لكل مرحلة من تاريخ المجتمعات مفاهيمها الخاصة التي تؤطر طريقة تفكير الأفراد والجماعات، وتحدد هوية وطبيعة العلاقات بينهم، ولا تكاد تقتصر جدلية الفكر واللغة على إنتاج مفاهيم جديدة تستجيب للتحولات التي تطرأ على علاقة الفكر بالأشياء وبالعالم بل تعمل على تحسين المحتوى العام للمفردات وتحسين المفاهيم في اتجاه توسيع المحتوى الدلالي أو تضييقه أو تعديله بشكل من الأشكال .
فنحن اليوم نعيش واقعا تهيمن فيه التكنولوجيا الغربية التي تحاول أن تطوي العالم في بؤرة صغيرة قابلة للرؤية والقياس تنصهر فيها الحضارات والثقافات لتصبح حضارة واحدة وثقافة واحدة، وذلك بفضل التطور التقني في الصورة والسوشيال ميديا وابتكارات الإعلام الاجتماعي – الوسائط الاجتماعية كالفيس والوتس ….الخ – وبمثل ذلك قد يحدث تبدلا سريعا – فوق ما نتوقع – في البنية الأخلاقية والثقافية في المجتمعات ولعل الأشد خطرا هو انتقال مفهوم العولمة من الآفق الاقتصادي والسياسي إلى الأفق الثقافي والإعلامي والأدبي وهو ما بات يعرف بالثقافة الشاملة أو المجتمع الكوني وهي ثقافة تذوب فيها الخصوصيات.
فالعولمة تسعى بكل الوسائل حتى تجعل العالم شبيها بأمريكا ولذلك نجد من هو مفتون بالنموذج الأدبي والثقافي الغربي بل والنموذج الإعلامي مثل محاكاة بعض برامج المسابقات الشهيرة في الفضائيات مثل تلك التي تبهر المشاهد وتجعله معلقا بها ومتفاعلا معها بالتصويت والإنفاق وهي كثر، وقد انتشر أوارها في هشيم ثقافتنا فصنع واقعا عربيا بائسا في الفنون والآداب، ويرى بعض المفكرين أن العقل الأمريكي يحاول تطهير العالم من الآيديولوجيين والعقائديين الذين يمتازون بالثبات والدفاع عن الهويات وهو الأمر الذي يعترف به الواقع من خلال حركة الجماعات ك”القاعدة” و”داعش” حيث يعمدون إلى تفكيك البنية العقائدية والثقافية وتشويه صورتها من خلال الممارسات التي لا تتسق مع الإسلام ولا مع مبادئه وقيمه الإنسانية، فالتوحش والبدائية في الجماعات الاستخبارية يهدف إلى تعميم الثقافة الشاملة بالقفز على الخصوصيات من خلال الهدم والتفكيك وقد لاحظ الكثير توالي الهجرات والضجيج الإعلامي حول الأفراد الذين يهربون من مجتمعاتهم إلى الغرب- وعلى وجه الخصوص في الآونة الأخيرة – كهروب شباب سعودي وخليجي وما صاحب ذلك من ترويج إعلامي، يضاف إلى ذلك تفكيك البناءات الثقافية من خلال هدم الرمزيات الثقافية، والسعي إلى التقليل من أثرها ويأتي اعتذار رموز الوهابية عن أفكار التطرف في هذا السياق كما تابع المتابع، وكل تلك الخطوات تؤدي إلى طريق واحد وهو العولمة أو كما يحلو البعض تسميتها بالأمركة .
لقد وصلنا إلى مرحلة تاريخية فاصلة لا بد لنا من الوقوف أمامها بقدر واعٍ من المسؤولية الأخلاقية والمعرفية، فالصراع اليوم لم يعد صراعا عاديا بل يستخدم سيل المعلومات للوصول إلى أهدافه، وقد تكون أهدافه هدم المفاهيم وتغيير المصطلحات وتفكيك النظم المعرفية حتى يصل الخصم إلى حالة التيه، ولذلك فالانتصار في مثل معارك اليوم يبدأ من خلال ضبط المفاهيم وتحديد أبعادها النفسية والأخلاقية والمعرفية، فهي محك القيمة الفردية والمجتمعية ومحك المواطنة الحقة من غيرها، كما أن السلاح التقليدي لم يعد كافيا وحده في إدارة المعارك فالفنون تدير مشروعا استعماريا توسعيا ناعما تستخدم الدراما فيه والسياسة والاقتصاد.
فالصراع اليوم ليس كما في أمسه فهو مختلف جدا، فالصراع والانتصار فيه يعتمد على قدرة الدول في توظيف الانفجار المعرفي بما يخدم مصالحها، ولذلك فبناء الفرد وتفجير قدراته وطاقاته من أهم الاستثمارات في هذا الزمن وذلك من خلال تحديد مفهوم الوطنية والمواطنة وفق قيم وأسس التطورات الحضارية الحديثة وبما يكفل مواطنا واعيا مستقرا نفسيا واجتماعيا من خلال توفر حاجاته البولوجية الأساسية ومن خلال شعوره بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وهي عوامل تعزز من الانتماء وتشد من العزائم لتفجير الطاقات بصورة إيجابية وليس سلبية .
كل هذا الاشتغال الذي نراه اليوم في واقعنا العربي بالذات، وكل حركة الصراعات قضايا تتعلق بالعولمة وفي جوهرها بالنظام الرأسمالي العالمي، إذ أن القوة الاقتصادية تريد أن تجعل من الكونية هدفا لها بحثا عن سوق عالمية ومستهلك كوني ولذلك لا نستبعد كثيرا أن تعترف أمريكا بمركزية، ايران في الخليج وخليج عمان وأن تتداخل مع ايران في مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية فهي تحرص على ألا تذهب إيران إلى الصين ولا تشكل مع روسيا محورا قد يحدث قلقا لها، كما كانت في سالف أيامها إبان الحالة الاشتراكية ومؤشرات ذلك بدأت تطفو على سطح الحقيقة والواقع، وما تلك المناورات السياسية والإعلامية سوى عوامل قد تحسن شروط التفاوض لطرف على آخر ليس أكثر، ولعل الإمارات قد أدركت مثل ذلك فسارعت إلى إحياء اتفاقات تعاون أمنية ظلت طي السجلات أعواما، وتبدو السعودية اليوم أكثر انحناءً من ذي قبل أمام الملف الإيراني، وبدا ذلك واضحا من خلال فتح العمرة المغلق أمام الإيرانيين وبعض الامتيازات للحجاج.
فالرأسمالية تريد دولا ضعيفة وغير فاعلة تعاني التشظي والانقسام حتى يسهل عليها فرض ثنائية الخضوع والهيمنة ولذلك تدير حركة الانقسامات والحروب في المنطقة العربية وهي من خلال تفاوضها مع إيران وعقوباتها المتكررة عليها تريد إيرانا قويا لكن بالقدر الذي يخدم مصالحها ويوفر لها الحماية وتدفق الأموال.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
"فنكوم" تكشف عن موعد إصدار لعبة Dune: Awakening
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت شركة فنكوم رسميًا عن موعد إصدار لعبتها المنتظرة Dune: Awakening، وهي لعبة نجاة متعددة اللاعبين في عالم مفتوح تدور أحداثها على كوكب أراكيس.
ومن المقرر إطلاق اللعبة في 20 مايو عبر منصة Steam، بينما يمكن للاعبين بدء رحلتهم مبكرًا اليوم من خلال تجربة أداة تصميم الشخصية واختبار عتادهم عبر وضع Benchmark، المتاح أيضًا عبر Steam.
وعند إطلاق اللعبة، سيتمكن اللاعبون من استيراد شخصياتهم المصممة مسبقًا والاندماج مباشرة في عالم Dune: Awakening.
تم تطوير اللعبة من قبل خبراء Funcom، مستلهمة من رواية الخيال العلمي الأسطورية للكاتب فرانك هربرت، وأفلام Legendary Entertainment الحائزة على جوائز، لتقديم تجربة لعب متكاملة تلبي تطلعات عشاق Dune وألعاب النجاة.
وتعد هذه اللعبة أضخم مغامرة رقمية في عالم Dune حتى الآن، حيث يمكن للاعبين خوض معارك ملحمية، واستكشاف بيئات مذهلة، والبقاء على قيد الحياة وسط التحديات القاسية لكوكب أراكيس.
ويمكن للاعبين الآن تنزيل أداة تصميم الشخصية واختبار وضع Benchmark للحصول على رمز مظهر Frameblade الحصري، والذي يمكن استرداده عند إطلاق اللعبة. بعد تصميم الشخصية، يمكن حفظها واستيرادها بسهولة إلى اللعبة عند الإطلاق.
وعليك أن تدخل يدك في الصندوق واستعد لاختبار Gom Jabbar، حيث يمكنك تصميم شخصيتك من الصفر عبر ضبط كل تفاصيل مظهرك، ثم اختيار كوكبك الأم، والمجموعة التي تنتمي إليها، ومعلمك الأساسي، سواء كان Swordmaster أو Bene Gesserit أو Mentat أو Trooper.
ورغم أن هذا الاختيار يحدد قدراتك الأولية، إلا أنه يمكنك لاحقًا استكشاف جميع الفئات والتخصصات ودمجها لتحقيق أسلوب اللعب الأمثل.
كما يتيح وضع Benchmark اختبار إمكانيات جهازك وتوافقه مع متطلبات اللعبة، بينما يمنحك لمحة عن المشاهد الملحمية داخل عالم Dune، مثل التحليق بطائرة أورنيثوبتر والمواجهات المثيرة مع دودة الرمال العملاقة.
وتعد اللعبة التجربة الأكثر طموحًا في ألعاب النجاة حتى الآن، حيث تضع اللاعبين في قلب كوكب أراكيس، وهو أخطر كوكب في الكون.
وسواء كنت من عشاق Dune أو مستكشفًا جديدًا لهذا العالم، ستجد نفسك غارقًا في تجربة ملحمية مستوحاة من أعمال فرانك هربرت، حيث ستبدأ رحلتك من البحث عن الطعام والنجاة، وصولًا إلى السيطرة على الكوكب بأكمله.