عن “الخلل البنيوي” في مفاوضات غزة
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
يمانيون – متابعات
المفاوضات هي إحدى أهم وسائل التسوية السياسية للمنازعات بالطرق السلمية، وتحكمها قواعد وأصول علمية متعارف عليها. وتنقسم المفاوضات الدولية إلى نوعين: مفاوضات مباشرة، لا يحتاج إطلاقها إلى تدخل طرف ثالث، سواء لإقناع أطراف الأزمة بالفوائد المرجوة منها أو لمتابعة المسار الذي تسلكه بعد انطلاقها إلى أن تكلل بالنجاح عند التوصل إلى تسوية مقبولة للنزاع، ومفاوضات غير مباشرة، تتطلب جهود طرف ثالث للقيام بدور الوساطة، سواء للمساعدة على إطلاقها عقب اندلاع النزاع، أو لتذليل العقبات التي قد تعترض مسارها بعد انطلاقها.
ولكي يتمكن طرف ثالث من القيام بدور الوسيط، يجب أن تتوافر فيه شروط ومواصفات خاصة تتيح له كسب ثقة أطراف النزاع، في مقدمتها الوقوف على الحياد وعدم الانحياز إلى أي من الأطراف المتنازعة، وامتلاك الوسيط بعض أدوات القوة ومصادرها التي تمكنه من التأثير في أطراف النزاع بطريقة تضمن تقدم العملية التفاوضية وحمايتها من التراجع أو الانتكاس.
ويتوقف نجاح أي مفاوضات دولية على عوامل كثيرة، أهمها مشاركة جميع الأطراف المؤثرة في مسار الأزمة، ووضوح أهداف العملية التفاوضية منذ البداية، وتوافر حسن النية لدى جميع المشاركين فيها، والاتفاق في نهايتها على آلية تسمح بدخول الاتفاق الذي يتم التوصل إليه حيز التنفيذ.
إذا طبقنا هذه المبادئ والقواعد العامة على المفاوضات التي تستهدف وقف الحرب المشتعلة في قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، فسوف نكتشف أنها تتسم بالكثير من مظاهر الخلل البنيوي، ما يفسر دورانها باستمرار في حلقة شبه مفرغة تحول دون تمتعها بما تحتاج من ديناميكية للتوصل إلى نتائج ملموسة خلال فترة زمنية معقولة، وتعرضها لضغوط متزايدة كثيراً تدفعها إلى الدخول في متاهات أو في اتجاهات متعاكسة. ثمة إشكاليات تتعلق بموضوعها وبحقيقة البنود المدرجة على جدول أعمالها، وبالتالي بالأهداف التي يسعى أطراف النزاع إلى تحقيقها عبر المشاركة في هذه المفاوضات.
وهناك إشكاليات تتعلق بالأطراف المشاركة فيها، وبمدى قدرة هذه الأطراف على تمثيل مجمل القوى المنخرطة في الجولة الراهنة من الصراع المسلح. وهناك أخيراً إشكاليات تتعلق بالأطراف التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي للقيام بدور الوساطة، وبما تملكه هذه الأطراف من أدوات للتأثير في مسار الأزمة. لذا، تبدو المفاوضات الجارية حالياً حول الحرب المشتعلة في قطاع غزة، وبسبب التفاعلات الناجمة عن وجود هذا الكم الكبير من الإشكاليات، وكأن لها وظيفة أخرى مستترة تتناقض مع وظيفتها المعلنة.
في ما يتعلق بالموضوع، أي البنود المدرجة على جدول أعمال هذه المفاوضات، يلاحظ أن الكيان الصهيوني يصر على أن تكون استعادة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة البند الوحيد المدرج على جدول أعمالها، ما يفسر حرصه على الفصل التام بين موضوع إبرام صفقة لتبادل الأسرى وبين الوقف الدائم لإطلاق النار، كما يفسر في الوقت نفسه إصراره على ألا يؤدي إبرام هذه الصفقة إلى تقييد يده أو منعه من مواصلة الحرب إلى أن يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة كاملة.
أما حماس فترى أن إبرام صفقة لتبادل الأسرى يجب أن يكون جزءاً من كل، يبدأ بوقف دائم لإطلاق النار ينهي حرب الإبادة الجماعية التي يشنها “جيش” الكيان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وينتهي بفتح طريق جاد أمام تسوية شاملة للقضية الفلسطينية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه، خصوصاً ما يتعلق منها بحقه في تقرير مصيره.
وفي ما يتعلق بالأطراف المشاركة في هذه المفاوضات، يلاحظ أنها تضم كلاً من الكيان الصهيوني وحركة حماس، وهما طرفا الأزمة المباشران، إلى جانب كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، وهي الأطراف الثلاثة التي قررت القيام بدور الوسيط.
ولأن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ينظران إلى حركة حماس باعتبارها منظمة إرهابية، وبالتالي لا يعترفان رسمياً بوجودها، فليس هناك مجال للتواصل المباشر معها، وإنما يتم ذلك بطريق غير مباشر عبر الوسيطين المصري والقطري فقط.
معنى ذلك أننا لسنا إزاء مائدة مفاوضات حقيقية تجتمع حولها أطراف الأزمة كافة، من ناحية، وكل الوسطاء، من ناحية أخرى، وعلى نحو يسمح باشتراك الجميع في مناقشة كل التفاصيل وبأكبر قدر من الشفافية، وهو المشهد المعتاد في معظم أشكال المفاوضات الدولية، ولكننا إزاء نمط خاص وغريب من مفاوضات دولية لا تستطيع جمع كل المشاركين فيها حول مائدة تفاوض واحدة، وبالتالي لا تسمح بالتواصل المباشر والمتزامن بين مختلف الأطراف، وإنما نحن إزاء مفاوضات تقودها الولايات المتحدة الأميركية، ممثلة في إدارة بايدن، وتهيمن بشكل منفرد على إدارتها. فإدارة بايدن هي التي تتولى طرح المقترحات وصياغة الأفكار، ولكن بعد مناقشتها أولاً مع الكيان الصهيوني، ثم تقوم بعد ذلك بمناقشة هذه الأفكار والمقترحات، بعد إدخال ملاحظات الكيان عليها، مع الوسيطين العربيين، أي مع مصر وقطر، اللذين يقومان بدورهما بمناقشتها مع ممثلي حركة حماس، إما بشكل منفرد أو في اجتماعات مشتركة تضم ممثلين عن مصر وقطر وحركة حماس.
ولأن المستوى السياسي لحركة حماس، المكلف بتلقي المقترحات الصهيوـ أميركية من الوسيطين المصري والقطري، لا يستطيع أن يتخذ قراراً منفرداً بشأن هذه المقترحات، قبولاً أو رفضاً أو تعديلاً، إلا بعد التشاور مع القيادات الميدانية التي تخوض المعارك من داخل القطاع، يمكن أن نتصور حجم الجهد المبذول والوقت الضائع ونوعية العراقيل التي يمكن أن تظهر عند أي نقطة تقع على هذه الشبكة المتسعة والمتعرجة من دوائر الاتصال المباشر وغير المباشر بين أطراف الأزمة المباشرين، من ناحية، والوسطاء، من ناحية أخرى.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية وعدداً من فصائل المقاومة العراقية دخلوا على خطة الأزمة في مرحلة أو أخرى لتقديم دعم ومساندة عسكرية لحركة حماس، لتبين لنا بوضوح حجم التعقيد الذي بات يكتنف شبكة الاتصالات المعنية بإدارة هذه المفاوضات ومتابعتها.
صحيح أن جميع مكونات محور المقاومة التي قررت تقديم الدعم والإسناد العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة أكدت التزامها المسبق بما تتخذه حماس من قرارات تتعلق بأي شأن من شؤون هذه المفاوضات، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن أزمات الإقليم باتت كلها متداخلة ومترابطة عضوياً، ما يعني أن نجاح المفاوضات المتعلقة بالحرب المشتعلة في قطاع غزة أصبح متوقفاً على مجمل تفاعلات وموازين القوة داخل المنطقة ككل.
وفي ما يتعلق بالأطراف التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي للقيام بدور الوساطة في هذه المفاوضات، يلاحظ أن هذا الدور ألقي تلقائياً، ولأسباب متباينة، على عاتق الولايات المتحدة ومصر وقطر. فالولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي ترى كل الأطراف أنه قادر على إقناع الكيان الصهيوني أو ممارسة الضغط عليه لوقف الحرب التي يشنها على قطاع غزة منذ انطلاق “طوفان الأقصى”. ومصر هي الطرف الذي تربطه حدود جغرافية مباشرة مع قطاع غزة وتمكنت من نسج علاقات جيدة مع مختلف الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس وسلطة رام الله. وقطر هي الدولة التي تستضيف على أرضها معظم القيادات السياسية لحماس وتتولى تقديم مساعدات مالية سخية لسكان القطاع، بموافقة أميركية وإسرائيلية.
غير أن الدور الذي تقوم به إدارة بايدن على هذا الصعيد يعدّ فريداً وشائكاً في الوقت نفسه. فهو دور فريد لأن إدارة بايدن باتت صاحبة القول الفصل في هذه المفاوضات، ومن دونها يصعب تصور إمكانية أن يكون للوساطة دور يعتد به لإنهاء الحرب المشتعلة في قطاع غزة. وهو دور شائك لأن هذه الإدارة ليست طرفاً محايداً وإنما هي شريك أساسي في هذه الحرب، وبالتالي لا تصلح مطلقاً للعب دور وسيط. فلولا ما قدمته للكيان الصهيوني من دعم عسكري واقتصادي لما استطاع أن يصمد في حرب طالت حتى الآن، ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان، لما يقرب من أحد عشر شهراً.
ولولا ما قدمته من دعم سياسي في مختلف المحافل الدولية، لفرضت عقوبات قاسية على الكيان الصهيوني بسبب ما اقترفه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومن إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني. صحيح أن خلافات في وجهات النظر تظهر بينهما من حين إلى آخر، أي بين إدارة بايدن والكيان الصهيوني، لكن تبين بما لا يدع أي مجال للشك أن الرهان على رغبة هذه الإدارة في ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو هو رهان خاسر، وهو ما ثبت بشكل قاطع إبان جولة بلينكن الأخيرة في المنطقة. وهنا، تكمن أم الإشكاليات. فالولايات المتحدة تقوم فعلياً بدور الشريك في استمرار الحرب، وتحاول إقناعنا بأنها قادرة في الوقت نفسه على القيام بدور الوسيط المكلف والوحيد القادر على إيقافها.
منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة الجماعية التي قرر الكيان الصهيوني شنها على الشعب الفلسطيني، لم تخف إدارة بايدن نيتها في تقديم كل دعم ممكن لمساعدة حكومة نتنياهو على تحقيق جميع الأهداف التي حددتها لهذه الحرب، وأهمها القضاء على حماس عسكرياً وسياسياً واستعادة الرهائن. ولأنها تدرك يقيناً استحالة استعادة الرهائن من دون التفاوض مع حماس، فقد بات واضحاً أن إدارة بايدن تستخدم المفاوضات أداة لمد نتنياهو بما يحتاج من وقت للقضاء المبرم على حركة حماس. وهنا، تكمن المعضلة الكبرى: فكيف يمكن لطرف أن يتفاوض بجدية مع خصم يعلن صباح مساء أنه يسعى للقضاء عليه؟
-الميادين / حسن نافعة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی هذه المفاوضات الکیان الصهیونی الشعب الفلسطینی إدارة بایدن ما یتعلق من ناحیة
إقرأ أيضاً:
“قبور للأحياء”: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون الفلسطينيون من سجون إسرائيل تعكس تعذيبًا وتجويعًا ممنهجًا
#سواليف
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات المهينة التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبل الإفراج عنهم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان له أنه تابع إفراج السلطات الإسرائيلية عن أسرى ومعتقلين ضمن الدفعات الأربع التي كان آخرها اليوم السبت، حيث بدا على معظمهم تدهور صحي حاد، مع فقدان كل منهم عدة كيلوغرامات من وزنهم جراء ما يبدو وأنه تجويع متعمد.
وفور الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، احتاج العديد منهم إلى النقل الفوري للمستشفيات لإجراء فحوص طبية عاجلة، فيما بدا أحدهم على الأقل عاجزًا عن التعرف على مستقبليه، بعد أن عانى من الحرمان من العلاج خلال فترة اعتقاله.
مقالات ذات صلة إعلام عبري بعد استعراض حماس .. ماذا كان يفعل الجيش طوال 14 شهرًا؟ 2025/02/01وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الأوضاع تعكس كيف حوّلت إسرائيل سجونها إلى مراكز تعذيب منهجي للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بمن فيهم المحكومون والمحتجزون قبل 7 أكتوبر 2023.
وأشار إلى أن غالبية المعتقلين المفرج عنهم تعرضوا لسوء المعاملة والضرب، وخضعوا للتعذيب النفسي حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت الإفراج عنهم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثّق إجبار القوات الإسرائيلية العديد من المعتقلين على حلق رؤوسهم كإجراء مهين ومتعمد يستهدف إذلالهم وتحطيم معنوياتهم، إضافة إلى إجبارهم على ارتداء ملابس السجن، وتعريضهم للضرب والعنف قبل وأثناء تحميلهم في الباصات.
كما أشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أفرجت عن جميع الأسرى والمعتقلين في ظروف بالغة السوء، شملت الاعتداء على تجمعات ذويهم الذين كانوا في استقبالهم، وقمعهم بالرصاص وقنابل الغاز، ما أدى إلى إصابة بعضهم، بالإضافة إلى اقتحام منازلهم والأماكن التي خُصّصت لاستقبالهم والاحتفال بالإفراج عنهم.
وأوضح أن الشهادات التي وثّقها وتابعها من الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم تكشف أن انتهاكات إدارات السجون تجاوزت سوء ظروف الاحتجاز، لتتحول إلى سياسة انتقامية منهجية استهدفت جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وأكد أن الأوضاع داخل السجون شهدت تدهورًا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تعرض المعتقلون لعمليات تعذيب قاسية، وتجويع متعمد، وعزل انفرادي طويل الأمد، في إطار إجراءات عقابية تصاعدت بشكل وحشي عقب الأحداث في قطاع غزة في محاولة لمعاقبتهم على أحداث لا صلة لهم بها سوى كونهم فلسطينيين.
كما كشفت الشهادات التي وثقها الأورومتوسطي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أخضعت المعتقلين المفرج عنهم للتعذيب والضرب، واحتجزتهم لساعات طويلة في الباصات مكبلي الأيدي قبل الإفراج عنهم، إلى جانب تعريضهم للإهانات والشتائم التي استهدفت تقويض كرامتهم الإنسانية حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج.
وأفاد الأسير المفرج عنه “هيثم جابر” من بلدة حارس قضاء سلفيت، أن القوات الإسرائيلية اقتادتهم قبل يوم من موعد الإفراج عنهم وجرى حلق شعرهم بالقوة. وأضاف أن إدارة السجون أبلغته بضرورة حلق شعره فرفض، ليأخذوه بالقوة ويحلقوت شعره تمامًا. وأضاف “جابر”: “يعيش الأسرى في ظروف صعبة جدًا، وحتى اللحظات الأخيرة مورست ضدنا أشد أنواع التنكيل والتعذيب وامتهان الكرامة”.
وأشار إلى أن السجانين عاملوا المعتقلين كـ “الحيوانات”، حيث أجبروا على الوقوف في صف واحد بطريقة مهينة، وفي بعض الأحيان كان يُطلب منهم السير على أطرافهم الأربعة. علاوة على ذلك، حُرموا من حقوق أساسية مثل المياه، إذ كانت هناك قارورة مياه واحدة فقط مخصصة لكل غرفة على مدار 24 ساعة، بينما كانت دورات المياه خالية من المياه تمامًا، مما حال دون قدرتهم على قضاء حاجاتهم.
كما أفاد الأسير المحرر “وائل النتشة”، المعتقل منذ عام 2000 والمحكوم بالمؤبد: “لعبوا على أعصابنا، خرجنا للحافلات ثم أعادونا إلى السجن لمدة ثلاث ساعات دون أن نعرف أي معلومة وما السبب، وهذا تسبب بضغط وإرباك. اعتقدنا أنه سيقوم بتوزيعنا على أقسام السجن بعد إيهامنا بوقوع مشاكل كبيرة في التبادل يصعب حلها، ليتبين لاحقًا أنه لعب على الأعصاب فقط”.
وذكر أنه تم تجميع الأسرى المنوي الإفراج عنهم في سجن “عوفر”، وقد أبلغوا سابقًا بأن موعد الإفراج عنهم هو يوم السبت الماضي. لكن تم حجزهم في السجن لقرابة أسبوع. وأفاد أن الأشهر الـ16 الأخيرة شهدت شن إدارة السجون “هجمة شرسة” على الأسرى تخللها التجويع والضرب والتنكيل والنوم في البرد وسحب الملابس والأغطية”.
أحد الأطفال الذين التقاهم المرصد الأورومتوسطي وتم إطلاق سراحهم شمالي الضفة الغربية (يمتنع الأورومتوسطي عن ذكر اسمه للحفاظ على سلامته)، أفاد أن الأوضاع في السجون كانت سيئة للغاية، وأن المعاناة شملت الجميع، خاصةً الاعتداءات بالضرب وسوء التغذية. وأوضح أنه أُجبر على توقيع تعهد بعدم الحديث، مهددًا بإعادة اعتقاله في حال خالف ذلك.
وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الممارسات، التي وثقتها شهادات المفرج عنهم، تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية وحقوق الأسرى والمعتقلين المكفولة بموجب القانون الدولي، حيث تعكس “التنكيل والإذلال” و”التجويع والتعذيب المنهجي” الذي تعرضوا له خلال فترة اعتقالهم وعند الإفراج عنهم. كما نبه إلى أن الاعتداءات الممارسة لا تقتصر على الإيذاء الجسدي، بل تمتد لتشمل آثارًا نفسية مدمرة على الأسرى والمعتقلين، مما يزيد من معاناتهم ويؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية على المدى الطويل. وأضاف أن ما تعرض له المعتقلون أثناء الإفراج عنهم، وما نقلوه من أوصاف بشأن ظروف اعتقالهم ووصف السجون بأنها “قبور للأحياء” هو تجسيد واضح لسياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تدمير إرادة الفلسطينيين، وإلحاق أقصى درجات الألم والمهانة بهم، بما يشكل انتهاكًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي.
وطالب الأورومتوسطي جميع الدول والكيانات الدولية المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لوقف الجرائم المنهجية والواسعة النطاق من القتل والتعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى التي ترتكبها إسرائيل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. كما شدد على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم تعسفيًا، ودعا إلى السماح الفوري للمنظمات الدولية والمحلية المختصة بزيارة المعتقلين، وتمكينهم من تعيين محامين. بالإضافة إلى ذلك، طالب بالضغط على إسرائيل لوقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي، بما في ذلك الاعتقال الإداري، الذي يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية ويعكس سياسة قمعية تهدف إلى تدمير الإرادة الفلسطينية والنسيج المجتمعي وحرمانهم من حقوقهم القانونية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي كافة الدول والجهات المعنية بإجراء تحقيق فوري ومستقل في هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لملاحقة ومحاكمة قادة الاحتلال المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.
كما دعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول المعنية إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، وتقديم بلاغات متخصصة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وبخاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وإصدار مذكرات إلقاء قبض على جميع المسؤولين عنها، وملاحقتهم قضائيًا وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم عن ارتكابهم لهذه الجرائم.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وغيره من قوات الأمن الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، كما تشكل أيضًا أفعالًا من أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، لا سيما وأنها تُمارَس بشكل وحشي ومنهجي ضد الفلسطينيين بهدف القضاء عليهم كمجموعة، بما في ذلك من خلال القتل وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.