خصلتين يحبهما الله ورسوله.. مفتاح الحصول عليهما
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
خصلتان يحبهما الله ورسوله، ضمن صفات يحبها الله ورسوله في عبادة، فعندما رأى رسول الله ﷺ أشج عبد القيس -وهو أحد الصحابة الكرام- قال له: « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ».
وجاء ذلك في منشور لفضيلة المفتي السابق الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حيث قال أن سيدنا رسول الله ﷺ وهو يتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى أحب الحلم والأناة في أشج عبد قيس، والحِلْم صفةٌ تكاد أن تتفلت منا، وهي مفتاح كل خير، والحلم هو أن تكون هادئ النفس، هذا الهدوء يجعلك لا تتكلم إلا في موطنٍ يحتاج فيه الأمر إلى الكلام، والنبي ﷺ يمدح الصمت ويقول فيه: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتا فإنه قد أوتي الحكمة» فالحلم مفتاح الحكمة، ويجعل رد فعلك هادئًا عندما تواجه كارثة أو مصيبة .
ووضح جمعة أن والحلم يجعلك قادرًا على أن تُنفِّذ النصيحة النبوية: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ويقول ﷺ : «لا تغضب ولك الجنة» ليس لك جزاء إذا ما ملكت نفسك حين الغضب عن الغضب إلا الجنة {وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أكظم غيظك.
وأضاف جمعة أن كظم الغيظ معناه أن الغيظ موجود، وأن الغضب قد حل، ولكن ليس الشديد بالصرعة -المصارع الذي يُصارع الناس فيغلبهم-، إنما الشديد والبطل هو ذلك الذي يملك نفسه حين الغضب، تخيل لو أن الناس أمسكت نفسها حين الغضب بالحلم والأناة والتفكر والتدبر؛ تُحل المشكلات ولا يتهور الإنسان بقول السوء، ولا تُضيِّع حقك بشيءٍ قد تهورت فيه برد فعلٍ غير محسوب.
مفتاح كظم الغيظ
وكشف جمعة أن مفتاح ذلك كله "ألا تغضب"، وعدم الغضب ليس سهلًا ، إنما يُدخلك صدقًا في مصاف الأبطال، الحلم بالإضافة إلى أنه يُعلمك ضبط النفس، ويعلمك الهدوء النفسي، يعلمك أيضًا ذكر الله لأنك لابد أن تجعل ذلك لله، ولا يكفي أن يكون طبعك حليما، وإن كان الحلم يحبه الله سبحانه وتعالى، ولكن الحلم من أعمال القلوب، والنبي ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى» ، ولذلك يجب أن نجعل حلمنا لوجه الله تعالى.
وتابع جمعة قائلًا: تخيل أنك تذكر الله في كل وقتٍ وحين، تخيل أنك تشغل ذهنك بذكر الله بدلًا من التفكر في الانتقام، وفي كيفية الرد، وفي كيفية رد الفعل، وفي كيفية الغضب ؛ تذكر ربك، وربنا يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} ؛ فإذا ذكرت ربك في نفسك ذكرك في نفسه، أتعرف ماذا تسمع؟ رب العالمين، ملك الملوك يذكرك أنت أيها العبد الضعيف وأنت مخلوقه في نفسه جل جلال الله {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ما هذا؟ هذا فضلٌ عميم لا نلتفت إليه، وبإلفنا لسماع القرآن تمر علينا الآيات دون أن نتدبر وأن نقف وأن نتصور ما هذا، والله لو تصورته لاقشعر جلدك ثم لان لذكر الله سبحانه وتعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ، أرأيت ما الذي يفعل الحلم بك إذا ما حلمت؟
وانتهى جمعة إلى أن الأناة فقد افتقدناها كثيرًا فإنها تؤدي إلى الفكر المستقيم، وقليلٌ منا في عصرنا المتسارع هذا يتفكر ويتدبر ويتأمل، حتى أصبح الفكر نادرا، وأصبح الإنسان يسلك السلوك الذي يأتي على ذهنه، وليد الساعة دون أن يتدبر، ودون أن يتفكر، ودون أن يتأمل، والله سبحانه وتعالى نعى ذلك على البشر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وفي القرآن أمرٌ بالتعقل وبالتفكر وبالتدبر وبالتأمل وبالنظر، ما الذي دهانا لم نستمع إلى النصيحة النبوية الشريفة وإلى ذلك الكنز المخفي حيث يقول رسول الله ﷺ لأشج عبد قيس: «فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة»، كثر فينا الشجار والنزاع، وامتلأت المحاكم بالقضايا عندما افتقدنا الحلم والأناة .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كبار العلماء بالأزهر الشريف الأزهر الشريف كبار العلماء عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ذكر الل أزهر الشريف الله سبحانه وتعالى الذی ی ر الله
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كله
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن مما ابتُليت به الأمة في عصورها المتأخرة أن تصدر للقول في دين الله من لم يحط بأصول العلم، ولم يرسخ قدمه في مدارج الفهم، فصار يتكلم في المسائل الكبار، ويخوض فيما لا علم له به، خروجًا عن الجماعة العلمية المعتبرة، وتخليًّا عن الضوابط المرعية التي بها يحفظ الدين وتصان الدنيا.
وأشار عبر منشور عبر صفحته على فيس بوك، إلى أن سيدنا رسول الله ﷺ حذَّر من هذا المسلك الخطير، فقال: «فعليكم بالسواد الأعظم»، وقال: «ومن شذ شذ في النار» (رواه ابن ماجه).
وبين أن الجماعة العلمية ليست مجرد اجتماع أشخاص، بل هي مقام الأمة في علمها، وضميرها في فهم نصوصها، وميزانها في ضبط استنباط الأحكام وتنزيلها على الوقائع. والخروج عنها شذوذ، والشذوذ مهلكة في الدين والدنيا معًا.
متى يظهر الشذوذ عن الجماعة
الشذوذ عن الجماعة العلمية يظهر عندما يتكلم من لم تكتمل فيه شروط الإفتاء والاجتهاد:
- فلا يحسن فهم النصوص الشرعية ولا يفرق بين قطعيها وظنيها.
- ولا يدرك الواقع المعيش بكل تعقيداته وتغيراته.
- ولا يراعي المصالح الشرعية، ولا المقاصد الكلية، ولا المآلات المستقبلية للأقوال والأفعال.
- ولا يزن الفتوى بميزان اللغة العربية وأعرافها المرعية.
فإذا اجتمع هذا الجهل المركب، خرج المفتون عن سواء السبيل، وصار تجديدهم تبديدًا، وتقريبهم تبعيدًا، وإصلاحهم إفسادًا.
وهؤلاء إذا رأوا مشكلة، هربوا منها بآراء غريبة، وكلمات تهدم أصول الدين من حيث لا يشعرون، فيتناقض أول كلامهم مع آخره، وتضطرب أقوالهم اضطراب السقيم في خطواته. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد نبه علماء الأصول إلى هذا الصنف من الناس، وسموه "المفتي الماجن"، وهو الذي خرج عن الجماعة العلمية، وخالف القواعد المرعية، ولم يبالِ بإجماع ولا مصالح ولا مقاصد.
قالوا: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح؛ لأنه يلبس على الناس أمر دينهم، ويدعو إلى فتنة لا تقتصر على الدين وحده، بل تفسد المجتمع كله، وتهدد الأمن المجتمعي الذي يقوم على سقف الشريعة الإسلامية.
والفرق بين الفقه والإفتاء واضح عند العلماء:
- الفقه هو تحصيل المسائل العلمية من نصوص الكتاب والسنة.
- أما الإفتاء فهو تنزيل الأحكام على وقائع الناس وأحوالهم، بعد فهم النصوص وفهم الواقع معًا، وضبطهما بالضوابط الشرعية الدقيقة.
أركان الإفتاء
ولذا، فإن الإفتاء يحتاج إلى ثلاثة أركان:
1. إدراك النص (بأقسامه: نص مقدس، ونص اجتهادي).
2. إدراك الواقع (بأبعاده الأربعة: الأشياء، الأشخاص، الأحداث، الأفكار).
3. الربط بين النص والواقع وفق قواعد الاجتهاد وضوابط الفتوى.
ينقسم النص في الشريعة إلى:
- نص مقدس، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة بالسند الصحيح، وهما المصدران المعصومان.
- ونتاج بشري، هو اجتهادات العلماء والمجتهدين عبر العصور، التي بذلوا فيها الوسع، وجعلوا العلم فوق حياتهم وأهوائهم.
ومع النتاج البشري ينبغي ألا نقف عند مسائلهم الجزئية، بل نغوص في مناهجهم الاستنباطية التي تجاوزت الزمان والمكان، وكان منهاجهم مستوعبًا لطبيعة تغير الأحوال والأزمان.
ولا يصح لمن يتصدر للفتوى أن يتخير من أقوال الفقهاء ما يشتهي دون ضابط، بل عليه أن يتحرى في ضوء:
- قواعد الاجتهاد المقررة.
- ضوابط المصالح والمقاصد والمآلات.
- مراعاة الإجماع واللغة العربية.
وقد أُلِّفَت مجلدات في تحرير هذه الضوابط، مثل ما كتبته دار الإفتاء المصرية في خمسة مجلدات متينة بعنوان "ضوابط الاجتهاد الفقهي".
ليس ما نراه اليوم من فتن الفتاوى الشاذة جديدًا، بل له جذور قديمة:
- في سنة 1930 ظهر محمد أبو زيد الدمنهوري فأنكر المعجزات، وخالف في أحكام الحدود والميراث والخمر والحجاب، ورد عليه العلماء في مجلة الأزهر في ردود مفحمة، وسكنت الفتنة.
- ثم ظهر محمد نجيب، فأنكر السنة، وألف كتابًا سماه "الصلاة"، زعم فيه أن الصلوات عشر، واستدل استدلالات سخيفة، حتى صار مضرب المثل في الجهالة والضلال، حتى ارتد عن الإسلام ومات سنة 1960.
- ثم تتابعت بعده فتن: أباح بعضهم التدخين في رمضان، وآخرون استباحوا القبلات علنًا، وكلما ماتت فتنة بعث الله لها علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فدحضوا الباطل ودافعوا عن الدين.
طريق الشذوذ العلمي طريق مظلم يقود إلى ضياع الدين والدنيا معًا.
ولا نجاة إلا بالرجوع إلى الجماعة العلمية، والتأدب بأدب العلم، ومراعاة أصول الشريعة ومقاصدها.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله أن يحفظ ديننا وأمتنا من شذوذ المفتين ومجانة المتجرئين، وأن يردنا إلى الحق ردًا جميلا.
والله المستعان وعليه التكلان.