لازال كثيرون يعولون على جنيف التي تستضيف مباحثات مهمة بشأن السودان كفرصة أخيرة لوقف الحرب، رغم تعنت الجيش وتباين المواقف والتطورات.

كمبالا – تقرير: التغيير

بعد تعويل كبير على أن تضع مباحثات جنيف حداً لمعاناة السودانيين جراء الجوع المرض، عادت المخاوف من ضياع فرصة تحقيق السلام، بعد غياب وفد الجيش السوداني وتهربه من مقابلة الوسطاء، مما جعل المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو، يتهم حكومة بورتسودان بعدم الجدية، معلنا إلغاء اللقاء الذي كان مقرراً مع وفدها بالقاهرة أمس الأربعاء، مشيراً إلى ما أسماه خرق الوفد للبروتوكولات.

وقاطع الجيش المفاوضات، التي انطلقت بجنيف في 14 أغسطس الحالي، عقب دعوة وجهتها الإدارة الأمريكية له ولقوات الدعم السريع لبحث إنهاء إمكانية إنهاء حرب 15 أبريل، التي خلفت أكبر أزمة نزوح في العالم.

نفى حكومي

المبعوث الأمريكي قال إن الحكومة المصرية حددت موعدًا لعقد اجتماع مع وفد من بورتسودان، لكن قيل لهم إنه سيتم إلغاء الاجتماع بعد أن خرق الوفد البروتوكولات.

وأعلن مغادرته القاهرة والعودة إلى سويسرا لاستكمال المناقشات مع الوفود الموجودة هناك بشأن إيصال المساعدات الإنسانية.

فيما نفى مصدر بوزارة الخارجية، أن تكون الحكومة السودانية خرقت البروتوكول لأنها لم تتلق إشارة من الدولة المستضيفة الجارة مصر.

وقال لـ(التغيير)، إن فد السودان سيحضر بمجرد تلقيهم إخطاراً من الدولة المستضيفة، وعزا ذلك للترتيبات البروتوكولية للجهة المنظمة للقاء وهي من تحدد الزمان والمكان لإجراء المباحثات بين الوفدين السوداني والأمريكي.

خلل إجرائي

من جانبه، رأى الخبير الدبلوماسي السفير الصادق المقلي، أن البروتوكول يعني خللاً إجرائياً من قبل الوفد المشارك في إعلان جدة، فلا يمكن أن يأتي شخص لقاعة التفاوض وهو ليس طرفاً معنياً به.

وقال لـ(التغيير)، إن تكوين الوفد في إعلان جدة 11 مايو 2023 كان يمثل الجيش كطرف أصيل في الحرب، لكن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان أرسلت وفد مقدمة من اثنين من المدنيين ليسا من المكون العسكري، هما السفير في الرياض ومفوضة العمل الإنساني.

وأوضح أن الدعوة أصلاً مقدمة لمشاورات حول تنفيذ إعلان جدة تمهيداً لمشاركة الجيش في منبر جنيف، ولذلك مصر كدولة مضيفة حسب تصريح المبعوث الأمريكي هي التي أخطرت الأخير بإلغاء الاجتماع.

وتابع: “ربما بإيعاز أو طلب من المبعوث الذي رأى من خلال وفد المقدمة المكون من اثنين من المدنيين عدم جدية من جانب الطرف السوداني.

وأردف: “لا أعتقد أن مصر يمكن أن تقدم على تقويض اجتماع القاهرة بصورة أحادية لما لها من علاقات لا تخفى على أحد مع حكومة الأمر الواقع في السودان”.

مباحثات جنيف

في جنيف جرت المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية مع وفد قوات الدعم السريع وسط مقاطعة الجيش السوداني، وأحيطت مجرياتها بسرية تامة، رغم التسريبات هنا وهناك.

‏وعقب لقاء وفد الدعم السريع بالميسرين في جنيف، جدد التزامه الكامل بالتعاطي الإيجابي مع كافة الأفكار والمقترحات المطروحة بما يساعد في تخفيف معاناة السودانيين سيما تسهيل دخول المساعدات الإنسانية عبر معبري الدبة وأدري.

‏ونعت البيان الطرف الآخر “الجيش” بالاستهتار مع دعوة الوساطة للمشاركة فى التفاوض “بما يعكس عدم الرغبة والجدية في إنهاء معاناة الشعب السوداني والسعي لإطالة أمد الحرب”.

موقف البرهان

إزاء كل ذلك، تمسك قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بتنفيذ مخرجات منبر جدة. وقال: “من يريد وقف الحرب عليه الحديث مع الدعم السريع”. وأضاف: “لن نقبل باتفاق جديد ويجب إقناع الدعم السريع بالخروج من الخرطوم وسنار ونيالا وحتى الجزيرة”.

وتابع: “ما يحدث في جنيف لن يصل إلى أي نتيجة في ظل مهاجمة (مليشيا الدعم السريع) للمواطنين”.

حل سوداني

وفشلت واشنطن من خلال 3 اتصالات أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن- في إقناع قائد الجيش البرهان بالمشاركة في مفاوضات جنيف، متعللاً بتمسك الحكومة بتطبيق اتفاق جدة أولاً قبل الذهاب إلى أي منبر آخر.

ويقول الباحث الأكاديمي د. عبد الناصر علي، إن “جنيف تسعى لوقف القتال ووصول المساعدات الإنسانية، والجيش يطالب بأن يتم التعامل معه كحكومة وليس كجيش وإبعاد دولة الإمارات لأنها تدعم الدعم السريع ومصر تدعم الجيش”.

وأضاف لـ(التغيير)، أن “كل الحلول الدولية والإقليمية لها تعقيداتها ولا يمكن أن تحل بجلوس الطرفين لأن لديها عمق اجتماعي إثني تجاه الآخر ما يبعد عملية قبول الآخر. فهمنا لبيئة الصراع وطبيعته يتطلب رؤى وحل سوداني لأن النظرة السعودية الأمريكية فوقية لا تؤدي لشرعنة دولية وفقا للمواقف في مجلس الأمن وتدخل الأمريكان يتم عبر العمل الإنساني الدبلوماسي ولاحقا العسكري”.

وأشار عبد الناصر إلى أن الدور الإيراني واضح، والسيناريوهات التوقعات تدخل أمريكي بدواعٍ إنسانية، وأيضا متوقع تدخل الطرف الآخر الجيش لمد الوقت لترتيب أوراقه والتدخل عبر العمل النوعي التقني لإغتيال القيادات”.

ودعا إلى ضرورة تقديم تنازلات من كل القوى المدنية، ولابد ان تصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية للخروج من المأزق الراهن، فالحرب مرتبطة بثأر شخصي أكثر من واجهات عسكرية واستصحاب الإدارة الاهلية.

خيار التدخل

من جهته، رأى الخبير الدبلوماسي المقرب من الحكومة السفير علي يوسف، أنه لا يمكن فرض توصيل الإغاثة لأي بقعة في السودان دون موافقة الحكومة والجيش.

وقال لـ(التغيير)، إن التدخل الدولي عبر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أمر مستبعد لأنه يقتضي عدم استخدام “الفيتو” من قبل روسيا أو الصين لوقف القرار، والمؤكد أن الدولتين على استعداد لإحباط أي محاولة غربية لاستخدام القوة ضد السودان كما ظلت أمريكا تفعل لحماية إسرائيل من أي قرار رغم انتهاك إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني وتعرضه للقصف والتجويع والقتل في غزة والضفة، “في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن من يقوم بالانتهاكات في السودان هي مليشيا الدعم السريع، وأن من يدفع الثمن هو الشعب السوداني”.

تعقيدات المشهد

تعقيدات المشهد السوداني الحالي، تحدث عنها وزير الثقافة والإعلام السابق فيصل محمد صالح، قائلاً إن “الوسطاء يفهمون تعقيدات المشهد السوداني”، وأن “منبر جنيف قائم لوقف إطلاق النار وايصال المساعدات”.

وأوضح في مداخلة خلال ندوه نظمتها رابطة الصحفيين السودانيين بأوغندا، أن الحوار في جنيف بين العساكر وبعد إيقاف الحرب تنطلق العملية السياسية وهي ذكاء من الوسطاء الذين قال إنهم التقوا وفد الدعم السريع بعد خمسة أيام من بدء المفاوضات، وأشار إلى أن الوساطة تعمل على تصميم نموذج لوقف إطلاق النار”.

ودعا صالح القوى المدنية إلى الضغط من أجل كتلة فاعلة وليس بالضرورة أن يكونوا في جسم واحد مثل “تقدم”.

الفرصة الأخيرة

بدوره، ذكر الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، أن جنيف تاريخياً ظلت تستضيف مفاوضات الفرصة الأخيرة، مما يكسب زخماً للمحادثات الحالية بشأن الأزمة في السودان والتي تحيطها بسرية عالية وغير مسبوقة، لدرجة أن وسائل إعلام كبرى فشلت في التعرف على مكان انعقاد الاجتماعات في اليوم الأول.

واعتبر انتهاء الحرب في السودان مرتبطاً بنهاية الإسلام السياسي، “فلن تنعم البلاد بالاستقرار في ظل وجود الاخوان”- وفق تقديره.

وقال الفاضل لـ(التغيير)، إن مفاوضات جنيف تُحيطها درجة عالية من السرية، مما يثير الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء هذه المفاوضات.

وأوضح أن الإدارة الأمريكية مصممة على تحقيق نتائج إيجابية في هذه المفاوضات، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية. وقال: “الجيش السوداني يسعى للحفاظ على امتيازاته وعدم تفكيك النظام السابق، مما يزيد من تعقيدات المشهد”.

وتابع: “جنيف لم تكن تهدف لجمع الطرفين بقدر ما كانت تسعى لتحقيق أهداف محددة داخل بنية السلطة في بورتسودان وأن نهاية الحرب الحالية لن تقضي فقط على جماعات الإسلام السياسي بل ستؤثر أيضا وتقضي على القوى التقليدية”.

الوسومالإمارات السودان القاهرة المبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان الولايات المتحدة توم بيرييلو فيصل محمد صالح مصر منبر جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإمارات السودان القاهرة الولايات المتحدة توم بيرييلو فيصل محمد صالح مصر منبر جدة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان لـ التغییر فی جنیف

إقرأ أيضاً:

الحكومة السودانية راضية عن تمديد عقوبات دارفور والدعم السريع مستاء

أعرب دبلوماسي في وزارة الخارجية السودانية -اليوم الخميس- عن رضا حكومته عن قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد العقوبات المفروضة على إقليم دارفور غربي السودان لعام آخر، في حين استاءت قوات الدعم السريع من القرار، وسط تواصل القصف في مدينة الفاشر.

وقال المصدر الدبلوماسي بالخارجية السودانية -للجزيرة- إن الحكومة طوّقت محاولات توسيع قرار العقوبات ليشمل كل أنحاء السودان، وحصرت نطاقه في دارفور.

وأضاف أن الحكومة السودانية منعت إدخال أي لغة سياسية في القرار، فكان بمنزلة تمديد تقني للإجراءات المفروضة منذ عام 2005، وفق وصفه.

من جانبه، قال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، خلال جلسة لمجلس الأمن أمس الأربعاء، إن حماية المدنيين تتطلب دعما للقوات النظامية، موضحا أن عدم إعادة توازن القوى في دارفور لمصلحة الجيش سيؤثر سلبا على جهود الحكومة لحماية المدنيين.

وأشار الحارث إلى حصار قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمالي دارفور واستمرار تزويدها بالسلاح بواسطة ما سماها "الدولة الراعية" التي خرقت القرار رقم 1591 الخاص بحظر دخول الأسلحة إلى دارفور.

رفض للقرار

بالمقابل، وصف الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع قرار مجلس الأمن الدولي 2750 الخاص بتجديد حظر توريد الأسلحة إلى دارفور بأنه "مخيب لآمال الشعب السوداني الذي كان يتوقع إصدار قرار جديد لحظر توريد الأسلحة إلى كل أنحاء السودان وليس إلى دارفور وحدها".

وأضاف أن الحرب امتدت إلى جميع ولايات السودان، وكان الأصوب إصدار قرار بحظر الطيران الحربي في السودان "إذا كان الهدف فعلا هو حماية المدنيين"، بحسب تعبيره.

وينص القرار على تمديد العقوبات التي تشمل حظر الأسلحة على إقليم دارفور غربي البلاد، وحظر سفر بعض الشخصيات والمؤسسات، وتجميد الأصول حتى 12 سبتمبر/أيلول 2025.

آثار قصف سابق استهدف مرافق صحيفة في الفاشر (الجزيرة) قتلى بالفاشر

وميدانيا، قال مصدر عسكري مطلع في الجيش السوداني إن قوات الدعم السريع قتلت بقصف بالمسيّرات 3 نساء في حي الطريفية بمدينة الفاشر.

وأضاف أن الجيش دمر 7 مسيّرات أطلقتها قوات الدعم السريع مستهدفة أماكن متفرقة من مدينة الفاشر.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني والدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب وتجنيب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء، بسبب القتال الذي توسعت رقعته.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يعلن تدمير آليات لقوات الدعم السريع بالفاشر
  • مرصد أم القرى: معارك مرتقبة بين الجيش والدعم السريع في شرق الجزيرة
  • الحكومة السودانية راضية عن تمديد عقوبات دارفور والدعم السريع مستاء
  • المبعوث الأمريكي للسودان: بعض القوى تتدخل لإطالة أمد الحرب بين الجيش والدعم السريع
  • الجيش والدعم السريع يتبادلان القصف وقرار أممي ضد السودان
  • الغارديان: الدعم السريع ينشر مقاطع فيديو تدينه بجرائم حرب
  • قصف متبادل بين الجيش السوداني والدعم السريع بالفاشر وإصابة مدنيّيْن في أم درمان
  • الجيش السوداني نفذ ضربات جوية لمواقع تجمعات قوات الدعم السريع في مناطق كبكابية وجبل عامر والضعين
  • المبعوث الأميركي يرسل إشارات لإحياء المشاورات مع الجيش السوداني
  • مباحثات سودانية في القاهرة حول الحرب ومبعوث واشنطن للسودان يزور الرياض