مها وافي.. قصة ضابط إسعاف وأم نازحة وزوجة معتقل تعمل على خط النار
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
غزة- لنحو ربع قرن تعمل ضابط الإسعاف الأربعينية "مها وافي" في جهاز "الإسعاف والطوارئ" منذ التحاقها بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عام 2000، حيث عايشت منذ ذلك الحين أحداث "انتفاضة الأقصى" ومرت بحروب وكوارث، لكنها تعتبر الحرب الحالية "الأكثر قسوة ودموية".
أكثر من 10 شهور مضت والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا تزال مستمرة في شهرها الـ11 توالياً منذ اندلاعها عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لم تتوان مها (44 عاماً) عن دوامها اليومي، كانت خلاله مسعفة، وأم 4 ذكور وفتاة واحدة، ووجدت نفسها مسؤولة عنهم بمفردها بعد اعتقال زوجها مدير الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة للمنطقة الجنوبية بقطاع غزة أنيس الأسطل.
وتضع مها اعتقال زوجها "أنيس الدنيا" كأشد مصائبها بالحرب "فاعتقاله كسر ظهري" تقول هذه الزوجة الصابرة، وهي التي خسرت منزلها في مدينة خان يونس جنوب القطاع في غارة جوية إسرائيلية دمرته كلياً، ونزحت بأبنائها 10 مرات هرباً من حمم الصواريخ والقذائف.
نداء الواجبيومياً ومع بزوغ أول خيوط النهار، تنطلق مها إلى عملها تتنازعها مشاعر الخشية على أبنائها والتزامها بعملها الإنساني، وتقول للجزيرة نت "كل صباح أنظر إلى أبنائي وأدرك حاجتهم لي، ولكنني أضبط مشاعري واستودعهم الله عز وجل وأنطلق إلى عملي.. أولادي بخير لكن هناك أطفالا جرحى وآخرين يئنون تحت ركام المنازل والمباني المدمرة وهم بحاجتي أكثر".
"لا يمكنني أن أتقاعس عن نجدة هؤلاء الضحايا، وكثير منهم أطفال ونساء" هذا ما تعلمته من زوجها أنيس، وتصفه بـ "القائد والصديق الأول، وكان يقدم عمله الإنساني على أي شيء آخر، ورغم أن منصبه الوظيفي كمدير يعفيه من العمل الميداني، إلا أنه يفضل أن يتقدم الصفوف، ويختار سيارة الإسعاف الأولى في مقدمة المواكب متحدياً المخاطر".
كان أنيس يرفع شعار "نداء الواجب" وينطلق بنفسه لمهام خطرة، وبحسب زوجته، فقد اعتقلته القوات الإسرائيلية عند حاجز نتساريم العسكري مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينما كان متوجهاً برفقة سيارات إسعاف بموجب تنسيق مسبق لإجلاء أطفال مرضى وجرحى من مستشفى كمال عدوان شمال القطاع.
اضطرت مها للنزوح بأبنائها 10 مرات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الجزيرة)ومنذ اعتقاله لا تعلم مها عن أنيس شيئاً، وما تسمعه من شهادات مؤلمة وصادمة عن أسرى غزة في سجون إسرائيل وما يتعرضون له يجعلها تعيش قلقاً دائماً على مصيره.
تقول مها إن "مواجهة الموت كل لحظة على جبهة النار يومياً في الميدان أهون مليون مرة من قلقي على أنيس" وفي الوقت نفسه تجد نفسها مضطرة للتخفيف عن أبنائها وبث الأمل في نفوسهم بقرب تحرر أبيهم من السجن وعودته إلى حضن أسرته "وهو عمود البيت ومصدر سعادتنا ورغم أجواء الحرب المرعبة أجلس مع أبنائي ونستحضر ذكرياتنا الجميلة مع أنيس".
جبهات نضاليةلم تمض سوى ساعات قليلة على اعتقال أنيس حتى وجدت مها نفسها مضطرة للنزوح إثر إنذارات عسكرية إسرائيلية مهدت لعملية برية في مدينة خان يونس بدأتها في 5 ديسمبر 2023 واستمرت حتى 6 ابريل/نيسان الماضي.
ذاقت هذه المرأة صنوفاً من ويلات الحرب: شهداء من الأقارب والأحبة، اعتقال زوجها، تدمير منزلها المكون من طبقتين. وعاشت مع أبنائها في خيمة، صيفاً وشتاء، وتقول "الحياة في الخيمة قطعة من جهنم، عذاب مع البرد ومياه الأمطار، وعذاب مع حرارة الصيف وانتشار الحشرات والأمراض".
وفي هذه الخيمة تترك مها أبناءها الخمسة وتشعر "وكأن قلبي يخلع من ضلوعي" وتقضي نهارها في عملها الميداني تتنقل بين استهداف وآخر، لا تكتفي بإجلاء الجرحى وإنما تخفف عنهم نفسياً، وتعود إلى أبنائها "مشحونة بضغوط هائلة" بحسب وصفها، غير أنها تتعالى على تعبها وتخلع معطفها الأبيض وتبدأ مهامها كأم في إعداد الطعام على نار الحطب في ظل أزمة غاز غذائية حادة.
مها وافي تحدثت عن معوقات كثيرة تعترض عملها ضمن طواقم الإسعاف بسبب الحرب والحصار (الجزيرة)تمر ساعات عملها ثقيلة تتنازعها الكثير من المشاعر الإنسانية الممزوجة بقلق لا يفارقها منذ اعتقال زوجها "هذا الرداء لا يحميني وقد سبقني زملاء شهداء وقد تزينت معاطفهم البيضاء بدمائهم، فماذا لو استشهدت أو اعتقلت، من لأبنائي؟" تتساءل المسعفة الفلسطينية.
وما تعايشه مها من مجازر وجرائم إسرائيلية يومية تجعل "الدنيا تصغر في عيني، فما من شيء في هذه الدنيا أهم من حياة الإنسان". وتتساءل "ما قيمة المال؟ ولماذا الخلافات الشخصية والأسرية والعائلية؟ ولماذا الغش وارتفاع الأسعار؟.. ما قيمة كل ذلك وحياتك مهددة وكل تفقدها في كل لحظة مع استمرار هذه الحرب المجنونة؟".
حرب مجنونة"هذه حرب مجنونة وبلا أخلاق" تقول مها وهي تتحدث عن الظروف التي تواجه عمل طواقم الإسعاف والطوارئ في الميدان، وقد كانت أعداد من العاملين في هذه الطواقم ضحايا للقتل أو الجرح أو الاعتقال، وهي ذاتها تعمل وتدرك أنها ليست في مأمن.
وتكابد مها وزملاءها في هذه الطواقم معاناة شديدة نتيجة الكثير من المعوقات الناجمة عن تداعيات الحرب والحصار، من حيث نقص المعدات الطبية، والدمار الهائل الذي تسببت به آليات إسرائيل وصواريخها في الشوارع وتعوق حركة سيارات الإسعاف.
ورغم كل ذلك تنطلق مها مع رفاقها في سيارة الإسعاف، يسابقون الريح، وتقول "كل دقيقة فيها حياة إنسان".
ضابط الإسعاف مها وافي تحاصرها المخاطر وفي وضع نفسي صعب إثر اعتقال زوجها ودمار منزلها (الجزيرة)ومن بين مشاهد مؤلمة كثيرة لا تكاد تفارقها صورة طفل رضيع في الثانية من عمره يصرخ من شدة الألم، وقد بترت أطرافه الأربعة بفعل صاروخ إسرائيلي أوقع مجزرة في بلدة عبسان شرق مدينة خان يونس، وكان ملقى بين أعداد من الجثث ربما من بينها جثتا والديه.
ووثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 885 من الطواقم الطبية، وجرح المئات، علاوة على اعتقال 310 من الكوادر الصحية، من بينهم أطباء وممرضون ومسعفون وإداريون.
وقال مدير عام المكتب إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت إن إسرائيل تعمدت بشكل ممنهج -خلال حرب الإبادة الجماعية- استهداف المرافق والمستشفيات والطواقم الصحية، وقد أخرج 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة، واستهدف 162 مؤسسة صحية، و131 سيارة إسعاف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات اعتقال زوجها فی هذه
إقرأ أيضاً:
WP: دول خليجة تتطلّع لـما بعد الحرب بغزة منذ وقف إطلاق النار
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، لمديرة مكتبها في الخليج، سوزانا جورج، قالت فيه: "إن مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط عاد إلى المنطقة، هذا الأسبوع، حيث تسعى إدارته إلى الاستفادة من النجاح المبكر لوقف إطلاق النار في قطاع غزة".
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن ستيف ويتكوف سوف يسافر إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأربعاء، وقال إنه لديه خطط لزيارة قطاع غزة، حيث استمرت الهدنة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، لأكثر من أسبوع.
وتابع: "كان أيضا في السعودية يوم الثلاثاء، وفقا لتقارير إعلامية عبرية، والتي قالت إنّ: "ويتكوف كان يعمل على اتفاقية واسعة النطاق في الشرق الأوسط، تشمل إعادة إعمار غزة، وفي النهاية تطبيع العلاقات مع السعودية".
وأضاف: "مع قيام ويتكوف، وهو مطور عقاري منذ فترة طويلة، بتكثيف الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، سوف يحتاج إلى دعم من الدول الغنية بالنفط في الخليج لمتابعة الخطط الأكثر طموحا".
وبحسب التقرير نفسه: "يقول الدبلوماسيون إن دول الخليج العربية هنا قد تمول إعادة الإعمار في غزة، لكنها تريد أيضا ضمان أن تشمل فترة ما بعد الحرب مسارا إلى دولة فلسطينية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، الثلاثاء: "كان موقفنا واضحا دائما، أن حل الدولتين هو المسار الوحيد للمضي قدما من أجل حل القضية الفلسطينية"، مضيفا: "البلاد، التي ساعدت في التوسط في وقف إطلاق النار، تتعاون بشكل كامل مع إدارة ترامب والمبعوث ويتكوف"، لكنه أضاف أن قطر لا "تتفق دائما في الكثير من الأمور مع جميع حلفائنا".
كذلك، قال ترامب، في الأيام الأخيرة، للمراسلين الصحافيين، إنه: "يريد تهجير سكان غزة بالقوة"؛ وقال يوم السبت، إنّ: الولايات المتحدة وغيرها يجب أن "تطهّر" المنطقة، التي وصفها بأنها "موقع هدم". وفي وقت متأخر من يوم الاثنين، ضاعف من اقتراحه، مضيفا: "عندما تنظر إلى قطاع غزة، فقد كان جحيما".
وفي السياق نفسه، انتقدت مصر والأردن هذه التصريحات على وجه الخصوص، بعد أن اقترح ترامب أن تستقبل الدولتان المزيد من الفلسطينيين من غزة. ولكن في الخليج، حيث قال المحللون إن التعليقات تسببت في "الكثير من القلق"، أبرز مسؤولون ودبلوماسيون آخرون أنهم لم يغيروا بعد المزاج العام من "التفاؤل الحذر" بشأن وقف إطلاق النار.
"حتى الآن، أطلقت حماس سراح سبع أسرى إسرائيليين، مقابل مئات السجناء الفلسطينيين. فيما توقف القصف الإسرائيلي الواسع النطاق، ودخلت المساعدات إلى المنطقة، وعاد مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين يوم الاثنين لشمال غزة، الذي كان معزولا عن بقية القطاع في معظم فترة الحرب" تابع التقرير.
وأشار إلى أن الحرب الهوجاء التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 47,000 فلسطينيا وفقا لوزارة الصحة في غزة. من المفترض أن يستمر وقف إطلاق النار الأولي، الذي بدأ في 19 كانون الثاني/ يناير، لمدة 42 يوما، وبعد ذلك ستطلق حماس سراح الأسرى المتبقين وتسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي جميع قواتها من غزة. عندها فقط يمكن أن تبدأ إعادة الإعمار - جنبا إلى جنب مع المفاوضات حول المستقبل السياسي لغزة.
قال الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، حسين إبيش: "كان وقف إطلاق النار الخطوة الأولى الضرورية. الآن هناك الكثير من المناورات الجارية". مضيفا "من غير المرجح أن تلتزم البلدان بأدوار محددة لغزة بعد الحرب حتى يصل وقف إطلاق النار إلى المرحلة الثانية".
وتابع إبيش: "في الوقت الحالي، لا أحد يريد المبالغة في الالتزام بشيء". فيما أبرز التقرير أنه قبل أن تفتح دول الخليج العربي خزائنها، فإنها تريد على الأقل سلطة سياسية فلسطينية شرعية تتولى المسؤولية في غزة.
وأوضح: "حكمت حماس المنطقة لمدة 17 عاما قبل الحرب - لكن إسرائيل قالت إنها لن تقبل دورا للجماعة المسلحة في حكم المنطقة".
وقال علي الشهابي، وهو رجل أعمال سعودي له علاقات وثيقة مع العائلة المالكة، إن: "السعودية ملتزمة بمطالبها بأن تكون الخطط بعد الحرب في غزة مرتبطة بخريطة طريق سياسية للدولة الفلسطينية"، مشيرا إلى: "نوع الالتزام الذي تريد السعودية رؤيته من إسرائيل: يجب أن يكون شيئا له أسنان، وليس اتفاقيات بلغة غامضة".
وقال: "الإشارات التي نتلقاها من إدارة ترامب إيجابية للغاية. ترامب على استعداد لوضع ثقله وراء المطالبات"، مضيفا أن استعداد الرئيس للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيل لقبول وقف إطلاق النار يبشر بالخير لجهود الإدارة المستقبلية في المنطقة.
"بالنسبة للدول العربية في الخليج، توفر غزة بعد الحرب فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي، وملء الفراغ الذي خلفته حماس، التي كانت مدعومة من إيران. ولكن بالنسبة للإمارات على وجه الخصوص، والتي ناقشت أيضا لعب دور يركز على الأمن في غزة، فإن ذلك يوفر فرصة لنوع من الخلاص الدبلوماسي" أكد التقرير.
وأضاف: "في عام 2020، كانت الإمارات واحدة من أربع دول قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم التي توسطت فيها الولايات المتحدة - وتعرضت لضغوط هائلة أثناء الحرب لقطع العلاقات".
ومضى بالقول: "لكن إذا ساعدت الإمارات في الأمن أو إعادة الإعمار، فإن ذلك سيسمح لأبو ظبي "بإظهار قيمة اتفاقيات إبراهيم للعالم العربي"، كما قال شخص مطلع على تفكير كبار المسؤولين الإماراتيين، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
من جهته، قال رئيس مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، دان ديكر، إنّ: "الأمن في غزة، حيث انهار القانون والنظام بسبب الحرب، سيكون أيضا محورا رئيسيا لرحلة ويتكوف إلى إسرائيل".
وقال إنّ: "ويتكوف سوف يذهب في رحلة لتقصي الحقائق إلى غزة، لفهم التحديات الأمنية المعقدة التي تواجه إسرائيل في المستقبل"، فيما وصف زيارة ويتكوف المخطط لها إلى القطاع بأنها "انعكاس لتورط أمريكا المتزايد في التدابير الأمنية في قطاع غزة".
كذلك، تراقب مصر وقطر تنفيذ الاتفاق، حيث تدخلت الدوحة خلال عطلة نهاية الأسبوع للمساعدة في التفاوض على نزاع أدى إلى توقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن وقف إطلاق النار لعدة ساعات، يوم السبت. فيما رفضت دولة الاحتلال الإسرائيلي السماح للفلسطينيين بالسفر إلى شمال غزة إلاّ بعد تسلّم أربيل يهود، 29 عاما.
في المقابل، يقول المسؤولون القطريون إن الضغط الدولي ضروري للحفاظ على الاتفاق على المسار الصحيح. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، إن: "آليات المراقبة هذه المرة أكثر قوة أيضا. نحن نراقب كل تفاصيل الاتفاق".
وأبرز أن: "غرفة العمليات أكثر تطورا، والاتصالات أسرع، وتم إنشاء غرفة عمليات ثانية في العريش بالقرب من حدود مصر مع غزة لمراقبة دخول المساعدات"، متابعا: الوسطاء تعلموا العديد من "الدروس" من اتفاق وقف إطلاق النار الأولي.
وأردف: "ما الذي تسبب في انهيار المحادثات، وما لم يتم تنفيذه، ولماذا لم يتم تنفيذه، كل ذلك دخل في المفاوضات من أجل هذا الاتفاق"، مبرزا: "يتعين علينا جميعا أن نعمل بشكل جماعي، ولا أستطيع التأكيد على هذا بما فيه الكفاية. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يأخذ هذا الاتفاق على أنه أمر مسلم به".