يمانيون – متابعات
مَن يحاولُ أن يغطِّيَ قُرْصَ الشمسِ بغرباله سيكونُ حالُه حالَ أمريكا، بعد مسلسلٍ طويلٍ من الإخفاق في مواجهة اليمن على أكثر من صعيد، من أبرزه الصعيد العسكري.

تشيرُ معطياتُ اليوم إلى التقاطع مع رغبات أمريكا وأهواء السياسة الأمريكية العجوز، في قرن لم يعد يسير في ركاب الهيمنة الأمريكية أَو يسايرُ النفوذَ الغربي المهترئ، بدءًا من القارة السمراء، ومُرورًا بالمنطقة والإقليم.

اليومَ تُطِلُّ الولاياتُ المتحدة الأمريكية بقصةِ عقوبات جديدة هَشَّةٍ، تحاول أن تصنعَ من خلالها موضوعاً لاستعادة القليل من هيبة واشنطن بعد أن أُريقَ ماءُ وجهِها على صفحاتِ مياه اليمن الإقليمية وما بعدَها.

قبلَ أَيَّـام قلائلَ، أطلقت الخزانة الأمريكية عقوباتٍ ترتبطُ باليمن ولبنان، وعلى علاقةٍ رئيسةٍ بحرب غزة والأراضي الفلسطينية المحتلّة.

وزارةُ الخزانة الأمريكية أعلنت أواخرَ الأسبوع الماضي عن عقوباتٍ على شركات وسفن نقل مشتقات نفطية تتعامل مع اليمن ولبنان، ذات ارتباط بالإمارات وماليزيا وهونج كونج.

تنظر الولايات المتحدة إلى هذه العقوبات التي يمكن تجاوُزُها على أنها محاولةٌ لإبقاء هالة الحضور الأمريكي في الساحة الدولية، حَيثُ الإعلامُ الدولي يتناولُ اليومَ حقيقةَ اقترابِ أفول شمس الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة ومهيمنة على العالم ما قبل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مستندًا في جزء من قراءته على واقعِ المواجهات الأمريكية الغربية مع اليمن في البحار والمحيطات ونجاح اليمن منقطع النظير في استمرار حصار موانئ الكيان الإسرائيلي، ومعه لجم جماح الغرور الأمريكي، وكسر هيمنة بحريتها التي تقتربُ من الثمانين عاماً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وبالنظر إلى سلسلة العقوبات الأمريكية المتوالية، يظهرُ حجمُ الإخفاق في اعتماد واشنطن على هذه السياسة العقيمة؛ فمنذ 17 يوليو الماضي وحتى اليوم، تتحدث واشنطن عن ثاني عقوبة على عناصرَ وسفنٍ ترتبط بتوفير بعض احتياجات اليمن من السلع والمشتقات النفطية، غير أن الواقعَ يشيرُ إلى محاولةٍ لخلق موضوع مستجَدٍّ يصرِفُ النظرَ ويؤثِّرُ في تناول العالم لحالة الإخفاق الأمريكي أمام اليمن مؤخّراً.

والواقعُ أن الولايات المتحدة اليوم لا تجد ما تعبِّرُ به عن خيبة الأمل في ما وصلت إليه سوى أن تُطلِقَ لإعلامها الواسع النفوذِ اليدَ للحديث عن زخم حضور وتأثير كاذِبٍ يطالُ معارضي النفوذ الأمريكي حول العالم بما فيه اليمن.. إنها تستعيضُ عن عُنصر القوة الذي تفتقدُه اليوم بقوة الإعلام وإضفاء ما أمكن من تأثيرٍ خادعٍ على حقيقة المشهد.

وفي محاولةٍ يائسةٍ للتأثير على القرار اليمنى حولَ حربِ غزةَ والسعي الخجول لإضعاف إسناد اليمن وإسناد حزب الله للمقاومة الفلسطينية في غزة والأراضي المحتلّة، سَمَّت الخزانةُ الأمريكية في 15 تموز/ يوليو ‏”شبكاتٍ تجاريةً” تتعامل مع حكومة صنعاء وحزب الله في لبنان وضمت ناقلاتِ “البترول والنفط”، كناقلة غاز البترول LPG OM-بالاو، وناقلة المنتجات DIVINE POWER ملك شركة DP Shipping Limited-جزر مارشال. وسمَّت شركاتٍ مثل شركة “كاي هينغ لونغ غلوبال إنيرجي المحدودة” -هونغ كونغ، وشركة Transmarine Navigation””-ماليزيا، وشركة “KDS Shipping Limited”، وشركة “ONX Trading FZE”-الإمارات، وشركة موانئ دبي للشحن المحدودة – الإمارات، وشركة ترانسمارين “-الإمارات، وشركة كي إف دي للتجارة العامة -الإمارات، حَيثُ تظهر غالبيةُ هذه الشركات في الإمارات.

والواضح أن واشنطن لم تستوعبْ حتى اليوم مدى الإخفاق الذي وصلت إليه؛ فمع حربِ غزةَ أطلقت الولايات المتحدة يدَ برنامج الغذاء لوقف المساعدات عن الفقراء والمتضررين من العدوان والحصار المتعدد الأطراف: -أمريكي، بريطاني، سعوديّ، إماراتي- المفروضِ على اليمن منذ تسعة أعوام.. ومع إعادتها لتصنيف نظام صنعاء بالإرهاب، عبرت القيادة في صنعاء عن عدم اكتراثها بعقوبات أمريكا، حَيثُ مساومات الأمريكيين لصنعاء بوقف استهداف سفن الموانئ الإسرائيلية، مقابل صرف النظر عن تصنيف أنصار الله، عقيمةٌ وتنُمُّ عن جهلٍ بحقيقة الدور اليمني المسانِدِ لغزةَ والذي يتصف أَسَاساً، على أنه واجبٌ ديني قبل أن يكونَ موقِفًا أخلاقيًّا إنسانيًّا.

ويبدو الفشلُ ظاهرًا من توالي العقوبات الأمريكية ومحاولات واشنطن الزجَّ بالرياض وأبو ظبي لمساعدتها في تنفيذ العقوبات بما فيها قصةُ نقل البنوك التجارية وشركات الاتصالات والنقل، حَيثُ الواقعُ قدَّم قراءةً مغايرة ومهمة للجميع أن ليس من السهل بعد اليوم الاستمرارُ في معاقبة الشعب اليمني والاقتصاد الوطني لهذا البلد.

لقد كان قرارُ صنعاءَ منعَ تصدير النفط لصالح مرتزِقة السعوديّة والإمارات أولى خطوات تغييرِ معادلة اللعب بأوراق الاقتصاد ضمن سياسة الحرب الشاملة على اليمن ونظام المجلس السياسي الأعلى وقياداته الثورية.

ومع هذا التوجُّـهِ الأمريكي المنفرد “بعيدًا عن استخدام الرياض وأبو ظبي”، في فرض أية عقوبات، يظهرُ مدى تضاؤل الخيارات الأمريكية ومحدوديتها في محاولات كسر إرادَة اليمنيين لوقفِ حصار سفن الكيان المؤقَّت، حَيثُ تتخبط واشنطن في إطلاق العقوبات والتهديدات، بينما الواقعُ يشيرُ إلى حقائقَ مختلفةٍ، تعزِّزُ من موقف صنعاء وتوجُّـهها، دون أن ينال الإجراءُ الأمريكي من مكانة وقوة صنعاء التي باتت حديثَ خبراء العالم العسكريين على وجه الخصوص، وتسجيل قهر رمز القوة الأمريكية حاملة الطائرات “آيزنهاور”، باسم القوات المسلحة اليمنية، ثم مغادرة القطع البحرية البريطانية لمياه البحر الأحمر وخليج عدن، وتأكيد العجز الأمريكي الغربي في مواجهة اليمن بحريًّا، وفرض الأخيرة للسيادة على البحر الأحمر وباب المندب، بما لم يكن ممكنًا تخيُّلُه في أسوأ كوابيس الولايات المتحدة وأكثرها تشاؤمًا، وحيث يأتي الحديثُ عن العقوبات كمحاولةٍ لإظهار شيء من ضَعف صنعاء بأي حال من الأحوال، في نطاقٍ إعلامي واسع، رغم أن الأمر لن يكونُ أكثرَ من صورةٍ من صُوَرِ استخدامِ أمريكا الكذبَ لمحاولة خِداعِ العالم الجديد وقد بات يدركُ كثيرًا من حقائق العجز الأمريكي في نطاق جغرافية اليمن.

ومع توالي العقوبات السياسية بتجميد مفاوضات السلام وتصنيفِ صنعاء بالإرهاب منذ 18 يناير الماضي مع إعطاء مهلة الشهر، وتوالي العقوبات الاقتصادية، من برنامج الغذاء إلى البنوك،… كُـلُّ ذلك من تفعيل واشنطن لهذه الأوراق وغيرها دليلاً على فشلها العسكري في تحقيق أهدافها؛ فهي لم تكُنْ بحاجة لاستخدام كُـلّ هذه الأوراق لو نجحت عسكريًّا.

الحربُ الاقتصادية لن تُضعِفَ اليمنيين:

تأكيدًا لذلك يقولُ الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية بحكومة التغيير والبناء، الدكتور أحمد حجر، في تحليلٍ للعقوبات الأمريكية الأخيرة، ومدى تأثيرها على اليمن: “إن الإدارة الأمريكية استنفذت أدواتِ الحرب الاقتصادية خلال عشر سنوات رغم آثارها السلبية على مختلف مجالات الاقتصاد القومي ومناحي الحياة الاجتماعية”.

ويرى أن “واشنطن لجأت إلى آخرِ أوراق الحصار الاقتصادي بعد أن فشلت عسكريًّا ودبلوماسيًّا في ثني صنعاء عن مناصَرة سكان غزه ضد العدوان الوحشي لمحور الصهيونية العالمية؛ وذلك كون المشتقاتِ النفطية تمثل مدخلاً أَسَاسيًّا لمعظم الأنشطة الاقتصادية والخدمات الضرورية للمجتمع، وبالتالي زيادة معاناة أبناء المجتمع اليمني وهروب رأس المال؛ مما يدفع المجتمعَ ليكونَ أدَاة ضاغطة على متخذ القرار، وبالأخص في ظل وجود مفاوضات لإنهاء الصراع في المنطقة”.

ويرى الدكتور حجر “أن صبرَ وتحمُّلَ المجتمع اليمني تداعياتِ العدوان والحصار وتلاحُمَ كافة أبناء المجتمع في التصدي له إلى جانب إمْكَانية إيجادِ العديد من البدائل، المتاح الاعتماد عليها، حَــدَّ من تداعيات الحرب الاقتصادية، وفي مقدمة تلك البدائل الاتّجاهُ نحوَ الدخول في إنعاش العديد من الأنشطة الاقتصادية، وبالأخص في قطاع الزراعة والمشاريع الصغيرة، وكذا الحد من استهلاك العديد من السلع المستوردة، ومعها اتِّخاذ الحكومة قراراتٍ للتخفيف من آثار الحرب العدوانية”.

ورغمَ أن قرارَ العقوبات الأخير يرتبطُ بسفن إماراتية في غالبها، يقولُ الدكتور حجر: إنه “في كُـلّ الأحوال تظل الإماراتُ عبدًا مملوكًا لأسياده الأمريكان والإسرائيليين”. ومع هذا لن يكون بمقدورهم فعلُ الكثير، فالواقع يجعلنا نتفاءلُ بفشل هذه العقوبات مثل سابقاتها، خَاصَّة إذَا ما علمنا بوجود بدائلَ عديدة تساعدُ في الحد من الآثار السلبية المتوقَّعة لهذه العقوبات، مثل الاستيراد من دول أُخرى، وبالأخص من الدول المتعاطفة مع المجتمع اليمني بدلاً عن الاستمرار في الاستيراد من دول العدوان، إلى جانب حَثِّ المجتمع كما أشرنا على الحد من استهلاك العديد من السلع المستوردة، إلى جانب الاستيراد من الدول المتاح الاستيراد منها بدون الدولار كروسيا والصين وربما مقابل تصدير بعض السلع اليمنية ذاتِ القدرة التنافسية المرتفِعة كالعسل والبُن وبعض الخُضار والفواكه”.

– المسيرة نت: إبراهيم العنسي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الاستیراد من العدید من مع الیمن

إقرأ أيضاً:

ما هو أثر العقوبات الأمريكية على الحرب السودانية؟

الإعلان الأمريكي عن فرض عقوبات على أطراف الصراع المسلح في السودان، والكيانات الاقتصادية التابعة لهما، يثير الكثير من الأسئلة في المجالين العام العربي والسوداني معا؛ بشأن توقيت الخطوة والأسباب المعلنة بشأنها، وكذلك مدى فعاليتها في تجفيف القدرات العسكرية والمالية لكل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني؛ بهدف وقف هذه الحرب التي يقدر عدد ضحاياها بضعف أعداد الحرب الإسرائيلية على غزة؛ ليصلوا في السودان إلى حوالي ١٥٠ ألف شخص.

في هذا السياق، فإن التساؤلات المتعلقة بفعالية آلية فرض العقوبات الأمريكية تتبلور في عدد من الاتجاهات منها، أولا:ماهية العقوبات، ومدى مصداقية أسبابها على وجه الدقة وطبيعة الآليات التي تستند إليها في تحجيم فاعلية الأطراف المتصارعة بالسودان في الاستمرار بالحرب، وذلك في ضوء أثر العقوبات الاقتصادي والعسكري من جهة، ومدى فاعليتها في البيئة الإفريقية من جهة ثانية.

أما الاتجاه الثاني: فهو بشأن مدي علاقة هذه العقوبات بمسارات الحرب ذاتها، وليس بمسارات قادة هذه الحرب، وطبيعة تحركاتهم السياسية والدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي.

وفيما يخص التساؤل الثالث، فهو المرتبط بمدى المصداقية، أي علاقة فرض العقوبات بالأسباب المعلنة وليس الخفية، وهو تساؤل يتخطى السودان إلى عالمنا العربي كله، الذي تعد مصداقية آلية العقوبات الأمريكية والأسباب الدافعة لها، لا تتحلى بأية مصداقية في ضوء الخبرة السودانية والعراقية معا، حيث تم اجتياح العراق طبقا لادعاءات ومزاعم أمريكية وأوروبية، ثبت كذبها وعدم واقعيتها.

فيما يتعلق بماهية العقوبات الأمريكية وآلياتها، فيمكن رصد أن العقوبات الأمريكية تتمحور في تقييد الوصول إلى الدولار الأمريكي والاستبعاد من نظام السويفت العالمي (SWIFT)، أو الحجز على الودائع والحسابات، وهي خطوات جميعها لها انعكاسات على نظم الحكم المستقرة وشبه المستقرة، والأشخاص الذين يستعملون آليات مصرفية شفافة وقانونية، إذ أن هذه العقوبات على مستوى الدول تؤدي لتضخم في الأسعار، غالبا ما يثير تذمرا داخليا كالحالة في إيران مثلا التي تعرض فيها نظام الحكم لتحديات داخلية أكثر من مرة، أما على المستوى الفردي، فهذه العقوبات تؤثر علي إمكانية الأشخاص في تفعيل حساباتهم المصرفية أو الاستفادة منها، كما تؤثر على فاعلية الشركات في التعامل مع العالم، ولكن مع الحالة السودانية التي نزح فيها السودانيون إلى الخارج، وبات الأمن وليس التضخم في الداخل هو أهم الهواجس، تكون فعالية العقوبات محدودة على أي سلطة أو أي شخص، خصوصا مع هؤلاء الذين لديهم خبرة بآلية العقوبات، وتحسبوا لها من ناحية، وكذلك مع طبيعة البيئة المحيطة بالسودان من ناحية أخرى. ذلك أن الجيران الأفارقة السبعة للسودان من الدول، تعجز غالبيتهم عن ضبط حدودها، كما تواجه هذه الغالبية أيضا تهديدات أمنية داخلية، بما يجعل الفواعل غير الرسمية أي عصابات التهريب والشركات الأمنية، وكذلك الميليشيات، لهم أدوات غير مرئية، ولا رسمية في التفاعل الاقتصادي والتعامل مع الموارد، خصوصا تهريب النفط والذهب، بما يخدم الكيانات والأشخاص الواقع عليهم العقوبات.

أما فيما يخص توقيت فرض العقوبات، خصوصا على رئيس قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، فإنه يبدو متأخرا من جانب الإدارة الأمريكية التي تقاعست في الاعتراف، بأن الممارسات العسكرية ضد المدنيين من جانب قوات الدعم السريع تنطبق عليها معايير الإبادة الجماعية، حيث أن إدارة بايدن قامت بهذه الخطوة قبل رحيلها بأسبوعين فقط، وذلك في اعتراف متأخر كانت تدفع وراءه خلال العام الماضي تقارير دولية من منظمات متخصصة، بناء على استقصاءات بمناطق الصراع، اتسمت بالدقة، وعلى الرغم من ذلك لم تُعِر إدارة بايدن هذه التقارير الانتباه اللازم في الوقت المناسب.

الأسباب الأمريكية بشأن توقيع العقوبات على قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، جاءت طبقا للإعلان الأمريكي؛ بسبب عدم انخراطه في الجهود الدولية، خصوصا الأمريكية في قبول التفاوض لإنهاء الحرب، لا سيما في منصة سويسرا، وهو توقيت متأخر أيضا في توقيع العقوبات ضد البرهان، بعد مضي نصف عام تقريبا على عدم تفاعل الرجل مع أي جهود دولية بشأن محاولات وقف الحرب.

هذه الملابسات ترجح أن يكون إعلان العقوبات الأمريكية مرتبطا بتوجه قائد الجيش السوداني للتفاعل الإيجابي مع موسكو، بمنحها نقطة ارتكاز عسكرية على البحر الأحمر أكثر ما هو مرتبط بفكرة إصرار البرهان على إمكانية الحسم العسكري، ضد قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي، كما تقول واشنطن.

وأخيرا تبدو إمكانية تحقيق العقوبات أغراضها المعلنة في وقف الحرب السودانية مشكوكا فيها، وعلى العكس من ذلك، قد تساهم في تعقد المشهد السياسي السوداني لمستويات جديدة، بل وتساهم في استمرار الحرب ذاتها، ولتفصيل ذلك نشير أن سلاح العقوبات الأمريكي في السودان ليس بجديد، فقد تم استعماله قبل ثلاثة عقود؛ بسبب رعاية نظام البشير للإرهاب والجماعات المتطرفة، ولكن بدلا من الانصياع المطلوب، فإن البشير مارس الاتجاه شرقا على حساب الغرب، فساعدته الصين وماليزيا وغيرها، ودعمت قدرات هذا النظام الاقتصادية لمدة ثلاثة عقود، وبات الغرب خاسرا إلى حد بعيد في السودان، وفي إفريقيا عموما.

أما تحت مظلة الحرب السودانية الراهنة والمندلعة في إبريل ٢٠٢٣، فإن العقوبات الأمريكية قد بدأت بتوقيع عقوبات على شركات تابعة للطرفين المتصارعين داخل السودان، وكذلك توقيع عقوبات على أملاك أشخاص منتمين لكل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني، حيث تم تصنيفهم، أنهم معرقلون لحل سلمي متفاوض عليه في الحرب السودانية، وتدرجت هذه العقوبات إلى حد أن تم توقيع عقوبات على الشخص الثاني في قيادة قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، قبل أن تصل إلى حميدتي نفسه مؤخرا.

وعلى الرغم من الخطوات العقابية الأمريكية، توسعت قوات الدعم السريع في عملياتها العسكرية في الاستيلاء على مناطق إضافية في وسط السودان بعد حيازتها على غالبية ولايات دارفور، بل أن هذا التوسع قد اتسم بممارسة انتهاكات ضد الإنسانية على أسس عرقية وقبلية، وهو أداء أقدمت عليه أيضا مؤخرا أطراف عسكرية موالية للجيش في معارك استرداد مناطق وسط السودان ومناطق من العاصمة المثلثة.

وطبقا لهذا السياق كله، فإن ردود الفعل على قرار العقوبات الأمريكية من جانب الأطراف السودانية كان الرفض والتحدي، ولكن بدرجات متفاوته طبقا لموازين القوى الراهنة، إذ أن قائد الجيش السوداني قام بجولة علنية في عطبرة، محاطا بمؤيديه معلنا استمرار العمليات العسكرية للجيش، ومشيرا أن هذا الخيار هو خيار شعبي سوداني. وفي المقابل كانت بيانات حميدتي تتنصل من الاتهامات الأمريكية التي ترتب عليها توقيع العقوبات، واجهت نحو توسيع عمليتها العسكرية بالمسيرات في مناطق متعددة.

إجمالا، ساهم إعلان العقوبات الأمريكية على أطراف الصراع السوداني، في خلق مسار لم يكن مطلوبا على المستوى السياسي في هذه اللحظة، ومن غير المتوقع أن يساهم في الدفع نحو وقف الحرب عبر آلية الضغوط الأمريكية، حيث كانت تذهب معظم التقديرات، أن نجاح الجيش في استرداد مناطق وسط السودان من الدعم السريع هي العامل المؤثر في ذهاب الجيش ومن معه إلى تسويات وقف الحرب السودانية، خصوصا مع حالة الانهيار الميداني لقوات الدعم السريع، وفقدانها قطاعات ليست بالقليلة من حواضنها الاجتماعية، وذلك بالتوازي مع فشلها في إثبات جدارة ومشروعية ترتب عليها ابتعاد حلفائها السياسيين المحليين.

عن مصر 360  

مقالات مشابهة

  • العزي: سياسة أمريكا العدائية قد تنجح مع جميع دول العالم إلا اليمن
  • العزي: سياسة الضغط الأمريكية على اليمن ستفشل والسلام هو الحل
  • ما هو أثر العقوبات الأمريكية على الحرب السودانية؟
  • أول المتضررين من وصول ترامب إلى البيت الأبيض.. كوبا في مرمى العقوبات الأمريكية
  • ترامب يؤدي اليمن الدستورية ويصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة
  • العليمي يهنئ ترامب لتوليه الرئاسة الأمريكية ويتطلع لدعم اليمن في استعادة دولته واسقاط إنقلاب الحوثيين
  • ترامب يلغي العقوبات الأمريكية المفروضة على مستوطنين بالضفة الغربية
  • سفير في واشنطن يرد على عقوبات أمريكا على البرهان
  • 4 غارات لطيران العدوان الأمريكي على العاصمة صنعاء
  • عقوبات على حميدتي والبرهان.. إلى ماذا تهدف أميركا في السودان؟