الدبلوماسيون السودانيون: أين الولاء للوطن في زمن الحرب؟
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
زهير عثمان حمد
في ظل الصراع المسلح الذي يمر به السودان، برزت أدوار غير تقليدية لبعض السفراء السودانيين السابقين. فإلى جانب الدبلوماسيين الذين يعملون بجهد لوقف الحرب وإيصال صوت الشعب السوداني إلى المجتمع الدولي، هنالك فئة أخرى اختارت مسارات مختلفة، قد تثير تساؤلات حول نواياها ودوافعها في هذه الفترة الحرجة.
بعض السفراء السابقين باتوا يعملون كمستشارين لجهات سياسية إقليمية أو مراكز علمية دولية، حيث يستغلون خبراتهم الدبلوماسية ومعرفتهم العميقة بالشأن السوداني في تقديم المشورة والتحليلات لتلك الجهات. هذه العلاقات تضعهم في مواقع ذات تأثير، وربما تسهم في تشكيل السياسات الإقليمية والدولية تجاه السودان. ولكن، في ظل الوضع الراهن، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الأدوار تخدم مصالح الشعب السوداني أم أنها تخدم أجندات خارجية؟
كما أن بعض هؤلاء السفراء لم يكتفوا بالعمل الاستشاري، بل قاموا بتأسيس أو الانخراط في منظمات طوعية تعمل في مناطق الصراع. هذه المنظمات، رغم دورها الإنساني المهم، قد تصبح أحياناً وسيلة لتعزيز نفوذ هؤلاء السفراء وتأمين مواقع مستقبلية لهم في الساحة السياسية السودانية، خاصة إذا ما نجحوا في بناء قواعد شعبية أو شبكات علاقات قوية داخل وخارج السودان.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن بعض السفراء السابقين يُتهمون بمناصرة طرفي الصراع المسلح بشكل غير معلن، بهدف تحقيق مكاسب سياسية بعد انتهاء الحرب. يسعى هؤلاء للوصول إلى مواقع سياسية بارزة أو ليكونوا البديل المدني الذي قد يُعتمد عليه في مرحلة ما بعد الحرب، حين تحتاج البلاد إلى شخصيات تمتلك الخبرة والعلاقات الدولية لتقود المرحلة الانتقالية.
هذا التوجه يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية معقدة: هل يمكن لهؤلاء السفراء أن يكونوا جزءاً من الحل إذا كانوا يسعون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب معاناة الشعب؟ هل يمكن الوثوق بهم لقيادة البلاد في مرحلة ما بعد الصراع؟ أم أن دورهم الحالي يعزز من الانقسامات ويؤخر الوصول إلى السلام المنشود؟
بالمقابل، فإن هذا الوضع يعكس تعقيد المشهد السوداني الحالي، حيث تتداخل الأدوار وتتغير التحالفات بناءً على المصالح الشخصية والجماعية. ومع استمرار الحرب، يظل من الصعب التمييز بين من يعمل حقاً من أجل مصلحة السودان ومن يسعى فقط لتحقيق مكاسب ذاتية.
بينما تواصل البلاد معاناتها من أهوال الحرب والجوع والنزوح، يجب أن يُساءل كل من يملك تأثيراً أو سلطة حول دوافعه وأهدافه. فالمستقبل السياسي للسودان لا يجب أن يبنى على حساب تضحيات الشعب، بل يجب أن يسعى الجميع للعمل من أجل السلام والعدالة والتنمية المستدامة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مناصرة الجيش السوداني بين الكيد السياسي وفهم طبيعة الصراع
في خضم الصراعات السياسية والعسكرية التي يمر بها السودان، يبرز الجدل حول موقع الجيش ودوره في المشهد السياسي والأمني، خاصة في ظل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة، وهذه المرة بطابع إسلامي متشدد. ورغم إدراك الجميع لهذه الظاهرة، فإن بعض القوى السياسية والناشطين ما زالوا يمارسون مناصرة غير مشروطة للجيش، لا استنادًا إلى رؤية استراتيجية تحمي الدولة، بل بدوافع الكيد السياسي والمكايدات الظرفية. هذا الانحياز العاطفي، القائم على تصفية الحسابات مع الخصوم، يُعمي كثيرين عن حقيقة الصراع وطبيعته المعقدة.
الجيش السوداني: مؤسسة الدولة أم طرف في الصراع؟
لطالما كان الجيش السوداني مؤسسة قومية، لكن بفعل الأحداث المتلاحقة، أصبح جزءًا من معادلات السلطة، سواء خلال فترات الحكم العسكري أو في ظل الانتقالات الديمقراطية المتعثرة. المشكلة ليست في وجود الجيش كحامٍ للأمن القومي، بل في تداخله مع الفاعلين السياسيين، مما جعله طرفًا في الصراع بدلاً من أن يكون ضامنًا للاستقرار.
أخطر ما في الأمر أن هذا الجيش، الذي يتم الترويج له كحائط الصد الأخير أمام انهيار الدولة، لم يتمكن من منع انتشار المليشيات المسلحة، بل في بعض الأحيان، استُخدمت هذه الجماعات كأدوات ضمن استراتيجيات عسكرية وسياسية. الآن، مع عودة موجة التفريخ المليشياوي بطابع إسلامي، يُطرح سؤال جوهري: هل مناصرة الجيش تعني دعم استمرارية هذا النمط من التحالفات الخطرة، أم الدفع به ليكون مؤسسة قومية منضبطة خاضعة للقانون؟
تفريخ المليشيات: إعادة إنتاج الفوضى؟
لا يمكن فصل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة عن ضعف الدولة وانقسام مكوناتها. فالموجة الجديدة من المليشيات ذات الطابع الإسلامي المتشدد تعكس أزمة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، حيث تظهر تيارات تسعى لإعادة تجربة التسعينيات، حينما كان التحالف بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية هو السائد. لكن الفرق أن هذا النهج لم يعد مستساغًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، مما يجعل استمراره قنبلة موقوتة ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
من ناحية أخرى، فإن استمرار هذا التفريخ يعني أن أي تحول سياسي في المستقبل سيظل رهينة لمجموعات مسلحة لها ولاءات عقائدية أو جهوية. وبما أن هذه المليشيات لا تمتلك عقيدة وطنية جامعة، فإنها قد تتحول إلى أداة لفرض أجندات سياسية معينة، أو حتى إلى فصائل متمردة في حال تغيّرت موازين القوى.
المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية
يمارس جزء كبير من القوى السياسية والناشطين مناصرة الجيش ليس إيمانًا بإصلاحه أو بضرورة تقويته كمؤسسة وطنية، بل كرد فعل على سياسات الخصوم السياسيين. وهذا ما يجعل هذه المناصرة مجرد موقف تكتيكي، لا استراتيجية تهدف إلى بناء جيش محترف بعيد عن التجاذبات.
فالعديد من هؤلاء الذين يناصرون الجيش اليوم كانوا في وقت سابق يطالبون بتحجيم دوره وإبعاده عن السياسة، ولكن عندما تغيرت الظروف السياسية، انقلبت مواقفهم. هذا النفاق السياسي يعرقل أي مشروع جاد لإصلاح القطاع الأمني، ويبقي المؤسسة العسكرية في دائرة الاستغلال السياسي المتبادل.
كيف يمكن بناء جيش بعيد عن التفريخ المليشياوي؟
إذا كانت الغاية الحقيقية من دعم الجيش هي حماية الدولة، فيجب أن تكون هناك رؤية واضحة لإصلاحه، تتضمن:
تفكيك العلاقة بين الجيش والمليشيات: لا يمكن بناء مؤسسة عسكرية مستقرة في ظل استمرار اعتمادها على مليشيات عقائدية أو جهوية.
إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية: عبر تبني عقيدة قتالية موحدة تقوم على حماية الحدود والسيادة، وليس الدخول في الصراعات السياسية.
ضمان الرقابة المدنية: إخضاع الجيش لسلطة مدنية ديمقراطية يقلل من فرص استغلاله سياسيًا، ويمنع إعادة إنتاج تجارب الأنظمة العسكرية السابقة.
التعامل مع القوى السياسية بميزان واحد: بدلاً من أن يكون الجيش أداة لقمع فصيل سياسي وتمكين آخر، يجب أن يحافظ على مسافة واحدة من الجميع.
خاتمة
إن مناصرة الجيش السوداني يجب أن تكون قائمة على رؤية إصلاحية، لا على ردود الأفعال السياسية قصيرة المدى. فالجيش ليس مجرد طرف في معركة سياسية بين قوى مدنية متصارعة، بل هو مؤسسة تحتاج إلى إعادة بناء بعيدًا عن التفريخ المليشياوي، سواء كان بغطاء إسلامي أو غيره. الاستمرار في هذا النهج سيقود السودان إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات، ولن يحل المشكلة الأمنية، بل سيوسع رقعتها. السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: هل نحن نناصر الجيش كقوة وطنية، أم كأداة لتصفية الحسابات السياسية؟
رؤية مستقبلية
لتحقيق إصلاح حقيقي في المؤسسة العسكرية السودانية، يجب أن تكون هناك خطوات عملية وجادة، تشمل:
إصلاح الهيكل القيادي: تعيين قيادات عسكرية على أساس الكفاءة والخبرة، وليس الولاءات السياسية.
تدريب وتأهيل الجنود: تعزيز القدرات العسكرية عبر برامج تدريبية متطورة تركز على الأمن القومي وحماية الحدود.
تعزيز الشفافية: إخضاع المؤسسة العسكرية للمساءلة والرقابة العامة لضمان نزاهتها وفعاليتها.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: بناء شراكات مع دول الجوار والمنظمات الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
في النهاية، فإن إصلاح الجيش السوداني يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية واضحة، بعيدًا عن المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية. ويمكن للجيش أن يستعيد دوره الحقيقي كحامٍ للأمن القومي وضامنٍ للاستقرار، بدلاً من أن يكون طرفًا في الصراعات السياسية.
zuhair.osman@aol.com