مذبحة بلا دماء.. ما مصير العدالة لضحايا الهجوم الكيماوي في ريف دمشق؟
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
أحيا السوريون الذكرى الـ11 لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين في ريف دمشق في 21 آب /أغسطس من عام 2013، ما أسفر عن مأساة راح ضحيتها آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين بأعراض تنفسية واختناق جراء تعرضهم لغاز السارين، وسط مطالبات متواصلة بضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين بأكبر هجوم كيماوي في العصر الحديث.
ونظم سوريون وقفات للمطالبة بمحاسبة النظام السوري على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، في حين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد مروعة توثق حالة الهلع بين المصابين والسكان وتراكم جثامين مئات القتلى جراء الهجوم الكيماوي، جلهم من الأطفال والنساء.
وطالب السوريون بتحقيق العدالة للضحايا والناجين من المجزرة التي تعد أكبر المجازر التي تعرض لها الشعب السوري على أيدي النظام بعد اندلاع الثورة عام 2011، ودشنوا وسم "لا تخنقوا الحقيقة" عبر منصات التواصل الاجتماعي.
"مذبحة بلا دماء"
شن النظام السوري هجومه في فجر 21 آب /أغسطس 2013، قرابة الأربع هجمات بالأسلحة الكيميائية على مناطق مأهولة بالسكان في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية (بلدة معضمية الشام) في محافظة ريف دمشق.
واستخدم النظام ما لا يقل عن 10 صواريخ محملة بغازات سامة، تُقدر سعة الصاروخ الواحد بـ 20 ليترا، أي أن المجموع الكلي 200 ليتر، حسب توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأشارت الشبكة، إلى أن تنفيذ الهجوم بعد منتصف الليل يلفت إلى وجود "نية مبيتة ومقصودة لإبادة أكبر عدد ممكن من الأهالي حين تباغتهم الغازات وهم نيام؛ الأمر الذي يخفض من فرص النجاة؛ كما أن مؤشرات درجات الحرارة تلك الليلة كانت تشير إلى انخفاضها بين الساعة الثانية والخامسة فجرا؛ ما يؤدي إلى سكون الهواء، وبالتالي عدم تطاير الغازات السامة الثقيلة، وبقائها قريبة من الأرض".
وأوضحت الشبكة، أن ذلك يؤكد وجود نية وتخطيط دقيق لدى النظام السوري يهدف إلى إبادة أكبر قدر ممكن من الشعب السوري الذي طالب بتغيير حكم العائلة وخرج عن سيطرته ورغبات الأجهزة الأمنية.
وأسفرت المجزرة عن مقتل أكثر من 1119 مدنيا بينهم 99 طفلا 194 سيدة، فضلا عن إصابة 5935 شخصا بأعراض تنفسية وحالات اختناق، وفقا لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ولم تكن مجزرة ريف دمشق أول مرة يستخدم بها السلاح الكيماوي ضد المدنيين، إلا أنها كانت أكبر استخدام للسلاح الكيميائي في العصر الحديث وخاصة بعد دخول اتفاقية حظر الأسلحة عام 1997 حيز التنفيذ، حسب حديث الناشط الحقوقي والموثق للهجمات الكيميائية في سوريا.
وأوضح حجازي، وهو ناج من مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية، في حديثه لـ"عربي21"، أن "النظام السوري استخدم الغازات السامة على منطقة الغوطة الشرقية تحديدا أكثر من 17 مرة قبل يوم 21 آب /أغسطس 2013".
وتوضح الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن حصيلة مجزرة غوطتي دمشق، تشكل نحو 76 بالمئة من إجمالي الضحايا الذين قتلوا بسبب الهجمات الكيميائية التي شنّها النظام السوري منذ كانون الأول/ يناير عام 2012 حتى آخر هجوم موثق لديها في ريف اللاذقية في أيار /مايو عام 2019.
وفقا لحجازي، الحاصل على جائزة مبادرة "ماريان" الفرنسية للمدافعين عن حقوق الإنسان للعام 2023 والذي ينشط في توثيق هجمات السلاح الكيماوي، فإن نظام بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية أكثر من 220 مرة في الأراضي السورية.
لا إرادة دولية لمحاسبة الأسد
عقب الهجمات الكيماوي على غوطتي دمشق، وقع النظام السوري على اتفاقية حظر استخدام السلاح الكيماوي في صفقة، يقول حجازي إنها "جرت بين أمريكا وروسيا عوضا عن وجود ردع دولي للنظام السوري".
وبعد التوافق الروسي الأمريكي، عملت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على تسلم مخزونات النظام من الأسلحة الكيماوية، غير أن نظام الأسد واصل هجماته الكيماوية ضد المدنيين على الرغم من إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية انتهاء عمليات التخلص من السلاح الكيماوي للنظام في 19 آب /أغسطس من عام 2014، وفقا لوكالة الأناضول.
وعام 2013، أصدر مجلس الأمن قرار حمل رقم 2118 لمنع نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيمياوية أو تطويرها أو إنتاجها أو اقتنائها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها.
ونص القرار على إمكانية تدخل مجلس الأمن تحت الفصل السابع لردع النظام السوري في حال استخدامه أو إعادة إنتاجه للسلاح الكيمياوي.
وبحسب حجازي، فإن لجان التحقيق التي انبثقت عن مجلس الأمن بعد المجزرة أصدرت أكثر من 4 تقارير تنص على مسؤولية النظام السوري عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية بأكثر من منطقة في سوريا.
كما حملت آلية التحقيق المشتركة التي شكلتها، النظام السوري المسؤولية حول مقتل 100 شخص على الأقل بالأسلحة الكيماوية في خان شيخون بريف إدلب شمالي سوريا في 4 نيسان /أبريل من عام 2017.
وبعد مرور عقد وعام على مجزرة غوطتي دمشق عام 2013، لا تزال أفق محاسبة النظام على الهجمات الكيماوية التي شنها ضد المدنيين غائبة، الأمر الذي يثير استياء السوريين وسط مخاوف من إعادة تصدير نظام الأسد عبر تطبيع العلاقات الذي شهد تقدما خلال السنوات الأخيرة.
عضو الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يمن حلاق، قالت في حديث مع "عربي21"، إنه "من المخيب للآمال أنه بعد كل الانتهاكات والمجازر التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، لم يكتف العالم بتمكنيه من الإفلات من العقاب بل وسعى لمكافأته أيضا من خلال جهود التطبيع التي آتت أكلها في السنوات الأخيرة ولم تعد تقتصر على الدول العربية، بل توسع نطاقها لتشمل بعض الدول الأوروبية كذلك".
وأضافت "لكن على الرغم من هذا نحن مستمرون في الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتوثيق جميع انتهاكات النظام من جهة، والتذكير المستمر بها من جهة ثانية، ونؤمن أن ما نقوم به يعتبر خطوة أولى باتجاه المحاسبة ويضمن عدم ضياع حقوق الضحايا مستقبلا في حال حصلت تحركات جدية باتجاه المحاسبة".
وحول تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة النظام السوري، أشارت حلاق إلى أن "الجهود المبذولة في سياق مسارات المساءلة والمحاسبة التي تضمن تحقيق العدالة للضحايا، لا تزال متواضعة للغاية مقارنة بحجم الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري".
و"يعود ذلك للعديد من الأسباب أبرزها الدعم الروسي منقطع النظير الذي تقدمه روسيا للأسد من خلال استخدامها لحق الفيتو في مجلس الأمن ومنعها لتمرير أي قوانين قد تدين النظام وعرقلتها لتحويل الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية"، وفقا للباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وتعد روسيا حليف الأسد الرئيس الذي ضمن عدم انهيار نظامه جراء سنوات من المعارك مع فصائل المعارضة السورية، فضلا عن تدخلاتها المتكررة في مجلس الأمن الدولي عبر استخدام حق النقض "الفيتو" لصالح النظام.
وفي السياق، يشير الناشط الحقوقي والناج من مجزرة الغوطتين ثائر حجازي إلى أن "التدخل الروسي 11 مرة واستخدامه للفيتو الروسي 5 مرات في مجلس الأمن في ما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي من أجل مساعدة النظام على طمس الحقيقة، ساهم في إغلاق مسارات المحاسبة في القضية السورية".
ويوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "موقفنا كناجين من المجزرة وشهود عليها هو الشعور بالإحباط من المجتمع الدولي".
ويتابع: "نحن نطالب أن يتم الاعتراف بتعرضنا لهجوم بالسلاح الكيمياوي وبمعرفة حقيقة ما جرى، ومن أمر بتنفيذ هذه الضربات ومن قام بالتنفيذ لمحاسبتهم".
مسار متواصل في باريس
ذكر الناشط الحقوقي حجازي، أن "هناك بعض الشكاوى المرفوعة بأوروبا عبر القضاء في ألمانيا والسويد وفرنسا محاسبة الأسد جراء هجمات الغوطتين، لكن الدعوة المرفوعة في محكمة باريس تحركت في مسار صحيح حتى الآن".
وأوضح أن "ذلك بسبب وجود سيدة سورية تحمل الجنسية الفرنسية والسورية في منطقة الغوطة أثناء الهجمات وتعرضت للإصابة، وعند وصولها إلى باريس تمكنت من رفع دعوى ضد النظام السوري ما دفع قاضي التحقيق في محكمة باريس لبدء التحقيقات".
ولفت حجازي، وهو شاهد وطرف مدني في الدعوى المشار إليها، أن "قضاة التحقيق في محكمة باريس بدأوا بالتحقيق بالقضية منذ عام 2020، واستمعوا لعدد كبير من الشهود واستمعوا أيضا لناجين، بما في ذلك شهادتي"، مشيرا إلى أنه "قدم كل المستندات التي بحوزته في ما يخص توثيق مجزرة الكيماوي وأسماء الضحايا، للقضاء الفرنسي".
وفي حزيران /يونيو 2024، صادقت محكمة فرنسية على مذكرة اعتقال بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية على خلفية الهجمات الكيميائية على غوطتي دمشق الشرقية والغربية عام 2013.
ووُصف القرار الذي أعلنت عنه المحكمة الفرنسية في بيان، بـ"التاريخي"، فهذا أول مذكر توقيف تصدرها محكمة أجنبية بحق رئيس دولة في منصة، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
واستهدفت المذكرة كلا من رئيس النظام بشار الأسد وشقيقه ماهر، ومدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية العميد غسان عباس، بالإضافة إلى مستشار رئيس النظام للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي اللواء بسام الحسن.
وفي أعقاب صدورها، قدم مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا في فرنسا طلبا يتعلق بإلغاء في هذه المذكرة باسم "الحصانة الشخصية" التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية، دون التشكيك في تورط الأسد في الهجمات الكيميائية.
لكن في وقت لاحق، أيدت محكمة الاستئناف العليا في فرنسا مذكرة التوقيف التي صدرت من قضاة التحقيق بحق رئيس النظام السوري.
وبحسب ثائر، فإن القضية انتقلت حاليا لمستوى ثالث وهو محكمة النقض، وهذه الأخيرة ستنظر بقانونية هذا القرار وبناء عليه سيصدر قرار بتأكيد المذكرة أو إلغائها.
ويستدرك الطرف المدني في الدعوى، أنه بغض النظر عن قرار محكمة النقض المتوقع صدوره "سيبقى ماهر الأسد والضابطين الآخرين مدانين في القضية وستبقى مذكرات التوقيف بحقهم سارية".
و"في حال تم تأييد القرار سنتجه إلى محكمة غيابية هؤلاء الأشخاص بسبب عدم وجودهم على الأراضي الفرنسية، وسيتم تعميم أسمائهم على الإنتربول الدولي كمدانين باستخدام السلاح الكيماوي بحق السوريين"، يوضح ثائر.
على الرغم من ذلك، يشدد الناجي من مجزرة الغوطتين، على ضرورة "ضبط توقعات الناجين والناجيات بشأن مسار الدعوة الموجودة بفرنسا".
ففي النهاية، وفقا لثائر، "مرتكبو المجزرة موجودين في سوريا ولن نراهم في قفص العدالة قريبا، لذلك يجب ألا نضخم ما يحدث ضمن هذه الدعوة لأن ما يحدث هي أمور معنوية إلى حد ما، تساعدنا على الحصول على اعتراف بحقنا وامتلاك قرار محكمة فرنسية يدين النظام وبشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية".
كما يوضح أن "هذا النوع الدعاوى من الممكن أن يؤثر في ناحية سياسية، حيث قد تؤثر القضية المرفوعة في باريس على مسار التطبيع الماضي على قدم وساق مع النظام السوري".
"مجتمع من الضحايا"
وفي ما يتعلق بمصير ضحايا المجزرة الكيماوية، يوضح ثائر في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك متابعة جدا خجولة لهم"، مشيرا إلى أنه "في الحالة السورية هناك عدد كبير من أنماط الانتهاكات التي وقعت حيث هناك حالات اعتقال في حالات إخفاء واستخدام كيماوي استخدام أسلحة محظورة وبراميل متفجرة وتهجير وحصار. ما جعل المجتمع السوري مجتمع من الضحايا".
ويلفت إلى "حجم متطلبات هؤلاء الضحايا على الصعيد النفسي والصحي في ظل ظروف صعبة في عموم سوريا خاصة في مناطق سيطرة النظام وشرق وغرب سوريا".
يؤكد "عدم وجود أي محاولة جادة حقيقة وخاصة من موضوع الكيماوي، لمساعدة الناجين من المجزرة الكيماوية ليتمكنوا من تجاوز تبعات هذه المجزرة".
إفلات نظام الأسد من المحاسبة
ارتكب النظام السوري مجازر مروعة بحق المدنيين خلال السنوات التي تلت الثورة السورية التي اندلعت في آذار /مارس عام 2011، وحافظت على سلميّتها لأشهر طويلة، قبل أن يحولها العنف المفرط من نظام الأسد إلى انتفاضة مسلحة ما لبثت أن تحولت إلى حرب دموية مع تدخل العديد من الجهات الخارجية، فيما في ذلك حليفا الأسد: روسيا وإيران.
وعلى الرغم من فداحة المأساة التي أسفرت عنها الأزمة السورية حيث قُتل مئات الآلاف واضطر الملايين إلى مغادرة منازلهم بين نازح داخل البلاد ولاجئ خارجه، فضلا عن الدمار الكبير في المباني والبنى التحتية، إلا أن نظام الأسد استطاع كسر جزء كبير من عزلته الدولية خلال السنوات الأخيرة مع توجه العديد من الدول إلى تطبيع علاقاتها معه.
الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يمن حلاق، أوضحت أن هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في إفلات نظام الأسد من المحاسبة، بما في ذلك "الدعم الدولي الهائل الذي يتلقاه، لا سيما من حليفته روسيا التي تمتلك حق استخدام الفيتو في مجلس الأمن".
وأضافت في حديثها لـ"عربي21"، أن "ما يزيد من تعقيد الأمر أيضا، الدعم العسكري الذي يتلقاه الأسد من الميلشيات المختلفة بما في ذلك الإيرانية، والدعم السياسي الذي حظي به مؤخرا نتيجة تهافت الدول العربية للتطبيع معه، أيضا رغبة تركيا وبعض الدول الأوروبية بإعادة العلاقات مع النظام".
"هذا عدا عن العقبات القانونية المتمثلة بجهود المحاسبة الخجولة للغاية والتي لا ترتقي إلى مستوى الانتهاكات التي ارتكبها النظام، وكذلك عدم وجود قوى تنفيذية قادرة على إنفاذ الأحكام القضائية إن صدرت بحق النظام"، وفقا لحلاق.
وشددت الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، على أن "قدرة الأسد على الإفلات من العقاب خلال الـ13 عاما الماضية جعلته يواجه كل التوثيقات بلامبالاة تامة، يعني هو لا يأبه لا للتوثيقات ولا حتى للقرارات الدولية التي اتخذت ضده منذ انطلاق الثورة السورية وحتى اليوم".
وأوضحت في ختام حديثها لـ"عربي21"، أن "النظام يتعامل مع التوثيقات الحقوقية والقرارات باستهتار شديد، لأسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر التقدم العسكري الذي أحرزه منذ 2018 بدعم روسي وإيراني، ما شجعه على التعامل مع نفسه كمنتصر".
"وعلى الجانب الآخر، لدينا فشل سياسي للمعارضة السورية، بالإضافة إلى وجود مناخ عام من التراخي والتخاذل الدولي تجاه جرائم النظام وهو ما شجعه على التمادي في جرائمه وشجع كذلك دولا عديدة لمكافأته عن طريق التطبيع وإعادة العلاقات معه"، حسب تعبير حلاق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية دمشق سوريا غوطة دمشق بشار الأسد فرنسا سوريا فرنسا بشار الأسد دمشق غوطة دمشق المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسلحة الکیماویة النظام السوری فی مجلس الأمن على الرغم من رئیس النظام ضد المدنیین نظام الأسد ریف دمشق الأسد من أکثر من فی ذلک إلى أن عام 2013
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي وسوريا.. ما الخطوة التالية؟
عززت التصريحات الأخيرة لزعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز التي دعا فيها حكومة بلاده لتعزيز العلاقات مع النظام السوري من جدية المعلومات التي تتناقلها مصادر غربية عن تحركات دبلوماسية أوروبية لإحياء العلاقات مع سوريا، بعد أن قطع الاتحاد الأوروبي تعاونه الثنائي في مايو/أيار 2011.
ومع أن النظام السوري لم يمتثل للشروط التي حددها مجلس الاتحاد الأوروبي في وقت سابق لعودة العلاقات، فإن فيلدرز حث الحكومة الهولندية على تعزيز حراكها الدبلوماسي مع دمشق، بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة في بلادهم يجري تقييمها من جديد، طالما أن الرجل -يقصد الأسد- لن يختفي.
ولكن من جهة أخرى، تشكل عودة الارتباط -التي جرى الإعداد لها كما يبدو خلف الكواليس منذ سنوات- حراكا مزعجا، وفق الكاتب البريطاني تشارلز ليستر، كشف عن تذبذب الموقف الغربي وشقوق في الاتحاد الأوروبي من الدولة السورية والرئيس بشار الأسد.
فيلدرز: دعا الحكومة الهولندية لتعزيز العلاقات مع النظام السوري (غيتي) من الشراكة إلى المواجهةتميزت علاقة الاتحاد الأوروبي بسوريا بداية من فترة حكم الأسد الأب بمحطات كان من أبرزها:
في عام 1977، وقع الاتحاد الأوروبي وسوريا اتفاقية تعاون شكلت أساس الشراكة بين الطرفين. في عام 1995، انضمت سوريا إلى عملية برشلونة وسياسة الجوار الأوروبي وكان الاتحاد يهدف من ورائها نقل دمشق إلى موقع متقدم على مستوى السياسة والاقتصاد. بين عامي 2004 و2008، وقع الطرفان مزيدا من الاتفاقيات الثنائية، وانضمت سوريا من خلالها إلى "الاتحاد من أجل المتوسط". وفي عام 2009 وقع الطرفان مشروع اتفاقية الشراكة بشكل رسمي لتبدأ مرحلة جديدة منذ ذلك التاريخ.ظل استقرار سوريا يحمل أهمية إستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي سنوات طويلة، وأرجع الباحث في مركز "كارينغي أوروبا" مارك بيريني هذا الاهتمام إلى عام 1995، وهو العام الذي أدرجت فيه دمشق بالشراكة "الأورومتوسطية" المعروفة باسم عملية برشلونة، نسبة إلى مكان إطلاقها.
واستندت الشراكة على سياسة غربية تخص الحافة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ترى فيها أن الاستقرار والازدهار في جنوب أوروبا هما ركنان أساسيان لرفاه الاتحاد، ولتحقيقهما لا بد لدول الجنوب -أغلب الدول العربية- من تعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتسهيل التجارة، والبدء بتبني سياسات اقتصادية واجتماعية ليبرالية، وتشجيع المجتمع المدني والتبادل الثقافي بشكل مشترك.
لكن، عندما تولى بشار الأسد رئاسة سوريا في يونيو/حزيران 2000 بشر العديد من المعلقين المتفائلين ببداية "ربيع في دمشق"، واستمرت الآمال في التغيير قائمة حتى حلول مارس/آذار 2011 الذي اندلعت فيه احتجاجات مدنية في جنوب سوريا ضمن حراك الربيع العربي.
ومنذ ذلك التاريخ، انطوت -بحسب بيريني- وعود الإصلاح ودخلت كلها طي النسيان، حين جاء رد فعل الأسد على المتظاهرين عنيفا جدا، وكان واضحا أن النظام -بحكم طبيعته- لن يفكر بأي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي ذي شأن، على حد قوله.
وإثر ذلك جمد الاتحاد الأوربي اتفاقية الشراكة التي كان يطمح من خلالها إلى تحسين الحياة السياسية والاقتصادية في سوريا وعلق تعاونه الثنائي مع الحكومة السورية.
كما فرض الاتحاد عقوبات محددة تطال كيانات لها صلة مباشرة بأعمال القمع أو بتمويلها، علاوة على قطاعات في الاقتصاد تقع في صلب الشبكات الممولة للأسد، من قبيل التسليح والسلع والتكنولوجيات المستخدمة في أعمال القمع، واستيراد النفط الخام.
وفي فبراير/ شباط 2020 اعتمد عقوبات جديدة ثم مددها مجددا في مايو/أيار من العام الحالي. وربط -في بيان له- سبب تمديدها، بمواصلة نظام دمشق سياسته القمعية تجاه شعبه، وانتهاكه حقوق الإنسان والأعراف الدولية.
الاتحاد أمام تدفق اللاجئينخلال تلك الأعوام، استقبل الاتحاد الأوروبي -على غرار دول الجوار السوري- موجات لجوء تدفقت مع تعثر ربيع سوريا على وقع الرصاص الحي والقصف الجوي والبري الذي استخدمه النظام لسنوات من أجل الحفاظ على سلطته.
وتقدر منظمات أممية وإغاثية عدد السوريين الفارين إلى خارج البلاد بنحو 6 ملايين لاجئ سوري، استضافت أوروبا أكثر من مليون منهم، وبلغت حصة ألمانيا 35%، في حين استقبلت النمسا أكبر نسبة مقارنة بعدد سكانها. ولا تزال قوارب اللجوء تبحر إلى شواطئ أوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط حتى الآن.
وتسبب تدفق اللاجئين خلال العقد الأخير-برأي الخبير في قضايا الهجرة واللجوء غالب مارديني- بمشكلات طارئة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي، كما تحول بالنسبة إلى اليمين المتطرف الصاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي والانتخابات التشريعية المحلية لمصدر قلق بسبب احتمال استمرار الصراع وحالة الاضطراب التي تشهدها سوريا لموعد غير معروف، لا سيما أنه ينظر لقضية اللجوء والهجرة بشكل عام نظرة استهجان وعداء.
ولفت مارديني -في حديثه للجزيرة نت- إلى وجود عوامل أفسحت المجال أمام اليمين -الذي سجلت أحزابه حضورا مؤثرا في البرلمان الأوروبي- ليتحدث عن أوضاع متغيرة في سوريا وما حولها، ويشدد على ضرورة إجراء مراجعة لإستراتيجية الاتحاد تجاه الوضع في سوريا، وتبني سياسة مرنة نحوها، ومن بين هذه العوامل:
تعثر الحل السوري وفشل نهج خطوة مقابل خطوة الذي تم تبنيه عربيا وأمميا. عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وعودة العلاقات العربية السورية. نجاح تجربة الاتحاد في خفض أعداد المهاجرين لدول الجنوب مقابل دعم مالي واقتصادي تتلقاه دول المنشأ والعبور أو الوسيطة لوقف اللجوء غير الشرعي، مثل نموذج لبنان وتونس وليبيا ومصر.وتتزعم إيطاليا -الدولة الأوروبية السابعة التي أصبحت لها علاقات دبلوماسية مع النظام السوري إلى جانب رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص والتشيك والمجر- هذا الاتجاه، مما يعكس -بحسب مارديني- وجود تحول واضح وصريح ينشط وفق تقييم "ما دام النظام باقيا، فمن الأفضل المضي قدما في العلاقة معه، بطريقة منسقة، بدلا من تركه لسيطرة روسيا وإيران".
تذبذب الموقف الغربيينظر محللون إلى المشهد السوري بعد مرور 13 عاما على بداية الصراع على أنه أشبه برقعة شطرنج مفككة تتحرك أحجارها وفق مسارات متغيرة تهيمن عليها سياسات عربية وإقليمية ودولية.
ففي الوقت الذي تعد فيه سوريا دولة هشة غير آمنة يُمارس العنف الرسمي فيها بأشكال تتنافى مع حقوق الإنسان -وفقا لتقارير البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة- شهد عام 2023 استئناف العلاقات العربية-السورية، وعودة دمشق لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، على أمل أن يعزز الوضع الجديد مناخ الاستقرار في المنطقة.
وبالتزامن، انتقل الحديث عن وجود ارتباط أوروبي سوري جديد، تسعى فيه دول أوروبية عديدة، إلى خطوات عملية جرى الإعداد لها خلف الكواليس لتكشف عن تذبذب الموقف الغربي تجاه الدولة السورية والرئيس شخصيا، وفق ليستر الذي نقل عن مصادر متعددة رفيعة المستوى عزم حكومات اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا منذ عامين استخدام ثقلها داخل الاتحاد للضغط عليه ومطالبته بتغيير سياسته تجاه دمشق.
ورغم تشدد الاتحاد الأوروبي إزاء عودة العلاقات الشاملة، ما لم يمتثل النظام لشروط مجلس الاتحاد وفي مقدمتها التوصل لحل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بهذا الخصوص، فإن ليستر أشار في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي إلى وجود شقوق بدأت في الظهور بين الدول الأعضاء، أدت إلى خلافات خطيرة وجوهرية، وفقا لـ4 من كبار المسؤولين الغربيين الذين التقاهم.
فبخلاف الدول التي عززت حراكها الدبلوماسي مع دمشق بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها إلى مناطق آمنة في بلادهم، أعلن 18 وزير خارجية تحمل دولهم مسؤولية مكافحة إفلات مرتكبي جرائم الحرب في سوريا من العقاب والمطالبة بمحاكمتهم بصرف النظر عن هوياتهم.
واعتبروا في بيان مشترك، مكافحة الإفلات من العقاب شرطا من شروط إحلال السلام الدائم في سوريا، إذ "لن يتمكن الشعب السوري من التفاؤل بمستقبل أفضل ما لم تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان على نحو تام ومؤكد، ولن تتمكن سورية من التصالح مع ماضيها ما لم يحاسب المجرمون على الجرائم التي ارتكبتها أيديهم".
سوريا: الاتحاد الأوروبي يكرر الأكاذيبمن جهة أخرى، وصف النظام السوري الموقف الغربي والعقوبات التي تم تمديدها بالإجراءات القسرية أحادية الجانب غير المشروعة، وقالت وزارة الخارجية في بيان لها "مرة جديدة يصر الاتحاد الأوروبي على تكرار الأكاذيب حول الأوضاع في سوريا، في انفصال تام عن الواقع، وتجاهل تام للتطورات الإيجابية التي شهدتها البلاد ولا تزال، وفي مقدمتها الإنجازات الكبيرة في مكافحة الإرهاب، وتوطيد الاستقرار، وتوسيع المصالحات الوطنية، وتسوية أوضاع الكثير من المواطنين من خلال مراسيم العفو".
وحمل البيان، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مسؤولية معاناة السوريين جراء إجراءاتهما القسرية أحادية الجانب.
ومن جانبها، نفت المبعوثة الفرنسية إلى سوريا بريجيت كورمي ما ذهبت إليه الخارجية السورية، من أن يكون السكان المدنيون هم أول ضحايا العقوبات الدولية، وقالت في مقابلة مع الكاتب الفرنسي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط ألان غريش إن هذا ليس صحيحا، بل هو "خطاب النظام وداعميه المسؤولين عن الحالة الكارثية التي أوصلوا إليها سوريا وسكانها".
وأكدت المبعوثة أن العقوبات الأوروبية والأميركية لا تستهدف بأي حالة من الأحوال السلع والخدمات الضرورية لتلبية الحاجات اليومية للسكان ودعمهم، مشيرة إلى أن "قرار رفعها يكون بين يديه وأيدي إيران وروسيا اللتين أعربتا لنظام دمشق عن دعمهما الكامل عندما كان أكثر عرضة للخطر".
وأشارت كورمي إلى أن إيران حاضرة في سوريا منذ أكثر من 30 عاما، وقد اختارت معسكرها منذ بداية النزاع، دافعة النظام السوري إلى عدم التنازل، وإلى اختيار القوة العسكرية ضد الشعب الذي طالب بحقوق أساسية.
وأضافت أن "روسيا جعلت من سوريا حقل تجارب لها، يمكننا رصد تبعاته اليوم في أوكرانيا، وذلك من خلال مواكبتها القمع الذي يمارسه النظام، ومن خلال قصف الشعب السوري بلا هوادة ولا تمييز، وكذلك عبر إنقاذ الأسد من أجل الحصول على رافعة جغرافية وإستراتيجية في المتوسط".
كورمي: قرار رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا يكون بين يدي النظام السوري وإيران وروسيا (الأناضول) ما الخطوة التالية؟لطالما أكد الممثل الاعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي في جهود التعافي المبكر -ترسيخ الاستقرار- إلا في حالة سريان انتقال سياسي شامل وحقيقي وموسع، تتفاوض عليه الأطراف السورية في الصراع، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف لعام 2012.
كما أكد عدم دعمه عودة اللاجئين -المقيمين في أوروبا- إلى سوريا، ما لم تكن هناك ضمانات ملموسة، بأنها تتم بشكل طوعي وآمن وكريم، تحت رقابة دولية.
غير أن مصادر إعلامية غربية، تشير إلى أن ما يطالب به بوريل، لا يجد اليوم صداه المرجو في دول ترى أن الظروف المتغيرة تتطلب زيادة في الاتصالات مع سوريا، وإجراء مفاوضات فنية على الأرض مع شخصيات غير مدرجة على قوائم العقوبات لتهيئة الظروف التي تسمح بعودة السوريين إلى بلادهم.
ويظهر التقدم الأكثر وضوحا عبر الجهود التي تبذلها في هذا الاتجاه إيطاليا والنمسا، إذ تنقل المصادر ذاتها إصرار رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني على إقناع قادة دول الاتحاد بتطبيع علاقتهم مع النظام السوري من أجل وقف الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
واللافت، وفق صحيفة لوموند الفرنسية، أن يشيد رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر بسياسة ميلوني المتشددة في حين يعتزم وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو تشكيل جبهة موحدة مع إيطاليا وألمانيا لتبني قوانين أوروبية أكثر صرامة، مع أن فرنسا انتقدت سياسات ميلوني، وشهدت العلاقات بين البلدين أزمة دبلوماسية إثر منع روما سفينة أوشن فايكنغ التي أنقذت لاجئين من الغرق من دخول الموانئ الإيطالية في عام 2022 واضطرت فرنسا لاستقبالها.
وبهذا الصدد، يؤكد عضو حزب النهضة الفرنسي المحامي زيد العظم أن الموقف الرسمي لفرنسا بشأن التطبيع مع النظام السوري لا يزال ثابتا، إذ ترفض فرنسا أي خطوة على هذا الصعيد قبل أن تلتزم السلطات السورية بشكل كامل بقرار مجلس الأمن رقم 2254.
وأكد في حديثه للجزيرة نت، أن جدية الموقف الفرنسي ظهرت بوضوح عندما حاول النظام السوري استغلال كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق في شمال سوريا وجنوب تركيا في فبراير/ شباط 2023 لإعادة تأهيل نفسه عبر دبلوماسية الزلازل، ووقفت فرنسا موقفا صارما تجاهه.
وأقر العظم بوجود إجماع أوروبي على أهمية التنسيق التقني مع جميع الدول المصدرة للاجئين، بما فيها سوريا، خاصة بعد أن تدهور الوضع الأمني في لبنان جراء الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه، ونزوح آلاف الأشخاص، لكنه يرى أن التعاون مع النظام السوري سيكون تقنيا بحتا ولن يرتقي إلى مستوى التطبيع السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه إذا ما أخذنا تطورات المشهد الأوروبي الأخيرة بعين الاعتبار هو: ما خطوة الاتحاد المتوقعة تجاه سوريا ونظام الأسد في المرحلة القادمة؟
تشير مواقف الدول الأوروبية إلى وجود تباين واضح على هذا الصعيد، فبين تصريحات جوزيب بوريل، وخطط جورجيا ميلوني، ثمة مسافة تبدو بعيدة، لكن المبعوثة الفرنسية إلى سوريا بريجيت كورمي اختصرتها في مقابلة مع الجزيرة نت في فترة سابقة، بقولها "نواجه الآن خيارا مستحيلا، فإما المضي قدما نحو التطبيع دون القيام بأي تنازلات أولية أو القبول بالوضع الراهن، ولا يشكل أي من هذين الخيارين حلا مقبولا".