اختتم برنامج “صيفك قانوني 2024″، الذي نظمته الأمانة العامة للجنة العليا للتشريعات في إمارة دبي تحت شعار “تكنولوجيا المستقبل (AI) والتشريعات” أعماله اليوم (الخميس الموافق 22 أغسطس 2024) بعد سلسلة من الفعاليات التي تواصلت على مدى (6) ستة أسابيع.

وتضمَّن البرنامج مجموعةً من الورش القانونية والجلسات الحوارية التي بحثت دور التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في مجال التشريعات.

كما رافق البرنامج تنظيم فعاليات وزيارات خارجية، واستقطاب عدد من الطلَبة القانونيين من جامعات الدولة لتَلَقي التدريب الصيفي في إدارة التشريعات حول إعداد التشريعات وآلية العمل عليها، وكيفية إعداد المقارنات التشريعية.

وأكَّد أحمد سعيد بن مسحار، الأمين العام للجنة العليا للتشريعات في إمارة دبي، أن برنامج صيفك قانوني أتاح في دورته لهذا العام منصةً لاستكشاف آفاق توظيف ابتكارات الذكاء الاصطناعي في العملية التشريعية، ومناقشة سبل معالجة التحديات والمخاطر الناجمة عن سوء استخدام التقنيات المتقدمة، وذلك من خلال أجندةٍ زاخرةٍ بالورش القانونية والجلسات الحوارية التي غطت مُختَلَف الجوانب القانونية والتشريعية للتكنولوجيا المتقدمة. وأوضح بن مسحار أن هذا الحدث جاء في إطار التزام اللجنة العليا للتشريعات بتعزيز المعرفة القانونية، والارتقاء بمرونة واستباقية المنظومة التشريعية، ومواكبة جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لتسخير التكنولوجيا المتقدمة في دفع عجلة تطور مُختلف القطاعات، واستشراف ملامح مستقبلٍ تشكل فيه ابتكارات الذكاء الاصطناعي مُمكِّنات أساسية للتنمية الاقتصادية.

تضمَّنت فعاليات برنامج صيفك قانوني ورشةً بعنوان “التشريعات أحد مرتكزات تكنولوجيا المستقبل”، ناقشت خلالها د. نجاة العامري، رئيس قسم تشريعات البنية التحتية والتنظيمية الحكومية لدى اللجنة العليا للتشريعات، أهمية تكنولوجيا المستقبل في إمارة دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتطرقت إلى أبرز البرامج والمبادرات الداعمة لها، وسلطت الضوء على دور المنظومة التشريعية باعتبارها تتيح أساساً تنظيمياً متيناً لتوظيف التكنولوجيا بكفاءةٍ وسلاسة.

وفي ورشة “تقنية التزييف العميق: مخاطرها والحماية من إساءة استخدامها”، قدمت كل من بشاير العبيدلي، قانوني أول؛ وشيخة علي الهاشمي، محلل نُظُم معلومات، عرضاً حول التحديات والمخاطر الناجمة عن إساءة استخدام تقنية التزييف العميق. وشهدت الورشة طرح حالات واقعية لإساءة استخدام هذه التقنية، ومناقشة سبل الحماية التي يكفلها القانون، إلى جانب أفضل استراتيجيات الوقاية والحد من هذه المخاطر والحفاظ على سلامة المعلومات الشخصية والمهنية.

كما تطرقت أمينة الفضالة، قانوني أول في اللجنة العليا للتشريعات، إلى أهمية تبني نظام الصحة الإلكترونية وذلك خلال ورشةٍ بعنوان “استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية”، وناقشت مزايا وعناصر هذا النظام، بما فيها الابتكارات الرقمية والتطبيقات التكنولوجية، وحلول التطبيب عن بعد والخدمات الطبية بالاعتماد على الروبوتات. وناقشت الورشة أيضاً الجوانب القانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، وكيفية دعم الأفكار والمفاهيم المبتكرة لتطوير التشريعات في ميدان الصحة الإلكترونية.

وفي جلسة ٍتحت عنوان “تأثير الذكاء الاصطناعي على اقتصاد الدولة”، ناقش الدكتور فيصل العمري، مستشار قانوني، النموذج الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتطرق إلى الذكاء الاصطناعي وتأثيراته الاقتصادية. كما شهدت الجلسة تسليط الضوء على الذكاء الاصطناعي من منظور الرؤى الوطنية المستقبلية، والتحديات المطروحة والآفاق الواعدة على هذا الصعيد.

وناقشت نرمين أحمد، رئيس قسم الترجمة القانونية، دور الذكاء الاصطناعي في ترجمة التشريعات خلال ورشةٍ بعنوان “كيف طورت أدوات الذكاء الاصطناعي العمل في ترجمة التشريعات؟”، في حين تطرقت ورشة “التحديات القانونية المحتملة لاستخدام بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي وسُبل معالجتها”، والتي قدمتها كل من حصة المعولي، رئيس قسم التشريعات الاقتصادية والاجتماعية؛ ورفيعة العويس، قانوني أول، إلى آليات معالجة التحديات القانونية المرافقة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، ووضع إطار قانوني واضح في هذا الشأن.

وتضمنت الفعاليات جلسةً حوارية تحت عنوان “منعطفات قانونية”، شارك فيها كل من الدكتور سعود المنصوري، مدير إدارة الفتوى والرأي القانوني؛ وحصة المعولي رئيس قسم التشريعات الاقتصادية والاجتماعية؛ وعمر السويدي، مدير إدارة الرقابة التشريعية. وناقش المشاركون في الجلسة أهم المدخلات التي ستعمل على تحسين إجراءات العمل التشريعي بما يخدم التوجُّهات المستقبلية للإمارة (تكنولوجيا المستقبل Al).

وشهد برنامج “صيفك قانوني” في دورته الثالثة زيارةً أجراها وفد من الأمانة العامة للجنة العليا للتشريعات إلى مركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، في إطار التعاون والتنسيق مع مؤسسة دبي المستقبل. وركزت الزيارة على مواكبةِ أهم استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، وبحثِ طرق توظيف هذه التقنيات في تعزيز وتطوير العمل التشريعي، فضلاً عن الإضاءة على أبرز قصص النجاح التي حققتها حكومة دبي على هذا الصعيد.

وأكدت الدكتورة نجاة العامري، المشرفة على برنامج “صيفك قانوني”، أن البرنامج واصل البناء على نجاح نسختيه السابقتين، متيحاً منصةً رائدة لتعزيز الوعي حول الجوانب القانونية المختلفة، ولا سيما على صعيد دور التكنولوجيا الحديثة تشريعياً وقانونياً، في ظل تنامي دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العمليات وجودة المُخرجات ضمن مُختَلَف القطاعات.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟

يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.

لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.

نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.

جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.

لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.

إعلان

إننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.

أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.

هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.

وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.

جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.

هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.

وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟

في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.

إعلان

ولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.

في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.

الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.

ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟

نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.

المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • كلية الألسن بالأقصر تختتم فعاليات مؤتمرها الدولي الرابع حول التواصل اللغوي والثقافي في عصر الرقمنة
  • العليا للحج: رصد 2000 شركة مخالفة تروج لأداء الفريضة
  • جامعة إقليم سبأ بمأرب تختتم فعاليات المؤتمر العلمي الثاني للطلبة
  • يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
  • إطلاق برنامج المهارات القانونية والفنية لأعمــال الخـبرة القضائية بدبي
  • إطلاق أول برنامج دكتوراه في الذكاء الاصطناعي في دبي
  • حمدان بن محمد يشهد إطلاق أول برنامج بتخصص الذكاء الاصطناعي في دبي
  • حمدان بن محمد يشهد إطلاق أول برنامج دكتوراه في الذكاء الاصطناعي في دبي
  • طلاب حقوق الجامعة الألمانية يشاركون في برنامج النيابة العامة لتبادل الخبرات القانونية
  • القومية لتيسير الحج تختتم فعاليات البرنامج التدريبي لمشرفي الجمعيات الأهلية