أبرز نقاط الخلاف في جولة محادثات القاهرة حول اتفاق وقف اطلاق النار
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
#سواليف
بعد أسبوع من جولة #المفاوضات التي عقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين في العاصمة القطرية #الدوحة، عادت بعض وفود التفاوض مرة أخرى إلى العاصمة المصرية #القاهرة، وسط إحدى أكبر الانتكاسات التي مر بها مسلسل التفاوض بين حركة المقاومة الإسلامية ( #حماس ) وإسرائيل بشأن #صفقة_التبادل.
فقد نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤول أميركي قوله إن مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط وصل إلى القاهرة لإجراء محادثات بشأن #وقف_إطلاق_النار في قطاع #غزة.
كما قال موقع “أكسيوس” الأميركي إن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وصلوا إلى القاهرة للمشاركة في الاجتماع المرتقب مساء اليوم.
مقالات ذات صلة أوامر إخلاء إسرائيلية جديدة لمناطق واسعة بخان يونس 2024/08/22وكشف الموقع أن المسؤولين وصلوا إلى القاهرة ومعهم خريطة محدثة بشأن نشر القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا، مشيرا إلى أن محادثات القاهرة تهدف إلى إزالة آخر #العقبات أمام التوصل إلى اتفاق.
كما نقل الموقع عن مسؤول أميركي قوله إن بايدن كان صارما مع نتنياهو خلال الاتصال الذي أجراه معه أمس بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة.
ويوم أمس قال البيت الأبيض إن بايدن ونائبته كامالا هاريس شددا، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على ضرورة إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مقابل الإفراج عن #المحتجزين.
وأتى الاتصال غداة اختتام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة في المنطقة سعى خلالها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في أعقاب جولة المحادثات التي عقدت في الدوحة يومي 15 و16 أغسطس/آب الجاري.
وبدورها، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر قوله إن ترتيبات لعقد لقاء بالقاهرة رفيع المستوى حول المفاوضات يوم السبت أو الأحد، وفريق التفاوض يعمل على مدار الساعة لتخفيف الفجوة في الصفقة، خصوصا حول فيلادلفيا مع المصريين.
بيد أن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلت عن مسؤوليْن عربيين من دولة وسيطة ومسؤول ثالث مشارك في المحادثات أن ميل المقترح الأميركي الأخير لمصلحة مواقف نتنياهو قد أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود.
ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين قوله إنه لا جدوى من عقد الاجتماع المزمع في القاهرة هذا الأسبوع إلا إذا ضغطت واشنطن على نتنياهو ليتخلى عن مطالبه الجديدة.
ووفقا للصحيفة، فإن المسؤولين الثلاثة يرون أن المقترح الذي قدمته إدارة بايدن الأسبوع الماضي “لسد الفجوات” بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل قد بالغ كثيرا في تبنّي مواقف نتنياهو بشأن استمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في معبر رفح ومحور نتساريم.
انتكاسة في مسار متعثر
وقبل نحو أسبوع، لاح ضوء خافت في آخر النفق يشي بإمكانية الوصول إلى اتفاق هدنة في مسار طويل ومتعثر من المفاوضات، غير أن ما تكشّف لاحقا من عثرات وعقبات كان أكبر من البشائر، خصوصا أن إسرائيل مولعة إلى حد الجنون بقصف الأنفاق، وحتى تلك التي يمكن أن تؤدي إلى الإفراج عن عدد من أسراها لدى كتائب المقاومة، وإنهاء حرب يتوقع أن تفتح باب حروب أخرى، دون أن تمكن تل أبيب من تحقيق أي من أهدافها المعلنة.
فبالتزامن مع انتهاء جولة التفاوض في الدوحة، أشاعت الولايات المتحدة أجواء من التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق جديد، وبدا كأنها تلقي بثقل دبلوماسي هائل لتحقيق نجاح فشلت فيه دبلوماسيتها خلال الشهور الماضية.
المساعي الأميركية الجديدة وأجواء التفاؤل التي شاعت في الساعات التالية لاختتام جولة التفاوض ارتطمت بصخرتين عظيمتين هما: رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأي اتفاق، وما وصف بالتماهي الأميركي شبه الكامل معه في الأيام الماضية.
ورغم أن الولايات المتحدة رأت أن مقترحها ربما يكون “الفرصة الأخيرة” لتحقيق وقف إطلاق النار وعدّته بمنزلة “اقتراح سد الفجوات”، فإن ما ترتب عليه لاحقا هو اتساع الخرق وتمدد الفجوات بين الطرفين في ما يمثل أكبر انتكاسة لمسلسل التفاوض منذ انطلاقه مطلع العام الجاري.
وخلال الأيام الماضية ظهر أيضا أن ما بين الطرفين من “فجوات” لا أفق لحله بمقترحات أميركية يقول منتقدوها إنها تلوح بالسلام والتوافق تارة، وتضغط على زر آخر بالغ القساوة يمطر لهبا ودماء ولائحة قتلى تجاوز عدادها 40 ألف شهيد.
ما الذي يقدمه المقترح الأميركي؟
لم تكشف الولايات المتحدة ولا الوسطاء عن تفاصيل المقترح الذي أعلن عنه في نهاية جولة التفاوض الأخيرة في الدوحة يومي الخميس والجمعة الماضيين، ولكن مصادر إعلامية إسرائيلية قدمت عنه بعض التفاصيل من قبيل أنه:
– يلبي معظم مطالب إسرائيل من دون حل الخلاف بشأن محوري فيلادلفيا ونتساريم.
– يحدد عدد وأسماء المحتجزين الذين سيطلق سراحهم بالمرحلة الأولى.
– يتضمن إطلاق سراح النساء والمجندات الإسرائيليات أولا والمحتجزين الأحياء.
– يتضمن أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل كل محتجز إسرائيلي.
– تشمل قائمة الأسرى الفلسطينيين أسماء 47 أسيرا أُطلق سراحهم بصفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وأُعيد سجنهم أخيرا.
وبدروها، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مسؤولين من حماس وإسرائيل قالوا إن الاقتراح الأميركي يترك الخلافات الكبرى دون حلول، ويبدو أنه يتفق مع المطالب الجديدة التي أضافها نتنياهو في يوليو/تموز الماضي ببقاء بعض القوات الإسرائيلية على طول الحدود بين غزة ومصر، وفق مسؤولين من حماس وإسرائيل.
ورغم أن كفة إسرائيل تبدو الرابحة في هذه الشروط، ورغم ما أعلنه أنتوني بلينكن من قبول نتنياهو بها، فإن تل أبيب عادت من جديد لتؤكد أنها لن تقبل بأي تفاوض يؤول إلى إنهاء الحرب، كما لن تنسحب من محوري فيلادلفيا ونتساريم.
وقبيل انعقاد جلسات التفاوض في القاهرة، نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مسؤول إسرائيلي قوله “سنواصل القتال لتحقيق أهدافنا سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا”، ووصف واقع حال التفاوض بقوله “نقاتل حماس كما لو لم تكن هناك مفاوضات ونتفاوض كما لو لم تكن هناك حرب”.
وتعني تلك التصريحات وما سبقها أن العراقيل القاتلة قد فرشت أشواكها أمام جولة المفاوضات الجديدة في القاهرة، كما فعلت أمام كل جولات التفاوض السابقة وخلفها.
مجالات التباعد وأسباب التعثر
يتأسس الخلاف بين الطرفين على المحاذير التي لا يريد ظهورها، والطموح الذي يريد الوصول إليه، ولأن الشقة بينهما بعيدة جدا فإن إسرائيل بشكل خاص تريد اتفاقا مفصلا على مزاجها يحقق لها من بين أمور أخرى جملة أمور وفقا لأحدث التسريبات:
الفصل بين مراحل الهدنة الثلاث التي نص عليها المقترح الأميركي الأصلي.
يلغي شرط الانسحاب الجزئي من قطاع غزة.
يبقي سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
ينص على عودة مشروطة للنازحين وتفتيشهم، ويفرض إطارا أمنيا دقيقا يتضمن مراجعة وتفتيش العائدين من مناطق النزوح.
يستثني من التفاوض مسار الإغاثة وإعمار القطاع بعد توقف الحرب.
يفتح الباب أمام الحرب مجددا بعد المرحلة الأولى من الهدنة.
ولأن اتفاقا يحقق هذه المطالب الإسرائيلية بشكلها السابق يساوي بالضرورة هزيمة ساحقة للمقاومة، وانقلابا شديدا في موازين القوى، فإن حماس وقفت بالمرصاد، وحددت أيضا لاءاتها التي لا تنازل عنها، والتي نص عليها المقترح الأميركي الذي وافقت عليه الحركة في الثاني من يوليو/تموز، ومنها:
الوقف الفوري التام والكامل لإطلاق النار.
الانسحاب الكلي للقوات الإسرائيلية إلى محاذاة الحدود.
عودة النازحين إلى بيوتهم في كل مناطق القطاع من دون قيد أو شرط.
دخول المساعدات الإنسانية والمساكن المؤقتة بشكل كاف وآمن.
الدعوة لصفقة تبادل عادلة تشمل أصحاب الأحكام العالية.
المفاوضات أثناء المرحلة الأولى يجب أن تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وبين لاءات الطرفين من التباعد ما بين طموح إسرائيل وحالها على أرض الواقع في غزة، وذلك يعني أن وقف إطلاق النار بات بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى وفق ما ذهبت إليه صحف غربية متعددة، نظرا لما بدا من تماه في رأي الوسيط الأميركي مع الطرف الإسرائيلي، وهو ما يعني أن لا ضمانات لجدية المفاوضات ولا زمنا متوقعا لنهايتها، فضلا عن الوصول إلى نتائج مرضية منها.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف المفاوضات الدوحة القاهرة حماس صفقة التبادل وقف إطلاق النار غزة العقبات المحتجزين المقترح الأمیرکی وقف إطلاق النار إلى اتفاق قوله إن
إقرأ أيضاً:
تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا
استضافت العاصمة التركية أنقرة، في الحادي عشر من ديسمبر 2024، لقاءً جمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بكل من الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، للإعلان عن توصل الصومال وإثيوبيا إلى اتفاق برعاية تركية لإنهاء الخلافات الحادة بين البلدين، والتي وصلت إلى مستويات مرتفعة من الحدة على امتداد العام الحالي.
وفي هذا الإطار، يبدو من المهم محاولة تقييم فرص وتحديات نجاح هذا الاتفاق في الصمود في بيئة إقليمية ودولية بالغة التعقيد، فضلاً عن محاولة استشراف تداعياته المستقبلية على طرفيه، وعلى القرن الإفريقي باتساعه.
سياق الاتفاق:
في مطلع عام 2024، أعلنت الحكومة الفدرالية الإثيوبية توقيعها مذكرة تفاهم مع حكومة أرض الصومال تقضي بمنح إثيوبيا نفاذاً لسواحل أرض الصومال؛ بما يتيح استغلالها في إقامة موانئ تجارية وقواعد عسكرية بحرية، وذلك مقابل أن تبدأ إثيوبيا في مسار الاعتراف باستقلال أرض الصومال، وهو ما اُتفق على أن يبدأ بترقية التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين إلى مستوى السفراء. ومنذ صدورها في يناير الماضي، أثارت مذكرة التفاهم توترات استثنائية بين مقديشو وأديس أبابا، عبّرت عن نفسها في مظاهر عدة على امتداد العام الحالي، وصولاً إلى تهديد الترتيبات الأمنية القائمة في الإقليم منذ عام 2007 بعد أن وظفت الحكومة الصومالية انتهاء ولاية البعثة الإفريقية، والاستعداد لإطلاق بعثة جديدة في الإعلان الرسمي عن رفضها استقبال أي قوات إثيوبية ضمن البعثة، واعتبار أي مظهر لحضور عسكري إثيوبي في الصومال احتلالاً من قوات أجنبية بدايةً من مطلع عام 2025.
وقد جاء الإعلان عن الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا نتيجة جهود دبلوماسية تركية يقودها وزير الخارجية، هاكان فيدان، منذ يوليو الماضي، للتوسط بين الدولتين اللتين تربطهما بأنقرة علاقات وثيقة. لكن اللافت أن هذا الاتفاق لم يتضمن أي إشارة إلى تسوية القضايا الخلافية بين الصومال وإثيوبيا، وهو ما تُرك لمسار تفاوضي ذي طبيعة فنية سيتم إطلاقه بحلول فبراير 2025، على أن يمتد لأربعة أشهر قبل الوصول إلى اتفاق نهائي يتضمن تسوية مختلف القضايا محل الخلاف بين الجانبين.
وبذلك يتضح أن ما تم الإعلان عنه من توافق في أنقرة بين الصومال وإثيوبيا إنما يقتصر على تبادل الدولتين التفاهمات بشأن المبادئ الحاكمة للعلاقة الثنائية، على نحو ما عبّر عنه البيان الرسمي الصادر عن الجانب التركي الذي أكد التزام إثيوبيا بمبدأ وحدة وسيادة الصومال، مقابل اعتراف الصومال بحق إثيوبيا في الوصول إلى السواحل الصومالية بغرض الاستفادة الاقتصادية، مع اعتراف الصومال كذلك بما قدمه الجنود الإثيوبيون من تضحيات طوال سنوات انخراطهم عسكرياً في الصومال.
محفزات النجاح:
على الرغم من تجنب الاتفاق الذي رعته تركيا بين الصومال وإثيوبيا، الاشتباك مع القضايا التفصيلية الخلافية؛ فإنه لا يزال يحظى بفرص حقيقية للنجاح استناداً إلى وجود عدد من المحفزات التي تتمثل في الآتي:
1- حاجة كل من الصومال وإثيوبيا لتهدئة التوترات البينية للتفرغ لمواجهة مشكلات داخلية حادة: في الوقت الحالي يواجه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، معارضة متنامية بسبب خطته لإنهاء الاعتماد على المحاصصة العشائرية كآلية لإسناد السلطتين التشريعية والتنفيذية في المستوى الفدرالي، من خلال إلغاء الانتخابات غير المباشرة والتحول إلى الانتخابات المباشرة بمنطق صوت لكل مواطن. يُضاف إلى ذلك، الخلافات التي نشبت بين الرئيس الصومالي وبين عدد من رؤساء الولايات، على خلفية محاولته تأكيد مظاهر سيادة الحكومة الفدرالية في الوقت الذي تتمتع فيه حكومات الولايات بصلاحيات موسعة تقليدياً.
وفي المقابل، يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، تحديات جسيمة، تتمثل في تفجر المواجهات المسلحة في إقليمي أمهرا وأوروميا بصورة رئيسية، مع ظهور فرص لتجدد التوترات في إقليم تيغراي الشمالي. هذا بجانب تعثر مشروعه السياسي لإعادة تشكيل السياسة الإثيوبية بما يتجاوز نظام الفدرالية الإثنية، على نحو ما عكسته المشكلات العديدة التي واجهت مساعي إعادة توحيد الأحزاب المُشكلة والداعمة لـ”الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية” تحت راية “حزب الازدهار” منذ نهاية عام 2019.
2- تداعيات التغيير السياسي في أرض الصومال: اعتمدت الخطة الإثيوبية أساساً على موقف رئيس أرض الصومال السابق، موسى بيحي عبدي، الذي وقّع مذكرة التفاهم معها في يناير 2024، وكان من بين أكبر المتحمسين للاعتماد على إثيوبيا من أجل تحييد الضغوط القادمة من الحكومة الفدرالية الصومالية في مقديشو. لكن الانتخابات التي عُقدت في نوفمبر 2024 أفضت إلى وصول عبدالرحمن محمد عبدالله إلى السلطة في أرض الصومال، والذي سبق أن أعلن اعتزامه إعادة تقييم كافة الاتفاقيات الموقعة مع أطراف خارجية، بما يضمن أن تقوم هذه الاتفاقيات بتعزيز مصالح أرض الصومال على المدى الطويل. وقد أكدت هذا الاتجاه مبادرة المتحدث باسم الحزب الحاكم في أرض الصومال بالإعلان عن دراسة الحكومة الجديدة مذكرة التفاهم مع إثيوبيا من أجل اتخاذ قرار بالمُضي قُدماً في تنفيذها أو تعليقها، وذلك بعد أيام من إعلان التوافق الصومالي الإثيوبي في أنقرة.
وبهذا، قد يشكل تغير السلطة الحاكمة في أرض الصومال مصدراً لتحفيز إثيوبيا على العودة لتنسيق أولوياتها مع مقديشو، من أجل التوصل إلى تسويات أكثر شمولاً واستدامة وأقل إثارة للتوترات الإقليمية.
3- المصالح التركية المشتركة في الصومال وإثيوبيا: هي المصالح التي شكلت الدافع الرئيسي للوساطة التركية، حيث تتمتع أنقرة بحضور قوي في الصومال منذ عام 2011، امتد من الجانب الإنساني إلى الاقتصادي وصولاً إلى الجانب العسكري، في ظل الدور المؤثر الذي تؤديه تركيا في تدريب القوات المسلحة الصومالية. وبالمثل، تُعد تركيا شريكاً تجارياً ومستثمراً رئيسياً في الاقتصاد الإثيوبي، فضلاً عما يربط أنقرة وأديس أبابا من علاقات سياسية ممتدة.
وتُشكل هذه المصالح التركية دافعاً لأنقرة في الاستمرار في رعاية التفاوض بين الصومال وإثيوبيا، وصولاً إلى توقيع اتفاق لتسوية مختلف القضايا الخلافية، بما يقدمه ذلك من فرص نوعية لتعزيز الحضور العسكري والأمني والاقتصادي التركي في القرن الإفريقي.
تحديات الصمود:
أمام المحفزات المتعددة لنجاح الاتفاق الذي رعته تركيا بين الصومال وإثيوبيا، تظهر في المقابل العديد من التحديات التي قد تهدد صمود هذا الاتفاق، والتي تشمل ما يلي:
1- التحديات الأمنية التي قد تعوق وفاء الجانبين الصومالي والإثيوبي بمقتضيات الاتفاق: من ناحية، تبدو مهمة تأمين طريق بري طويل من السواحل الصومالية وحتى العمق الإثيوبي وصولاً إلى المركز الاقتصادي في العاصمة أديس أبابا، مهمة بالغة الصعوبة حتى مع توفير دعم عسكري وأمني تركي مدفوع بمزايا اقتصادية يمكن أن تجنيها أنقرة. وتتمثل أبرز هذه التحديات في حضور التنظيمات الإرهابية، بما يمكن أن يفرضه تنظيم الشباب من تهديدات جسيمة حال الاعتماد على موانئ وسط وجنوب الصومال مثل مقديشو ومركا وكسمايو، وما يفرضه تنظيم داعش الآخذ في توسيع نشاطه خلال العام الحالي في حال الاعتماد على الموانئ الشمالية في بونتلاند مثل ميناء بوصاصو.
يُضاف إلى ذلك، الخبرة السلبية التي قدمها صراع تيغراي، وما أثاره من صراعات جانبية بين الصوماليين والعفر داخل إثيوبيا أسفرت في عام 2021 عن قطع خط السكك الحديدية الذي يربط بين ميناء جيبوتي والعاصمة الإثيوبية، خاصةً في ظل ما تشهده الشهور الأخيرة من تصاعد الصدامات بين الصوماليين والأورومو في وسط وجنوب البلاد.
2- التداعيات الممتدة لاضطرابات الشرق الأوسط: يتصل القرن الإفريقي بالشرق الأوسط عبر مضيق باب المندب؛ ما يجعل الإقليم عُرضة للتأثر المباشر بالأوضاع المتغيرة نتيجة تنامي الضغوط الرامية لتحديد التمدد الإيراني في عدد من الدول من بينها اليمن التي تشكل النقطة الشرق أوسطية جغرافياً الأقرب للقرن الإفريقي. وبهذا المنطق، يمكن أن تستدعي التطورات في الشرق الأوسط، تحول المناطق الساحلية من القرن الإفريقي إلى نقاط إسناد أو ساحة مواجهة، عبر استدعاء المزيد من الحضور العسكري الأجنبي النشط؛ الأمر الذي قد يُعيد تشكيل التوازنات في الإقليم بما يقلص جدوى التوافق الصومالي الإثيوبي الأخير.
3- الاستقطاب الدولي المتنامي والممتد لمنطقة القرن الإفريقي: ما يجعلها منفتحة على مستويات متصاعدة من التنافس الذي قد يتسبب في اضطراب الاستقرار الهش القائم، حيث بات يُنظر للسواحل الإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وامتداداتها الجنوبية باعتبارها تُشكل الحد الغربي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تشهد بالفعل منافسة حادة بين عدد من القوى الدولية الكبرى والمتوسطة، تشمل الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند وفرنسا. ويُعرض هذا الوضع العلاقات البينية التي تربط دول القرن الإفريقي ببعضها بعضاً للتأثر المستمر بطبيعة توازنات المصالح الدولية في الإقليم، والتي عادةً ما تتجه إلى محاولة تكريس الاستقطاب، خاصةً في ضوء المتغير المهم المتمثل في عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة بدايةً من يناير 2025.
ثلاثة اتجاهات:
على خلفية المحفزات والتحديات التي يواجهها الاتفاق الصومالي الإثيوبي الذي أُعلن عنه برعاية تركية، يمكن استشراف ثلاثة اتجاهات مستقبلية لتداعيات هذا الاتفاق على القرن الإفريقي، هي كالتالي:
1- التهدئة الوقتية للتوترات بين الصومال وإثيوبيا، والتي شكلت مصدراً للتوترات الإقليمية امتد لنحو عام كامل؛ إذ يأتي النهج التركي المتمهل في معالجة القضايا الخلافية الدقيقة بين الجانبين ليطيل نسبياً من أمد خفض التصعيد حتى أواسط عام 2025، وهو الوقت الذي قد تؤثر فيه مختلف الأطراف المعنية بالقرن الإفريقي الانتظار لحين تبلور ملامح السياسة الأمريكية الجديدة في الإقليم.
2- الترسيخ التدريجي لتنامي فاعلية التسويات المقدمة من الخارج لمشكلات القرن الإفريقي، مقابل التراجع الحاد لفاعلية الآليات الإقليمية والإفريقية، وذلك في ظل التراجع المطرد لدور الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي في معالجة أزمات القرن الإفريقي، وهي الممارسة التي أيدتها العديد من الشواهد في العقد الأخير.
3- ما حمله الاتفاق الصومالي الإثيوبي من طابع جزئي قد يعالج بعداً واحداً من مشكلات الاندفاع الإثيوبي نحو الساحل، إلا أنه يترك اثنتين من أكثر الدول المتصلة بهذه القضية دون تسويات ملائمة وهما جيبوتي وإريتريا؛ ليفتح الباب أمام مصادر جديدة للتوترات الإقليمية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”