعة بعد أن وجد الضوء الأخضر من قادة الجيش السوداني، وأصبح يمارس نشاطاته تحت مرأى وسمع الجميع، دون أن يتقيد بالقانون الذي أقر حله بأمر حكومة ثورة ديسمبر المجيدة، ما يطرح التساؤل هل كانت هذه العودة بموافقة وشروط الجيش؟!.
الشاهد أنه فور عودة رئيس الحزب المحلول المكلف إبراهيم محمود حامد إلى البلاد بدايات الشهر الحالي، تم استقباله في صالة كبار الزوار بمطار بورتسودان الدولي تحت لافتة القبيلة، ولكن سرعان ما تكشف الأمر بأن عودته جاءت بمباركة من الحكومة التي يسيطر عليها الجيش، وبترتيب من عناصر الحزب المحلول الذين استفادوا من حالة الفوضى التي خلفتها حرب 15 أبريل- بحسب مصادر.
وأطاحت ثورة ديسمبر 2018م بنظام المؤتمر الوطني المحلول وتم التحفظ على رأس النظام عمر البشير قبل أن يتم إيداعه السجن برفقة أعوانه، وقبل إطاحته بأكثر من شهر، نقل البشير سلطاته الحزبية إلى نائبه المعين حديثاً حينها أحمد محمد هارون، وبعد اعتقاله في أبريل 2019م، كلف وزير الخارجية إبراهيم غندور، إلا أن اعتقاله أيضاً جعل رئاسة الحزب تذهب إلى إبراهيم محمود بشكل مؤقت، وبعد خروج غندور من السجن تمسّك محمود بمنصبه وأصبح ينازع غندور فيه، قبل أن يطيح به في يوليو الماضي ويكون أمانات جديدة للحزب.
إشعال الحربوكان اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة الانتقالي والوزراء لحكومة الفترة الانتقالية أقر في 2019م قانون “تفكيك نظام الإنقاذ”، ونص على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، علاوة على حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له، أو لأي شخص أو كيان مرتبط به، ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة، وشرعت لجنة إزالة التمكين في مصادرة الأصول من قيادات الوطني وأودعت عدداً كبيراً منهم السجن.
لكن الحزب المحلول لم يلتزم بالقرار، وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي نفذه قائدا الجيش وقوات الدعم السريع، استعاد وقياداته نشاطهم عبر واجهات عدة، وساعد في ذلك قيام حرب 15 أبريل التي يتهم أنصار الحزب المحلول بإشعالها.
وبعد اندلاع الحرب انخرط عناصر الحزب المحلول والحركة الإسلامية في القتال بجانب الجيش عبر كتائب البراء والبنيان المرصوص وغيرها من المسميات، وأصبح الحزب ينشر بيانات رسمية ويحدد مواقفه بصورة علنية في جميع القضايا.
استقبال وتدشينوتعتبر عودة إبراهيم محمود إلى السودان بعد قضاء أكثر من عام بالخارج، واستقباله بشكل رسمي، إعلاناً رسمياً لتدشين الحزب نشاطاته، إذ أنه وخلال مخاطبته الحضور، حيا حامد القوات المسلحة والمشتركة في دارفور، وقال إنها تخوض معركة بقاء السودان، وأثنى على وقوف السودانيين خلف جيشهم، وقلل من المخاوف الغربية والأمريكية بشأن أوضاع السودان، مؤكدا أنه إذا توحّد أهل السودان فلن تصيبهم مشكلة، ورأى التحدي في أن ينتصر الجيش في معركته وأن يتوافق أهل السودان وقواه السياسية على إدارة شؤونهم.
وقال حامد يومها، إن الشعب السوداني لن ينخدع مرة أخرى بـ”قصص وحواديت” المعارضة، من شاكلة أن “مشكلة البلد في الكيزان”، (أي الإسلاميين)، وأنه بذهابهم سيتحسن الوضع، وتابع “براكم شفتو الحصل شنو”.
خلافات على القيادة
ويرى مراقبون أن عودة إبراهيم محمود للبلاد نتيجة للخلافات داخل قيادة الحزب، التي وصلت مرحلة ما قبل الانشقاق، منذ أن أعلن نفسه رئيساً للحزب دون أن يجد المباركة والتأييد من المؤسسات التنظيمية للحزب برئاسة الرئيس الشرعي إبراهيم غندور.
لكن مصدراً مقرباً من الحزب المحلول، نفى وجود خلافات داخل الحزب، ووصفه بأنه في أفضل حالاته، وتجاوز ما تعرض له وأجرى مراجعات شاملة.
وقال المصدر لـ(التغيير)، إن التباين في وجهات النظر والخلل التنظيمي يمكن معالجته عبر مؤسسات الحزب، مشدداً على أن التعقيدات التنظيمية فرضتها الظروف التي مرت بها البلاد والحزب، وأن المؤسسات قادرة على تجاوزها.
شروط الجيشفيما أكدت مصادر مطلعة لـ(التغيير)، أن رئيس الحزب المحلول عاد للبلاد بعد أن وجد موافقة مشروطة من قادة الجيش السوداني، ومنها ألا يتحدث الحزب عن قادته الأربعة الموجودين داخل السجن، فضلاً عن الدعم الكامل والوقوف إلى جانب الجيش في حرب الكرامة، وإبعاد كل من يخالف هذا الاتجاه.
وأكدت المصادر أن إبراهيم سيعمل على تكثيف نشاطه هذه الأيام، ويجري الآن زيارة لمدينة كسلا، وأشارت إلى أن الخطوة القادمة له هي زيارة ولايتي الشمالية ونهر النيل ليطلع أعضاء الحزب على خطة العمل الجديدة بعد تكليفه برئاسة الحزب.
مؤشر خطيروكان مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، وصف عودة رئيس الحزب المحلول إلى بورتسودان وظهوره في الساحة السياسية بأنها تعد محاولة لإعادة إحياء دور المؤتمر الوطني بعد أن استحوذت الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي على الأوضاع العسكرية.
وقال طبيق في تغريدة له على منصة “إكس”، إن هناك انقسامات عميقة داخل صفوف المؤتمر الوطني، حيث يمثل إبراهيم محمود جناح الدكتور نافع، بينما يمثل علي كرتي جناح علي عثمان محمد طه، وهو التيار الذي كان له دور في إشعال النزاع الذي اندلع في 15 أبريل.
وفي السياق ذاته، حذر الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بكري الجاك، من عودة حزب المؤتمر الوطني، واعتبر ذلك مؤشراً خطيراً يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية وإطالة أمد الحرب.
وقال في تصريح سابق لـ(التغيير)، إن “ظهور إبراهيم محمود حامد بمدينة بورتسودان يؤكد أن كوادر المؤتمر الوطني ومليشياته بدأت ترتب للعودة لحكم البلاد بعد إشعالها الحرب”، وأضاف: “تحركاتهم الأخيرة تؤكد ذلك حتى لو كانت في ولاية واحدة”.
وعلى الصعيد، قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي، صلاح مناع، إن عودة الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني “المحلول” إبراهيم محمود، إلى مدينة بورتسودان، تؤكد أن “معركة الكرامة” معركة الحركة الإسلامية.
وأضاف في تغريدة على منصة “إكس”، أن ظهور قيادات “الوطني” يؤكد أن الحرب ليست “حرب كرامة” بل لاستعادة ملكهم البائد وإجهاض ثورة ديسمبر”.
أمران أحلاهما مربدوره، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، أن تراجع موقف الجيش على الأرض، مع تنامي الضغوط الدولية، وفرض ما يشبه الحصار الدبلوماسي على حكومة الأمر الواقع، فضلا عن انحسار شعبية الحرب بعد دخولھا العام الثاني مع اتساع نسبي متدرج لجبھة رفض استمرار الحرب، “كل ھذه العوامل مجتمعة أدت لمراجعات وإن جاءت محدودة داخل صف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وتبع ذلك صدور انتقادات علنية من إسلاميين بارزين لفكرة المضي في الحرب دون وجود بوادر انتصار محتملة”.
وقال الفاضل لـ(التغيير): “الإسلاميون يواجھون أمرين أحلاھما مر في النھاية، أمر الاستمرار في حرب ربما تقود التيار إلى ھزيمة ساحقة بعد انھيار الجيش المترنح، أو القبول بمبدأ التفاوض الذي يخرجھم عن معادلات مرحلة ما بعد الحرب، ومواجھة شبح المساءلة والمحاسبة عن الحرب، مع الذھاب في إجراءات أكثر صرامة تسعى لتفكيك بنية نظامھم وشبكاته وواجھاته التي اھترأت بفعل الحرب”.
الوسومإبراهيم غندور إبراهيم محمود حامد الجيش الدعم السريع السودان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم حزب المؤتمر الوطني المحلول