الجزيرة:
2025-01-27@19:23:33 GMT

ما وراء الانتخابات الرئاسية في تونس

تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT

ما وراء الانتخابات الرئاسية في تونس

كيف بلغ الأمر بالمشهد السياسي التونسي، هذا السخفَ والضعف والوهن، بل الفراغ المخيف في حقل السلطة، كما في بيدر الأحزاب والتيارات المعارضة للحركة التصحيحية التي قادها الرئيس قيس سعيّد، بعد أن داس بجرّة أمر رئاسي على "دستور الثورة" – كما كان يوصف (دستور 2014) – وأغلق البرلمان المنتخب، وأحال رئيسه، راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، إلى السجن، ووضع "الكلابشات" في أيدي من يوصفون بـ "رموز الحركة الديمقراطية" في تونس، وبعض زعماء "مواطنون ضدّ الانقلاب"؟

كيف يمكن تفسير هذا "الموات السياسي" الرهيب الذي تعيشه البلاد منذ نحو 3 سنوات، بما أعاد للبعض صورة السنوات الأخيرة من حكم الحبيب بورقيبة، بعد أن عرف "المجاهد الأكبر" – كما كان يُلقّب – حالة من الخَرَف العقلي، سمحت للأصوات المتطرفة داخل الحكم آنذاك بأن تجهز على معارضي الحكم، الذي كانت تجري تهيئته لخليفته، رئيس الوزراء زين العابدين بن علي، بهمس داخلي وترتيب خارجي لا مشاحة فيه؟

الغريب في الأمر أنّ هذا "الموات السياسي" لم يجد له المراقبون أثرًا واضحًا حتى خلال حكم الرئيس الراحل، بن علي.

إذ على الرغم من كل تلك الصحراء القاحلة التي خيّمت على حكمه في مجال الحقوق السياسية والحريات، كان ثمّة نوع من "الحياة"، يسميه البعض "هامشًا" يتنفس الجسم السياسي بواسطته، خصوصًا "المعارضة الديمقراطية"، بقيادة ثلاثة أحزاب رئيسة، هي: "الحزب الديمقراطي التقدمي"، و"التكتل من أجل العمل والحريات"، و"المؤتمر من أجل الجمهورية"، وامتداداتها في الأوساط الحقوقية، وخاصة في رابطة حقوق الإنسان، ومجلس الحريات، وبعض المكونات داخل قطاعَي المحاماة والقضاء.

كيف بلغ المشهد السياسي التونسي هذا المنحنى الذي يفتح على هاوية سحيقة، ولا أحد يعلم عمقها؟

المنحنى والهاوية

إنّ ما يجري اليوم شيء مختلف تمامًا، وفق تقدير كثيرين، إذ إننا أمام سلطة "قوية"، يرمز إليها الرئيس قيس سعيّد، ومن معه من أجهزةٍ معلومةٍ، ومحيطين، بالكاد يعرف البعض هوية عدد محدود منهم، لا يتجاوز أصابع اليدين على أقصى تقدير، فيما تبدو ماكينة السلطة ضخمة ومترامية الأطراف، ولها أعين على مدّ البصر. لا بل هي "ناجزة" – نعم ناجزة – على مستوى الفعل والتنفيذ، حتى وإن كان الأمر يتعلق بسحق الخصوم السياسيين عن بكرة أبيهم.

سحق يعتبره الرئيس سعيّد "حربًا على المفسدين"، وتطهيرًا للبلاد من "الخونة" و"المتآمرين"، فيما يراه خصومه "انقلابًا على الانتقال الديمقراطي"، و"ردة" غير متوقعة على الثورة، من شخصية كانت من ديناميات النخب، وأحد الذين استفادوا من مخرجاتها السياسية (المنتظم الديمقراطي بكل تمظهراته الدستورية والقانونية والسياسية).

تلك الثورة، التي رفع شبابها الغاضب شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ففشلت النخب الصاعدة بعد الثورة في تكريسها والاستجابة لها، وجاء سعيّد، بدعم من هؤلاء "الفاشلين"، لكي يستأنف مسارها، كما يردد في كل آن وحين.

لا يكاد المرء يطرح الوضع التونسي الراهن، قبيل بضعة أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول القادم، حتى يجد نفسه في أتون هاتين المقاربتين المتناقضتين، مبنى ومعنى، بين السلطة والمعارضة. فلكل معجمه وأرضيته الفكرية وخلفيته السياسية، لكنّهما تلتقيان حول شعار واحد، هو: أنّ "الالتقاء ممنوع"، إن لم نقل مستحيلًا.

لكن كيف بلغنا هذا المنحنى الذي يفتح على هاوية سحيقة، كما يجمع عديد المراقبين، ولا أحد يعلم عمقها، ولا الذين سينزلون فيها بلا عودة؟

"الدولة العميقة" بثوب جديد

الحقيقة التي يتجنب، بل يتهرب كثير من المعارضين ونخب ما بعد الثورة من مناقشتها، فضلًا عن الإقرار بها، هي أنّ سلطة الرئيس قيس سعيّد نجحت في ثلاث مسائل على الأقل تعدّ على درجة كبيرة من الأهمية:

العلاقة مع الدولة العميقة: فقد كان ثمّة شرخ عميق بين النخب السياسية التي حكمت بعد ثورة 2011 والدولة العميقة بأجهزتها ومؤسساتها وتقاليدها وعلاقاتها الخارجية، و"عصبيتها" (وفقًا للمصطلح الخلدوني) الضخمة الممتدة من المثقفين إلى الجامعيين، مرورًا بقسم واسع من الإعلاميين، وكتلة لا بأس بها من السياسيين والحقوقيين.

لذلك أقدم قيس سعيّد منذ البداية على إعادة ترتيب هذه العلاقة بما يسمح له أن يكون ضمن أفق الدولة العميقة، التي تمتلك – بالتأكيد – تقييمها لما حصل في البلاد، ورؤية لما يمكن أن يكون عليه الوضع في المستقبل. وقد وجدت أنّ ثمّة انسجامًا مع "الرئاسة" في عديد التوجهات والمقاربات. فشبكت أيديها في يديه، وهو ما يمثّل مصدر تلك "الشدّة" التي يبدو عليها الرئيس قيس سعيّد في خطابه، وتلك الثقة الجارفة التي تستشفّ بيسر من تعبيراته وقراراته.

في تركيا، وعندما صعد الرئيس رجب طيب أردوغان إلى سدّة الحكم، كانت المهمة الأولى التي قام بها من أجل التمكن من الحكم، إعادة النظر في ملف الدولة العميقة وميكانيزماتها ومكوناتها وشخوصها، والقوى المهيمنة فيها، مما أتاح له التحكم في مقاليد الأمور، الشيء الذي لم تُقدِم عليه النخب التونسية الحاكمة خلال العشرية الماضية.

لقد هضمت الدولة العميقة الثورة التونسية استيعابًا وفهمًا، فلم تنخرط فيها كلية، ولم تقطع معها تمامًا، بل أبقت على مسافة هامة، استطاعت من خلالها أن تنظر للأمور بشكل مختلف عن النخب التي تاهت في الجدل السياسي، ومغانم الحكم، والتموقعات في مفاصل الدولة، دون القدرة على التأثير فيها، فظلّت بذلك على هامشها، وهي على رأسها.

وكلنا يذكر مقولة الأستاذ راشد الغنوشي منذ بداية العام 2012، عندما قال في تسريب بالصوت والصورة، أمام جمع من زواره: "نحن لا نحكم.. لأنّ الجيش غير مضمون.. والقضاء ليس معنا.. والإعلام ضدّنا". وهي عبارة قيلت في بداية حكم الطبقة السياسية الجديدة، وعملت دوائر الدولة العميقة على أن تجعل منها حقيقة وواقعًا غير قابلين للنقاش.

وما قيمة أن تكون على رأس السلطة وأنت في انفصال تام عن أجهزتها ومكوّناتها الأساسية؟
وهذا ما فهمه الرجل القادم من خارج السياق السياسي التقليدي، بسرعة، ونعني هنا قيس سعيّد، وعمل على أن يكون مصدر "قوته"، بصرف النظر عن تقييمنا السياسي والحقوقي لهذه القوة.

الحقيقة التي يتجنب كثير من المعارضين ونخب ما بعد الثورة مناقشتها هي أن سلطة الرئيس قيس سعيّد نجحت في ثلاث مسائل على الأقل تعدّ على درجة كبيرة من الأهمية

الوفاق "المغشوش"

عمليات الوفاق السياسي التي تمّت بين العائلات السياسية – وخاصة الإسلاميين منها – وقسم من العلمانيين (اليسار المعتدل)، والمنظومة القديمة (رجال ما قبل الثورة)، كانت توافقات هامشية، لم تستند إلى مشروع سياسي واضح، ولا إلى أجندة وطنية توافقية، ولم تؤطرها مؤسسات سياسية، كان يمكن أن تكون بمثابة الأطر التنظيمية والهيكلية، التي من شأنها ضبط العلاقات والأدوار والمهمات. بل إنّ خطاب الطرفين، لم يكن على درجة كبيرة من الانسجام، وعرفت العلاقة بينهما شدًّا وجذبًا، سواء على عهد ما عرف بــ "الترويكا"، إبان الثورة، أو لاحقًا، في التحالف بين (حركة النهضة) وحزب (نداء تونس) بعيد العام 2014، وصعود الراحل، الأستاذ الباجي قايد السبسي للرئاسة.

لذلك، لن يتردد عديد المراقبين في نعته بـ "الوفاق المغشوش"، الذي لم تجنِ منه تونس ولا ثورتها سوى المماحكات الحزبية والأيديولوجية، والفشل في تحقيق أيّ منجز، اقتصادي أو اجتماعي، رغم كل ما يمكن أن يقال عن "العصيّ" التي وضعت في عجلات القطار، الذي بدأ السير للتوّ.

وبالطبع، انقضّ الرئيس قيس سعيّد على هذا المعطى، واتخذ من الفشل في التوافق ذريعة إضافية للتأكيد على أن ما حصل فيما يعرف بــ "العشرية السوداء"، عبث سياسي مارسته الأحزاب، لتبرير إقدامه على عملية إضعاف ممنهجة للأحزاب، التي أبانت – والحق يقال – عن حالة ضعف تنظيمي وبنيوي في عقلها السياسي، بحيث لم تظهر بمثل تلك القوة والنضالية التي كانت عليها قبل حصول "الانقلاب".

لقد كانت عملية "إنهاء الأحزاب"، الخطوة الضرورية لتغيير أسس المشهد السياسي، الذي بات مرتهنًا اليوم لفعاليات اجتماعية من هوامش المدن والمحافظات، في مغزى يهدف إلى تأكيد "الديمقراطية القاعدية"، التي يبشّر بها رئيس الجمهورية، بل انطلق – عمليًا – في تكريسها عبر "المجالس المحلية" و"مجالس الجهات والأقاليم"، اللذين شكلهما مؤخرًا عبر "انتخابات قاعدية" معقدة، أفرزت "نخبًا" جديدة ووجوهًا مستحدثة، لم تعرفها العشرية السابقة، وهي اليوم تتصدر المشهد الخلفي للحكم والمؤسسات التنفيذية والتشريعية بالأساس، وتخلط زيتها في خبز الدولة العميقة بتجلياتها المختلفة.

وعندما يتأمل المرء المشهد الانتخابي الراهن، يلحظ أن أكثر من 95% من المرشحين للانتخابات الرئاسية، من خارج الأحزاب تمامًا، بل إن ما يعرف بـ "المرشحين الجدّيين"، الذين ربما كانوا منافسين معتبرين للرئيس الحالي، على غرار الوزير السابق، منذر الزنايدي، والناشط السياسي، عماد الدايمي، رئيس "مرصد رقابة" لمكافحة الفساد، وهشام المدّب، العميد السابق في الجيش ووزارة الداخلية، لا يمثلون أحزابًا، ولم يعلن أيّ طرف سياسي ترشيحهم أو مساندتهم من بين الأحزاب المعروفة. بل حتى الأستاذ غازي الشواشي، المعتقل السياسي حاليًا ضمن ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، ترشح من سجنه بشكل فردي، وأعلن حزبه (التيار الديمقراطي)، ترشيحه لشخصية أخرى من داخل الحزب.

فلا غرابة حينئذ أن يردد بعض الجامعيين اليوم مقولة "نهاية الأحزاب" في تونس، رغم أن ذلك يعدّ حكمًا متسرعًا، لأن هذه الأجسام الوسيطة لا تنشأ بقرار، ولا يتم إلغاؤها بقرار سياسي أو بحكم قضائي، فهي تعبيرة اجتماعية بالأساس وفقًا للمعايير السوسيولوجية المعروفة.

وعندما تشظّت الأحزاب، ووقعت تهرئتها، وأدخل بعضها بيت الطاعة، وظل البعض الآخر منقسمًا ومتصارعًا، فإن ذلك جزء من خطة استثمرت فيها السلطة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي اليوم تحصد مع هذه الانتخابات ما كانت ترغب فيه وتتمناه.

إن ما يجري اليوم شيء مختلف تمامًا؛ إذ إننا أمام سلطة ‘قوية’ يرمز إليها الرئيس قيس سعيّد "الانتقال الديمقراطي": الفريضة الغائبة

لقد كشفت الإجراءات والخطوات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد منذ لحظة "25 يوليو/تموز" الانقلابية، كما توصف لدى خصومه ولدى الدارسين للعلوم السياسية، أنّ "الانتقال الديمقراطي" في تونس، هشّ إلى درجة كبيرة.

فالأحزاب التي طالبت به، وتشكّلت على خلفيته، وتلك التي ظهرت على تخومه وحواشيه، لم تكن في حجم الاستحقاق الديمقراطي ومقتضياته.

والمؤسسات التي ولدت في مناخ "الانتقال"، لم تكن بالصلابة التي يستوجبها الظرف.

والإسناد الخارجي كان مرتبكًا ومترددًا، إذا استثنينا السنوات الأولى للثورة، قبل أن يدخل "الخارج" في شطرنج حسابات جديدة، وفقًا لتحولات الإقليم واتجاهات ريح المصالح على الصعيد الدولي، ومستلزمات المرحلة، بما أفقد "الانتقال الديمقراطي" مصادر تمويله وإسناده، كما كل التحولات السياسية التي تسندها دولٌ وشعوبٌ ومنظماتٌ دولية ومانحون أيضًا.

ومع العمل الضخم الذي لعبته أحزاب ومؤسسات إعلامية ومنظمات نقابية في إضعاف شوكة الحاكمين منذ العام 2012، بطرق مختلفة ومتنوعة، وبدعم مالي خارجي أغدق بلا هوادة لإفشال "الأنموذج التونسي"، حتى لا يتحول إلى مثال للاقتداء لدى شعوب عربية أخرى، كانت ترقب التجربة، وتعتبرها جديرة بأن تتبع، رغم بعض الخصوصيات المجتمعية المختلفة، فإنّ أي "انتقال"، ومهما كانت النوايا الحسنة للفاعلين فيه، سيكون مآله الفشل، أو على الأقل التعثر. فالنوايا الحسنة وحدها لا تكفي لبناء الديمقراطيات وتغيير أنماط الحكم.

لقد بات الانتقال الديمقراطي خارج السياق السياسي الراهن مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية لـ "الرئاسيات"، إذ لا ذكر لهذا الانتقال البتّة في خطاب المرشحين، إذا استثنينا المرشح، عماد الدايمي، الذي يعدّ أحد صنّاع هذا الانتقال، وأحد أبرز مؤسسيه ضمن تحالف "الترويكا" سنتي 2012 و2013، في كنف رئاسة الجمهورية، جنبًا إلى جنب مع الرئيس محمد المنصف المرزوقي، ليصبح هذا الاستحقاق مجرد ذكرى تاريخية – أو هكذا يبدو – تمامًا كما أرادت السلطة القائمة حاليًا، وكما خططت لذلك منذ بداية الانقلاب.

وتجمع بعض التحليلات السياسية حاليًا على أنّ استئناف "الانتقال الديمقراطي"، إذا ما كان المرء شديد التفاؤل، لن يحصل إلا بعد نهاية حكم الرئيس قيس سعيّد، الذي من المتوقع أن يستمر في عهدة جديدة، وفق عديد المؤشرات، سواء من جهة عدد المنافسين له – حيث بقي اثنان في السباق "الرسمي"، بعد استبعاد هيئة الانتخابات جميع "المرشحين الجدّيين" – أو من خلال عملية "التجريف" الحاصلة في المشهد السياسي والنقابي، بما جعل الأرضية متاحة لفوز سعيّد بالانتخابات، حتى وإن كان ذلك بأصوات أقل بكثير من تلك التي صعد بها في 2019.

إعادة تركيب المشهد السياسي

إنّ ما أقدمت عليه السلطة منذ 25 يوليو/تموز 2021، لم يكن – كما يتصور البعض – عملًا فرديًا، بقدر ما كان تعبيرًا عن وجهة الدولة العميقة – (والقوى الصلبة تحديدًا)  والدائرين من حولها، و"العصبيات" المحيطة بها، من بعض القوميين (الناصريين)، وما يسمون بـ "اليسار الراديكالي"، وشخصيات وداعمين من "الهامش" – التي تجد في المناخ الجديد، وفي تطلعات رئيس الدولة، حاضنة وإطارًا ملائمًا لترسيخ مقولاتها وأفكارها، حتى وإن نعتها البعض بكونها (أفرغ من فؤاد أم موسى).

هكذا، تمكّنت السلطة الجديدة، بزعامة الرئيس الحالي، وبسرعة قياسية، من إعادة تركيب المشهد على النحو الذي "جمّد" عمليًا "ثورة الياسمين"، بأحزابها القديمة والجديدة، ومؤسساتها الإعلامية التي ينخرها الفساد المالي والسياسي، حيث تجري اليوم محاسبة بعض المعبرين عنها وأبواقها، التي تصدرت مشهد السنوات العشر الماضية، والمنظمات والهياكل التي لعبت أدوارًا وقامت بمهمات أقلّ ما يقال عنها أنها "مشبوهة"، عجزت منظومة الانتقال الديمقراطي عن الحسم فيها، لارتعاش قراراتها، وغموض حساباتها، وخطأ تقديراتها.

لكنّ منظومة "البناء القاعدي" لم تتردد في شنّ الحرب عليها، حتى وإن كان ذلك على حساب الحريات والحقوق المدنية والسياسية، مستفيدة من الغضب الشعبي العارم على المرحلة السابقة، ومن انكفاء "الخارج" عمومًا، في ظروفه الداخلية، وفي الحرب على غزة، والحرب الروسية ـ الأوكرانية.

بالتأكيد، قد يُغضب مثل هذا التقييم النخب السياسية الديمقراطية من إسلامية وعلمانية وليبرالية، التي ما تزال تتهرب من الوقوف أمام المرآة، لاكتشاف ذاتها من جديد.. الذات التي أوصلت – بخياراتها وسياساتها – الرئيس قيس سعيّد إلى الحكم، وقد وجدت نفسها اليوم بين المنافي والسجون و"العطل السياسي"، لا تفعل سوى القيام بنوع من "العويل الديمقراطي" و"مناحات الحرية"، وهي تتأمل عهدة جديدة ممكنة للرئيس التونسي، بينما تنتظر "مفاجآت" اللحظات الأخيرة، في نوع من "الوهْم الزائف" الذي كثيرًا ما عصف بأحلام وآمال وتطلعات كثيرة خلال العشرية الماضية.

ذاك هو القاع الذي تقام عليه الانتخابات الرئاسية اليوم في تونس، لمن يريد أن يكون له موطئ قدم في مستقبل العملية السياسية.. أما خارج هذا السياق، فتجديف في الصحراء بلا عنوان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتقال الدیمقراطی الرئیس قیس سعی د الدولة العمیقة المشهد السیاسی درجة کبیرة أن یکون حتى وإن فی تونس تمام ا على أن ة التی ما کان

إقرأ أيضاً:

لماذا تعتبر الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا حربا بين موسكو والغرب؟

 

موسكو- تنتهي غدًا الأحد عملية التصويت المبكر لانتخابات الرئاسة في بيلاروسيا، حيث من المتوقع أن يفوز فيها الرئيس الحالي ألكسندر لوكاشينكو الذي ينافسه 4 مرشحين هم: زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي أوليغ غايدوكيفيتش، والشيوعي سيرغي سيرانكوف، ورئيس الحزب الجمهوري للعمل والعدالة ألكسندر خيزنياك، والناشطة غير الحزبية آنا كانوباتسكايا.

وبدأت الثلاثاء الماضي عملية التصويت بمشاركة أكثر من 450 مراقبا دوليًا من 49 دولة، وسط غياب المراقبين الغربيين، وعلى أراضي الجمهورية فقط .

و لم تفتح السلطات مراكز اقتراع في الخارج، مبررة ذلك بعدم وجود تدابير أمنية في مراكز الاقتراع التي تم إنشاؤها سابقًا على أراضي دول أخرى وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين البيلاروسيين في بعض البلدان.

وكانت بيلاروسيا جزءًا من الاتحاد السوفياتي حتى انهياره في عام 1991. وتقع الدولة السلافية التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة بين روسيا وأوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، وكل الدول الثلاث الأخيرة أعضاء في حلف شمال الأطلسي.

 

يتنافس 5 مرشحين في الانتخابات الرئاسية المبكرة في بيلاروسيا (رويترز) استباق النتائج

وصوت أعضاء البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي بأغلبية ساحقة على اعتماد قرار يدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية البيلاروسية ومواصلة توسيع العقوبات ضد هذا البلد.

إعلان

وهو الموقف ذاته الذي اتخذه البرلمان الأوروبي تجاه الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا في عام 2020 والتي ترافقت مع اضطراب واحتجاجات جماهيرية انتهت ببعض المرشحين للرئاسة خلف القضبان أو هاربين إلى الخارج.

أما في هذه المرة، فقد أبدى لوكاشينكو استعداده لاستخدام الجيش إن اندلعت اضطرابات وقال إنه سيقوم بقطع الإنترنت إن حصلت "أعمال الشغب".

أعضاء لجنة الانتخابات ينتظرون الناخبين في مركز اقتراع أثناء التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا (رويترز)  عاصفة جيوسياسية

وتأتي الانتخابات في وقت أصبحت فيه البلاد هدفًا لأشد العقوبات الغربية صرامة في تاريخها، وقد تم فرضها في عدة موجات في أعقاب نتائج انتخابات عام 2020، والهبوط القسري لطائرة "رايان إير" في مينسك لاعتقال ناشط معارض، وأزمة الهجرة الناجمة عن حدود الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الاتهامات بدعم روسيا في الحرب مع أوكرانيا.

ومع محاولات لوكاشينكو تأكيد شرعيته في الداخل والخارج، فإنه من غير المرجح أن تعود العلاقات بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي في الأفق المنظور إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 2020 ، حسب مراقبين.

وتقع بيلاروسيا في مفترق تقاطع جيوسياسي بين روسيا والغرب، وترتبط باتفاقية اتحاد وعلاقات تحالف مع موسكو، وتوفر رابطا غير مباشر مع الجيب الروسي المهم إستراتيجيا في كالينينغراد.

في الوقت ذاته، تجد نفسها محصورة بين روسيا وأوكرانيا، وفي خضم أزمة تشمل أيضا الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وقد فرضت عليها المنظومة الغربية عقوبات، تقول مينسك إنها بسبب محاولتها تحقيق التوازن في العلاقات مع كل من موسكو والغرب.

آخر قلاع الحلفاء

برأي الكاتب في الشؤون الأوروبية، أندريه مامكين، فإن "كل المؤشرات" تدل على أنه سيتم إعادة انتخاب لوكاشينكو رئيسا للبلاد.

و يقول، في حديث للجزيرة نت، إن السلطات الحالية استفادت من تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2022 والتي كادت تشعل ثورة في البلاد. واستعدت لمواجهة أية تأثيرات خارجية، لكن بما يؤمّن أعلى مستويات التنظيم والشفافية لمنع التشكيك بنتائجها، رغم أن المنظومة الأوروبية كانت على عجلة من أمرها وأعلنت عدم شرعيتها قبل أن تبدأ رسميًا، حسب وصفه.

إعلان

ويوضح، المتحدث ذاته، بأن روسيا ترى في الانتخابات البيلاروسية حدثا له أهمية قصوى، لأن خسارة موسكو لأكثر حلفائها موثوقيةً من الممكن أن تشكل كارثة جيوسياسية، لا سيما في ظروف الحرب مع أوكرانيا والنزاع مع الغرب، وتآكل الحديقة الخلفية لروسيا في جنوب القوقاز.

بموازاة ذلك، يعتبر أن انتصار لوكاشينكو سيشكل نكسة جديدة من العيار الثقيل لبروكسل في محاولاتها لفصل بيلاروسيا إستراتيجيًا عن روسيا، فضلًا عن إقناع مينسك بتقليص علاقاتها مع الصين.

لكنه في الوقت ذاته، يقول إن الغرب سيلجأ، على الأرجح، إلى تغيير سياساته مع لوكاشينكو في محاولة جديدة لاحتواء النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، ولكن من خلال سياسة "القوة الناعمة" في التعامل مع مينسك.

تقع الدولة السلافية التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة بين روسيا وأوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا (الجزيرة) نقطة تحول

في المقابل، يرى المختص في شؤون بلدان رابطة الدول المستقلة، يفغيني إيسايف، أن المنظومة الغربية قد سلمت، منذ الانتخابات الرئاسية السابقة، بأن بيلاروسيا ستظل حليفة لروسيا وداخل نطاق نفوذها، وأن محاولات "قطع الاتصال" بين مينسك وموسكو خلال فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أثبتت فشلها.

وحسب رأيه، فإن فوز دونالد ترامب الأخير في الانتخابات الرئاسية الأميركية قد يؤدي إلى تحولات معينة في العلاقات بين الولايات المتحدة وبيلاروسيا، وإنه من غير المرجح حدوث تحول دراماتيكي، على الأقل حتى تستقر العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.

ويشير يفغيني إيسايف، إلى أن لوكاشينكو أيد ترامب في محاولته الوصول إلى البيت الأبيض ضد كامالا هاريس، على أمل تحسن العلاقات الثنائية بعد تغيير القيادة الأميركية، وتعهد بترشيحه لجائزة نوبل للسلام إذا نجح في إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

إعلان

ويضيف المختص نفسه، أن تجربة الرئيس البيلاروسي مع إدارة ترامب السابقة كانت إيجابية نسبيًا، وكانت قد شملت زيارات إلى مينسك من قبل مستشار الأمن القومي جون بولتون في أغسطس/آب 2019 ووزير الخارجية مايك بومبيو في فبراير/شباط  2020، لكن الحال انقلب مع تولي بايدن سدة الرئاسة في البيت الأبيض.

ويختم المتحدث بأن مستقبل العلاقات بين بيلاروسيا والمنظومة الغربية ما بعد الانتخابات سيتوقف على الخطوات الملموسة التي وعد بأن يتخذها الرئيس الأميركي الجديد لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك إعادة النظر في ملف الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا والعقوبات ضد روسيا.

مقالات مشابهة

  • لوكاشينكو يفوز في الانتخابات الرئاسية في بيلاروس
  • باباجان يعلن ترشحه في الانتخابات الرئاسية التركية
  • لوكاشينكو يفوز في الانتخابات الرئاسية البيلاروسية
  • لوكاشينكو يحصد 86.82% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية
  • انطلاق الانتخابات الرئاسية في بيلاروس
  • بيلاروسيا تفتح مراكز الاقتراع لاستقبال الناخبين في الانتخابات الرئاسية
  • بدء التصويت فى الانتخابات الرئاسية ببيلاروسيا
  • إطلاق سراح 380 شخصًا أعتقلوا في مظاهرات بعد الانتخابات الرئاسية بفنزويلا
  • لماذا تعتبر الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا حربا بين موسكو والغرب؟
  • أبو خزام: الانتخابات الرئاسية بعيدة المنال