شخص ليس مسلما وأراد الدخول في دين الإسلام، لكنه قبل ذلك دخل في مرحلة بحث فطلب منا نسخا من المصحف الشريف وطلب الدخول إلى مساجد المسلمين ليراهم عن قرب، فنسأل عن حكم إدخاله للمساجد ليرى واقع الحال بين المسلمين داخل دور عبادتهم، وعن إهدائه نسخة من القرآن الكريم؟

مسألة دخول أمثال هؤلاء الكفار الذين يرغبون في التعرف على المسلمين وأحوالهم والتعرف على عبادات المسلمين وما يؤدونه من شعائر في بيوت الله عز وجل في المساجد ممن يرجى لهم الخير ويظن أنهم سيقبلون على هذا الدين، أو أنهم سيصححون الأفكار التي يحملونها مما يخالف هذا الدين في أذهانهم عمن تلقوا، فإن هذا مما يرخص فيه ولا بأس عليكم، ما دمتم ترجون أن يدخلوا في الإسلام وأن يتعرفوا عليه وأن يكونوا أقرب إليه، أو أن ينفوا الصورة المشوهة التي رسخت في أذهانهم عن الإسلام والمسلمين.

وأما المصحف ففي المسألة عند أهل العلم خلاف، وجمهور أهل العلم يرون أن الكافر لا يعطى المصحف وهم يقصدون بالمصحف القرآن الكريم الذي هو بلسان عربي مبين، واختلفوا هل هذا النهي عن إعطاء الكافر المصحف الشريف معلل أو غير معلل، والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لأن لا يذهبوا به فينالوه، فالمقصود من ذلك التعرض للقرآن الكريم بالإهانة والإذلال على أيدي أعداء الإسلام، من الكفار المشركين الذين لا يوقرون القرآن الكريم، وبقيت مسألة أخرى وهي المتعلقة بمس المصحف من الكافر فأيضا وردت بعض الأدلة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض العلماء قالوا بأن معنى قوله تبارك وتعالى «لا يمسه إلا المطهرون» أي المصحف الشريف، وأما الروايات فهي كثيرة منها ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه الشهير إلى أهل اليمن هو كتاب عمرو بن حزم، وإن كان أهل الحديث يضعفون طرق هذا الحديث لكن أهل السير مجمعون عليه، وكذلك نجد طائفة من أهل الحديث يرون أن أجزاء كثيرة من الحديث لها شواهد كثيرة تؤدي إلى الحكم على هذه المقاطع والجمل في هذا الكتاب بالصحة ومنها «وَأَلَا يَمَسَّهُ أي ألا يمسه إلا طاهر» أي المصحف، هذه الرواية موجودة في هذا الكتاب وهي تتفق مع روايات أخرى منها رواية الإمام الربيع بن حبيب رضي الله تعالى عنه «فلا يطأه جنب ولا حائض إلا أن يكونوا متوضئين» فإذا كان هؤلاء من المسلمين الذين لم يكونوا على تمام الطهارة لا يمسون المصاحف بأيديهم إلا أن يكونوا على طهارة، فمن باب أولى أن يكون الكافر ممنوعا منه.

هناك من أهل العلم يرى بأنه في المصحف أيضا توجد رخصة خصوصا لمن كان يرجى دخوله في الإسلام ولكن الذي يفهم من السؤال أن هؤلاء من غير الناطقين باللغة العربية، وعلى هذا فالحديث حول ما يوجد من تراجم لمعاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى هذا ليس بمصحف، وكل الكلام المتقدم لا يشمله فلا مانع شرعا من إعطائهم نسخة فيها ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة التي يفهمها، حتى إذا وجدت فيها الآيات لكنها الأقل بالنظر إلى اللغة الأخرى وإلى المعاني والتفسير ففي هذه الحالة لا مانع، لأن هذا ليس بمصحف، يعني أننا لا نتحدث عن مصحف وعلى هامشه التفسير، لا نتحدث عن تفسير يمكن أن توجد فيه الآيات في ثنايا الترجمة فهذا ليس بمصحف فلا مانع من إهدائهم مثل هذه النسخ في هذه الحالة، ومع ذلك حتى لو قلنا بأن الحديث عمن يرجى دخوله في الإسلام وصار قريبا ويرغب في التعرف على هذا الدين، ففي الأمر سعة بأن يهدى أو يعطى نسخة من القرآن الكريم. والله تعالى أعلم.

ما حكم استقدام عاملات المنازل غير المسلمات إلى البيوت؟ و كذلك إذا وجدت عاملة غير مسلمة هل يجب علينا دعوتها إلى الإسلام وهي في بيوتنا وإذا عرضنا عليها الإسلام ورفضت بل رفضت حتى الاحتشام ما حكم إبقائها في بيوتنا؟

المسألة الأولى هي جلب عاملات كافرات إلى بلاد المسلمين وإلى هذا الجزء من بلاد المسلمين في دول الخليج هذه المسألة يكثر السؤال عنها وإذا رجعنا إلى تأصيلها الفقهي فإنها تندرج في مسألة يسيرة بسيطة عند أهل العلم، وهي مسألة استئجار المشرك، التعاقد مع مشرك لعمل من الأعمال، والصحيح أن أهل العلم رخصوا في ذلك، فاستئجار عامل مشرك للقيام بعمل ما، هو ليس مما يمنعه هذا الدين ولا يوجد دليل يمنع منه، بل الصحيح أن العكس هو الذي ضيق فيه أهل العلم، وهي صورة أن يكون المسلم أجيرا عند مشرك، لما يمكن أن يكون فيه من إذلال وامتهان وعدم مراعاة لدين المسلم ولذلك حذر منه أهل الفقه لكن هذه الصورة لا يسأل عنها الناس، فاليوم يسألون عن صورة استئجار مشرك وقلت بأنه بالنظر إلى التأصيل الفقهي لا إشكال ولا حرج، ولكن الحرج ورد من كون الأجير هنا امرأة أجنبية، ثم إنه يراد أن تعمل داخل بيوت المسلمين، ولذلك فإن مناقشة هذه القضية إنما هو بالنظر إلى المآلات والعواقب لا بالنظر إلى ذات الموضوع، وإلا فإن استئجار أي مشرك رجل أو امرأة لأي عمل مباح لا حرج فيه وإنما الإشكال أن هؤلاء النساء يأتين إلى داخل بيوت المسلمين، ويباشرن الأعمال وهن غير مسلمات، ويمكثن سنوات ولعل معيشتهن داخل البيت وهذا فيه حرج كبير. فنقول أولا ينبغي الحرص على تأجير مسلمات، فإن كان ولابد فليكنّ من أهل الكتاب، فإن لم يمكن أن يكنّ من أهل الكتاب فغير المسلمات.

وهذا قد يكون أمرا نادرا لولا أن الناس للأسف الشديد يتساهلون فيه، وإلا فالأصل ألا يلجأوا إلى استئجار المشركة أو التعاقد معها إلا إذا لم يجدوا، لأن هناك حرجا في استئجار المشركة لتخدم داخل البيوت، لسببين: الأول يرجع إلى دينها إذ يخشى من تأثيرها في الأولاد وفي أهل البيت لكن إذا اجتنب هذا المحذور، وكان ترتيب الأسرة لا يسمح لها عملها الخاص من تنظيف أو طبخ أو غير ذلك ولم يكن لها صلة بالأطفال في البيت فحينئذ اجتنب هذا المحذور فلا إشكال من هذا الباب.

السبب الثاني هو ما يتعلق برطوبات المشركين فإن الفقهاء مختلفون هل المشركون نجس معنى أو معنىً وحسا بمعنى هل رطوباتهم أيضا الحسية نجسة وعلى هذا فإن ما يلامسونه يمكن أن يصاب بنجاسة، خلاف، وجمهور أهل العلم على أن نجاسة المشركين معنوية، وأن قول الله تبارك وتعالى «إنما المشركون نجس» إنما يرجع إلى دنس معتقدهم لكفرهم بالله تبارك وتعالى وشركهم أما في ظاهر الحال وفي الجانب الحسي فليسوا بنجسين، ولكن من أهل العلم من يرى بأن نجاستهم حسية أيضا، فالمسألة فيها حرج من هاتين الجهتين من جهة الدين ومن جهة الرطوبات.

الآن إذا قلنا بأن قول الجمهور بأن الرطوبات ليست منجسة لأن النجاسة معنوية وليست حسية، يبقى المحذور الذي تقدم ذكره وهو اختلاف الدين، هنا تختلف أوضاع البيوت، فمن البيوت من تكون قادرة على إحكام الأمور والالتفات إلى الأطفال، ويتولى الوالدان التربية والرعاية ولا يسند إلى العاملة الاختلاط بالأطفال، وهناك بيوت يختلف فيها الحال فيسند أمر التربية إلى العاملات وهؤلاء العاملات أيضا قد يكنّ متعصبات لدينهن فيسعين بطرقهن الخاصة عندما يستفردن بالأولاد إلى غرس أفكار تخالف ديننا وعقيدتنا، إذن هذه المحاذير، هذه المآلات والعواقب هي التي جعلت أهل الفقه المعاصرين يضيقون في أمر جلب عاملة أجنبية، ويحثون الناس على أن يكون تعاقدهم مع مسلم فإن لم يكن فمع كتابية، هذا على أن يكون الاحتكام عند أي نزاع أو خلاف هو إلى أحكام هذه الدول، إلى سلطتها وسلطانها وأنظمتها التشريعية المبنية على الإسلام، لأن هذا أيضا مما ذكره أهل العلم.

هذا ما يتعلق بمسألته الأولى أما المسائل الثانية والثالثة فهي أقصر من هذا، نعم تؤمر بالاحتشام داخل البيت، وهي امرأة فعلى الرجال في البيت أن يغضوا أبصارهم، وألا يكون اختلاط العاملة إلا بالنساء في البيت، وعليهم أن يجتهدوا في دعوتها إلى الإسلام بالحسنى والإقناع والحكمة وببصيرة دون إكراه وبالقدوة الحسنة وببيان محاسن هذا الدين، وبالإجابة عن استفساراتها وأسئلتها، عليهم أن يجتهدوا والهداية بيد الله تبارك وتعالى، لكن إذا رفضت الاحتشام وفي البيت شباب فإن ترك مثل هذه العاملة ألزم في مثل هذه الحالة والله تعالى أعلم.

الشخص الذي وقعت بينه وبين شخص آخر خصومة، وأدت إلى قطيعة ومضت مدة على هذا الحال ثم جاءه معتذرا لكنه لا يريد أن يعود إلى سابق علاقته معه، هل يلزمني قبول الاعتذار والرجوع إلى ما كنا عليه سابقا؟

عدم قبول اعتذار من جاء معتذرا من إخوانه فيه جفاء وسوء خلق، وردت آثار روايات مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشدد في أمر من لا يقبل اعتذار أخيه المسلم إذا جاءه معتذرا في بعضها وعيد كعدم ورود حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي بعضها أن الذي يقع في ذلك فلا يقبل خلاص أخيه واعتذاره إليه فإنه كمن شبه بصاحب المكس، أي الذي يفرض ضرائب على الناس بغير وجه حق، ومعلوم أمر التشديد في مثل هذا في هذا الدين الحنيف لكن هذه الروايات ضعيفة، وإنما عول أهل العلم على أن مثل هذا الخلق يتنافى مع أخلاق هذا الدين لأن العلاقة التي تقوم بين المؤمنين هي كما وصفها الله تبارك وتعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» وقال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ترى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، واستعماله لهذه المفردات؛ التواد والتعاطف والتراحم دليل على التشارك، فهو فعل مشترك بينهم، وكذلك فإن من حق المسلم على المسلم أن يقبل اعتذاره إذا جاءه معتذرا، لأن عليه أن ينصحه فإذا تبين له أنه وقع في خطأ فجاء لتصحيح هذا الخطأ معتذرا فلم يقبل منه فما جدوى وما معنى أن يكون من حقه عليه أن ينصحه وأن يبين له وأن يأمره بالمعروف وأن ينهاه عن المنكر ما جدوى ذلك كله، فأخلاق المسلمين يجب أن تسودها السعة وبسطة الخلق والمروءة واحتمال الأذى والعون على سلوك الصراط المستقيم.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ثم قال وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحث المسلمين على إطفاء الخصومة بإفشاء السلام وجعل هذا الذي يبادر خير المتخاصمين مما يعني أن هذا الذي يرفض سيكون مفضولا، فلا ينبغي لمسلم أن يرد أخاه إذا جاءه معتذرا، بل ينبغي له أن يقبل اعتذاره وأن يوسع له وأن يحسن الظن به وأن يعينه على الشيطان وألا يعين الشيطان عليه وبهذا يسود التواد والتعاطف والتراحم بين المسلمين ونحقق معنى أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص. والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم رسول الله صلى الله علیه وسلم الله تبارک وتعالى القرآن الکریم الله تعالى بالنظر إلى هذا الدین أهل العلم فی البیت على هذا یمکن أن أن یکون من أهل على أن

إقرأ أيضاً:

استشهاد الشيخ خالد نبهان صاحب عبارة «روح الروح»

أعلنت تقاير محلية فلسطينية، اليوم الاثنين، استشهاد الشيخ خالد نبهان، جد الطفلة الشهيدة «ريم»، صاحب عبارة «روح الروح».

وأفادت التقارير المحلية الفلسطينية، بأن الشيخ خالد نبهان، استشهد جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي على مخيم النصيرات.

ويشن الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعيّة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، مرتكبًا كافة أساليب القتل والتدمير والتهجير، ومخلفًا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.

اقرأ أيضاًالأردن يدين استهداف إسرائيل مربعا سكنيا في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة

الخارجية الفلسطنية: مجزرة مخيم النصيرات بقطاع غزة تعكس فشل المجتمع الدولي في تنفيذ قراراته

ارتفاع عدد ضحايا غارة الاحتلال على منزل بمخيم النصيرات إلى 26 شهيدا

مقالات مشابهة

  • نجل نصر الله يرتدي عمامة والده على يد خامنئي.. تعهد بطلب العلم (شاهد)
  • حصاد الأزهر العالمي للفتوى 2024.. أكثر من 1.9 مليون فتوى لمواجهة التطرف وتلبية احتياجات المسلمين
  • الشيخ خالد نبهان جد طفلة غزة يلحق بـ "روح الروح"
  • عبدالله النجار: الحروب والتقنيات التكنولوجية تتطلَّب فتاوى مرنة ومتجددة
  • لحق بأحبابه..وداعا صاحب عبارة "روح الروح".. استشـهاد الشيخ خالد نبهان بـغـزة
  • عاجل- استشهاد الشيخ خالد نبهان الشهيربـ "روح الروح"
  • لحق بحفيدته بعد عام على استشهادها.. من هو الشيخ خالد نبهان صاحب عبارة «روح الروح»؟
  • استشهاد الشيخ خالد نبهان "روح الروح" في قصف مدفعي بمخيم النصيرات بغزة
  • استشهاد الشيخ نبهان صاحب مقولة روح الروح
  • استشهاد الشيخ خالد نبهان صاحب عبارة «روح الروح»