#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 28 من سورة فاطر: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”.
لغويا فأن اتصال (ما) مع التوكيد (إن) تفيد الحصر، وذلك ليكون المعنى بأن العلماء هم الأجدر بخشية الله، والتي يسبقها حتما معرفته والإيمان به، وليفيد ذلك بأن الله يحض على طلب العلم ويعلي من شأن العلماء، لكن المعنى الأعمق هو أن غير المؤمن هو جاهل، بغض النظر عن تحصيله الأكاديمي، فالغباء والذكاء ليس معيارهما حجم المعلومات المحصلة بالتعلم، بل بكيفية استخدام العقل وأدواته المنطقية.
من هنا نفهم لماذا قال تعالى عن المكذبين والمشركين: “الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ”، فلأنهم غارقون في الجهل والتخلف المعرفي، فمن غير المؤمل إيمانهم.
لذلك فقد خاطب القرآن العقل البشري في ما لا يقل عن ثلثه، وبآيات خصصها لاستفزاز العقل ودفعه الى التفكر في ما يراه من حوله وفي نفسه.
ورغم التخلف العلمي الذي كان ضاربا استاره على العقول في زمن الدعوة، فقد استخدم القرآن أسلوبا باهر البلاغة لا يمكن للبشر محاكاته، وذلك في ايراد المعلومة العلمية بحيث لا تتصادم مع العقل المتخلف آنذاك، فيمكنه فهمها حسب درجة فهمه، عندما كان متخلفا، وعندما يتقدم في العلم، ومن غير مجافاة الصحة العلمية.
بالطبع ولضحالة المعارف البشرية زمن التنزيل، لذلك جاءت المعلومة العلمية المتضمنة لكيفية خلق الإنسان عامة غير مفصلة، وهذه إحدى ميزات كتاب الله، فعندما يورد المعلومة الباهرة للعقل، تجدها بصياغة عمومية لكنها تحمل إشارات تحث العقل على البحث فيها لأجل التعمق في فهمها، لذلك نجدها على طبقات، كلما تقدم الانسان في العلم فهم إعجازها للعقل أكثر، لكن من غير تناقض مع المعلومة التي كان العقل الجاهل بالكاد استوعبها.
ففي إحدى المحاججات العقلية يقول تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى .أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ .فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ . أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ” [القيامة:36-40]،
يبدأ الله تعالى بتساؤل استنكاري موجه الى عقول من ينكرون البعث والحساب بدعوى عدم معقوليته، ولذلك أتبعها تعالى بما هو معقول لديهم وهو كيفية خلق الإنسان، لأجل أن يتفكر هذا المكذب في ذلك والذي يجري يوميا بهذه الصورة المعجزة، ويخلص الى الاستنتاج المنطقي: فالذي صمم وقدر ورعى بدء تكون الإنسان من خلية واحدة، الى أن اصبح بهذا الكمال الفائق من حيث أداء الأعضاء المتعددة لمهامها العديدة المتباينة أليس بقادر على أن يعيد هذا الخلق بصورة أخرى؟.
ومع تقدم العلم، أصبحنا نفهم كثيرا من دقائق جسم الإنسان، ولو أخذنا مثالا يسير الفهم لغير المتعمقين، وهو أداء الجهاز الهضمي كأحد هذه المهام مثالا، سنجد أنه يدخله يوميا مواد متنوعة ومختلفة فينتقي منها ما يحتاجه الجسم ويطرح خارجا ما لا يفيده، فلا يخطئ مرة واحدة في الانتقاء، ولا يعجز يوما عن حسن الأداء، فتنبني من هذه المادة الواحدة الممتصة من الأمعاء كل خلايا الجسم مهما تعدد تركيبها وتباينت مهامها، فمنها ذاتها تتكون خلية جلدية وظيفتها الحماية والحس، الى خلية عظمية جد مختلفة، وظيفتها الدعم والتحمل، الى خلية عضلية وظيفتها الحركة، وخلية عصبية آمرة بالحركة وناقلة للحس ..وهكذا الى آخر أنواع الخلايا.
ليس هذا فقط، بل لو تلف بعض هذه الخلايا بحادث أو مرض، سنجد أنه يتم تعويضها بنسيج من نوع الخلايا المفقودة ذاتها، وبالقدر المطلوب بلا زيادة ولا نقصان، فلا يمكن أن نجد شخصا جرح وجهه فالتأم جرحه بخلايا عظمية مثلا، بل كل الطبقات عادت كما كانت مهما كان التهتك كبيرا، فمكان الوريد المقطوع وريدا ولم تحدث حالة أنه نبت شريان أو العكس، كما أن العصب اتصل بالعصب المقطوع ذاته ولم يحدث في مرة أنه اتصل بعصب آخر..وهكذا في كل حالات فقدان جميع الأنسجة الأخرى.
وهكذا نرى كيف أن العقل المحدود المعارف زمن التنزيل، أبهره ولادة انسان شبيه بوالديه تماما، وقبل أن يتوصل الى فهم طبيعة تكون (الزيجوت)، فالأجدر ان ينبهر أكثر عندما يتقدم معرفة بالتفصيلات الدقيقة لذلك، ومن الغباء الاعتقاد أن ذلك مجرد صدفة. مقالات ذات صلة يتحسب الأردن لهذه الأسباب 2024/08/22
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
جمال السعيد: الذكاء الاصطناعي لا يستطيع اكتساب الوعي والتطور الذاتي مثل العقل البشري
أكد الدكتور جمال السعيد، أستاذ جراحة الأورام بكلية طب جامعة القاهرة، أن هناك حالة من القلق العام تجاه الذكاء الاصطناعي، لكنه يسعى إلى تحويل هذا القلق إلى نظرة إيجابية تراه كصديق وليس كتهديد.
وأضاف جمال السعيد، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "نظرة" المذاع على قناة صدى البلد، أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً كاملاً للبشر، بل هو جزء من منظومة التكنولوجيا الفائقة التي تتضمن عدة عناصر، من بينها الروبوتات، الطب عن بُعد، التشخيص الدقيق، والعلاج الجيني.
وأشار السعيد إلى أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحويل المعلومات إلى أرقام وتحليلها من خلال خوارزميات قادرة على الاستنتاج، مما يمنحه قدرات فائقة في التحليل الرياضي، لكنه يفتقر إلى عنصر الوعي، الذي يظل ميزة حصرية للبشر.
وأوضح السعيد، أن الذكاء الاصطناعي شهد تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، لا سيما في الطب، حيث أصبح عنصرًا أساسيًا في التشخيص والعلاج خلال السنوات العشر الماضية، ومن المتوقع أن يستمر دوره في التوسع مستقبلاً.
وأكد أن التكنولوجيا الحديثة، رغم إمكانياتها الهائلة، لن تتمكن من استبدال الجراح البشري بشكل كامل، لأن المهارات اليدوية والخبرة البشرية تظل عوامل حاسمة لا يمكن تعويضها.
وأشار إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مصر ليس حديثًا، حيث استُخدم منذ فترة طويلة في مجالات مثل الدراسات الإنسانية، التاريخ، الأدب، والفنون.
ولفت السعيد إلى أن التطورات التكنولوجية المستمرة لن تلغي الحاجة إلى العنصر البشري، بل ستعمل على تمكينه وتحسين قدراته، مشددًا على أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع اكتساب الوعي أو التطور الذاتي كما يفعل العقل البشري، مما يجعله أداة داعمة وليس بديلاً للإنسان.