(نص+فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة والمستجدات الإقليمية
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 18 صفر 1446هـ 22 أغسطس 2024م
https://live.cdnbridge.tv/media/hs/az22wgzccdfble1hy1ndunip.mp4
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد:31]، صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
يستمر العدو الإسرائيلي في جريمة القرن، وعدوان الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعلى مدى ثلاثمائة وواحدٍ وعشرين يوماً، أيامٌ ليست كغيرها من الأيام، أيامٌ شهدت الفظائع من الجرائم الرهيبة التي يمارسها العدو الإسرائيلي، شهدت الإجرام، والتوحش، والهمجية، والظلم الرهيب في ممارسات العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ غربي، الإبادة بالقتل الجماعي والمجازر الجماعية، من خلال تدمير الأحياء السكنية على الساكنين فيها، بالقنابل الأمريكية المُدَمِّرة والكبيرة، وبالقتل الشامل للسكان، من أطفال ونساء، وكبار وصغار، ومن خلال الجرائم الأخرى، مثل: قتل النازحين في مخيماتهم، وفي مدارس الإيواء، وقتل السكان في الطرقات والشوارع، وفي كل مكان في قطاع غزة، والإبادة أيضاً بالتجويع، وبالأوبئة، وبالتعذيب، ومن ذلك التعذيب للأسرى، وكذلك بالكلاب البوليسية… وغير ذلك من الجرائم الفظيعة.
مئات الأيام ليست كغيرها، مئات الأيام من المعاناة التي لا مثيل لها، يُعانيها الشعب الفلسطيني العزيز المظلوم، الذي تتجدد معاناته، وتكبر مظلوميته، بقدر ما قد مضى من السنوات الطويلة، من عقودٍ من الزمن، وبما يستجد أيضاً في هذه المظلومية، بقدر ما قد مضى، وبقدر ما استجد فيها، ومنذ الاحتلال البريطاني، ومولوده غير الشرعي: العصابات اليهودية الصهيونية، التي مكَّن لها؛ لتخلفه في جريمة الاحتلال والظلم ضد الشعب الفلسطيني، وفي كل ما قد مضى وإلى اليوم، الشعب الفلسطيني يعاني يومياً، على مدى عقود من الزمن، لم يخلُّ فيها يومٌ واحد من معاناة الشعب الفلسطيني، واشتدت معاناته في كل مراحل التصعيد، ومنها: خلال مئات الأيام هذه، التي يشنُّ العدو الإسرائيلي عدوانه فيها على قطاع غزة، ويرتكب جرائم الإبادة الجماعية، على مدى ستةٍ وأربعين أسبوعاً، ونحن أيضاً في الشهر الحادي عشر.
في مقابل ذلك، المسؤولية، والواجب الديني، والإنساني، والأخلاقي، على المسلمين، هو: بحجم هذه المظلومية الكبيرة والطويلة، وفي مقابل مأساة الشعب الفلسطيني، هناك- بالنسبة لبقية المسلمين، الذين ينتمي إليهم هذا الشعب- هناك الواجب الديني، الذي يُحَتِّم على كل المسلمين أن يقفوا بكل ما يستطيعون لنصرة الشعب الفلسطيني، إضافةً إلى واجبهم تجاه مقدساتهم، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف، فلماذا هذا التخاذل الذي طال، والذي ساء، مع ما هناك من تصعيد في العدوان على قطاع غزة؟ لماذا هذا التخاذل؟ ولماذا هذه الفجوة الكبيرة بين الواجب المُقَدَّس المفترض على المسلمين جميعاً، وبين واقعهم، وطبيعة تعاملهم مع هذه المسؤولية؟!
الحقيقة الواضحة هي: أن ذلك يكشف عن الفجوة الكبيرة بين معظم أبناء الأمة الإسلامية، وعلى رأسها الأنظمة المتخاذلة منها، والمتواطئة منها، الفجوة الكبيرة جداً، مثلما هي فجوة بين الواقع القائم، والواجب المفترض، فهي أيضاً فجوةٌ كبيرةٌ جداً بين معظم أبناء الأمة- على رأسها تلك الأنظمة المتخاذلة، والأنظمة المتواطئة- وبين قرآنها، وإسلامها، ومبادئها، وقيمها، وأخلاقها، وهذه مسألة خطيرة جداً؛ لأن الموقف في نصرة الأقصى الشريف، والشعب الفلسطيني المظلوم، هو التزام إيماني، أخلاقي، ديني، قيمي، مبدئي، فالفجوة التي يدل عليها مستوى التخاذل الكبير جداً، هي فجوة بين الأمة، وبين تلك المبادئ الإسلامية، والقيم الإيمانية، والأخلاق، وهذه حالة خطيرة جداً.
أمرٌ خطير، يستدعي إعادة النظر، ويكشف الحالة غير الصحيَّة، التي يعيشها أكثر أبناء الأمة، حالة غير صحيَّة على المستوى الأخلاقي والمبدئي، وسنة الله تعالى هي: الكشف لواقع الناس، وحقيقة ما هم عليه، ومستوى مصداقيتهم في انتمائهم الإيماني؛ ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يفرز، ويبيِّن، ويكشف، ويميِّز، مدى مصداقية المنتمين للإسلام، المنتمين للإيمان؛ لأنَّه انتماءٌ عظيمٌ ومقدَّس، ولكن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو العزيز الحكيم، يأبى بأن يقبل الغش، والخداع، والكذب؛ ولــذلك يفرز، ويكشف، ويبيِّن، ويميِّز، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران:179]، وتأتي الأحداث والمواقف التي تتحمل الأمة تجاهها مسؤوليات كبيرة: دينية، إيمانية، أخلاقية، مبدئية؛ لِتُبَيِّن مدى مصداقية الانتماء، من خلال كيفية التعامل بمستوى ما يفرضه الموقف، وتفرضه المسؤولية تجاه تلك الأحداث.
وأمام ما يحدث على الشعب الفلسطيني، تأتي مسؤولية الجهاد في سبيل الله، النصرة للمظلوم، ومن هو أكثر مظلوميةً من الشعب الفلسطيني! الموقف من العدو الإسرائيلي فيما هو عليه من إجرام، وكفر، وطغيان، وظلم، وفساد، في الأرض، هذا الموقف الذي هو موقف إسلامي، قرآني، ديني، والتزام إيماني بكل ما تعنيه الكلمة، أين هو؟
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يفرز واقع الأمة، فهو القائل “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:11]؛ ولــذلك فهناك مسؤولية كبيرة في تلافي هذا الخلل الكبير، وردم هذه الفجوة؛ لأنَّها ليست فقط فجوةً مجردةً هناك، تتعلق بالموقف مما يجري على الشعب الفلسطيني ومظلوميته الكبيرة، بل هي بالقدر نفسه فجوةٌ بين الأمة، وبين مبادئ إسلامها، وأخلاق إسلامها، وقيم إسلامها، فجوةٌ بينها وبين القرآن، فجوةٌ بينها وبين رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”.
هذه الفجوة، يستدعي الواجب الإيماني والأخلاقي السعي إلى ردمها، وهنا مسؤولية كبيرة جداً على علماء الدين، على كل متنورين من أبناء الأمة، أن يتحركوا لتبصير الأمة وتوعيتها، إلى التَّنَبُّه بخطورة هذه الفجوة، الخطورة القصوى على الأمة في دينها ودنياها وآخرتها، حتى مستقبل الأمة في الآخرة، هناك خطر حقيقي.
تلك الروحية المتدنية، وذلك المستوى المنحط من التخاذل، وغياب الشعور بالمسؤولية، والإفلاس الإنساني والأخلاقي، هو خطرٌ كبيرٌ على شعوب أمتنا، وعلى الأنظمة أيضاً، ويمكن لأي شعب أن يواجه مثل تلك الحالة، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وفيما يكون عليه هو- أي شعب آخر- من تخاذلٍ هو سائدٌ في واقعه حالياً، كيف سيكون إذا واجه مثل تلك الحالة التي واجهها الشعب الفلسطيني؟ الشعب الفلسطيني تميَّز بثباته، بصبره، بجهاده، بوعيه، لكن ما هو حال بقية الشعوب؟ ألا تُشَكِّل تلك الحالة عليها من التخاذل، تلك الحالة التي تعيشها من التخاذل، والإفلاس الإنساني والأخلاقي، والغياب التام للشعور بالمسؤولية، والموت للضمير، ألا تُشَكِّل خطورةً عليها وفرصةً للأعداء؟ بل تُعَدُ فعلاً حالةً مطمعةً لأعداء الأمة فيها، وهي- بالفعل- من العوامل التي جَرَّأت العدو الإسرائيلي لفعل ما يفعله في غزة؛ لأنَّه أصبح ينظر إلى كثيرٍ من شعوب أمتنا أنَّها شعوب وأنظمة ميتة، ماتت ضمائر الناس فيها، وأنَّها انتهت وتلاشت ما لديهم من الأخلاق والقيم والمبادئ الإسلامية التي يمكن أن تُحرِّكهم، وهذا جَرَّأهُ على فعل ما يفعله بشكلٍ أكبر، حالة مؤلمة جداً ومؤسفة!
لم يرقَ موقف أكثر الأنظمة، والزعماء، والحكومات، والنخب، والكثير من أبناء شعوب أمتنا، لم يرق إلى مستوى موقف عجوزٍ نرويجية (من النرويج)، تلك العجوز التي هي في السبعينات من عمرها، والتي قالت: [إنها لا تريد أن تبقى في بيتها دون أن تفعل شيئاً من أجل الأطفال في غزة]، وتحرَّكت مع مجموعةٍ من الناشطين حول العالم في تحرُّكٍ إنسانيٍ رمزي، بحسب إمكاناتهم، واستطاعتهم، ومقدورهم، ضد الحصار على الشعب الفلسطيني، في السفينة التي حملت اسم أحد أطفال فلسطين (حنظلة)، تلك العجوز قالت: [إنَّها تحرَّكت إلى السفينة؛ ليعلم أطفال غزة أنهم ليسوا وحدهم]، هكذا تحرَّكت تلك العجوز الطاعنة في السن من النرويج، من أقصى الأرض، ويتخاذل الأقربون، الأقربون في انتمائهم الديني للإسلام، الأقربون وهم تجمعهم الرابطة الواحدة كعرب، والجوار أيضاً، وكل الاعتبارات الأخرى: الأمن القومي المشترك… وغير ذلك. عجوز تحرَّكت بدافع إنساني وبحدود إمكاناتها، فأين الجيوش، والحكومات، والنخب، والشعوب؟!
كذلك نجد- مثلاً- في موقف الرئيس الكولومبي، الذي منع تصدير الفحم من بلاده للعدو الإسرائيلي؛ لكيلا يساهم في مأساة الشعب الفلسطيني، وفي الظلم للشعب الفلسطيني، وفي دعم العدو الإسرائيلي؛ بينما أنظمة عربية، وشركات تصدير عربية، تُصدِّر الفواكه والمواد الغذائية ومختلف البضائع للعدو الإسرائيلي، ولا تُقدِّم شيئاً للشعب الفلسطيني، بل تُقدِّم ما يساعد العدو الإسرائيلي للاستمرار في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني!
بالرغم من كل ذلك، نرى الموقف العظيم والمتميز، والمعبِّر عن القيم، والأخلاق، والإسلام، والقرآن، والرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” نراه للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، بثباتهم الإيماني، وبصمودهم وصبرهم، وباستبسالهم في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعلى مدى أحد عشر شهرا، بالرغم من حجم الحصار الشديد، الحصار القديم والحصار الجديد، بالرغم من حجم الدمار والعدوان، إلَّا أنهم ثبتوا، ويستمرون في التصدي للعدو الإسرائيلي، ويلحقون به الخسائر الكبيرة، وهم جديرون بأن تحتفي بهم الأمة بكلها، وأن تفتخر بهم، وأن تساندهم، وأن تؤدي واجبها في المعونة لهم، والدعم لهم.
عندما ذهب المجرم [نتنياهو] إلى أمريكا، لم يكن ما قَدَّمه الأمريكان فقط ذلك التصفيق، وتلك الحفاوة في الكونغرس، على جرائمه في قتل أطفال العرب ونسائهم في فلسطين؛ بل عاد أيضاً بالمزيد من الدعم العسكري، والدعم السياسي، والدعم المالي؛ ليستمر في عدوانه، بل وليذهب إلى المزيد من التصعيد، في جرائم الاغتيالات التي حصلت بعد عودته من أمريكا، فأين هو الموقف العربي، وموقف الدول الإسلامية بشكلٍ عام، في الاحتفاء بالمجاهدين في فلسطين، وبالشعب الفلسطيني، وبقادة الجهاد في فلسطين، بمساندتهم، بتقديم كل أشكال الدعم لهم، في مقابل ما يفعله الأعداء مع مجرمين، مع ظالمين، مع طغاة معتدين، ومحتلِّين، ومنتهكين لكل الحقوق؟! أين هو الدعم؟! أين هي المساندة؟! أين هي الحفاوة من قِبَل العرب، من قَبَل المسلمين، مع الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزَّاء، الذين هم في الموقف الحق، وأصحاب القضية العادلة المُقدَّسة؟!
بدلاً من الحفاوة والتقدير، هناك الإساءة، هناك أنظمة عربية سَخَّرت وسائلها الإعلامية للتشويه وللإساءة، وللاستهداف المستمر إعلامياً للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، هناك التثبيط، بل في بعض الأنظمة العربية هناك معاقبة بالسجن، وبالتغريم، وبالتعذيب، وأحياناً حتى بالنفي، لمن يظهر منه ولو التعاطف في مواقع التواصل الاجتماعي مع الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزَّاء في قطاع غزة، البعض سُجِن عقوبةً على ذلك، وَعُذِّب في السجن، وَغُرِّم غرامةً كبيرة، البعض غُرِّم مائتين وخمسين ألف دولار؛ لتغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر فيها تعاطفه مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومجاهديه الأعزَّاء، البعض نُفي من بعض البلدان العربية؛ لأنَّه أظهر التعاطف مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
إن ثبات وصمود المجاهدين الأعزَّاء في قطاع غزة، واستمرار عملياتهم بالاستهداف للعدو الإسرائيلي، بالمستوى القائم من العمليات، له قيمة عظيمة على المستوى الأخلاقي والإنساني والديني، وعلى المستوى الاستراتيجي، في خدمة القضية نفسها، وفي مآلاتها وعواقبها، وفي الشهر الحادي عشر، تستمر عمليات المجاهدين في قطاع غزة بكل أنواعها: بالكمائن، والقنص، والإغارات، والقصف بمدفعية الهاون، والاستهداف للعدو الإسرائيلي بالعبوات الناسفة، والقصف بالصواريخ، وإسقاط مسيَّرات تابعة للأعداء، وأيضاً بالعملية المهمة جداً، العملية الاستشهادية التي نُفِّذت في ما يسميه العدو [تل أبيب] في يافا، باستهداف العدو الإسرائيلي، وعودة هذا النوع من العمليات لاستهداف العدو الإسرائيلي، هي خطوة مهمة وموفَّقة، ولها أهميتها الكبيرة.
أحد عشر شهراً، وإرادة المجاهدين في قطاع غزة صُلبة، وقوية، ومتماسكة، وعزمهم راسخ، وهم ثابتون، وهكذا هو حال الأهالي، بالرغم من حجم المعاناة الكبيرة جداً.
أما فيما يتعلق بجبهات الإسناد، فهي كذلك مستمرة وفاعلة، جبهة الإسناد في لبنان، جبهة حزب الله جبهة مستمرة وساخنة، والقصف يومياً مستمر ضد العدو الإسرائيلي، بعشرات الصواريخ، وبالقذائف المدفعية، وبأسراب الطائرات المُسَيَّرة، والعدو الإسرائيلي يعترف بالتأثير الكبير لعمليات حزب الله المساندة لغزة، ويعترف أيضاً بسقوط قتلى وجرحى، مع أنه يحرص على التعتيم الإعلامي على مستوى خسائره.
والعدو أيضاً يَتَرقَّب بخوفٍ شديد وكبير عملية الرد الآتية حتماً من جانب حزب الله؛ للانتقام من العدو الإسرائيلي، على جريمة الاستهداف للقائد الجهادي الكبير السيد/ فؤاد شُكر “رَحِمَهُ الله”، ويترقَّب أيضاً الرد الإيراني، على جريمة الاغتيال للقائد الإسلامي الكبير، المجاهد الشهيد/ إسماعيل هنيَّة، أثناء ما كان متواجداً في إيران، وهو ضيفٌ لإيران، وكانت جريمةً أيضاً انتهك فيها العدو الإسرائيلي السيادة الإيرانية، وجريمةً فيها مساس بالشرف الإيراني، فالعدو يدرك حتمية الرد، وهو خائف جداً، وحالة الخوف وصلت إلى درجة مؤثِّرة على العدو الإسرائيلي، كثير من الإسرائيليين، ولاسيَّما في ما يُسَمِّيه العدو بـ[تل أبيب]، يبقون في الملاجئ، والقادة، قادة العدو الإسرائيلي كذلك في حالة خوف مستمر، يعملون تحت الأرض، في ملاجئ محصنة، وأكثر شركات الطيران علَّقت رحلاتها الجوية، والوضع الاقتصادي للعدو تَأثَّرَ كثيراً، فحالة الخوف حالة مؤثِّرة، وهي- كما قال السيد حسن نصر الله “حَفِظَهُ اللهُ”- هي جزءٌ من العقاب؛ لأنَّ تأثيرها على العدو هو تأثير الفعل نفسه، كما لو كان هناك قصف، كما لو كان هناك عمليات يُضرب بها العدو الإسرائيلي، عندما يأتي الرد سيكون له- إن شاء الله- تأثيره على العدو الإسرائيلي؛ لأنَّ من أهم الأسباب في تَأَخُّرِ الرد، هو: ليكون رداً موجعاً للعدو الإسرائيلي. الرد آتٍ حتماً من جبهات المحور.
جبهة الإسناد في يمن الإيمان، في معركة الفتح الموعود والجهاد المُقدَّس، مستمرة أيضاً في عملياتها، المساندة للشعب الفلسطيني، ونَفَّذت هذا الأسبوع: عدد (واحد وعشرين عملية)، بعدد (واحد وعشرين صاروخاً بالِسْتِيّاً، وَمُجَنَّحاً، وطائرةً مسيرة، وزورقاً بحرياً)، وأصبح عدد السفن المستهدفة لارتباطها بالعدو الإسرائيلي، ولمخالفتها لقرار الحظر على العدو الإسرائيلي، بلغ عددها إلى: (مائة واثنين وثمانين سفينة)، هذا عدد مهم وكبير، بالرغم من تَحوُّل مسار أكثر السفن من جهة المحيط الهندي، ومن أقصى المحيط الهندي، ولكن لا يزال هناك عمليات نشطة، ومؤثرِّة على العدو تأثيراً واضحاً على المستوى الاقتصادي، ومن ذلك: التعطيل التام والإقفال لميناء أم الرشاش، التي يسميها العدو بـ[إيلات].
من ضمن عمليات هذا الأسبوع، في الاستهداف للسفن المنتهكة لقرار الحظر على العدو الإسرائيلي: سفينة، بعد أن تم تعطيلها بالقصف، جرفتها الأمواج.
أمَّا الغارات المعادية على شعبنا، التي يُنفِّذها الأمريكي في عدوانه على بلدنا، فقد بلغت في هذا الأسبوع: (خمس غارات في محافظة الحديدة)، وهي في ظل السياق الذي يتحرَّك فيه الأمريكي لإسناد العدو الإسرائيلي، فالأمريكي هو شريك للعدو الإسرائيلي، شريكٌ له فيما يفعله في قطاع غزة، وشريكٌ له في عدوانه في أي جبهة، وفي أي بلد إسلامي وعربي.
أمَّا فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية، التي يقوم بها شعبنا العزيز، فهي مستمرة بزخمها الهائل، وكثافتها، وتنوعها، وهذا يُثْلِجُ الصدر، فهو يُعبِّر عن وعي وقيم وأخلاق شعبنا العزيز، وعن هويته الإيمانية، إذ ليس من اللائق أن تخلو الساحة الإسلامية والعربية، من الخروج الشعبي المتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ بينما يستمر الخروج الشعبي في مظاهرات ومسيرات في بلدان حتى غير إسلامية، مثلما هو الحال في الأسبوع الماضي: خرجت مظاهرات ومسيرات في بريطانيا، وهولندا، والدنمارك، والنرويج، وألمانيا، والسويد، وإيطاليا، وحتى في أمريكا، بالرغم من القمع والمضايقات، وعندما نأتي إلى طبيعة ذلك التَّحرُّك في تلك البلدان البعيدة، والتي أيضاً الدافع لها هو بالدرجة الأولى دافعٌ إنساني، لا يربطها بالشعب الفلسطيني، ما يربط شعوبنا به، من انتماء إسلامي، وعربي، وقيم مشتركة… وغير ذلك، بل وحتى على مستوى الأمن القومي وغير ذلك، والمصالح، لكن هو الدافع الإنساني، الذي جعل البعض لهول ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم رهيبة جداً، ومن تجويع كبير للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، دفع البعض للتحرُّك وهم هناك، في ساحات فيها نشاط مكثف جداً، وسيطرة كبيرة: إعلامية، وثقافية، وفكرية، لصالح العدو الإسرائيلي، ومن بين تلك الظلمات بكلها، يصدح ذلك الصوت الإنساني، وتخرج تلك التجمعات في التظاهرات.
في المقابل، يفترض أن تكون شعوبنا أكثر اهتماماً، أكثر تفاعلاً، أكثر وعياً، أكثر إحساساً بالمسؤولية الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، والحالة في معظم الشعوب واضحة: حالة أشبه الموت، شعوب وكأنها ماتت منذ زمنٍ بعيد، لا يُسمع لها صوت، ولا حِسّ، ولا يظهر لها أي تفاعل، باستثناء حالات محدودة جداً، وكلنا نعرف الدور السلبي جداً للأنظمة التي تحكم تلك الشعوب، في أن يكون الواقع على ما هو عليه.
انفرد شعبنا العزيز وبلدنا رسمياً وشعبياً بالموقف المتميز، وهذه نعمة كبيرة، وتوفيق إلهي كبير، فشعبنا العزيز انفرد من بين شعوب كل العالم في مستوى التفاعل، وحجم هذا التفاعل، وكثافة هذا التفاعل، يتجلى ذلك في حجم الخروج الأسبوعي الذي هو مليوني، وكثافة الأنشطة التي هي بمئات الآلاف، وبما لا سابقة له، ولا مثيل له، في أي بلدٍ آخر في العالم.
هناك- بالنسبة للبلدان العربية- تحرُّك مستمر للشعب المغربي، وعلى نقيض من الموقف الرسمي هناك، الموقف الرسمي- وللأسف الشديد- عميل، وخائن، ومتواطئ مع العدو الإسرائيلي، ورفع من مستوى تعاونه الاقتصادي مع العدو الإسرائيلي، وهذا شيء مؤسف جداً! لكن على المستوى الشعبي، هناك تحرُّك مستمر، وينتشر في كثير من المدن المغربية.
في بلدنا العزيز، في يمن الإيمان، بلغت المسيرات، والمظاهرات، والفعاليات، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، الهمجي، الإجرامي، على قطاع غزة وإلى اليوم: (ستمائة ألف واثنين وخمسين ألفاً، ومائة وخمسة وسبعين مظاهرة، ومسيرة، وفعالية): ندوات، تجمعات، وقفات… إلى غير ذلك. هذا العدد الضخم، يعني: بمئات الآلاف، يدل على كثافة هذه الأنشطة خلال الأحد عشر شهراً هذه، وهذه نعمة كبيرة، وتوفيق كبير.
وبلغت مخرجات التعبئة في التدريب: أكثر من (أربعمائة ألف واثنين وثلاثين ألفاً)، ولا زلنا نؤمِّل -إن شاء الله- أن يكون هناك إقبال أكثر، فيما يتعلق بالتعبئة، في التدريب والتأهيل العسكري؛ لأن هذا أيضاً له أهمية كبيرة، في مسألة الاستعداد للجهاد في سبيل الله، والجهوزية أيضاً للمواقف الأكبر من مستوى المظاهرات.
في العروض العسكرية، والمسير العسكري، والمناورات: الأنشطة مستمرة للتعبئة، وبلغت: (ألفين ومائتين واثنين وتسعين مناورة ومسيراً وعرضاً عسكرياً).
الخروج الأسبوعي مستمر في العاصمة وفي مختلف المحافظات، وفي الأرياف أيضاً، في مختلف الأحوال، بمثل ما كانت في شدة الصيف، مع شدة الحرارة، حتى في المحافظات التي عادةً ما تكون درجة الحرارة فيها مرتفعة جداً، مثلما هو الحال في محافظة الحديدة، وفي البعض من محافظة حجة، وفي محافظة الجوف، أيضاً لا يزال الزخم حتى في موسم الأمطار، موسم الغيث الذي يَمُنُّ الله به على بلدنا، فالمسيرات والمظاهرات تخرج حتى مع هطول الأمطار، والمشاهد لخروج الناس بين الأمطار، في مثل صنعاء، في مثل ذمار… في محافظات أخرى، هي مشاهد تُعَبِّر عن هذا الثبات، عن العزم على المواصلة والاستمرار لمساندة الشعب الفلسطيني، على عدم إخلاء الساحات في ظل العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني.
شعبنا مصمم على مواصلة جهاده، على مواصلة موقفه الإيماني؛ لأن هذا من الوفاء مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أولاً، وثانياً: طالما وهناك تلك المظلومية، وذلك الظلم، وتلك الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، فإن شعبنا لن يهدأ له بال، وليس حاله كحال البعض من الشعوب، ومن المجتمعات التي مات ضميرها وللأسف، شعبنا- بتوفيق الله- يعيش فعلاً حياة الإيمان، وحياة الضمير الإنساني، ويستشعر مسؤوليته، ويتفاعل، ويتأثر، ويحزن، ويغضب، تجاه ما يجري على الشعب الفلسطيني؛ ولــذلك هو مستمرٌ في خروجه بهذا الزخم الكبير، وبهذه الكثافة من الفعاليات والأنشطة، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة:54]، نعمةٌ وتوفيقٌ كبير، ونجاةٌ من العار والخزي، الذي لحق بكل المتخاذلين وبكل المتواطئين، تجاه ما يجري على الشعب الفلسطيني؛ ولـــذلك فشعبنا العزيز مستمرٌ في أنشطته، ومستمرٌ في خروجه الأسبوعي.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني يوم الغد إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات والمديريات.
وننوه إلى أن الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، إلى نصرة المظلوم، ومن هو أكثر مظلومية من الشعب الفلسطيني! وإلى الموقف من أعداء الله وأعداء الإنسانية، اليهود الصهاينة، الذين هم الأكثر إجراماً في كل المجتمعات البشرية، هذه الدعوة هي دعوة الله في كتابه، دعوة رسوله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، في توجيهاته وتعليماته، وفي سيرته، والله تعالى قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24]، فالاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتحرُّك فيما فيه حياة الأمة، وشرفها، وعزتها، وكرامتها، وقوتها، وحضورها في الساحة في مواجهة الأعداء، وفي مواجهة التحديات والأخطار، هذه الاستجابة يترتب عليها الخير الكبير في الدنيا والآخرة.
وفعلاً شعبنا العزيز هو في موقف الشرف، وموقف بياض الوجه، والموقف الذي هو فخرٌ له حتى عندما تأتي الأجيال اللاحقة، لا يكون شعبنا تَلَطَّخَ بعار التخاذل، الذي تَلَطَّخت به كثيرٌ من الشعوب والله المستعان!
أَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجَ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَنَسْألُهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی فی قطاع غزة المجاهدین فی قطاع غزة على العدو الإسرائیلی على الشعب الفلسطینی مع الشعب الفلسطینی ضد الشعب الفلسطینی للعدو الإسرائیلی للشعب الفلسطینی شعبنا العزیز فی سبیل الله على المستوى أبناء الأمة تلک الحالة هذه الفجوة بالرغم من فی عدوانه ع ل ى آل س ب ح ان ه ت ع ال ى وغیر ذلک ما یفعله م ج اه د غیر ذلک على مدى ة التی التی ی ل الله
إقرأ أيضاً:
نص المحاضرة الرمضانية الـ22 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 24 رمضان 1446هـ
الثورة نت/..
نص المحاضرة الرمضانية الـ22 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 24 رمضان 1446هـ:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي قدَّم الله فيها قصة نبيه إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في مقامٍ من مقاماته لتبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة قومه إلى عبادة الله تعالى، وإلى توحيده، والإيمان به، ونبذ الشرك، كُنَّا في سياق الحديث عن قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وعنوان الهداية عنوانٌ مهمٌ جدًّا، يترتب عليه:
إمَّا فوز الإنسان، وفلاحه، وسعادته، ومستقبله السعيد في الآخرة.
أو يكون لموقف الإنسان السلبي تجاه الهدى، التأثير الكبير على حياته في الدنيا بالشقاء، وكذلك الخسران الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
لأهمية هذا الموضوع؛ أتى الحديث عنه واسعاً جدًّا في القرآن الكريم من جوانب متعددة.
تحدثنــــا في المحاضـــــرة الماضيــــــة:
أن هدى الله تعالى واكب مسيرة البشرية منذ بداية وجود الإنسان؛ فكان آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” نبيّاً، واسْتَمَرَّت المواكبة بالرسل، والأنبياء، وكتب الله، وكذلك من بعد الرسل ورثة الكتب الإلهية، من جهة المهتدين، الهادين بها وفق سُنَّة الله في هداية عباده، وخَتَم الله النُّبوَّة والأنبياء بخاتم النَّبِيِّين، رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وختم الله كتبه بالقرآن الكريم، الذي هو مُصَدِّق لما بين يديه من كتب الله، وكذلك مهيمن، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، القرآن الكريم هو لهداية المجتمع البشري إلى قيام الساعة، في الحقبة الأخيرة من الحياة والوجود على الأرض.
تحدثنا عن بعضٍ من مميزات القرآن الكريم في المحاضرة الماضية؛ لأن مميزات القرآن الكريم كثيرةٌ جدًّا وواسعة؛ ولـذلك المقام مقام اختصار، تحدثنا باختصار عن هذا الموضوع.
تحدثنا عن جانب من جوانب الهداية في القرآن الكريم، وهو: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، تجاه المخاطر التي تستهدفهم من جهة أعدائهم، وهذا موضوعٌ مهمٌ، وموضوع مُلِحٌّ؛ لأن المسلمين في معاناة قائمة وموجودة، وفي خطرٍ رهيبٍ؛ والسبب الأول هو: غياب الرؤية الصحيحة لكيفية التعامل مع هذا الخطر، وما هو الموقف الصحيح، وهذه المسألة مؤثِّرة تأثيراً كبيراً على المسلمين، مؤثرةٌ تأثيراً كبيراً عليهم فعلاً.
هناك قاعدتان مهمتان في القرآن الكريم، تُبيِّن لنا كيف أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لم يتركنا من الهداية فيما يتعلق بهذا الموضوع المهم:
القاعدة الأولى: عبَّرت عنها في النصوص القرآنية، بقول الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]:
هذا شيءٌ مهمٌ، هو جزءٌ من إيماننا بالله، وأن نَعِيَهُ جيداً؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الرحيم بنا، لا يمكن أن يتركنا للتظالم من دون هداية إلى ما يقينا من ذلك، ومن دون جزاء، ومن دون رعاية، هذه قاعدة مهمة جدًّا؛ ولهـذا أكَّد الله عليها في القرآن الكريم: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، وفي آيةٍ أخرى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31].
ولـذلك فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هدايته، في تشريعه، في سنته في رعاية عباده وشؤونهم، لا يريد لهم الظلم، لا يظلمهم، ولا يريد لهم أن يُظلموا؛ فهـو يُقَدِّم ما يقيهم من الظلم، ما فيه المَنَعَة، والعِزَّة، والحماية لهم من الظلم، ويُقَدِّم أيضاً في إطار المسؤوليات الإيمانية، التي رسمها لعباده، ما يُحَقِّق العدل في الحياة، ويكون فيه التَّصدِّي للظلم.
فالله هو القائم بالقسط، وجعل إقامة القسط هدفاً من الأهداف الأساسية لرسالاته؛ ولـذلك يقول الله في القرآن الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران:18]، وقال عن كونه هدفاً أساسياً لرسالاته إلى الناس: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد:25]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو القائم بالقسط، ولا يريد لعباده أن يظلموا، فقدَّم لهم الهداية الكاملة، وقدَّم في تشريعه، وفي المسؤوليات التي رسمها لعباده، ما يكافح الظلم، ما يساعد على تحقيق العدل، وإقامة العدل في الحياة.
القاعدة الثانية في القرآن الكريم هي: قول الله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]:
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الأعلم بأعدائنا (من هُمْ)، على مستوى تحديد من هو العدو، هو الأعلم بمن هو العدو، الذي هو عدوٌ لنا، ويُشَكِّل خطورةً علينا، وعلينا أن نتَّخذه عدواً، والمسلمون يعانون من الضلال حتى في تشخيص من هو العدو، والاشتباه تجاه العدو الكبير، الذي عدائه في غاية الوضوح، (هل هو عدو، أو صديق؟)، يريد البعض أن يُقدِّمه صديقاً. كيف هم هؤلاء الأعداء؟ كيف هي خطورتهم؟ ما هي الطريقة الصحيحة لدفع شرِّهم… وغير ذلك، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم عندما حدَّد لنا من هم الأعداء: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45]، يعني: لم يكتفِ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بأن يخبرنا من هو العدو، كيف هي خطورته، كيف هي أساليبه العدائية، أين هو مصدر شَرِّه الذي يُشَكِّل خطورةً علينا؛ وإنما أيضاً عرض لنا هدايته، ونصرته، أن يهدينا كيف نواجه هذا العدو، وأن ينصرنا ضد هذا العدو، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45].
الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو على رأس خط الضلال، المناوئ لطريق الهداية وللصراط المستقيم، هو على رأسهم (الشيطان الرجيم)، وهو يريد أن يوقع الإنسان في أكبر شَرّ، وأن يوجِّه له أكبر ضربة، عداؤه للإنسان عداء شديد جدًّا؛ ولـذلك هو لا يكتفي بمستوى عادٍ من الضرر؛ هو يريد أن يلحق بالإنسان أكبر الضرر، وأن يوقعه في أكبر الخطر، وأن يجعله يتَّجه في طريق الخسران الدائم، هذا ما يركِّز عليه الشيطان: أن يوقع الإنسان في العذاب الأبدي الرهيب، أن يَصُدَّه عن سبيل الخير، والفوز، والفلاح، والسعادة، والسمو النفسي.
وتكررت قصته في القرآن الكريم كثيراً، في إطار تلك السنة الإلهية: أن الله أعلم بأعدائنا، ويبيِّن لنا:
من هو العدو.
ما هي خطورته.
كيف نقي أنفسنا من شرِّه.
وعن سبب عداوته للإنسان، تشخيص دقيق ما هو السبب.
عن مستوى عدائه للإنسان.
متى بدأ هذا العداء، وإلى متى سيستمر.
كل هذا أتى الحديث عنه تفصيلياً في القرآن الكريم.
ما هي خطَّته العدائية.
كيف يريد أن يستهدف الإنسان.
تفاصيل كثيرة في القرآن الكريم.
وما هي الطريقة الصحيحة لمواجهته، والحماية منه.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيّن لنا في القرآن الكريم، في قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]، هو يعتمد على الإغواء، لماذا؟ لأن الإغواء عن طريق الهداية هو تضييعٌ للإنسان، هو الذي من خلاله ينحرف بالإنسان عن الصراط المستقيم، الذي كان سيوصله إلى الغاية الكبرى، في الفوز، والفلاح، والسعادة الأبدية؛ وإلى أداء مهامه في هذه الحياة، في إطار توفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ورعايته، وهدايته، بنجاح؛ فهـو يسعى للإغواء، الإغواء في كل المجالات للإنسان: الإغواء على المستوى العقائدي، على المستوى الأخلاقي… على كل المستويات.
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}، في آيةٍ أخرى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}[النساء:119]، يسعى للإضلال، الإضلال هو: طريقة خطيرة وجامعة للانحراف بالإنسان عن طريق الهداية، والتضييع له بذلك.
قال عنه أيضاً: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، يعني: أن يُصَدَّهم عن صراط الله المستقيم، ويصرفهم عنه، من أجل ماذا؟ من أجل غوايتهم، إضلالهم، من أجل خسارتهم وشقائهم.
وتكرر في القرآن الكريم كيف بدأ استهدافه للإنسان، بدايةً بما عمله مع آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وكيف سعى لإخراجه من الجنَّة ليشقى.
ومع كل ما أتى من الحديث عنه في كتب الله، والتحذير عنه من أنبياء الله، ورسل الله، وأولياء الله، هم يُحَذِّرون الناس منه، وَيُبَيِّنُون للناس سوءه، وشرَّه، وخطره، وعداءه، وحقده، وما يسعى من خلاله لإشقاء الإنسان، للاتِّجاه به في طريق الخسران؛ مع كل ذلك- وللأسف الشديد- انخدع به أكثر البشر، وأطاعوه، وتولوه، وهذه قضية عجيبة في واقع البشر! وقضية خطيرة.
ولهـذا يُبَيِّن الله لنا في القرآن الكريم عن هذه الخسارة للمجتمع البشري، نتيجة التَّولِّي للعدو، التَّولِّي لعَدُوِّهم، الذي حذَّرهم الله منه، الطاعة له في معصية الله، الانصراف عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاتِّجاه في طريق الغواية، التي يدعوهم إليها الشيطان:
في يوم القيامة، يوجِّه الله نداءه للمجتمع البشري: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:60-62].
في الحديث أيضاً في القرآن الكريم عن حجم الخسارة لكثيرٍ من الناس؛ بسبب توليهم للشيطان عَدُوِّهم، وطاعتهم له: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85]، تمتلئ جهنم، تمتلئ بالبشر، بالبشر الذين كانوا في هذه الدنيا مُتَوَلِّين لعَدُوِّهم، عَدُوِّهم الحاقد عليهم، الذي كان هدفه الرئيسي هو: أن يوصلهم إلى جهنم، إلى أشد عذاب؛ لأن هذا بالنسبة له هو الذي يُلَبِّي رغبته في العقدة، والحقد، والعداء لبني آدم: أن يوصل الإنسان إلى أَشَدِّ العذاب، إلى نار جهنم للأبد؛ لأن هذه أكبر ضربة يمكن أن يوجهها للبشر، وأن يعمل بهم ما لا يمكن أن يكون هناك أَشَدّ منه، ولا خسارة أكبر.
فلـذلك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أقام حُجَّته، وَنَبَّه، وبَيَّن، وقَدَّم حتى التفاصيل، حتى فيما يتعلق بالمستقبل في الآخرة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما يقول في القرآن الكريم، وهو يُحَذِّرنا من الشيطان، بعد أن بيَّن لنا أنه رفض السجود لآدم، وحَقِد بسبب أمر الله له بالسجود: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، هذه هي الخسارة: التَّولِّي للعدو الحقود، الذي يسعى لأن يتَّجه بك إلى الشقاء الأبدي، إلى الخسران الرهيب العظيم، إلى الخسارة الكبيرة، إلى نار جهنم، هذه مشكلة كبيرة على الواقع البشري.
الارتباط بالشيطان خسران؛ لأنه كما بيَّن الله لنا: يسعى لإضلال الناس، لإغوائهم، لإفسادهم؛ ثم تحريكهم في طريق الغواية؛ لتتحوَّل مسيرة حياتهم إلى مسيرة إضلال، وإفساد، وشرّ، وإجرام، وطغيان، ومفاسد، ومظالم؛ فيتَّجه بهم لتسخير كل إمكاناتهم، وقدراتهم، وطاقاتهم، في الاتِّجاه الشيطاني، في اتِّجاهه هو، الذي هو هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، من إضلال، وإغواء، وإفساد، وشرَ وإجرام، وظلم، وفساد… وغير ذلك؛ فالارتباط به خسارة، ومن يرتبط به، يتولاه، يطيعه، يعبده؛ يعبده بإيثاره لطاعته فوق طاعة الله، بانصرافه على نهج الله، واتِّجاهه في طاعته، وطاعة وساوسه، والاتِّجاه في الطريق التي هي طريقه، طريق الشر، طريق الإجرام، طريق الضلال والفساد.
أولياء الشيطان الذين يتولونهم، يتحولون هم– كذلك- إلى مصدر شرّ، مصدر للجريمة، للفساد، للظلم، ويُحَرِّكهم الشيطان في نفس تلك الاتِّجاهات؛ ولـذلك يكون نشاطهم في هذه الحياة كمجرمين، جرائم، أنواع الجرائم تصدر منهم، فاسدين مفسدين، ضالِّين مُضِلِّين، يتحرَّكون بالشَّرّ في حياة الناس؛ ولـذلك يتجلَّى على أيديهم- هم أيضاً- ما يسعى له الشيطان في إشقاء المجتمع البشري؛ لأنهم هم من أساؤوا إلى هذه الحياة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” رسم للبشرية منهج الهداية، الذي يكفل لهم السعادة والخير؛ لكن نتيجةً لأولئك الذين قاموا بالتولِّي للشيطان، والعبادة للشيطان، والاتِّجاه في طريقه الإجرامي، المُضِلّ، الذي فيه الشَّرّ والفساد، هم من سَوَّدوا وجه الحياة، من ملأوا الحياة بظلمهم، بفسادهم، بطغيانهم، من جلبوا الشقاء على المجتمع البشري؛ فتحوَّلوا هم إلى مصدر للشر، مصدر للجريمة، للظلم، للمفاسد؛ ولـذلك يُعَبَّر عنهم في القرآن الكريم بأولياء الشيطان، الذين قاموا بِالتَّوَلِّي له، بمختلف فئاتهم، وعناوينهم، وأسمائهم: فاسقين، كافرين، مجرمين، منافقين… هم يجمعهم هذا العنوان: التَّولِّي للشيطان، أولياء الشيطان، سَمَّاهم أولياء الشيطان.
في القرآن الكريم، القائمة التي تضمن عناوينهم- يعني: في آيات كثيرة في القرآن الكريم- بمواصفاتهم بشكلٍ واضح، يُعَرِّفهم تعريفاً واضحاً وجليّاً، كل فئة من أولياء الشيطان: كيف هي مواصفاتهم، أعمالهم، تصرفاتهم، نفسياتهم، توجهاتهم، مواقفهم…إلخ. والأنشطة التي يتحرَّكون فيها هي نفس الأنشطة الشيطانية:
هو قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}[النساء:119]، يتحرَّك مِنَ الذين يتولونه من هم مُضِلُّون في هذه الحياة، نشاطهم هو الإضلال.
الشيطان يسعى للإفساد والإغواء؛ هم يتحركون لإفساد الناس، وبالفساد، الفساد بالنسبة لهم ممارسة في حياتهم؛ لأنهم أصبحوا فاسدين، ومع ذلك يسعون لنشر الفساد في الأرض، وإفساد الآخرين.
وهكذا بالنسبة للظلم؛ الظلم ممارسة وسلوك بالنسبة لهم، يَتَعَدُّون حدود الله، يظلمون عباد الله، وفي نفس الوقت من يتولَّاهم، من يسير في دربهم؛ يسير في طريق الظلم.
وهكذا أصبحوا هُمْ من يتَّجهون ويتحرَّكون بالشَّرّ في واقع الحياة؛ فالشيطان يُحَرِّكهم، وهم أصبحوا شبكات كبيرة في المجتمع البشري، ينشطون في أنشطته الشيطانية العدوانية، التي تستهدف المجتمع البشري. الشيطان منذ البداية كان سيعتمد عليهم بشكلٍ أساسي، في أن يتحوَّل واقع الحياة لدى الناس إلى واقع سيء بفعلهم.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، يستحق جهنم من يَتَّبع عدوه الشيطان، الرجيم، الخسيس، السيء، الحقود، المستكبر، الضال، المفسد، الشرير؛ ويترك التولِّي لله ربِّ العالمين، المنعم، الكريم، العظيم، الذي له الأسماء الحسنى، الذي هو ولي كل نعمة على الإنسان، ربُّ العالمين.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64]؛ لـذلك فكل فئات أولياء الشيطان الذين يتحركون في واقع الحياة، بمختلف فئاتهم، وأصنافهم، وأنواعهم؛ هم امتداد للشيطان، لشرِّه، لضلاله، لفساده، لعدوانيته، لحقده، لإجرامه، تحوَّلوا إلى أداة شيطانية للشيطان.
القائمة التي وردت في القرآن الكريم هي قائمة واضحة– كما قلنا- تُحَدِّدهم بمواصفاتهم، على رأس تلك القائمة، التي حَذَّرنا الله منها في القرآن الكريم، وبَيَّن سوءها وشرها وخطرها: فريق الشر من أهل الكتاب، (اليهود، والموالون لهم من النصارى) هم على رأس القائمة في ما يُعَبَّر به في القرآن الكريم، ما يُستفاد منه أنهم هم الأكثر ضلالاً، والأشدُّ ظلماً، يعني: هم من أخطر أولياء الشيطان، ومن أسوأ أولياء الشيطان، ومن أكثر البشر عملاً في الاتِّجاه الشيطاني، والأنشطة الشيطانية في المجتمع البشري؛ فهم مصدر شر كبير على المجتمع البشري وخطير، وهم امتدادٌ للشيطان، في إجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وعدوانيتهم.
ولـذلك حينما يشرح لنا القرآن الكريم عنهم، ويخبرنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عنهم، ماذا يريدون بنا؟
يقول: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، نفس الإرادة الشيطانية، ماذا يريد الشيطان من البشر؟ أن يَضِلُّوا السبيل في كل المجالات، وأن يكونوا تائهين في هذه الحياة في كل شيء: في معتقداتهم، في انتمائهم الديني، في مختلف مسارات حياتهم، في المجالات كافَّة، أن يَضِلُّوا كُلَّ سبيل خيرٍ، وفلاحٍ، وعِزٍّ، ونجاحٍ، وصلاح، وأن يتَّجهوا إلى الاتِّجاه الخاطئ، الذي هو اتِّجاه السقوط والضياع.
يقول عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64]، وهذا هو نفسه من أهم الأنشطة الشيطانية، التي يسعى لها الشيطان، ويحرص عليها الشيطان، فهم يشتغلون في نفس الاتِّجاه الشيطاني.
يقول عنهم: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهذا أيضاً ما يسعى له الشيطان: لارتداد حتى بمن اتَّجهوا في طريق الإيمان، أن يرتد بهم عن نهج الإيمان وطريق الإيمان، إلى الكفر.
بيَّن القرآن الكريم عداءهم وحقدهم الشديد على المؤمنين، وهذه هي عقدة شيطانية، الشيطان هو حقود جدًّا على المؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].
بَيَّن مستـــوى حقدهــــم:
بقوله: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، هذا يُبَيِّن حقدهم الشديد، يودُّون لكم العنت، أي عنت، ويسعون لذلك، ما فيه الضرر البالغ عليكم، برغبة شديدة، برغبة شديدة لذلك.
يقول عنهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118].
يقول عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119].
يقول عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، كم في القرآن الكريم من آيات كثـــيرة جدًّا عنهم، هذه نماذج فقط من الآيات القرآنية.
فالله قدَّم في القرآن الكريم تشخيصاً دقيقاً لهم، وماذا يريدون، وكيف هم، وماذا يمكن أن يعملوا، وماذا يهدفون إليه، وكيف سيكون مصير الناس إذا لم يتحرَّكوا لمواجهة شرهم؛ وبيّن كيف يجب أن نكون في مواجهتهم.
بيَّن حتى مشاعرهم، مشاعرهم الداخلية نحو الناس، نحو المؤمنين، حديث القرآن الكريم عنهم واسعٌ جدًّا وتفصيلي، بالتفصيل في آيات كثيرة جدًّا، وعن سبيل مواجهتهم، كذلك الطريقة الصحيحة، التي تحمي الأمة من شرِّهم وخطرهم.
بيّن كذلك أساليبهم، سواءً على مستوى حربهم الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، وهي حرب خطيرة على الأمة، وهي- تلك الحرب- قائمة على قدمٍ وساق.
يعني: قد يتصوَّر البعض– مثلاً الآن- وهو يرى واقع العالم الإسلامي، فيرى- مثلاً- أن هناك حرب عسكرية، بالقتل، والدمار، والقنابل، والصواريخ؛ على غزَّة، على اليمن، على لبنان، في بعض سوريا؛ ثم يتصوَّر أن واقع بقية الأمة هو واقعٌ هادئ ومستقر، وأن الخطر من اليهود في عدوانهم، ونشاطهم العدائي، وتَحَرُّكهم العدواني، هو في هذا المستوى: استهداف لبلدان معيَّنة محدَّدة بالصواريخ والقنابل؛ إذاً كيف يعمل لكي يتخلَّص من ذلك.
حربهم قائمةٌ على قدمٍ وساق بما هو أخطر حتى من القنابل والصواريخ، على بقيَّة العالم الإسلامي، على بقيَّة البلدان العربية، يعني مثلاً: حربهم على دول الخليج، على مصر، على دول المغرب العربي، على بقيَّة العالم الإسلامي، هي حرب ساخنة جدًّا في اتِّجاهها الآخر: الحرب الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، يعني: لهم برامج وأنشطة عدوانية، خطيرة، قائمة، مشتغلة، ماشية، ماشية؛ لأن هناك تجاوب معهم فيها، استجابة- كما يفعل الناس في الاستجابة للشيطان- استجابة للعدو فيما يخدمه، ويُحَقِّق أهدافه، وهناك مسار لهم:
للإضلال: التأثير والتغيير في الخطاب الديني، في المناهج الدراسية، في التَّوَجُّهات السياسية… في مختلف الأمور.
الإفساد اللاأخلاقي: عمل مستمر، برامج، أنشطة متحركة.
لو يتأمل الإنسان ما يجري– مثلاً- في المملكة العربية السعودية، هناك عمل كبير لليهود، وهو عمل عدواني، لكن الناس هناك، (مثلاً: النظام، ومن يواليه، ومن يخضع له، ومن يستجيب له ويتَّبعه)، يتصوَّرون- لغبائهم المفرط، لضلالهم الرهيب، لابتعادهم عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- يتصوَّرون أنهم يتَّجهون الاتِّجاه الصحيح، في استجابتهم لكل المساعي اليهودية لإضلالهم وإفسادهم، كما هو الحال عندما يتَّجه الإنسان مع الشيطان براحة، وهو يتصوَّر أنه يُلَبِّي شهوات نفسه، رغبات نفسه، وهو يتَّجه إلى ما فيه الخسارة له.
فاليهود هم يشتغلون بأنشطتهم التي هي عدوانية، هي خطرٌ وشَرٌّ كبيرٌ جدًّا على الناس، وهي تتحرَّك في أوساط الآخرين على قدم وساق، وتحقق النتائج، وهي تُهَيِّئ- في نهاية المطاف- للشقاء الكبير، يعني: تُهَيِّئ لاستحكام السيطرة- فيما بعد- على تلك البلدان بشكلٍ كامل وبكل بساطة، بكل سهولة، بدون عناء؛ لأنها عندما تصل بهم على مستوى الإفساد النفسي، والتمييع اللاأخلاقي، إلى الحضيض، إلى أحطّ مستوى، كيف يمكن أن يكونوا في يومٍ من الأيام- بعد أن يصلوا إلى تلك الحالة- في مقام التصدِّي للعدو، ما يستلزمه ذلك من مبادئ، من أخلاق، من قيم، من غَيرة، من عِزَّة، من كرامة، من شرف… تكون قد فُقِدَت كل المقومات المعنوية للموقف، أصبح أمامك وضع لمنحطين، فاسدين، مائعين، تافهين، ضائعين، لا يمتلكون المبادئ، ولا القيم، ولا الأخلاق، ولا العقائد الصحيحة، ولا المبادئ الصحيحة، ولا التَّوجُّهات الصحيحة، فُرِّغ الإنسان من محتواه الإنساني، والإيماني، والأخلاقي؛ فيصبح– كما يتصوَّره اليهود- مُجَرَّد حيوان بصورة إنسان، يستغلونه كما يشاؤون، يقتلون من أرادوا، ويستغلون من يريدون، بحسب ما يريدون.
فهم يتحركون في الاتِّجاهات بكلها، والله حَذَّر منهم، وحَذَّر من أن مسلكهم في تلك الاتِّجاهات؛ لإضلال الناس، لإفسادهم، للارتداد بهم عن مبادئ الدين، عن قِيَمه، لإغوائهم ثقافياً وفكرياً؛ هي كلها أعمال عدائية خطيرة جدًّا، وهي تُمَثِّل شَرّاً كبيراً جدًّا على الأمة، يضيع بها من ضاع بسببها وتأثَّر بها في الدنيا والآخرة، يخسر مستقبله حتى في يوم القيامة.
الله قَدَّم في القرآن الكريم الهداية الكافية، في سبيل حماية المؤمنين والمسلمين، وعِزَّتهم، ومَنَعَتِهِم، ووقايتهم من شَرِّهم، مع التأييد من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هداية ومعها تأييدٌ ورعاية، وليس فقط هداية فقط، على قاعدة: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]، يهدي وينصر، عندما تتَّجه وفق ما هداك إليه.
لــو لـم يكــن للمسلمـــين إِلَّا:
ما ورد في (سورة آل عمران) في صفحة ونصف في (سورة آل عمران)، هو قَدَّم لنا فيها برنامجاً متكاملاً:
بيّن فيه ما يريدون أن نصل إليه كمسلمين، كيف يريدون أن نكون أمة مطيعةً لهم، وفي هذا الإطار نفسه يرتدوا بنا إلى حالة الكفر، والخروج عن نهج الإيمان، الكفر بمبادئ الإسلام، بقيمه، سواءً الكفر بالكامل، بالخروج من المِلَّة؛ أو مع بقاء الانتماء: الكفر بالمبادئ، الرفض لها، التَّنَكُّر لها، عدم القبول بها، واستبدالها ببدائل أخرى.
ثم عرض لنا ما فيه الوقاية لنا، يهدي إلى ما يحمي هذه الأمة؛ لتكون في موقع العِزَّة والمَنَعَة.
في صفحة ونصف، من قوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[آل عمران:100]، في آخر الصفحة، ما قبل تلك الصفحة، وصولاً إلى النتيجة التي يمكن أن تصل إليها الأمة، إذا اتَّجهت وفق ذلك البرنامج الإلهي، التي بَيَّنها الله بقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}[آل عمران:111].
في صفحة كذلك في (سورة المائدة)، صفحة:
بيّن فيها خطورتهم.
حرّم الولاء لهم.
بيّن خطورة التولِّي لهم؛ لأنه تولٍ لعدوك؛ يُمَهِّد له أن يُحَقِّق أهدافه فيك بكل بساطة، ولن يُغَيِّر من موقفه العدواني تجاهك؛ إنما هو تمكينٌ له منك، بيّن خطورة الولاء لهم.
فَنَّد التبريرات، التي يَتَذَّرع بها الموالون لهم.
كشف حقيقة الموالين لهم، والسبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى الولاء لهم.
بَيَّن السبيل الصحيح لمواجهة شَرِّهِم وخطرهم.
بدءاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54]، إلى النتيجة التي بَيَّنها بقوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56].
لو لم يكن إلا هذا في القرآن الكريم، لكان فيه الهداية الكافية، ما بالُك والحديث واسعٌ جدًّا، الهداية الواسعة الكافية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوىً عظيم في المَنَعَة، والعِزَّة، والقوة؛ لإبطال شَرِّهم، ودفع شَرِّهم، على المستوى العالمي، وليس فقط في تحصين الأمة في وضعها هي، على مستوى واقعها هي؛ بل حتى إنقاذ بَقِيَّة المجتمع البشري من شَرِّهم.
ويُبَيِّن الله في القرآن الكريم أنه يُقَدِّم الهداية والرعاية، والعون، والنصر، والتأييد، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من له ملك السماوات والأرض:
يَعِد بالنصر: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].
يَعِد بالهداية الدائمة، التي تأتي إلى كل التفاصيل، إلى كل المواقف، من خلال كتابه ونوره: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة:16]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101].
يُقَدَّم لنا مشروعاً منتصراً، يَعِدُ بنصره: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:9].
ولـذلك فالأمة تكبَّدت خسائر رهيبة جدًّا؛ لتفريطها في الاهتداء بالقرآن الكريم، في شتى مجالات حياتها، وأيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: جانب كيف نواجه المخاطر التي تستهدفنا من جهة أعدائنا؛ وإلَّا لكان نصّاً واحداً من القرآن الكريم كفيل بأن يرتقي بالأمة إلى أعلى مستوى، يعني: لو لم يكن لنا في القرآن الكريم إلَّا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، لو اتَّجهت الأمة هذا التَّوَجُّه، واسْتَمَرَّت عليه؛ لكان واقعها مختلفاً تماماً عمَّا هي عليه.
هدى الله يواكب مسيرة الحياة، هو مسيرة متكاملة، عطاؤه متجدِّد في إطار سنة الله تعالى في هداية عباده، ولأهمية هذه المسألة عَلَّمنا الله أن نقول في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:6-7]؛ لأننا بحاجة دائمة إلى الهداية الإلهية، وبحاجة متجدِّدة في مسيرة حياتنا، وفيما يَسْتَجِدّ في حياتنا هذه، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا يترك عباده من دون هداية، يُقِيم عليهم الحُجَّة: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7]، لا يتركهم بدون هداية.
واقع العالم اليوم، بالرغم من كل ما قد وصل إليه من تَقَدُّم مادي، يشهد على الحاجة إلى الهدى:
واقع الغرب مأزوم، إمكاناتهم، تَقَدُّمهم المادي، لم يرتقِ بهم إنسانياً وأخلاقياً؛ إنما توحَّشوا أكثر، سخَّروا إمكاناتهم لنشر الفساد، يعيشون أزمات اجتماعية كبيرة جدًّا، وهناك مشاكل كثيرة جدًّا في العالم؛ نتيجةً للانصراف عن الهدى.
واقع المسلمين أيضاً واقع مأساوي، ومحزن، ومؤسف؛ نتيجةً لإعراضهم وغفلتهم، عمَّا قد منَّ الله به عليهم من الهدى، وهم بحاجة إلى الرجوع إليه.
نكتفي بهذا المقدار.
وفي ختام هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نُشِيد بالمؤتمر الدولي الثالث (فلسطين قضية الأمة المركزية) في صنعاء، الذي هو بعناية رسمية، وفيه مشاركات من بلدان كثيرة؛ بل من مختلف القارات: سواءً بالكلمات عبر الفيديو؛ أو من خلال الحضور، من تهيأ لهم الحضور.
هذا المؤتمر المهم، هو يأتي- كما قلنا- برعايةٍ رسمية، في إطار الاهتمام الجادّ والصادق بالقضية الفلسطينية، والمناصرة للشعب الفلسطيني، فيه مشاركات مفيدة، نحن نَتَوَجَّه بالشكر للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، والذين بذلوا جهوداً كبيرة في إقامته، وإن شاء الله تكون مخرجاته مفيدة، ومثمرة، وفي إطار هذا التَّوَجُّه الصادق لنصرة القضية الفلسطينية.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛