«كواليس» جديدة فى موقعة الأثريين و«رمسيس الثانى» بالأقصر
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
الاختلاف العلمى فى ترميم القطع الأثرية خصوصا «الشهيرة» ليس جديدا على علماء الآثار.
والآن تسبب تمثال الملك رمسيس الثانى المنصوب أمام معبد الأقصر الشهير فى معركة علمية بين عدد من الأثريين والمرممين.
البعض طالب بنزع التمثال من مكانه حتى لا يثير حفيظة السائحين والبعض قال: «لو هناك خطأ فى الترميم ممكن تداركه».
لكن الواقع يقول إن التمثال قائم وموجود فى مكانه والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيرى يصر على بقائه.
كواليس الخلاف ومعركة «السوشيال ميديا» أيضا مازالت تشعل الخلاف حول أخطاء ترميم التمثال وأنه مجرد مسخ لا يجب بقاؤه فى مدخل اهم مزار اثرى وسياحى بالأقصر وهو معبد الأقصر.
الدكتور أحمد عيسى استاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة وصاحب البوست الذى اشعل القضية مجددا رغم وجود التمثال بهذا الشكل منذ سنوات قال: «تحدثت منذ نصب التمثال من سنوات عن أن هناك أخطاء فى استكمال ترميم التمثال التى تصل لـ70%، لأن الرأس فقط وجزء من القدمين هو الذى كان موجودا وتم تجميع التمثال وترميمه بواسطة المجلس الأعلى للآثار ودعم من متخصص فى بعثة شيكاجو وهى من أقدم البعثات الأثرية فى الاقصر».
وتحدثنا أن هناك أخطاء فى شكل استكمال التمثال ويجب رفعه من مكانه لانه لم يتبع المقاييس العلمية فى الترميم.
وخروجه ليس بالشكل المناسب لشخص الملك رمسيس الثانى ولا المعبد. لكن الأمين العام لم يسمع وعاند الجميع وأصر على بقائه.
وأضاف: «عيسى» لا نقصد اى شىء وليس لنا غرض من إثارة الأمر الذى جاء بالصدفة سوى المصلحة العامة وقلنا إن الشكل الحقيقى الذى يجب أن يتم ترميم التمثال على أساسه موجود فى رسومات على واجهة المعبد وكان من الطبيعى أن أتحدث عنه من وجهة نظرى والقرار يظل فى يد الوزارة».
غريب سنبل رئيس قطاع الترميم والصيانة بوزارة الآثار سابقا..قال: «ربما تكون الصور التى ظهرت على «السوشيال ميديا» اخذت زوايا تظهر عيوبا غير موجودة وربما تكون هناك أخطاء فى عمليات الترميم من حيث النسب والمقاييس، وهذا يمكن تداركه طبعا رغم أن هناك فترات فى عهد المصرى القديم خصوصا المرحلة البينة بين الدولة الوسطى والحديثة، التى شهدت اضطرابات سياسية أثرت على الاقتصاد والفن.. لكن بالنسبة لتمثال رمسيس الثانى كان عبارة عن 72 قطعة من الحجر ملقاة تحت اسوار المعبد.
وأخذ الأمين العام على عاتقه مسئولية عودته للحياة وهذا هدف نبيل وعظيم يمكن أمامه نسيان اى خطأ لانه بسهولة يمكن تدارك هذا الخطأ.. لكن ما أعرفه جيدا أن الوزارة تستخدم فى أعمال الترميم كل الخامات وفقا للمواثيق العلمية والدولية.
واخيرا أطبق مقولة السيد المسيح: «من منكم بلا خطيئة فليقها بحجر».
أحمد عربى مدير معبد الأقصر قال: إن التمثال تم ترميمه ضمن خطة ترميم 12 تمثالا وبأيدى شباب المرممين المصريين وفق أحدث الأساليب العلمية وما حدث مع ترميم تمثال رمسيس الثانى أمام معبد الأقصر تم وفق الرسومات الأصلية الموجودة وعلى واجهة المتحف وكل المراحل تمت وفق قرارات اللجنة الدائمة بالآثار.
وقطع الآثار التى تم تجميعها لتمثال رمسيس الثانى مكتشفة منذ عام 1882، على يد عالم الآثار ماسبيرو، وهناك أكثر من 50 ألف قطعة أثرية لتماثيل مفككة سيتم تجميعها وترميمها.. وأضاف أن تمثال رمسيس صاحب الأزمة هو استكمال لأجزاء مفقودة وكلما نجد قطعا اصلية سيتم تركيبها.
وقال: «من الظلم احباط فريق المرممين الموهوبين بعد كل هذا الجهد الكبير والموقع يعد واحدا من ضمن أفضل 4 مواقع فى مصر».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أحمد عثمان كواليس رمسيس الثاني السوشيال ميديا
إقرأ أيضاً:
«الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى
استلهم التراث وبرع فى الإسقاط صاحب الزينى بركات.. تجربة إبداعية فريدة الجمالية وعمله بالسجاد.. أدوات شكلت إبداعهالغيطانى ومحفوظ.. ثنائية أثقلتها القاهرة القديمة عمل محررًا عسكريًا وكتب عن أحداث الحرب
«كل شىء فى سفر دائم ولكل شىء زمان»
بضع كلمات ربما استطاع من خلالها أن يجسد مشوارا فريدا من الإبداع المختلف، زمن الأشياء، بما يمثله من ماض وحاضر، وجهان استطاع أن يمزج بينهما باحترافية أديب أريب، ذلك السفر الذى يتراوحان خلاله، الماضى والحاضر، بكل ما يحفلان من أحداث رأى بينها تشابها لا ينفك، فقارب بتمكن فيلسوف بين ماض سحيق قد تأنفه الذاكرة، وحاضر نحاول الهروب من ثقله، ليضعنا جميعا رغما عنا وبإرادتنا أمامه.
هذا هو الأديب والصحفى العظيم جمال الغيطانى، ولأنه أبن المدينة العتيقة المدججة بالتاريخ.. القاهرة المملوكية، فقد تفتح وعيه صغيرا على تاريخ طويل من حكايات قديمة تحكيها القصور والمشربيات والقباب والبوابات والمآذن، ماض أفاض عليه بأسئلة شتى، وفجر بداخله فيوضات إبداع لا تنتهى.
* لغة سردية متفردة
هكذا استطاع أن يوجد لنفسه لغة سردية مختلفة، تجمع بين الماضى والحاضر، وكأنها منحوتة من التاريخ وأحداثه، أو كأنها وثيقة تاريخية لا يمكن مضاهاتها، بكل ما يحمله التاريخ من صراعات ووقائع وآمال، حتى إذا ظننت نفسك قد أمسكت بمفاتيح سرده، وجدت نفسك غارقا فى عمق حاضرك وآلامك، فهو يأخذك بكليتك من قبضة حدث مغرق فى القدم ليلقيك عند قدمى حاضرك، لذا فإن حضور التاريخ لدى الغيطانى ليس حضورا شكلانيا أو استحضارا حرفيا، بل هو أداة للإشارة إلى وقائع حاضرة، متعلقة بحلم يكمن فى الذاكرة، إنها تلك السردية التى تقبض بعنفوانها على الزمان بأحداثه واختلافه والمكان بتجلياته وفيوضاته.
ولأنه وعلى طول ما يزيد على الخمسين عملا، استحضر الغيطانى خلالها الموروث الإنسانى فى كل طبقاته الحضارية، وأفاد منه فى تنويع آفاق تجربته فى الكتابة، فقد عدت تجربته الإبداعية من أكثر التجارب نضجًا فى عالم الأدب العربى.
* طبيب الوجع الإنسانى
أدرك الغيطانى أن الوجع الإنسانى لا يختلف من زمن لآخر، إنه التيمة الأكثر تواجدا بين العصور، لذا فقد نصب قلمه معبرا عن ذلك الوجع، خالقا تلك المسافة الجامعة بين الأزمنة مهما بعدت، ليصبح هناك جسر تعبر عليه آلام البشر جميعا عل التقاءها يخفف من وطأتها.
وبحنكة شاب صعيدى تشرب طفلا من شوارع القاهرة المملوكية، وامتهن صناعة السجاد فى بدء شبابه، فقد تمكن من مزج الأزمنة والأحداث التاريخية وإسقاطها على زمن مغاير لزمانها، تماما كما تفعل أنامله فى مزج خيوط السجاد وألوانه ونسجه، وكلها تصب فى هدف وحيد، إزالة تلك الآلام التى تنخر فينا، هكذا تجده يستحضر ماضى الدولة المملوكية ويسقطه على الحاضر الناصرى والساداتى.
فإن تنوع خبراته، ما بين النشأة فى حى شعبى أثرى، ودراسة فن السجاد بإيقاعه الشرقى، والعمل بالصحافة، وصداقته الكبيرة لنجيب محفوظ منذ كان فى الرابعة عشرة من عمره، كلها أهلته لأن يخلق لنفسه مشروعا إبداعيا مغايرا ومتفردا عن كل ما عداه.
«اكتشفت نفسى بنفسى، مش بس كأديب.. ومن تكوينى أدركت أنى ولدت لأكتب من عمر 7 سنوات».
* ملامح تتضح
مثلت مجموعة الغيطانى القصصية «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» التى صدرت سنة 1969، ملامح مشروعه المتفرد بشكل واضح، واتضح أنها بداية لتيار جديد فى الكتابة، قد نضجت ملامحه مع رواية «الزينى بركات» سنة 1974، و«وقائع حارة الزعفرانى» 1976، و«خطط الغيطانى» 1980، و«إتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان - عام 1985».
تعد رواية الزينى بركات من الروايات البارزة فى الأدب العربى حيث عالجت ظاهرة القمع والخوف، وعرت أسبابها السرية المرعبة.
وانطلاقا من واقع ثقيل يستعيد الغيطانى تاريخ ابن إياس فى «بدائع الزهور»، مجسدًا شخصية سردية موازية لشخصية كبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضى ووالى الحسبة الزينى بركات فى العصر المملوكى الذى يفضح، خلال فصول الرواية، وسائله فى تعذيب الفلاحين والتجار ليحصل منهم على المال، بالإرغام والإكراه والإقرار بجرائم لم يرتكبوها، بل إنه كان يتلذذ بذلك أمام عينيه، فهو هنا يتناول فكرة السجن منطلقا من شخصية السجان فيما يشبه القراءة النفسية له، باعتباره أداة القهر من خلال شخصية والى الحسبة، الزينى بركات، والشهاب الأعظم زكريا بن راضى، مع حضور الإسقاط السياسى.
يتجلى أمامنا أيضا ذلك الإسقاط السياسى فى أعمال الغيطانى، ولكن على نحو فانتازى فى «هاتف المغيب»، كما لم تفارقه اللغة التراثية فى «دفاتر التدوين» السبعة التى جاءت أشبه بالشذرات والذكريات التى تفيض بالتأمل والسرد الروائى.
وفى «التجليات» مزج فى بردة صوفية بين الحضور الحلم لصورة الأب، وبين أب روحى آخر، تجسد فى شخصية الزعيم جمال عبدالناصر، يحاور الاثنين بلغة سردية ممزوجة بروح التاريخ والحاضر معًا، كما تنوعت هذه اللغة ما بين المشهدية الواقعية فى إيقاعها اليومى، ومحاولة استعادة روح الماضى والبطولة الإنسانية فى مجموعته القصصية «أرض.. أرض»، التى استفاد منها من تقاريره الصحافية التى كان يكتبها ويطالعها حين عمل مراسلاً حربيًا، وكذلك فى رواية الرفاعى، التى نسجها من كلمات للشهيد إبراهيم الرفاعى الذى استشهد وهو يقود جنوده فى حرب الاستنزاف.
* التجريب عند الغيطانى
تمثل رواية «وقائع حارة الزعفرانى» ذروة روح التجريب الفنى فى أعمال الغيطانى، من خلال حدث مروع هو (وباء الزعفرانى) الذى يهدد حياة سكان حارة شعبية فى مقتل، فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف. وتنفتح الرواية على الحدث ببناء سردى شائق لا يدغدغ حواس القارئ، بحبكة تقليدية، وإنما عبر مسافة مركبة من البحث والتقصى، وإثارة الأسئلة، من خلال معاناة الشخوص، وفى علاقات وسياقات سردية مفعمة بالتجريب والتجديد.
يقول الغيطانى فى «وقائع حارة الزعفرانى»: «استفدت من تجربة ابن إياس اللغوية على الرغم أن الموضوع ليس تاريخيًا، كان ابن إياس يكتب أفظع الحوادث بالهدوء نفسه الذى يكتب به أبسط الحوادث، كان يوجد مسافة موضوعية بينه وبين الحدث، فى الزعفرانى كنت أعبر عن الأحداث بروح محايدة لأننى أحاول أن أستكشف الشخصى فى العام، والماضى فى الحاضر، والعكس أيضًا».
بروفايل:
ولد جمال الغيطانى فى صعيد مصر، فى مدينة جِهينة بسوهاج فى 9 مايو 1945، ثم انتقلت والدته بعدها إلى القاهرة بسبب عمل الوالد، لتجمع نشأته بين الأصول الجنوبية فى ظل حفاظ الأب والأم على لكنتهما، وبين الترعرع فى الجمالية قلب التاريخ.
كانت أسرته فقيرة، ولكنه يذكر كيف كانت والدته الصعيدية «ذاكرة حية متنقلة للحكم والأمثال والحكايات والثقافة الشفهية»، فكانت تستمع لحكاياته وهو ابن السابعة وتتفاعل مع تخيلاته عن النفق الذى اكتشفه فى الحارة ووجد به التماثيل وحديث أحدهم له، أما والده فكان رجلا عاملا لم يكمل تعليمه «لكن كلامه كان زى الشعر».
بعد أن أنهى الدراسة الإعدادية، التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، ودرس بها لثلاث سنوات صناعة السجاد، ثم امتهن تصميم السجاد الشرقى وعمل فى أحد مصانع خان الخليلى، ثم انتقل للعمل فى الجمعية التعاونية المصرية لصناع وفنانى خان الخليلى، وأشرف على عدد من مصانع السجاد الصغيرة فى القاهرة والمنيا.
* صداقته بمحفوظ وبدء الإبداع
وهو فى سن ١٤ عاما التقى نجيب محفوظ خلال تمشيته اليومية على كوبرى قصر النيل.
صار نجيب محفوظ أستاذا ومعلما، كما كان بوابته إلى الحياة الثقافية والمثقفين، جمعهما الأدب والصداقة، وعنه يقول «كان أبويا الروحى وسرى كان معاه.. علاقتنا استمرت حتى شهدت على لحظاته الأخيرة».
بدأ الكتابة فى عمر صغير، حين كان مراهقا، وأولى مظاهرها كانت فى القصة القصيرة، التى نشر منها بصورة متفرقة ما يفوق الـ 50 قصة قصيرة فى مصر وبيروت، فى البدايات واجه النشر صعوبة كبيرة، حتى استطاع عام 1969 نشر مجموعته القصصية «أوراق شاب منذ ألف عام» التى قرأها الكاتب والمفكر محمود أمين العالم، وطلب منه العمل محرر ثقافى فى جريدة «أخبار اليوم».
وعمل بعد عام 1974، بقسم التحقيقات الصحفية، ثم صار رئيسا لقسم الأدب فى جريدة أخبار اليوم عام 1985، وأسس جريدة «معرض 68» الأدبية، التى كانت تجمع كُتاب جيله، كما ساهم فى تأسيس جريدة «أخبار الأدب» عام 1993، وظل يرأس تحريرها حتى عام 2011.
* محرر عسكرى ومؤرخ للحرب
بعد هزيمة يونيو 1967، عمل محررا عسكريا على الجبهة حتى حرب أكتوبر 1973 مرورا بحرب الاستنزاف فغطى على مدار 6 سنوات تقريبا ظروف التدريبات، والعمليات العسكرية.
وكتب عن الحرب عدة كتب وروايات ودراسات، منها: «المصريون والحرب: من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، ورواية «الرفاعى»، ورواية «حكايات الغريب» تلتى تحولت إلى فيلم بنفس الاسم عام 1992، ومجموعة قصصية بعنوان «أرض.. أرض»، كما كتب عن الجيوش العربية على جبهة سوريا، وخاصة الجيش العراقى، فى كتابه «حراس البوابة الشرقية».
* برامج وجوائز
قدم أكثر من برنامج تليفزيونى، كان أشهرها «تجليات مصرية»
الجوائز:
نال العديد منها، وكان آخرها جائزة النيل للآداب عام ٢٠١٥.
وتوفى جمال الغيطانى فى 2015.. رحم الله مبدعا أريبا متفردا، كان جزءا من كثير يستحقه أن يطلق اسمه على الدورة السادسة والثلاثين من مؤتمر أدباء مصر، والذى ينطلق يوم ٢٤ من هذا الشهر، فى المنيا،التى شهدت يوما عمله فى مصانعها، لتحتفى عروس الصعيد بابن من أبناء الصعيد، مبدعا وإنسانا.