بقلم: محمد أعزوز

في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش المجيد، أطلق صاحب الجلالة الملك محمد السادس نداءً حازمًا للأمة، مسلطًا الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجهها المملكة في مجال المياه. إن ندرة المياه تتجاوز كونها تحديًا بيئيًا، لتصبح مسألة حيوية تمس جوهر حياتنا واستمراريتنا.

في عالم يشهد تغيرات مناخية متسارعة وزيادة في الطلب على الموارد الطبيعية، تتطلب منا جميعًا التحرك العاجل والمستدام. يعكس الخطاب الملكي السامي رؤية جلالته الحكيمة واهتمامه العميق بمستقبل البلاد ورفاهية شعبه، ويضع المغرب في طليعة الدول التي تسعى لتحقيق الأمن المائي والاستدامة البيئية. إن هذا النداء الملكي ليس مجرد دعوة للعمل، بل هو أيضًا تذكير بواجب التضامن الوطني والدولي في التصدي للتحديات البيئية التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.

أهمية المياه في حياتنا

الماء هو أساس الحياة، وبدونه لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر. عبر التاريخ، اعتمدت الحضارات الكبرى على المياه في قيامها وازدهارها، من حضارة وادي النيل في مصر القديمة إلى حضارة بلاد ما بين النهرين. في المغرب، تعتبر الموارد المائية محدودة، مما يجعل من الضروري ترشيد استهلاكها والحفاظ عليها للأجيال القادمة. إن التبذير والاستغلال العشوائي للمياه يهددان مستقبلنا ويضعاننا أمام تحديات كبيرة. إن الحفاظ على هذا المورد الحيوي يتطلب منا جميعًا تحمل المسؤولية والعمل بجدية لتحقيق الاستدامة.

يتجاوز الماء كونه مجرد مورد طبيعي، ليصبح شريان الحياة الذي يربط بين مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. من الزراعة إلى الصناعة، ومن الصحة إلى التعليم، يعتمد كل قطاع على توفر المياه بشكل مستدام. لذا، فإن الحفاظ على هذا المورد الثمين هو مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات.

النقاط الرئيسية من الخطاب الملكي

في خطابه السامي، أكد جلالة الملك محمد السادس على عدة نقاط رئيسية تتعلق بإدارة الموارد المائية في المغرب:

البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027: هذا البرنامج ساهم في التخفيف من حدة الوضع المائي ويجب التنزيل الأمثل لكل مكوناته.

بناء السدود: ضرورة استكمال برنامج بناء السدود، مع إعطاء الأسبقية للمشاريع المبرمجة في المناطق التي تعرف تساقطات مهمة.

نقل المياه بين الأحواض المائية: تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية، مما سيمكن من الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه التي كانت تضيع في البحر.

تحلية مياه البحر: تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، والتي تستهدف تعبئة أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنويًا، مما سيمكن المغرب من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب بحلول 2030.

الربط الكهربائي: إنجاز مشروع الربط الكهربائي لنقل الطاقة المتجددة من الأقاليم الجنوبية إلى الوسط والشمال لتزويد محطات التحلية بالطاقة النظيفة.

تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء: العمل على تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء، وإحداث شعب لتكوين المهندسين والتقنيين المتخصصين، وتشجيع إنشاء مقاولات مغربية مختصة في إنجاز وصيانة محطات التحلية.

شرطة الماء: تفعيل شرطة الماء للحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضخ العشوائي للمياه.

معالجة المياه وإعادة استعمالها: اعتماد برنامج طموح في مجال معالجة المياه وإعادة استعمالها لتغطية حاجيات السقي والصناعة.

التحديات الحالية

تواجه المملكة المغربية تحديات كبيرة في مجال المياه، منها التغيرات المناخية التي تؤدي إلى نقص الأمطار وزيادة الجفاف. بالإضافة إلى ذلك، هناك زيادة في الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني والتوسع العمراني. هذه العوامل مجتمعة تجعل من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة للحفاظ على الموارد المائية. إن التحديات التي نواجهها تتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة لضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.

إن التغيرات المناخية تتعدى كونها ظاهرة طبيعية، لتصير تحديًا يتطلب منا التكيف والتأقلم. من خلال تبني سياسات مائية مستدامة، يمكننا مواجهة هذه التحديات بفعالية وضمان توفر المياه للأجيال القادمة. إن التحديات التي نواجهها اليوم هي فرصة لإعادة التفكير في كيفية إدارة مواردنا الطبيعية بشكل أكثر كفاءة واستدامة.

الحلول المقترحة

دعا جلالة الملك محمد السادس إلى اتخاذ تدابير عاجلة ومستدامة لمواجهة أزمة المياه. من بين هذه التدابير:

ترشيد استهلاك المياه: يجب على الجميع، من أفراد ومؤسسات، العمل على تقليل استهلاك المياه وتجنب التبذير. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الري بالتنقيط في الزراعة لتقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50%. كما يمكن تشجيع استخدام الأجهزة المنزلية الموفرة للمياه.

مكافحة الاستغلال العشوائي: يجب وضع قوانين صارمة لمنع الاستغلال العشوائي للموارد المائية. يمكن أن تشمل هذه القوانين فرض غرامات على الاستخدام غير القانوني للمياه وتقديم حوافز للمزارعين الذين يتبنون ممارسات زراعية مستدامة. إن تطبيق هذه القوانين بصرامة سيساهم في حماية الموارد المائية وضمان استخدامها بشكل عادل ومستدام.

الاستثمار في التكنولوجيا: يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحسين إدارة الموارد المائية. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الري الذكي التي تعتمد على أجهزة استشعار لتحديد كمية المياه المطلوبة بدقة لكل نبات. كما يمكن الاستثمار في مشاريع تحلية المياه لتوفير مياه صالحة للشرب في المناطق الساحلية. إن الابتكار التكنولوجي يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الاستدامة المائية.

التوعية والتثقيف: يجب نشر الوعي بين المواطنين حول أهمية الحفاظ على المياه وطرق ترشيد استهلاكها. يمكن تنظيم حملات توعية في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية لتعليم الناس كيفية استخدام المياه بشكل أكثر فعالية. إن التوعية والتثقيف هما مفتاح النجاح في تحقيق التغيير المنشود.

نماذج وأمثلة ناجحة

هناك العديد من النماذج الناجحة التي يمكن أن يستفيد منها المغرب في إدارة موارده المائية. على سبيل المثال، نجحت دول مثل أستراليا وهولندا في تطوير تقنيات ري متقدمة وتحلية المياه، مما جعلها من الدول الرائدة في إدارة المياه. يمكن للمغرب الاستفادة من هذه التجارب وتطبيقها بما يتناسب مع ظروفه المحلية. كما يمكن النظر إلى تجارب دول أخرى مثل سنغافورة التي تعتمد على تقنيات متقدمة لإعادة تدوير المياه وتحقيق الاستدامة.

إن الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة يمكن أن يكون له تأثير كبير على تحسين إدارة الموارد المائية في المغرب. من خلال تبني أفضل الممارسات والتقنيات المتقدمة، يمكننا تحقيق تقدم ملموس في مجال الاستدامة المائية وضمان توفر المياه للأجيال القادمة.

إن قضية المياه تتطلب منا جميعًا التحرك العاجل والمستدام. يجب أن نعمل معًا للحفاظ على هذا المورد الحيوي وضمان استدامته للأجيال القادمة. إن خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش المجيد هو دعوة لنا جميعًا لتحمل المسؤولية والعمل من أجل مستقبل أفضل. إن جلالة الملك محمد السادس، بحكمته ورؤيته المتبصرة البعيدة الأمد، يؤدي دوره كقائد للبلاد في حماية الأمن المائي، إلى جانب الحفاظ على الوحدة والاستقرار والازدهار للمغرب والمغاربة، سيرا على نهج أسلافه المنعمين. إن تحقيق الاستدامة المائية يتطلب تعاونًا وجهودًا مشتركة من الجميع، بدءًا من الأفراد وصولًا إلى المؤسسات والحكومة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: جلالة الملک محمد السادس الموارد المائیة للأجیال القادمة تحقیق الاستدامة الحفاظ على فی المغرب فی مجال جمیع ا

إقرأ أيضاً:

وزارة الري تستعرض موقف "مشروع تحسين نوعية المياه بمصرف كيتشنر

وجه الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والري، بضرورة الإلتزام بالبرنامج الزمنى المقرر للأعمال الجارى تنفيذها في مصرف كيتشنر ، وسرعة طرح الأعمال والالتزام بمواعيد الطرح والإسناد المقررة لباقى الأعمال طبقاً للبرنامج الزمنى للمشروع .

وذلك خلال اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذى لمكونات "مشروع تحسين نوعية المياه بمصرف كيتشنر" فيما يخص وزارة الموارد المائية والرى.

 

وفي السطور التالية ما تم تنفيذه من أعمال في مصرف كيتشنر:

واستعرضت الري خلال الاجتماع ما تم تنفيذه من جانب وزارة الموارد المائية والرى ، حيث تم الإنتهاء من إعداد الدراسة البيئية للأعمال المطلوبة للمشروع ، وكذا إعداد نموذج التأثير البيئي والحصول على موافقة جهاز شئون البيئة عليه ، وإجراء المراجعة الخاصة بإجراءات الصحة والسلامة المتبعة ومطابقتها لمتطلبات "البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير" ، كما يجرى إتخاذ إجراءات توريد اجهزة قياس تصرفات ورصد نوعية المياه لإستخدامها لقياس وتقييم مدى التحسن في نوعية المياه بالمصرف .

كما يجرى العمل على تنفيذ أعمال إحلال وتجديد عدد (٧) كباري وعدد (١) هدار وعدد (١) نطاق اعشاب على المصرف ، كما تم تنفيذ الأعمال المساحية الطبوغرافية للمصرف ، ودراسة أعمال حماية الميول الجانبية والجسور ، كما تم تحديد أماكن قياس التصرفات ونوعية المياه بالمصرف  ، وطرح عدة عمليات لتنفيذ أعمال تجريف ونزع حشائش مصرف كيتشنر والمصارف الفرعية الواقعة عليه وتأهيل جسور المصرف وتنفيذ أعمال تكاسى بالدبش على المصرف .

كما تم الإنتهاء من إعداد كراسة الشروط والمواصفات والسير في إجراءات الطرح لإنشاء محطتى الحامول وسماتاى بمحافظتى الغربية وكفر الشيخ ضمن مكون إعادة تأهيل المصرف ، حيث تقوم محطة الحامول برفع المياه من المصرف لتغذية بحر تيرة .

وتقوم محطة سمتاى بتغذية مصرف كيتشنر من مصرف سمتاى ، ويتم إحلال كلا المحطتين نظرا لتقادمهما حيث تم إنشاء محطتى الحامول وسمتاى فى عامى ١٩٦٢ و ١٩٧٨ على التوالي ، كما تم أيضاً إعداد كراسة الشروط والمواصفات لتأهيل عدد 7 محطات طلمبات على مصرف كيتشنر وتطوير مركز طوارئ أبو سكين بمحافظة كفر الشيخ .

 

يذكر أن مكونات المشروع فيما يخص وزارة الموارد المائية والرى تشتمل على تنفيذ أعمال حماية وتدعيم لجسور مصرف كيتشنر وفروعه ، وإنشاء وتأهيل محطات الرفع على المصرف وفروعه ، وتأهيل الأعمال الصناعية على المصرف وفروعه (سحارات ، بدالات، كبارى ، .....) ، وتركيب نظام مراقبة لنوعية وتصرف المياه بالمصرف .

مقالات مشابهة

  • مراجعة التقدم المحرز لمشروع تعزيز استدامة خدمات المياه والصرف الصحي في صعيد مصر
  • مياه أسيوط تشارك في تنفيذ مشروع تعزيز استدامة خدمات المياه بصعيد مصر 
  • وزارة الري تستعرض موقف "مشروع تحسين نوعية المياه بمصرف كيتشنر
  • الأمطار الأخيرة تعزز الموارد المائية في عدة جهات مغربية
  • جهود الزراعة لتحسين أساليب الري لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المائية
  • الملك محمد السادس يوجه برقيات تهنئة لأبطال بارالمبياد باريس
  • الموارد: العراق أول بلد في الشرق الأوسط يراقب المياه الجوفية الكترونيا
  • الأمطار الأخيرة تنعش حقينة السدود بالمغرب وأزمة الماء لا تزال متواصلة
  • إعلان الفائزين بجائزة المياه العربية لعام 2024
  • إعلان الفائزين بجائزة المياه العربية لعام 2024 الأسبوع المقبل