سوزان نايمان، الفيلسوفة الألمانية ومديرة «منتدى أينشتاين» في ألمانيا، تذهب أبعد من التساؤل الافتراضي في عنوان هذه المقالة؛ فلا تتردد في الحديث عن «مكارثية فيلو ــ سامية» عند التعليق على المدى الذي ذهبت إليه ألمانيا، على أصعدة الحكومة والعديد من هيئات المجتمع المدني السياسية والأكاديمية والثقافية، في مساندة دولة الاحتلال، طوال الأشهر التي شهدت انخراط الجيش الإسرائيلي في جرائم حرب إبادية ضدّ المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة.



وفي مقالة مسهبة بعنوان «اختلال المحاسبة التاريخية» نشرتها المجلة الأمريكية «نيويورك ريفيو أوف بوكس» غير المعروفة بنقد الصهيونية، تساجل نايمان بأنّ «ثقافة الذاكرة» التي امتدحها مراقبون كُثُر بوصفها شكلاً نموذجياً لمحاسبة الماضي؛ تُستبَدل اليوم بـ»مكارثية صهيونية» لا تستهدف دعاة التضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة حرب الإبادة الإسرائيلية فقط، بل تشمل أيضاً كتّاباً وفنانين يهودي الديانة من ناقدي دولة الاحتلال.

آخرون من ضحايا هذه المكارثية هم أولئك الذين ساجلوا، منذ فجر تلك الثقافة الألمانية، بأنها في المضمون الفعلي مساندة غير مشروطة لدولة الاحتلال، واستسلام أمام المقولات الصهيونية الاستعمارية والاستيطانية.

وتكتب نايمان أنّ التصميم الألماني على اقتلاع العداء للسامية، من جانب الحكومة وهيئات المجتمع المدني هنا أيضاً، «انتقل من اليقظة إلى الهستيريا. كلّ طلب للحصول على منحة أو عمل كان يخضع لتدقيق يفتش عن علامات مزاعم العداء للسامية، بغضّ النظر عن المصدر، خدمت كأرضية لسحب الجوائز وعقود العمل أو إلغاء المعارض والعروض. ورغم أنّ إحصائيات الشرطة كانت تلقي 90 في المئة من المسؤولية عن جرائم الكراهية المعادية للسامية على الألمان البيض في صفوف اليمين أساساً، ظلّ المسلمون والملونون الأكثر استهدافاً في حملات وسائل الإعلام».



هذه حقائق سبقت 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023 بالطبع، أو لا صلة تجمعها باهتياج الانحياز الأعمى لدولة الاحتلال، الذي اجتاح ألمانيا، حكومة ومجتمعاً مدنياً هنا أيضاً، حتى باتت برلين تنافس واشنطن أو تسبقها أحياناً من حيث التواطؤ مع جرائم الحرب الإسرائيلية؛ ولم تكن الذروة تلهّف ألمانيا على الانضمام إلى فريق الدفاع عن دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، أو التعنت أكثر فأكثر في تسليح جيش الإبادة الإسرائيلي، ومسارعة المستشار الألماني أولاف شولتس للانضمام إلى «حجيج» جو بايدن وريشي سوناك وإمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لاين وسواهم من قادة الديمقراطيات الغربية، لاحتضان مجرم الحرب بنيامين نتنياهو.
هذه مكارثية صهيونية لا تتجذّر أعمق وأبعد في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الألماني إلا إذا تمّ تحصينها بسلسلة من القوانين والتشريعات
وهذه مكارثية صهيونية لا تتجذّر أعمق وأبعد في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الألماني إلا إذا تمّ تحصينها بسلسلة من القوانين والتشريعات، التي يكون بين أبرز أغراضها أن تتكفل بمنح القضاء أدوات ردع قاطعة في المحاكم؛ على غرار تصويت البرلمان الألماني، سنة 2019، على قانون يعتبر كلّ مساند لحملة المقاطعة المعروفة BDS أو مؤمن بمبادئها، مداناً بجُرم العداء للسامية؛ وممنوعاً، بالتالي، من الظهور على أيّ مسرح أو المحاضرة في أيّ منتدى يتمتع بتمويل حكومي.

ولكن لأنّ كلّ مؤسسة ثقافية في ألمانيا تتلقى هذا الشكل أو ذاك من التمويل الحكومي فإنّ التشريع، تقول نايمان، «بات حظراً فعلياً لكلّ من يُشكّ في صلته بحركة المقاطعة، ضمن مفهوم بقي غائماً ومبهماً على الدوام».

المثال الثاني من المجتمع المدني هذه المرّة، بصدد استخدام مفردة «أبارتيد» التي تعني، في نهاية المطاف، نطاقاً دلالياً يصف منظومات حكم وتمييز عنصري؛ ولكنها في ألمانيا يمكن أن تقود إلى الإقصاء والعزل والإلغاء، وإذا اقترنت بدولة الاحتلال أو بالصهيونية فإنها تلقائياً تعني العداء للسامية.



وإذا كان النقاش مفتوحاً وميدان أخذ وردّ لدى الباحثين الإسرائيليين أنفسهم، حول شيوع منظومات الأبارتيد داخل ما يُسمى بـ»المنطقة الخضراء» في فلسطين التاريخية؛ فإنّ الخلاف شبه منعدم حول خضوع الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة لأنماط من الأبارتيد أسوأ من تلك التي اشتُهرت بها أفريقيا الجنوبية.

ولكن حين أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها المعنون «أبارتيد إسرائيل بحقّ الفلسطينيين» سارع فرع المنظمة في ألمانيا إلى النأي بنفسه عن التقرير، ورفض إدراجه للمناقشة في الندوات والملتقيات.

صحيح أنّ بذور هذه المكارثية زُرعت، واستُتبت ورُعيت في عهود، وبإشراف مباشر من، المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، التي هيمنت أيضاً على كامل الحياة السياسية في ألمانيا طوال الـ20 سنة المنصرمة؛ إلا أنّ مشهد التحالفات السياسية الحاكمة اليوم في برلين لا يضيف إلى إرث ميركل عناصر أدهى وأبعد أثراً فحسب، بل هو بصدد العلاقة مع دولة الاحتلال يقترب حثيثاً من تشييد معمار عجيب شاذّ الأركان، كما تجزم نايمان: التحالف بين يسار الوسط في ألمانيا، واليمين في أمريكا ودولة الاحتلال.

ألمانيا اليوم يحكمها تحالف من «الديمقراطيين الاشتراكيين» و«الخضر» و«الديمقراطيين الأحرار» وفي الموقف من حرب الإبادة الإسرائيلية تبدو مواقف هذا التحالف، حسب نايمان دائماً، على يمين الـ AIPAC، «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية» أي مجموعة الضغط الأبرز في مساندة دولة الاحتلال على نطاق الولايات المتحدة!

من جانب آخر، لا يصحّ أن تُفهم هذه الظاهرة بمعزل عن تحوّلات «اليسار الجديد» الألماني خلال ستينيات القرن المنصرم، وضمن سياق حركات الاحتجاج الطلابية للعام الشهير 1968، واعتناق هذا اليسار تحديداً مبدأ تخليص الوجدان الجَمْعي الألماني من ذنوب الهولوكوست عبر ربط الهوية الألمانية بمبدأ محاسبة التاريخ، وبالتالي إشاعة «ثقافة الذاكرة» إياها.

ولعلّ النموذج الأبرز على ذلك اليسار، وتلك الحقبة من علاقة الضمير الألماني بالصهيونية ودولة الاحتلال، هو يوشكا فيشر: الذي بدأ من يسار مناهض للصهيونية، وانتقل إلى تيار الخضر، ثمّ الانخراط في تحالف حكومي مع غيرهارد شرودر، وصولاً إلى اعتمار القبعة اليهودية أمام حائط المبكى وتصنيف أيّ نقد لدولة الاحتلال (بما في ذلك أيّ حديث عن الإبادة الجماعية) في خانة العداء للسامية.



وتبعاً لخطوط المسار التاريخي للعلاقات الألمانية ــ الإسرائيلية، كان المستشار كونراد أديناور أوّل من أدخل في صلب سياسات الدولة الداخلية والخارجية قاعدةَ تكريس الإحساس بالذنب تجاه الهولوكوست وعذابات اليهود، وترجمتها إلى معونات مالية وعسكرية هائلة تدفقت على دولة الاحتلال، أخذت غالباً صفة التعويضات غير المعلنة.

وكان فيشر، السياسي اليساري ثمّ وزير الخارجية، أبرز أمثلة تحوّل اليسار، سواء الرديكالي أو ذاك الذي استقرّ على البيئة وتيارات الخضر، إلى دمج محاربة اليقظة النازية باستئصال العداء للسامية؛ ولكن إلى درجة التعامي عن جرائم حرب صريحة، وإغماض العين عن إدانة الاحتلال والاستيطان بموجب القانون الدولي.

وأمّا ميركل فكانت أوّل مستشار(ة) تلقي كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي، اعتبرت خلالها أنّ مسؤولية ألمانيا التاريخية، تجاه الحفاظ على أمن دولة الاحتلال، إنما ترقى إلى «علّة وجود» عند الدولة الألمانية.

الراسخ، مع ذلك، أنّ إغراق ألمانيا في ثقافة ذاكرة هولوكوستية من جهة، وإشاعة مكارثية فيلو ــ سامية سياسية وفكرية وأكاديمية وحقوقية وثقافية من جهة ثانية، لن تنقذ الألمان من سخط باحث أمريكي يهودي مثل دانييل جوناه غولدهاغن، صاحب مجلد في 619 صفحة، عنوانه «جلاّدو هتلر المتطوعون: الألمان العاديون والهولوكوست»؛ تنهض أطروحته الوحيدة على هذا الجزم الرهيب القاطع: «ألمانيا بأسرها، بلداً وشعباً وثقافة، مسؤولة عن الهولوكوست» لأنّ «الأمّة الألمانية هي الهولوكوست، ولولا هذه الأمّة لما كان الهولوكوست»!

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال المانيا غزة الاحتلال العدوان مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا أفكار سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العداء للسامیة دولة الاحتلال ة الألمانیة فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

مسؤول فلسطيني: تهجير الغزيين سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة

قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد أبوهولى، إن تهجير الفلسطينيين قسريا سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة بتهديد الأمن القومى المصري والأردنى.

وأشار أبو هولي في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع" المصرية،  إلى أن خطط إسرائيل لتهجير أبناء الشعب الفلسطينى ستؤدى إلى التطرف.

ونوّه إلى أن إسرائيل لديها مخطط لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وهو ما تعمل عليه ليل نهار وفى سباق مع الزمن لتحقيقه.

وفيما يلى نص الحوار كما نشرته الصحيفة:

كيف تنظرون إلى المخطط الإسرائيلى لتهجير سكان غزة خارج القطاع خلال الفترة المقبلة؟

المخطط الإسرائيلى لتهجير سكان قطاع غزة إلى خارجه، هو مخطط خطير يهدف إلى تصفية المشروع الوطنى الفلسطينى وينسف قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، فهو ينسف حق الشعب الفلسطينى فى العودة وتقرير مصيره بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، كما يهدف المخطط إلى إسقاط حق العودة وتصفية قضية اللاجئين، خاصة أن المخطط أعلن فى الوقت الذى أعلنت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلى أن أحد أهداف حربها المعلن على قطاع غزة هو القضاء على الأونروا وإنهاء دورها فى المنطقة.

دولة الاحتلال الإسرائيلى تسعى عبر مخطط التهجير الذى أعلنت عنه منذ بدء حربها على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر 2023 إلى إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط بدون سكان قطاع غزة، وتحويل القطاع كما أعلن الرئيس الأمريكى إلى ريفيرا الشرق الأوسط «منطقة استثمار سياحى».

ما ردكم على تأكيدات الاحتلال بأن الهجرة لسكان غزة ستكون طوعية؟

العالم قال كلمته بهذا الشأن، وقال إن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلى من تنفيذ مخطط تهجير سكان قطاع غزة، لا يخرج عن نطاق التهجير القسرى الذى يعد جريمة حرب تخالف القانون الدولى الإنسانى وينتهك المواثيق والأعراف الدولية، ولا سيما المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.

ما تصرح به دولة الاحتلال الإسرائيلى بهذا الشأن بأن الهجرة لسكان القطاع ستكون طوعية، هو مجرد ذر للرماد فى العيون، لخداع المجتمع الدولى والإفلات من العقاب والمحاسبة.

تنفيذ مخطط التهجير تحت النار والقصف والتدمير واستخدام سلاح التجويع من المعلوم والمؤكد بأنه لن يكون تهجيرا طوعيا وإنما تهجير قسرى بامتياز.

وما هى أفضل السبل للتصدى للمخططات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا؟

أفضل السبل للتصدى للمخططات الإسرائيلية المدعومة امريكياً يرتكز على استثمار الموقف العربى والدولى الموحد الرافض بشكل قطعى إلى تصفية القضية الفلسطينية ومخططات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مع مراعاة أن مجلس الأمن أصدر بياناً بالإجماع برفض تهجير الفلسطينيين من أرضيهم فى شهر فبراير من العام الماضى.

مع تضمين الخطة المصرية الفلسطينية «العربية -الإسلامية» بعد إقرارها من القادة العرب فى اجتماع القمة الاستثنائية فى الرابع من مارس 2025، وأقرها وزراء خارجية مجلس التعاون الإسلامى فى السابع من مارس 2025 بقرار يصدر عن مجلس الأمن تحت بند الفصل السابع، لما تشكله الخطة العربية الإسلامية من مرتكز قوى وثابت لإعادة إعمار قطاع غزة وتثبيت الفلسطينيين على أراضيهم وبالتالى منع التهجير، علاوة على كونها ستساهم فى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين الذى تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلى إلى زعزعته عبر مخططات التهجير ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتدميرآفاق حل الدولتين وعدم التزامها بتنفيذ ما صدر عن مجلس الأمن والجمعية العامة بهذا الشأن.

يجب العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية فى إطار منظمة التحرير الفلسطينية، مع فتح الباب أمام جميع الفصائل للانضواء فى المنظمة على قاعدة برنامجها السياسى والتزاماتها الدولية، والشرعية الدولية، ومبدأ النظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الشرعى الواحد، هو السلاح الأنجح والأقوى والأكيد بيد شعبنا الفلسطينى لمواجهة كل المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفى هذا الإطار باشرت القيادة الفلسطينية بتوجيهات من الرئيس محمود عباس ببدء الحوارات مع كل الفصائل بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامى لتحقيق هذه الغاية.

علينا التحرك فلسطينيا وعربيا مع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة لتطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عنها فى سبتمبر الماضى بشأن فتوى محكمة العدل الدولية فى يوليو الماضي، وإلزام سلطات الاحتلال بإنهاء احتلالها ووجودها غير القانونى على أرض دولة فلسطين، بعاصمتها القدس الشرقية خلال 12 شهرًا، بما فى ذلك الوقف الفورى لجميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة وتفكيك المستوطنات، وتعويض المتضررين وعودة النازحين الفلسطينيين إلى اماكن إقاماتهم، وعدم إعاقة الشعب الفلسطينى عن ممارسة حقه فى تقرير المصير بما فى ذلك حقه فى إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

وما هو الهدف من تهجير سكان عدد من مخيمات الضفة الغربية مؤخرا؟

الهدف الرئيسى من وراء تهجير سكان عدد من مخيمات الضفة الغربية، كما أشرنا سابقا هو تصفية قضية اللاجئين من خلال تدمير المخيمات وتفريغ سكانها باعتبارها الشاهد الحى على مأساتهم ونكبتهم التى ألمت بهم فى العام 1948.

كما أن تدمير المخيمات تتم بعملية ممنهجة ومدروسة تهدف دولة الاحتلال الإسرائيلى من ورائه إعادة تخطيط المخيمات بشكل حضرى وانصهاره ودمجه مع المدن المجاورة له ليصبح المخيم بشكله الجديد حيا أو شارعاً فى المدينة، حقيقة إسرائيل ترى أن إخفاء المخيم الذى يعد الشاهد على جريمتها ضد الفلسطينيين فى العام 1948 هو إحدى الأدوات لتصفية قضية اللاجئين واسقاط حقهم المشروع فى العودة إلى ديارهم التى هجروا منها عام 1948، إسرائيل تريد أن تمحو معالم جريمتها فى العام 1948.

كما تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلى من وراء تهجير سكان عدد من مخيمات الضفة الغربية، يأتى ضمن مخطط أوسع وأكبر وهو فرض سيادتها على المنطقتين «ب، ج» خاصة أن إسرائيل سحبت فى العام الماضى صلاحيات الإنفاذ من الحكومة الفلسطينية فى المنطقة المصنفة «ب».

لماذا تعمل إسرائيل على تهجير الفلسطينيين قسريا من غزة والضفة؟ وما هو هدفها؟

تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التى هجروا منها عام 1948 وترى دولة الاحتلال الإسرائيلى بأن عودة اللاجئين إلى ديارهم يهدد وجودها ويغير ديمغرافية السكان لصالح الفلسطينيين بدلا من الإسرائيليين، كما تهدف إلى إسقاط فكرة حل الدولتين التى تبناها العالم، لأن دولة الاحتلال لا تريد أن تقام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، تريد أن تقيم كيانا للفلسطينيين معزولا على شكل كانتونات منفصلة تتحكم دولة الاحتلال الإسرائيلى بشأنها الداخلى والخارجى.

​وما هى تداعيات تهجير الفلسطينيين قسريا من أرضهم على المنطقة؟

نعم سيكون لتهجير الفلسطينيين قسريا تداعيات خطيرة على المنطقة، أولها ستهدد الأمن القومى المصرى والأردنى وهذا ما عبرت عنه مصر والأردن، وسيهدد الأمن والسلم فى المنطقة، لأن ذلك سيؤدى إلى التطرف، ماذا يتوقع العالم عندما يهجر شعب من دياره وأرضه قسراً وبالقوة، هل سيستسلم؟ أم سيدافع عنه حقه ويقاتل من أجل عودته؟ ما تقوم به إسرائيل من تهجير ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة لا يحمد عقباها، ما تقوم به إسرائيل يدمر آفاق حل الدولتين، ويدمر كل الجهود لإعادة المنطقة إلى مسار السلام.

هل ترى أن هناك محاولات لفرض واقع سياسى وجغرافى وأمنى جديد من قبل الاحتلال على الفلسطينيين؟ وكيف يمكننا التصدى له؟

هناك محاولات لفرض واقع سياسى وجغرافى وأمنى جديد من قبل الاحتلال على الفلسطينيين، إسرائيل وفق مخططاتها وتصريحات أقطاب حكومتها اليمينية، تريد أن تقيم منطقة أمنية عازلة على طول الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة، تبلغ نسبته ما يزيد على 30% من مساحة القطاع، تسعى إلى إنشاء حواجز عسكرية فى وسط القطاع لفصل شماله عن جنوبه، وتخطط إلى إعادة بناء المستوطنات فى القطاع، كما تسعى إلى فرض سيادتها على كل الأراضى المصنفة «ب،ج» فى الضفة الغربية وإعادة بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة عام 1967 فى الضفة الغربية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه خلال العام الماضى والجارى صادقت على بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، ناهيكم عن تدميرها لقطاع غزة وبحسب التقارير الأممية قطاع غزة أصبح منطقة غير قابلة للحياة تفتقد لمقومات الحياة من المياه والكهرباء والمساكن والمستشفيات، والعمل وغيره، هذا كله سيخلق واقع سياسى وجغرافى وأمنى جديد، يرتكز على خلق بيئة طاردة للسكان لدفعهم للهجرة، ويحول دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الحدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرفية المحتلة.

السبيل الحقيقى والوحيد للتصدى لهذا الواقع هو أن يتحمل المجتمع الدولى مسؤولياته لتحقيق الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط هو من خلال تسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين المتفق عليه دولياً، وتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن لا تبقى دولة الاحتلال الإسرائيلى فوق القانون أو أن يتم حمايتها من العقاب، المجتمع الدولى يجب أن يتخذ خطوات رادعة ضد إسرائيل لوقف جرائمها ومخططاتها التى أصبحت تهدد الأمن والسلم الدوليين، أيضاً مطلوب من الإدارة الأمريكية أن توقف دعمها اللا محدود لإسرائيل الذى يعد ضوء أخضر للاستمرار فى جرائمها ومخططاتها التى تنسف كل الجهود الدولية لتحقيق السلام والأمن فى المنطقة من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإعطاء الفلسطينيين حقهم فى العودة وتقرير المصير.

كيف تعلقون على موقف الولايات المتحدة الداعى لاحتلال غزة وتحويلها لمنتجع سياحى واستثمارى؟

منذ اللحظة الأولى لتصريحات الرئيس الأمريكى الداعى لاحتلال غزة وتحويلها لمنتجع سياحى وتهجير سكانه، تم رفضه من منظمة التحرير الفلسطينية، وأكدنا أن تصريحات الرئيس الامريكى تتماهى مع مواقف أقطاب حكومة اليمين الإسرائيلى وأصوات المستوطنين التى دعت إلى قتل الفلسطينيين أو تهجيرهم من ديارهم إلى الدول المجاورة وفق رؤيتها القائمة على التطهير العرقى وإقامة الدولة اليهودية.

أشرنا فى حينه بأن الموقف الامريكى تعكس موقفا سياسيا خطيرا للإدارة الأمريكية الجديدة يهدف إلى تجسيد الاحتلال الإحلالى واستبدال شعب مكان آخر ضمن خطة استيطانية إسرائيلية أمريكية لتفريغ قطاع غزة من سكانه وتحويله الى بؤر استيطانية ومناطق أمنية عازلة.

وأكدنا ايضاً بأن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تحقيق ما فشل نتنياهو فى تحقيقه من فرض التهجير القسرى على شعبنا الفلسطينى فى قطاع غزة من خلال حرب التجويع والإبادة المستمرة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023 والتى راح ضحيتها ما يزيد على 200 ألف فلسطينى ما بين شهيد وجريح ومفقود، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن ونزوح ما يزيد على 1.9 مليون نزوحا قسريا بقوة النار والإبادة إلى مراكز الإيواء والخيام.

كما جوبه الموقف الأمريكى برفض عربى موحد، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخطة المصرية/الفلسطينية التى أقرها القادة العرب فى القمة الاستثنائية فى الرابع من مارس 2025 وأقرها وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامى فى جدة بتاريخ السابع من مارس 2025 كانت بمثابة الرد على مشروع ريفيرا الشرق الأوسط الأمريكى، وعلى موقف الرئيس الامريكى، الذى رفض الخطة المصرية ومع الضغط الغربى والدعم الأوربى للخطة المصرية الفلسطينية تراجع ترامب عن موقفه الرافض للخطة.

​ما هى الخطوات التى اتخذتموها أو تخططون للقيام بها لمواجهة المخطط الإسرائيلى؟

القضية الفلسطينية العادلة هى قضية أرض وشعب، وإن محاولات نزع الشعب الفلسطينى من أرضه، بالتهجير أو الضم أو توسيع الاستيطان، ثبت فشلها فى السابق، وهى مرفوضة ومخالفة للقانون الدولى، وفى إطار ذلك نؤكد بأن:

هناك تحرك فلسطينى على أعلى مستوياته، يقوده الرئيس محمود عباس، على المستوى العربى والإسلامى والدولى، سيكون هناك تحرك فلسطينى على مستوى الأمم المتحدة «الجمعية العامة، مجلس الأمن» إلى تضمين الخطة المصرية /الفلسطينية «الخطة العربية /الإسلامية» بقرار من الجمعية العامة ومجلس الأمن لتثبيت الموقف العربى والإسلامى الموحد الرافض للخطط الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكانه.

نعمل على تعزيز صمود الفلسطينيين فى المخيمات الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال تلبية احتياجاتهم بالتنسيق والتعاون مع الأونروا.

تدعيم وتعزيز التحرك الشعبى ليس فلسطينيا، بل على المستوى العالمى لمناصرة القضية الفلسطينية ورفض التهجير وتشكيل رأى عام عالمى يرفض مخططات الاحتلال التى لن تجلب للمنطقة سوى الدمار وانعدام الامن وفقدان الاستقرار والسلام.

كما أن صلابة الموقف المصرى والأردنى والصمود الأسطورى للشعب الفلسطينى على أرضه مع الدعم العربى لرفض التهجير سيُفشل كل مخططات تصفية القضية.

​حسب المعلومات التى تتردد إسرائيل تقوم بتحركات لتهجير سوريين ولبنانيين بالتزامن مع تهجير الفلسطينيين.. هل ترى أن هناك نية لإعادة تقسيم الشرق الأوسط؟

لم نسمع بوجود مخططات لتهجير سوريين ولبنانيين بالتزامن مع تهجير الفلسطينيين، ولكن إسرائيل لديها مخطط لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط هذا صحيح، وتعمل إسرائيل ليلا ونهارا لتحقيقه وهى فى سباق مع الزمن لتحقيقه.

المخطط لا يقوم على تهجير سوريين ولبنانيين، ولكن من خلال توسيع نفوذها فى المنطقة، من خلال أدوات متعددة لا مجال إلى ذكرها.

هل تعتقد أن منع إسرائيل لسكان غزة المقيمين من الخارج إلى القطاع هى خطة جديدة تستهدف إسقاط حق العودة؟

لا نستطيع أن نجزم بأن دولة الاحتلال ستمنع سكان قطاع غزة المقيمين خارجه من العودة إلى القطاع، إسرائيل لم تترك أداة أو فرصة لإسقاط حق العودة منذ تأسيسها، وهى تمارس سياسات التطهير العرقى والتهجير القسرى ومصادرة الأراضى وهدم بيوت الفلسطينيين لإسقاط حق العودة ودفع الفلسطينيين للهجرة.
نقول إسرائيل تخطط كيفما تشاء، فلقد خططت إلى تهجير شعبنا فى قطاع غزة والآن وأثناء حرب الإبادة المستمرة على القطاع، ولكن مع عودة النازحين من جنوب القطاع إلى الشمال، كانت المفاجأة والصدمة لإسرائيل بأن أكثر من مليون شخص يحملون أمتعتهم وأطفالهم قرروا العودة مشيا على الأقدام لمسافات طويلة، ونجحوا فى العودة إلى بيوتهم المدمرة ونصبوا الخيام عليها، أليس هذا نوعا من التحدى والصمود لإفشال مخططات التهجير.

القرار الأول والأخير هو للشعب الفلسطينى الذى يرفض التهجير وأن جميع الفلسطينيين المتواجدين خارج قطاع غزة ينتظرون فتح المعبر للعودة إلى القطاع، ولا يستطيع أحد منعهم من العودة وفى حال أصرت إسرائيل دولة الاحتلال على منعهم تكون قد ارتكبت جريمة جديدة من التطهير العرقى والتهجير القسرى يضاف إلى سجلها الحافل بالجرائم، لكن أؤكد وأجزم أن مصر سترفض المخطط الإسرائيلى، وسيكون لها دور حاسم ومهم ومصيرى وتاريخى لمواجه أى قرار إسرائيلى بمنع الفلسطينيين المتواجدين فى الخارج وخاصة على الأراضى المصرية من العودة إلى ديارهم وأهليهم فى قطاع غزة.

​كيف تقيمون موقف مصر الرافض لتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه؟

موقف مصر الرافض لتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، الذى عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو موقف مبدئى قوى واضح وحاسم، كنا نتوقع هذا الموقف القوى من الرئيس المصرى، نعم مصر على مدار التاريخ تشكل الحاضنة العربية للقضية الفلسطينية، والحصن المنيع لحماية مشروعها التحررى وهذا يمتد الى الموقف الأردنى الذى عبر عن الملك عبدالله بن الحسين برفضه لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وأكد أن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين.

ونؤكد هنا أن الموقف المصرى الرسمى والشعبى سيعمل على ردع دولة الاحتلال الاسرائيلى فى تهجير الفلسطينيين من غزة، بل ودفع الرئيس الأمريكى بالتراجع عن موقفه من تهجير الفلسطينيين إلى مصر، لذلك نقول إن الموقف المصرى وكذلك الأردنى الحاسم شكل رادعا لإسرائيل ودفع بها من جديد بإعادة حساباتها فى المنطقة.

المصدر : اليوم السابع اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين بالصور: 120 ألف مصل يؤدون صلاة عيد الفطر في المسجد الأقصى كتائب القسام: عيدنا يوم عودتنا الرئيس عباس يوجه كلمة للشعب ويخص غزة فيها الأكثر قراءة الرئيس عباس: لا توجد قضية أهم من قضية أطفال غزة سجون الاحتلال تفرض على المحامين وضع سوار عليه علم إسرائيل واسم المعتقل مستعمرون يقتحمون الموقع الأثري في سبسطية  صورة: مقاومة الجدار: تحويل 13 حيا استعماريا إلى مستعمرات تسريع لوتيرة العبث بجغرافيا فلسطين عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الصحفيين تستنكر التصريحات الصهيونية المستفزة حول سيناء وعودة دعوات التهجير
  • "الصحفيين" تستنكر التصريحات الصهيونية المستفزة حول سيناء
  • الأمن النيابية: العراق دولة بلا سيادة
  • لبنان: الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية خرق يضاف إلى 2000 سابقين
  • أردوغان مهاجما الاحتلال بشدة: نسأل الله أن يقهر إسرائيل الصهيونية
  • مطالبة أممية بمحاسبة دولة الاحتلال عن مقتل 15 عاملا إغاثيا بغزة
  • زعيم بالجالية اليهودية في إيران يهاجم الاحتلال ويشبه الصهيونية بـ”داعش”
  • زعيم بالجالية اليهودية في إيران يهاجم الاحتلال ويشبه الصهيونية بـداعش
  • لبنان.. القبض على عدد من المشتبه في تورطهم بإطلاق صواريخ على دولة الاحتلال
  • مسؤول فلسطيني: تهجير الغزيين سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة