الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
شهد الإنسان عبر التاريخ فترات من الانزلاقات الكبيرة، التي كانت نتيجتها تحولات كبرى، وكوارث عظيمة، وتغيرات جذرية. فبعد فترة الاستعمار والثورة الصناعية؛ اجتاحت العالم اضطراباتٌ كبيرة، وتحولات، وحروبٌ، ونتيجة لذلك، تغيّرت توازنات القوى في العالم، بما في ذلك الوضع الاقتصاديّ، وقيادات الدول، وعلم الاجتماع بالكامل.
ويبدو أننا نمرّ بفترة مشابهة في تاريخ البشرية. في هذه المرحلة، يعيش الإنسان "الثورة الرقمية"، ويبدو أنها أحدثت أكبر وأشمل تأثير شهده العالم عبر التاريخ. هذه الثورة أكبر من الثورة الصناعية، وأكثر انتشارًا، وأسرع تطورًا. لهذا السبب، نلاحظ انزلاقات واضطرابات وتغيرات كبيرة في جميع مجالات الحياة، وفي كافة المناطق الجغرافية على السواء.
الثورة الرقمية لم تتسبب في تطور التكنولوجيا فحسب، بل تؤثر بشكل كبير على السلوك البشري، وانتشار العلوم، وعلم النفس، والسياسة. نحن في منتصف هذه الثورة، وبالتالي لا يمكننا بعدُ فهم كل تأثيراتها والتغيرات التي أحدثتها. ومع ذلك، يجب أن ندرس الحروب والهجرات والانهيارات التي يشهدها العالم، والأزمات التي يعيشها الإنسان كاضطرابات ناتجة عن هذه الثورة.
إن الولايات المتحدة هي القوة الدافعة الكبرى لهذه الثورة الرقمية والمتقدمة بأشواط فيها، ولكن التغير الكبير والتحلل في بنيتها الاجتماعية قد يدفعها نحو الانهيار من الداخل. فالتيارات اليمينية المتطرفة، والقومية الشعبية، والسياسات المبنية على تصورات دينية، والسياسات الخارجية العدوانية، وانتشار الجهل، والانحلال الأخلاقي أصبحت مشاكل خطيرة لم يجد المثقفون الأميركيون حلولًا لها.
إنهم خائفون؛ لأن هذه البنية الاجتماعية يمكن أن تضع شخصًا غير متزن وغير ملتزم بالقوانين مثل ترامب في منصب رئيس الولايات المتحدة.
تغيير التوازناتالغرابة تكمن في أن الدول التي نهضت بفضل الثورة الصناعية والنموذج الحضاري الذي أنشأته، تلك الدول تتهاوى تدريجيًا، بينما لم تتبلور بعد مراكز القوة الجديدة والنموذج الحضاري الجديد الذي سيحلّ محلها.
الصين والهند، وفقًا لجميع الباحثين، هما القوتان العظميان القادمتان؛ فبهذا النمو السريع والتركيبة السكانية، ستغير هاتان الدولتان قريبًا التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم.
لكن ما هي القيم الإنسانية التي تقدّمها هاتان الدولتان للعالم المضطرب المتدهور؟ وما هي الحلول المقترحة لانعدام العدالة في توزيع الثروات، وللشعوب المستغلة، والجوع، والفقر، والانحلال الأخلاقي؟ هذا غير واضح بعد.
لم يتعلم العالم منهما سوى المزيد من السعي لتحقيق الثروة والمزيد من التجارة. لكن هذا يعني أيضًا مشاركة الموارد الطبيعية اللازمة للثراء، وبناء طرق تجارية جديدة، وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية.
اليوم، الحروب الأهلية في أفريقيا، والفوضى في الشرق الأوسط، والتوتر في آسيا؛ كلها نتيجة مباشرة لهذا. قد تنشأ دول وشعوب جديدة ثرية، ولكن السلام والسعادة لن يتواجدا فيها؛ لأن السلام والسعادة لا يأتيان من إنتاج السلع المادية، بل من إنتاج القيم الإنسانية.
أزمات جديدةوهنا يكمن التحدي الأكبر للبشرية. فالثورة الرقمية تذيب كل ما هو إنساني، وتجعله فاسدًا، ومجردًا من المشاعر، كما لو أنه شاشة رقمية. الثورة الصناعية جعلت قيم الإنسان ميكانيكية، بينما الثورة الرقمية تجعل قيمنا الإنسانية تشبه الشاشات الرقمية الباردة، عديمة اللون، والحياة، والمشاعر، وبدون خصوصيّة.
هذه هي الأزمة الجديدة للبشرية؛ فيما يبقى المرشّحون من القوى العظمى الصاعدة اليوم ليس لديهم بعد ما يقترحونه لهذه الأزمة.
لكنّ الوضع الأكثر خطورة هو: بينما لم يجد الإنسان حلًا للانزلاق الذي أحدثته الثورة الرقمية، فإنه يواجه الآن الفوضى الكبرى التي أحدثها الذكاء الاصطناعيّ، الذي قفز بالثورة الرقْمية إلى مستوى جديد، وهذه بداية أزمة جديدة للبشرية.
وسط كل هذا، يشاهد العالم مجازر مثل تلك التي تحدث في غزة، والتي تزلزل كيان الإنسانية جمعاء. ولمثل هذا السبب، فإن الانزلاق الكبير أصبح في تسارع مخيف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الثورة الصناعیة الثورة الرقمیة هذه الثورة
إقرأ أيضاً:
هل المغرب معني بالاتفاقيات التجارية الجديدة للولايات المتحدة مع جميع دول العالم ؟
زنقة 20 | الرباط
قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن الولايات المتحدة قد تبدأ محادثات ثنائية مع دول حول العالم لإبرام ترتيبات تجارية جديدة، وذلك عقب فرضها رسوما جمركية على شركائها التجاريين الرئيسيين.
وجاءت هذه التصريحات بعد تهديد الرئيس دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية بنسبة 200% على واردات النبيذ والمشروبات الكحولية الأخرى من أوروبا، مما فتح جبهة جديدة في النزاع التجاري العالمي، الذي أثّر سلبًا على الأسواق المالية وأثار مخاوف من حدوث ركود اقتصادي.
وأكد روبيو أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات ضد الدول التي فرضت عليها رسوما جمركية، مشيرا في حديثه لبرنامج “فايس ذا نايشن” على شبكة (سي.بي.إس) إلى أن هذه السياسة لا تستهدف دولًا بعينها مثل كندا أو المكسيك أو الاتحاد الأوروبي، بل تشمل الجميع.
وأضاف أن واشنطن، بناءً على مبدأ الإنصاف والمعاملة بالمثل، قد تدخل في مفاوضات ثنائية مع دول مختلفة بشأن ترتيبات تجارية جديدة تحقق مصلحة جميع الأطراف.
ورغم عدم تقديمه تفاصيل دقيقة حول طبيعة هذه الاتفاقيات المحتملة، شدد روبيو على أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة ضبط أسس التجارة الدولية لضمان تحقيق العدالة في المعاملات التجارية.
واختتم حديثه بالقول: “نحن لا نقبل بالوضع الحالي، ونسعى إلى تحديد وضع جديد، وبعد ذلك يمكننا التفاوض على اتفاقيات، إذا رغبت الدول الأخرى بذلك. لكن الاستمرار في الوضع الراهن ليس خيارًا مطروحا”.
واحتفل المغرب و الولايات المتحدة مؤخرا بالذكرى 20 لاتفاقية التجارة الحرة، وهي الاتفاقية الوحيدة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دولة إفريقية.
وزير الخارجية ناصر بوريطة كان قد صرح أمام البرلمانيين سنة 2017 أن اتفاقية التبادل الحر التي أبرمها المغرب مع الولايات المتحدة، لم تحقق الأهداف الأساسية التي أبرمت من أجلها، لسبب وحيد وهو أن المغرب لم يستطع جلب مستثمرين أمريكيين كثر.
و بحسب متتبعين، فإن المغرب يسعى من جانبه لإعادة هندسة اتفاقية التجارة الحرة لعام 2004 وضمّ بنود جديدة إليها، حتى تضمن الرباط ما يمكن تسميته بـ“التحفيظ السياسي” لإعلان الرئيس السابق ترامب باعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء.