دارفور بين مد العطاوة وجزر الزغاوة
خالد فضل
الدعم السريع لم تهبط شياطينه من السماء، مثلما لم تهبط من قبل شياطين الحركات السياسية المسلحة من بين طيّات السحاب، لكن الحقيقة الثابتة والموثقة في إرشيف ووقائع ويوميات حروب السودان الأهلية الممتدة طولاً وعرضاً منذ الاستقلال وحتى الآن؛ أنّ ثمّ مركز مهيمن ومسيطر على السلطة والثروة والفضاء الدعائي العام بأدواته الإعلامية (الدعائية) في حقيقتها؛ ذلك أن الإعلام هو تمليك المعلومات للناس بينما الدعاية هي الترويج لشئ ما حقيقي أو غير حقيقي، هناك من يروج دعائياً للعلاج عن طريق (الكي) بالنار فتتراص الحافلات في كل محطات المواصلات ويتبارى الكموسنجية في الصياح (الكريمت تش) مئات الآلاف من الرجال والنساء استجابوا للدعاية وليس في جوهرها ذرة واحدة من (إعلام) أي إخبار بالحقيقة!
عندما انطلقت شرارة الكفاح السياسي المسلح في دارفور مطلع القرن الحالي، كان على سدة الحكم تنظيم الجبهة الإسلامية القومية بمسماه المؤتمر الوطني، كانوا يملكون السودان بكل مؤسساته ومرافقه ومظان ثرواته وموارده فيما يسمى بعملية التمكين.
وبالطبع كانت الآلة الإعلامية تعمل بموجب موجهات الدعاية المرسومة بعناية وحرفية ومهارة عالية، شأن كل دعاية ناجحة، من صور ونماذج تلك الدعايات أن هذه الحركات تنتمي لقبيلة الزغاوة، وهي قبيلة في حقيقة وجودها تمتلك امتدادات طبيعية بين دولتي السودان وتشاد، شأنها شأن عشرات القبائل والمجموعات السكانية المتداخلة عبر الحدود السياسية بين معظم دول العالم وليس السودان هنا فريد عصره، الأكراد يتداخلون عبر حدود العراق وتركيا وسوريا وإيران، حتى بين سويسرا وألمانيا هناك من يتداخلون ولغتهم الألمانية وهم يحملون جنسية سويسرا، بني عامر بين إريتريا والسودان في الشرق. العبابدة شمال السودان وصعيد مصر.. إلخ. ولكن في حالة ذلك الصراع السياسي المسلح فإن كل الحقائق يجب أن تسقط لتحل محلها الدعاية المرسومة وهي أن الزغاوة يطمحون لتأسيس دولة أو امبراطورية الزغاوة الكبرى ودارفور من ضمن تلك الأطماع، لذلك فإن حرب الخرطوم وسلطتها الإسلامية هي حرب مقدسة ضد الخونة العملاء المرتزقة الأجانب الذين يؤسسون لدولتهم المزعومة، فالمعركة ضدهم هي معركة (كرامة) وطنية لدحر عملاء الاستخبارات وأذيال الدول الغربية الاستعمارية وإسرائيل!! كما أنّ عناصر وأفراد هذه الحركات كلهم من المهلوسين الذين يتعاطون الخمر والمخدرات ويغتصبون الحرائر ويقتلون الأبرياء، وعندما يقع في الأسر قائد سلاح الجو في مطار الفاشر اللواء البشرى، ويتم احتجازه بوساطة هولاء المخمورين، يطلق سراحه لاحقاً بمبادرة أهلية ويعود للخرطوم، وتجري معه جريدة الصخافة حواراً من جزئين، تم نشر الجزء الأول منه وفيه أوضح ظروف احتجازه، وكيف أن قادة الحركات من الشباب الواعي ولهم قضية عادلة وهم على درجة عالية من الالتزام الأخلاقي، يشترون طعامهم من الأسواق، تدخل جهاز الأمن بعقليته الدعائية المركزية ومنع نشر الجزء الثاني من الحوار، فالعقلية المتحكمة لا تريد الحقائق التي تبطل مفعول دعايتها الخبيثة. وأذكر هنا أنّ وفداً تم ابتعاثه للالتقاء بالمتمردين ضمن مقررات مؤتمر الفاشر التداولي لأهل دارفور وكان بإشراف الفريق إبراهيم سليمان حاكم الولاية آنذاك، كان الوفد بقيادة البروفيسور أبو القاسم سيف النصر؛ أشاع جهاز الأمن دعاية مفادها أن الوفد تم احتجازه من جانب المتمردين المرتزقة الخونة الغادرين؛ ولكن أسقط بين يدي الدعاية عندما عاد أفراد الوفد للخرطوم سالمين غانمين لقاء مثمراً مع أولئك الشباب، جاءوا للخرطوم وتمت دعوة عدد محدود من الإعلاميين لتنويرهم بنتائج ذلك اللقاء حتى يتمكن الرأي العام من معرفة الحقائق حول الموضوع، في آخر لحظة وعند وصولي وبعض الزملاء الصحفيين لمقر الدعوة في دار اتحاد مزارعي السودان قبالة قيادة المنطقة العسكرية المركزية في وسط الخرطوم فوجئ الجميع بأوامر من جهاز الأمن بإلغاء الفعالية وإغلاق الأبواب بالأقفال الحديدية، الحقيقة دوماً هي عدو للدعاية!! كما أن ّ حواضنهم الإجتماعية ذاتها يجب أن تنال العقاب والجزاء والإبادة والتطهير العرقي حتى لا ينجح مخططهم الآثم في تمزيق وحدة البلاد وشعبها العظيم الهمام الذي يقف خلف قواته المسلحة الباسلة والقوات الأخرى التي تقاتل معها في خندق واحد ذوداً عن الأرض والعرض!!! أما القوات التي تقف في الخندق الواحد ضد أطماع ومخططات (دولة الزغاوة) فهم فرسان بني هلبة، وكواسر الرزيقات ونسور المسيرية… إلخ وزعماء ووجهاء هذه المجموعات يحجون إلى الخرطوم أو يحج إليهم من الخرطوم موفدون باسم الوطنية والإسلام، لتدجيج شبابهم وفتيانهم بالسلاح ودفع المعلوم للوجهاء والأمراء! ومن هنا نشأت المليشيات، لم تهبط من السماء لكنها أسست في الأرض، أرض دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وحالياً تنشأ المليشيات في جبال البحر الأحمر وكسلا وسهول القضارف ونهر النيل والشمالية والمناقل من مناطق الجزيرة، وبعض أنحاء بحر أبيض، ولكن (ود أحمد) يتمرد في نهر النيل وينشر عنه (مطلوب للعدالة) وود أحمد نصفه عاقل ونصفه مجنون، فهو ينشد الخدمات والمطالب التنموية لمنطقته، وهذا حق، لكنه يقود تياراً عنصرياً جهوياً بغيضاً ضد أبناء غرب السودان في مناطق التعدين وهذا عين الباطل. كما أن المركزية ليست جهة ولكنها أسلوب في التفكير يعلي من شأن ومصالح الأنا على حساب شأن ومصالح الآخرين، لهذا نجد بعض أبناء الهامش يتمركزون أكثر من (الأتراك) المركزيين أنفسهم، يتخلون عن مطالب العدالة والمساواة والمواطنة بدون تمييز لمصلحة الدعاية المركزية التي اصطلوا بنارها في سنوات زعمهم الكفاح المسلح، ونماذج (المتوركين) عديدة، يعرفها القاصي والداني ويعرفون أنفسهم. يرددون كالببغاوات نفس المقاطع البائسة عن (دولة العطاوة) نفس الوتيرة التي بدأ بها القرن الجديد ربعه الأول يختتم بها الربع نفسه فقط بتغيير اللفظ من (زغاوة ) لـ(عطاوة)، ألا ينظر رجل رشيد أو امرأة رشيدة من بين هؤلاء فيصرخ مثل صرخة الطفل في وجه الفرعون!!. الوسومالخرطوم الدولة المركزية الزغاوة السودان العطاوة الكفاح المسلح الهامش جهاز الأمن والمخابرات خالد فضل دارفور
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية:
الخرطوم
الدولة المركزية
الزغاوة
السودان
العطاوة
الكفاح المسلح
الهامش
جهاز الأمن والمخابرات
خالد فضل
دارفور
جهاز الأمن
إقرأ أيضاً:
«لسنا غير مرئيين» : مسؤول أممي ينقل رسالة من متضرري أزمة السودان إلى العالم
قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في ختام زيارته لكل من السودان وتشاد استغرقت تسعة أيام إن الرسالة الموجهة للمجتمع الدولي من أولئك الذين هم في قلب الأزمة في السودان والتي لا لبس فيها هي “نحن لسنا غير مرئيين”.
التغيير ــ وكالات
وزار توم فليتشر دارفور في السودان وتحديدا مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور يوم أمس الجمعة حيث التقى والي غرب دارفور.
وخلال المناقشات، تحدث المسؤول الأممي عن لقاءاته مع الأشخاص الذين فروا من الصراع في السودان إلى تشاد، حيث يعيشون الآن في ظروف يائسة.
وقال فليتشر: “أتحدث من دارفور في نهاية مهمة في السودان وتشاد استغرقت أكثر من أسبوع. وكانت مهمة صعبة للغاية لأن الوضع صعب. إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم. وتحدثت إلى السكان المحليين والمجتمعات المضيفة”.
مبارك كان أحد أولئك الذين التقى بهم فليتشر في مخيم الرياض في مدينة الجنينة، والذي أوضح أن النازحين الذين يمثلهم هناك جاءوا من مناطق مختلفة، وأنه يوجد نحو 15 ألف نازح في المكان.
وأضاف مبارك: “نحن نعاني، ونحتاج إلى المزيد من المساعدة. لا ينبغي أن تقتصر المساعدة على مجموعة معينة. نحن بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في مجال الصحة والتعليم والدعم النفسي للأطفال المتضررين من الحروب في هذه المنطقة”.
“لا يمكننا أن ندير ظهورنا”
وقبل أن يتجه إلى ولاية غرب دارفور، زار وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية منطقة أدري على الجانب التشادي من الحدود مع السودان.
وفي لقائه مع مجموعة من اللاجئين قال فليتشر: “أعلم أن الوضع صعب للغاية. وأعلم أنكم بحاجة إلى الغذاء والدواء والتعليم والمأوى والفخر والكرامة”، مضيفا أن مهمته هي الاستماع إلى ما يقولونه، “وأن أقول للعالم إنه يجب عليهم بذل المزيد من الجهد لدعمهم”.
وفي تصريح له قبل ختام زيارته لكل من تشاد والسودان، قال المسؤول الأممي إنه أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأنه يجب مضاعفة الجهود لجمع الأموال اللازمة لمنح هؤلاء الناس الدعم الذي يريدونه، وأيضا توليد الإرادة السياسية لإنهاء هذه الأزمة، وإنهاء هذا الصراع، “لأنه في نهاية المطاف، بدون سلام، لن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم ومنح أطفالهم وأحفادهم الحياة التي يستحقونها”.
وأشار إلى ما تم احرازه من تقدم بما في ذلك فتح المزيد من نقاط التفتيش أمام الحركة الإنسانية والمراكز والرحلات الجوية الإنسانية.
ونبه إلى أن هناك حاجة لإيصال “سيل من الدعم” لأن هناك 25 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة، مضيفا “هذه الأرقام مذهلة، ولا يمكننا أن ندير ظهورنا”.
الوسومالأمم المتحدة السودان النازحين تشاد غرب دارفور فيشر