تدفق الكلمات مثل حفل صاخب مجنون
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
آخر تحديث: 22 غشت 2024 - 1:23 مإيمان غيدان هل تبدو حياة الكاتب مختلفة، كيف يشرع في الكتابة، وهل هناك محفزات، أم أنَّ المسألة كلها فجائيَّة؟ والسؤال الأكثر أهميَّة بالنسبة لي هل نمط حياته اليومي يشبه أيامنا؟ ربما يتبادر في أذهان الكثير من الناس هذه الأسئلة عندما يلتقون صدفة بكاتبٍ ما، أو ينجزون قراءة عمله الذي أبهرهم.
ولكنْ برغم كل التوقعات وما يحيطها من تساؤلاتٍ فإنَّني كما غيري الكثير نعتقد في أنَّ لحياة الكاتب خصوصيَّة أو ربما اختلافاً يميزه عن الذين لا علاقة لهم بالكتابة والإنتاج.يأخذنا كتاب “يوم من حياة كاتب” للمترجم علي زين إلى بعض الإضاءات التي ربما تدفعنا لفهم روتين الكتابة الذي أثر في حياة 59 كاتباً، من منطلق أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الكتابة الإبداعيَّة والطقوس المصاحبة لها. فمن خلال محطات الكتاب يدحض المترجم ولو بشكلٍ غير مباشرٍ فكرة أنه بالإمكان أنْ تكونَ حياة الكاتب مختلفة عن حياة غيره ممن يكونون بعيدين عن الكتابة، إذ يرى أنَّ الكاتب ليس مضطراً لانتظار تحقيق ظروفٍ مثاليَّة لكي يكتب، بل يكفيه أنْ يصطنعَ لنفسه هذه الظروف على النحو الذي يعينه في مشروعه الكتابي. يصرح الكاتب والروائي الفائز بجائزة البوكر لعام 2010 هوارد جيكويسون في أنَّه مثل الرسام، يضع مسحة من اللون، ثم يخرج مسرعاً. ثم يتحدث الكاتب عن لوم الذات والهلع، وانغماسه المفاجئ في الكتابة. فدائماً ما تستبد الرغبة بجيكويسون لأنْ ينتزعَ بعض الروايات من الرفّ بطريقة عشوائيَّة، ثم يفتح إحدى صفحاتها، ليجد نفسه بين قناعتين، إما أنَّه لن يكتب أبداً بمثل هذه البراعة، أو أنَّه بالكاد قد يستطيع كتابة نصوصٍ أسوأ على أقصى تقدير. وفي الحالتين ستدفعه هذه الطريقة الى أنْ يتوقف، سنة كاملة، عن الإنتاج والإبداع. لكنَّ الشعور بالفشل، كما يقول جيكويسون يخلقُ نوعاً من الحماسة، حماسة ما أنْ تتغلغل في داخلك، ستولد بدورها سماتٍ ناريَّة. عندها، فحسب سأنتهي الى وضع الكلمات بالقوة على الورق. وما أنْ أفرغَ من رواية حتى أبدأ في أخرى. وهو ما سيشعرني أخيراً بأنَّني أصبحت منتجاً، فأستيقظ مثل راهبٍ في الساعة السادسة صباحاً، متجنباً الحديث مع أيٍ كان، ثم أصنعُ الشاي، وأتوجهُ الى طاولة الكتابة فوراً، ولا أنهض منها حتى تتورم عيناي أو أسمع صوت سدادة، وهي تنتزع من زجاجة خمر. لكنه لا يسمي نمط حياته هذا بأيام الكتابة، ويشير ضمنياً الى وجود أيامٍ لا تصلح للكتابة، لكنَّ هذه الأيام لا توجد. ويرى أنه قد ضيع الوقت الكثير في حياته بعيداً عن الكتابة ويجب الآن تعويضه. أما هيلاري مانتل الروائيَّة والكاتبة البريطانيَّة التي ولدت عام 1952 وبدأت الكتابة عام 1985، وحصلت على جائزة بوكر الأدبيَّة عام 2009 عن روايتها «قصر الذئاب»، وعام 2012 عن رواية «أخرجوا الجثث»، وكلتا الروايتين تتناولان حياة توماس كرومويل أحد مستشاري الملك الإنكليزي هنري الثامن. فترى أنَّ بعض الكتّاب يدّعون أنهم يقومون بتأليف الكتب مثلما يخرج معجون الأسنان من الانبوب، أو أنهم يقومون بكتابة القصص مثل بناء الجدار الذي يرتفع عالياً كل يوم، فهم يجلسون على مكاتبهم وينجزون عدد الكلمات المقرر إنجازه، لينتهوا بالمرح والفراغ والفخر بالذات مساءً. وتعتقد أنَّ هذا الأمر غريبٌ جداً بالنسبة لها، بل ويبدو ذلك وكأنه مهنة مختلفة تماماً، إنَّ كتابة المحاضرات أو المراجعات أو أي نوعٍ آخر غير الرواية يبدو لها وظيفة مثل أي وظيفة: تخصيص الوقت ثم تجميع الموارد، وفي النهاية البدء في العمل، ولكن كتابة القصص تجعلني خاضعة للعمليَّة الإبداعيَّة التي ليس لها بوصلة أو بداية ونهاية واضحتان أو حتى طريقة لقياس الإنجاز، فأنا لا أكتب بتسلسلٍ، فقد أكتب عشرات النسخ المختلفة لوصف مشهدٍ واحدٍ، ولربما أقضي قرابة الأسبوع، أيضاً، في نسج صورة من خلال القصة من دون تحقيق تقدمٍ في الرواية مطلقاً. فتأليف الكتب يسير وفق خطة دقيقة ومتعمقة، وفي النهاية سأرى ما هي الخطة. مانتل تعترف بأنها “في بعض الأيام لا يكون لديَّ فكرة عمَّا كتبته حتى أعيد قراءته، فالحياة صادمة بطبيعتها”، ثم تؤكد أنها قد اعتادت أنْ تبدأ في وقتٍ متأخرٍ، وتستيقظ في الظلام مثل راهبٍ في العصور الوسطى، وتدون بعض الجمل من دون التفكير على دفتر الملاحظات، ومن ثم تعود مرة أخرى الى السرير حوالي السادسة، على أمل أنْ تنامَ ساعتين إضافيتين. ثم تستيقظ ببطءٍ وفي صمتٍ، فالضجيج العشوائي والأصوات في الغرف الأخرى تؤدي إلى بداية همجيَّة وفوضويَّة للكتابة، ولكنها إذا ما وجدت الهدوء وأمسكت القلم في يدها ستشعر حينها من خلال أطراف أصابعها كيف سيكون هذا اليوم. إنَّ الأيام التي تتدفق فيها الكلمات بسهولة ينتج عنها كتابة آلاف الكلمات في العديد من مشروعات الكتابة، بل يصل الأمر إلى البدء في مشروعات جديدة أيضاً. فتدفق الكلمات يشبه الحفل الصاخب المجنون الذي يستمر من دون توقف، ولذلك يجب أنْ يقوم شخصٌ ما بتنظيف الفوضى بعد ذلك، والأيام التي ابدأ فيها في الكتابة ثم أتوقف ليست أقصر من غيرها دائماً، ولكنها أيامٌ محرجة ومليئة بالقلق.وقد اتضح لها بعد ذلك. أنها أيامٌ منتجة ومفيدة، فهي لا تحكم على ما كتبت إلا في وقتٍ لاحقٍ. عندما تهرب مانتل من الأفكار تشعر بالتوتر لذا فهي تعالجه في أنْ تذهبَ للوقوف في الحمام تحت الماء الساخن حتى تكسر الجمود.أعتقد أن الكّتاب عموماً يحاولون فهم الكون وما يحدث بعد ذلك.. هنا كل هذه الأشياء من حولنا، كل هذه الكتب والإصدارات والدراسات، ولكنْ كيف نبدو من خلالها في الواقع؟ هو هذا الحال ببساطة. فمعظم الكتاب من الذين نعرفهم، ما يريدونه كمنتجين هو الاستمرار في صنع الإبداع. هذا ما يريدون. لذا نجدهم يسرعون دوماً لاكتناز الوقت، حتى يتمكنوا من إنجاز مهام الكتابة، لأنَّ الرغبة العارمة لديهم هي الاستمرار. أما الروتين فهو بالنسبة لي، كلمة عظيمة المعنى لأنها تعني لي أنني على قيد الحياة، وقيد الكتابة والإبداع.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. رشفة حنين!
#رشفة_حنين!
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 28 / 8 / 2018
..من يرتّب #خزانة_الروح المكتظة ، من يطوي #أكمام_الشوق، من “يرفو” #ثوب_الليل المثقوب بالملل، من يكسر حدّ الصيف..من يعطّر #المساء بضحكة ، ويفتتح الصباح الطري برشفة حنين..من بثبّت #أزرار_النجوم بخيط الحكايا التي لا تنتهي…من يغطّي غفوة العمر القصير غيركم..
**
صامَت الحقائبُ عن الضحك وأعلنت الوجوم بداعي السفر، وتعرّقت التذاكر في الجيبة الفوقية، وتنهّد رقم الرحلة أسفاراً طويلة لا تقبل القسمة الا على الوجع.. أيها #المغتربون بالجرح، المقتربون بالفرح ..لقد كتبت عنكم مئة مرّة ، ألف مرّة وسأكتب عنكم ما دام للخبز رائحة ،وللياسمين غرة ترقص كلما عدتم إلى الديار وتدمع زهراً كلّما أغلقتم بوابة الدار..
سأكتب عن النهار الذي يبدأ بكم ،وعن السهرة التي تنتهي بكم ، عن التفاصيل الملوّنة التي نتناولها بإسهاب، عن المشاريع التي لم تنفّذ وأجلت لإشعار آخر،عن حال البلد، وطرائف الصغار، عن شكل الدار،عن الليمونة التي لا تكبر، عن إبريق الشاي الذي لا ينتهي،عن نتائج الكولسترول، وحفلات التخريج ،وعن الغياب بالتدريج ..صدّقوني أنتم الصيف والغيمة الغربية التي تتهادى تجاهنا كوسادة كبيرة قبل النوم ، أنتم ما تبقى من #عشب_الروح_الأخضر الذي يجعلنا نحبّ الحياة أكثر..
قلت لكم انتم الصيف..فعندما تقصدون طريق المطار ،تطوى سجّادة التعليلة باكراً، وتنتهي السهرة قبل موعدها حسب توقيت الغياب ،وتتساقط الأضواء الصفراء الواحدة تلو الآخرى كما أوراق الخريف معلنة نهاية صيف حميم ..وتبقى الحيطان عارية من الضحكات والسهرات وصوت اندلاق الشاي في الأكواب..
عندما تقصدون طريق المطار ،يصبح البيت موحشاً فجأة، والهدوء مزعجاً..والساعة تعلك الوقت ببطء مستفزّ، وما نسيتموه أو تركتموه على الطاولة مربكاً إلى حد الشوق..هل علينا أن ننتظر سنة أخرى بشهورها و فصولها ،وعناقيد ليلها ،وضجيج مكائن نهارها،حتى نراكم؟؟..
ياااه كم سنة تحتاج السنة لتأتي؟!..ياااه لو أن هناك “كول سنتر للحياة” لأعرف كم بقي لي من رصيد العمر لإجراء الفرح ..يااه لو أن هناك خيار لإعادة التعبئة..
وأنتم في طريق المطار، والليل يمر سريعاً من شباك المركبة والوطن يركض بلا ملامح خلفكم، والصغار ينامون على الرُّكًب من طول المسافة ونفاد الإجازة.. تذكّروا أن وجه “فنجان القهوة” لم يضحك هذا المساء..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com