الاغتيالات الأخيرة المتوالية التي وقعت في غزة والساحات المساندة لنضالها مقروءة واضحة تعبر عن استنفار الحركة الصهيونية في المستوى الأقصى لمواجهة الانتفاضة العالمية الموجهة ضدها نتيجة ما تكشف للرأي العام العالمي بالحرب على غزة من حقائق عن الصهيونية وجرائمها وتحكمها في الرأي العام الغربي وقراره السياسي الاقتصادي الثقافي وابتزاز ثرواته وتسخيره للاعتداء على الشعوب الآمنة.

لقد تسبب طوفان الأقصى في يقظة الوعي بالأدوار التخريبية للصهيونية في البنيات الغربية على امتدادها، وكشف عن تعدد أذرعها وأنشطتها ومخاطرها على الغرب والإنسانية جميعا وضلوعها في مخططات ومشاريع مدمرة للأمن والسلام في العالم. كما كشف عن الأضاليل والمغالطات والأكاذيب التي تنسب العنف والجريمة والتخلف والفساد للإسلام والمسلمين والعرب وكثير من الشعوب الآمنة، ما جعل المفكرين والمثقفين والسياسيين ونخب وجماهير في مختلف دول الغرب يفتحون أعينهم لتأمل وتحليل والبحث والفهم والاسترجاع لإدراك الحقائق المغلوطة المقدمة إليهم والقيام بمراجعات فكرية والانتفاض على الإرهاب الذي أخضعوا له بما سمي مناهضة السامية وترسيم القوانين الترهيبية لترسيخ الصهيونية واليهود وتمييزهم، ومعاقبة وتأديب والانتقام من كل من يفكر في تعرية حقيقة الصهيونية وجرائمها وإسكاته وردعه.
الوعي العالمي الذي أحدثته الحرب على غزة تسبب في استنفار الحركة الصهيونية بشكل شامل لتقويم الوضع ومحو هذا الواقع وإعادته إلى مساره السابق المتجه نحو تنفيذ ذلك المخطط الخبيث المؤدي إلى استفراد الصهيونية كجنس الله المختار بخيرات العالم واستعباد الإنسان والتلاعب بالجنس البشري بالإبادة والتكنولوجيا الجديدة من ذكاء اصطناعي وما يستجد من علوم وتجارب شيطانية شريرة.
ليست دعوة الكونجريس الأميريكي لنتانياهو سوى المظهر الخارجي لهذه الانتفاضة الصهيونية الكبرى. وقبلها قام الكونجريس بتهديد وتوعد محكمة العدل الدولية وقضاتها والمحكمة الجنائية الدولية وقضاتها، كما هدد وتوعد الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإغاثية ورؤساء الدول بمن فيهم الرئيس الأميريكي جون بايدن وكل من يدين أو يعري الإبادة الجماعية والعنصرية والاحتلال والجرائم الشنيعة التي تمارسها إسرائيل في فلسطين.
ومر الكونكريس لدعوة مجرم الحرب وإقامة احتفالية له لم يسبق إقامة مثلها لأحد من قبل. استبقها الرئيس بقرار يقضي باعتقال الأعضاء الذين يتغيبون عن هذا التكريم الاستثنائي لسفاح مجرم مدان محكوم مطلوب من طرف أعلى هيئة قضائية دولية ومن طرف محاكم وهيئات ومنظمات إنسانية وشعوب ودول وأحرار في أنحاء العالم بعضهم يصيح وينتحب ويدين داخل الكوجريس وخارجه وفي ساحات منتشرة عبر أنحاء الأرض.
في اليوم الموعود بقي الكونجريس برئيسه وهيئاته واقفون ما يقارب نصف ساعة بانتظار أن تهل الطلعة البهية، في تخريجة تزيد من جلال وإجلال هذا الضيف الاستثنائي وأهمية وهيبتة. شرع النتن يهدر بالجوهر، وشرع الكونجريس في تمثيل مسرحية الوقوف والتصفيق لا يكاد يجلس حتى يقف من جديد عندما ينطق النتنياهو كلمة جديدة. كاد الكونجريس أن يظل واقفا مصفقا طيلة العرض البهلواني لمجرم الحرب.
ومن هي الحركة الصهيونية إن لم تكن هي تلك الكتلة الكبيرة الواقفة المصفقة في الكونكريس الأميريكي ورئيسها وإداراتها ومصادر القرار فيها وكل هؤلاء الذين جرت مقابلاتهم والتنسيق معهم في زيارة نتنياهو؟
لقد استقبل عريس أميريكا بعد ذلك من طرف كبار القوم، وممن يؤملون أن يكونوا كبارا. وعقد القمم السرية واللقاءات الضرورية لتنسيق المشروع الشيطاني المستهدف لأمن وسلامة الإنسانية، رغم أنف المعارضين والرسل والأنبياء والحواريين، ورغم أنف الضمير الإنساني الأميريكي والغربي والدولي ومنه اليهود الأحرار المستنفر لإسقاط المشروع الشرير، بنخبه وجماهيره النوعية والشعبية جميعا، ليستقبل في الاحتفالية الأولمبية بباريس بذلك العرض الأولمبي الحداثي الشيطاني المتحدى للعالم، السائر بخطى سريعة حثيثة نحو التنفيذ، مستهدفا الكنيسة هذه المرة كآخر القلاع التابثة المهتزة. من ثم عاد مظفرا إلى مقر القيادة كي يتابع تنفيذ مقررات ومخططات القمم السرية العليا المتحدية للعالم وقيمه المثلى. عاد المجرم واثقا مطمئنا معززا بالكبار والصغار وبأكثر مما يحتاجه للاستهتار والتصعيد والعربدة في الكون.
من هو نتانياهو
فرعون العصر الذي لا يغلب
غير صحيح
رئيس يتمسك بكرسيه
صحيح، بذلك يصلح ليكون أداة فعالة توصل لخراب روما، فأمريكا بعيدة والحرب في غرف وشعاب البيت العربي الإسلامي الملغم برا وبحرا وجوا بأشكال وأنواع من المخازن المتفجرة الماحقة. وهي بالأحرى مناسبة لتدمير ما حققه الأعداء من مكاسب ومنجزات علمية وغير علمية أما ما سيصيب إسرائيل وأهلها بحكم وقوعها في بؤرة المجال ومرمى الأهداف فعادي يمكن تعويضه لقاء هدف أكبر وأهم.
الذي استنفر طهران بقتل هنية واستنفر متزامنا معه حزب الله بقتل فؤاد شكر ويواصل استنفار كل محور المقاومة والمساندة في سوريا واليمن والعراق ليس نتنياهو ولا جيشه ولا مجلس حربه ومتطرفوه، ألذي قرر استنفار هذه الجبهة مجتمعة هو ذلك المخطط السري الصهيوني الأميريكي الذي ظل يلعب لعبة وقف الحرب وتحرير الأسرى بينما يمد ويزود ويقوي ويساهم في الميدان بحيوية وحضور قوي وإدارة وإشراف مباشر.
ربما قررت تلك الجهة أو الجهات المعنية خوض المعركة مع المنطقة فجعلتها باسم إسرائيل لتكون مجرد واحد من الحلفاء لا يد له في الأمر. قبل شهور التقتيل وعلى امتدادها كان بلينكن وأشباهه يتحرك في كل مكان بغطاء وقف الحرب بينما يشرف عن قرب على الحرب ويعززها بأنواع الأسلحة والإمدادات، وهو لا يتورع اليوم عن الحديث عن مساندة حليفه في أي معركة، فالولايات المتحدة لا شك ستستنفر مستحدثاتها من العتاد المدمر البري والبحري والجوي ومختلف أنواع أجهزة الفتك وتشحنها باتجاه المنطقة لتجعلها مخزنا لا ينفذ إضافة إلى تغذيتها بالجسور المتواصلة.
لا تثقوا ببلينكن وبايدن أو غيره. هذه الحرب واقعة. وهي اميريكية أوربية غربية متحالفة، وبالضرورة صهيونية.

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

من المرشد إلى السنوار

على أثر مقتل ثلاثة إسرائيليين، الأحد الماضي، عند معبر حدود جسر الملك حسين بالضفة الغربية المحتلة على يد سائق شاحنة أردني، أثنى سامي أبو زهري، رئيس الدائرة السياسية لـ«حماس» بالخارج، على الهجوم واصفاً إياه بالرد على الهجوم الإسرائيلي على غزة.

وقال إن «عملية معبر الملك حسين هي رد طبيعي على جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أهل غزة، وهي شكل جديد لانخراط الأمة بالمواجهة»، بحسب «رويترز». وطالما حاولت، وحثت «حماس» على إقحام الأردن في هذه الحرب، لكن هذه ليست القصة.
حيث قالت «حماس» بالأمس إنه ما لم يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار فلن يرى الرهائن الإسرائيليين النور، وهنا قد يقول قائل إن هذا طبيعي، وما المطلوب أصلاً من «حماس» الآن وسط تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي؟.
المطلوب ببساطة هو أن تحذو «حماس» حذو «حزب الله»، الذي يبدو أنه وجد المخرج لطلب الهدنة مع إسرائيل، وتجنب الحرب، عبر قول المرشد الإيراني علي خامنئي إن التراجع أمام العدو تكتيكياً أمر مقبول.
حيث نقلت وكالة «مهر» الإيرانية عن المرشد تأكيده أنه لا ضير في «التراجع التكتيكي» أمام العدو، مشيراً إلى أن هذا التراجع قد يكون بالميدانين العسكري أو السياسي. وإن أحد أسس الحرب النفسية التي يستخدمها الأعداء هو تضخيم صورتهم والإيحاء بضرورة الخشية منهم.
مضيفاً أنه «عندما تتسلل هذه الحركة من الحرب النفسية التي يمارسها العدو إلى الساحة العسكرية، تكون نتيجتها الخوف والتراجع»، مؤكداً أن هناك تراجعاً تكتيكياً كما هي الحال مع التقدم، ولا ضير في ذلك.
وها هي الحكومة اللبنانية تعلن رغبتها في إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل من أجل تجنب الحرب، وكلنا يعرف أنه لا يمكن فعل ذلك من دون موافقة «حزب الله» الذي من الواضح أنه يريد تجنب هذه الحرب.
والأمر الآخر هو التعامل الإيراني مع مقتل إسماعيل هنية قائد «حماس» الراحل، الذي اغتيل في إيران، وها هي طهران تتجنب الرد العسكري على إسرائيل، بل وأعلن الأوروبيون أنهم تلقوا إشارة لرغبة طهران بالتفاوض.
وهذه الإشارة تعد الخطوة الثانية بإعلان رغبة إيران في التفاوض مع الغرب، وذلك بعد أن أعلن المرشد الإيراني، قبل أسبوع أو أكثر، أنه لا ضير بالتفاوض مع واشنطن حول الملف النووي.
وعليه؛ فلماذا تسعى «حماس» لفتح جبهة أردنية مما يعني خطراً حقيقياً على الضفة الغربية، والأمن القومي الأردني، والعربي، كما يعني خطراً وجودياً على القضية الفلسطينية، بينما تسعى إيران و«حزب الله» للتفاوض؟.
لماذا لا تطالب «حماس» السنوار الآن برد وتدخل إيراني عسكري عبر طهران نفسها، أو عبر «حزب الله» بدلاً من مطالبة الأردن، أو غيره من الدول العربية، خصوصاً أن «حماس» تتغنى بالدعم الإيراني؟.
ولماذا لا يقتدي السنوار بـ«حزب الله» ويستمع لنصيحة المرشد الأعلى الإيراني، ويحمي ما تبقى من القضية الفلسطينية، وليس فقط غزة؟ ولماذا لا ضير في «التراجع التكتيكي» أمام العدو بالنسبة لإيران وحرام على أهل غزة؟ هل من إجابة؟.

مقالات مشابهة

  • صحف عالمية: إسرائيل تعرقل التأكد من دقة رواية حماس في غزة
  • إسرائيل تنشر تفاصيل رسالة الخسائر من قائد لواء خان يونس إلى السنوار
  • حماس: لا اتفاق مع إسرائيل إلا بوقف الحرب والانسحاب من غزة وكسر الحصار وتحقيق صفقة تبادل جادة
  • هآرتس: ما الذي تخشاه إسرائيل في غزة بمنعها دخول المراسلين الأجانب؟
  • إسرائيل في قطاع غزة.. من الانسحاب الأحادي إلى الحرب الشاملة!
  • من المرشد إلى السنوار
  • الحرب النفسية: استراتيجية أساسية في مواجهة الصهيونية.. قاموس المقاومة (43)
  • إسرائيل تنشر فيديو النفق الذي قُتل فيه الرهائن
  • قائد سابق لحلف «الناتو» يعدد 3 دروس ميدانية لـ«أنفاق غزة»
  • هآرتس: نتنياهو يحضر للاستيطان وضم شمال غزة إلى إسرائيل