شواهد قبور الحرب في غزة من ركام المنازل المدمرة
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
غزة– "يدمرون منازلنا فوق رؤوسنا، ومن ركام حجارتها نبني قبورنا" يقول "الحانوتي" طافش أبو حطب كما يعرّف نفسه، والذي يعمل في مهنة حفر القبور ودفن الموتى منذ 19 عاما، ويشرف حاليا على المقبرة التركية غرب مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة.
وطوال عقدين من عمله في هذه المهنة، يعتبر أبو حطب الحرب الإسرائيلية الحالية هي "الفترة الأصعب"، ويقول للجزيرة نت "لم تمر علينا فترة دموية بهذا الجنون مثل هذه الحرب، فلا يمر يوم من دون دفن شهداء بالعشرات".
والأكثر إيلاما بالنسبة لهذا الرجل الستيني أنه يحفر قبورا ويدفن شهداء بشكل يومي، غالبيتهم من النساء والأطفال، وبينهم مواليد ورضع، وعائلات بأكملها تحولت لأشلاء ومسحت من السجل المدني، حيث توشك المقبرة على الامتلاء، وقد كانت تضم 60 قبرا عندما اندلعت الحرب في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لكنها اليوم تحتوي أكثر من 6 آلاف قبر.
قبور من ركام
أبو حطب ليس موظفا رسميا، والعمل في حفر القبور هي مهنة يعيش منها مع عدد من أبنائه والعاملين معه، ويقول إن الحرب تسببت في رفع كلفة حفر القبور وتجهيزها، وبحزن شديد يصف الحال "الحرب رفعت أسعار كل شيء في غزة، إلا دماءنا، فهي رخيصة بالنسبة لهذا العالم الظالم".
قبل اندلاع الحرب، كان أبو حطب يحفر القبر ويجهزه بسعر 280 شيكلا (الدولار يعادل 3.7 شيكلات) ويتقاضى ثمنه من ذوي المتوفى بهامش ربح يتراوح من 50 إلى 100 شيكل، لكن في هذه الأثناء وبفعل الحرب الضارية والحصار الخانق ومع إغلاق المعابر وتوقف مصانع الحجارة وطوب البناء، وشح مادة الأسمنت، ارتفعت تكاليف بناء القبر، لتتراوح كلفته من 450 إلى 500 شيكل.
وفي ظل توقف هذه المصانع، لجأ أبو حطب إلى ركام المنازل والمباني المدمرة، ويشتري من عمال على عربات تجرها الحيوانات ما يجمعونه من حجارة صالحة لإعادة التدوير، يقوم بتنظيفها وتهيئتها واستخدامها كجدر إسنادية للقبور، ويقول إن هذه الحجارة أكثر كلفة مادية من تلك الجديدة التي كان يستخدمها قبل الحرب.
وكان حجر المصنع الجديد يباع قبل الحرب بنحو شيكل ونصف، فيما يضطر أبو حطب حاليا لشراء الحجر الواحد من مخلفات القصف والغارات الجوية الإسرائيلية بـ4 شواكل، وارتفع سعر طن الأسمنت من 400 شيكل إلى 5 آلاف شيكل، وبحدة وغضب يقول هذا الرجل "بهذه الأسعار يمكنني شراء باخرة أسمنت في مصر".
"الناس مكلومة، ومنهم كثيرون لا يملكون ثمن القبر، ولا يعلمون هذه التكاليف، ويحملونني المسؤولية، طيب أنا شو أعمل؟"، حيث يتساءل أبو حطب عن دور المؤسسات والهيئات الرسمية والأهلية في دعم حفر القبور وتجهيزها في ظل هذه الحرب الدامية.
وتتحمل بلديات وهيئات خيرية وأشخاص مبادرون في عدد من مقابر القطاع تكاليف القبور الخاصة بدفن الشهداء، والأموات من الطبقات الفقيرة والمحتاجة.
أهوال الحربيجول أبو حطب ببصره في أرجاء المقبرة الحديثة التي افتتحت قبل أعوام قليلة، ويقدر أنه حفر قبورا وشارك في دفن أكثر من 7 آلاف شهيد منذ اندلاع الحرب، وكانت أصعب أيامها عليه حينما استشهد 137 فلسطينيا بينهم عشرات من أفراد عائلته، وقد كانوا نازحين من مدينة غزة لمدينة خان يونس.
وخلال شهور الحرب فقد هذا الرجل من عشيرته "السطرية" أكثر من 120 شهيدا، من بينهم نجله وشقيقه، ويقول إن هذا العدد يعادل أموات العشيرة على مدار 10 إلى 15 عاما في الأوقات الطبيعية.
ومنذ 10 أعوام، يعمل طارق (28 عاما) مع والده طافش أبو حطب في هذه المهنة، ويقول هذا الشاب العشريني الأعزب للجزيرة نت إنه لم يتخيل يوما أن يحفر قبورا بهذا العدد في اليوم الواحد، فيما قبل الحرب كان يحفر ما لا يزيد عن 10 قبور في الشهر.
ويقدر طارق أن المقبرة التي يعمل بها منذ افتتاحها قبل 7 أعوام توشك على الامتلاء تماما، وفي سبيل مواكبة الأعداد الهائلة من الشهداء يوميا لجأ هذا الشاب وأبوه إلى أسلوب حفر القبور بشكل متلاصق إلى جانب بعضها البعض من دون مساحات بينية، وهو أمر غير معتاد في مقابر غزة.
طارق أبو حطب يعمل في مهنة حفر القبور منذ 10 أعوام لكن لم تمر عليه أيام أصعب من هذه الحرب (الجزيرة)وعايش "الحانوتي طارق" أحداثا قاسية وتختزن ذاكرته الكثير من أهوال الحرب، ويذكر بتأثر كبير أن رجلا جاءه حاملا 3 أكياس من الأشلاء ليدفنها، قال إنها لطفله البالغ 9 أعوام، استهدفته مسيّرة إسرائيلية بصاروخ، فأصابه مباشرة ومزق جسده.
ومن أكثر أيام الحرب دموية على هذا الشاب وأبيه حسبما اتفقا كانت "مجزرة المواصي" التي ادعت فيها قوات الاحتلال استهداف القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، محمد الضيف، وقائد لواء خان يونس رافع سلامة، والتي استشهد فيها عشرات المدنيين.
يقول طارق "نجهز يوميا حوالي 30 قبرا، وفي يوم وقوع المجزرة لم تكف هذه القبور لأعداد الشهداء الذين وصلوا المقبرة، وبينهم رجال ونساء وأطفال، حولت صواريخ الاحتلال أجسادهم إلى أشلاء وضعت في أكياس لدفنها".
شواهد القبور باتت من حجارة المنازل والمباني المدمرة جراء الحرب الإسرائيلية على غزة (الجزيرة) واقع مأساويإضافة إلى مواكب الشهداء التي لا تتوقف نتيجة الجرائم والمجازر الإسرائيلية، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت إن أعداد الوفيات الطبيعية ارتفعت إلى 6 أضعاف ونصف الضعف عما كانت عليه قبل الحرب، وذلك نتيجة تداعيات الحرب والحصار الخانق، وانهيار المنظومة الصحية وتفشي الأمراض والأوبئة.
ومع استهداف الاحتلال لنحو 60 مقبرة بهدمها وتجريفها، ونبش أكثر من 1500 قبر، وتعذر وصول المواطنين لمقابر في مناطق خطرة قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي وأماكن توغل الاحتلال، كان اللجوء إلى خيارات بديلة مؤلمة كالدفن الجماعي، وبناء قبور متلاصقة باستخدام حجارة ومخلفات من المنازل والمباني المدمرة، بحسب الثوابتة.
ويلفت المسؤول الحكومي إلى أن حرب الإبادة الجماعية فرضت على سكان غزة خيارات قاسية أخرى كثيرة، ومنها الدفن في قبور عشوائية، في الشوارع وساحات المدارس والمستشفيات.
وبحسب بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فإن قطاع غزة، الذي يقطنه زهاء 2.2 مليون نسمة على مساحة 360 كيلومترا، يستنزف زهاء 9 دونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع) مقابر سنويا، ويكفي الدونم الواحد منها لـ220 إلى 240 قبرا، في حين تعاني الوزارة منذ سنوات من أزمة حادة في توفير مساحات كافية من الأراضي لتخصيصها كمقابر، وقد عمقت الحرب من حدة الأزمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قبل الحرب أبو حطب أکثر من
إقرأ أيضاً:
إسبانيا: الآلاف من المتطوعين يتكاتفون لتنظيف ما خلفته الفيضانات المدمرة في فالنسيا
في مدينة ألخميسي، إحدى المناطق الأكثر تضرراً من الفيضانات المدمرة التي اجتاحت فالنسيا، هرع الآلاف من المتطوعين يوم الأحد للمشاركة في جهود التنظيف. هؤلاء المتطوعون، المسلحون بالمجارف والدلاء والمكانس، يسعون لتخفيف آثار الكارثة التي أودت بحياة أكثر من 200 شخص في إسبانيا.
اعلانمضى خمسة أيام على الفيضانات الشبيهة بتسونامي التي اجتاحت الضواحي الجنوبية لمدينة فالنسيا، مغلفةً العديد من المجتمعات بطين كثيف ولزج. ورغم التحديات الكبيرة، لا تزال مهمة التنظيف تتطلب جهدًا هائلًا، بينما تواصل فرق الإنقاذ البحث عن المفقودين.
يشارك حوالي 2000 جندي في عمليات الطوارئ، حيث يقومون بالبحث عن الناجين، والمساعدة في إزالة الأنقاض، وتوزيع السلع الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، تساهم 1800 ضابط شرطة وطنية وحوالي 2500 من حرس المدنية في الجهود المبذولة. ومن المتوقع وصول المزيد من القوات لتعزيز جهود الإغاثة.
أشخاص ينظفون الطين من أحد الشوارع المتضررة من الفيضانات، في ألخميسي، إسبانيا، الأحد، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024Manu Fernandez/Copyright 2024 The AP. All rights reserved.Relatedإسبانيا: دمار هائل في ماساناسا بعد فيضانات اجتاحت المدينةإسبانيا تحت الصدمة.. استمرار البحث عن الجثث بعد الفيضانات المدمرة سانشيز يطلب دعم الاتحاد الأوروبي لإنقاذ إسبانيا مع ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات إلى 211 إسبانيا: تطوع جماعي لمساندة المنكوبين في المناطق المتأثرة بالفيضاناتمن جانبه، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم السبت أن فرق الإنقاذ أنقذت نحو 4800 شخص، وقدمت المساعدة لأكثر من 30000 شخص في المنازل، وعلى الطرق، وفي المناطق الصناعية المتضررة.
وفي بلدة بايبرتا، التي تُعتبر "نقطة الصفر" للفيضانات، شهدت المنطقة أكبر عدد من الضحايا، حيث أكدت التقارير وفاة 60 شخصاً من بين 211 حالة مؤكدة. بينما تستمر الشرطة وعمال الطوارئ في البحث عن الجثث، تظهر السلطات تحديات جسيمة في التعامل مع حجم الكارثة.
السكان والمتطوعون يزيلون الوحل بعد الفيضانات في بلدة بايبرتا بالقرب من فالنسيا، إسبانيا، الأحد، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024Hugo Torres/APأعرب المتطوع لويس خافيير غونزاليس، البالغ من العمر 22 عاماً، عن حزنه قائلاً: "كنت في الولايات المتحدة عندما سمعت الأخبار. عائلتي وأصدقائي هنا، شعرت أن من واجبي أن أساعد. من المحزن أن أرى عدد المتطوعين أكبر من الموظفين الحكوميين."
وشاركت المتطوعة مارتا لوزانو، التي جاءت من فالنسيا، إحساسها بالمسؤولية تجاه المجتمعات المتضررة، حيث قالت: "رأيت الكارثة على الأخبار وشعرت بعدم الجدوى، لذا قررت المساعدة. يجب أن يكون هناك شخص هنا للوقوف إلى جانب هؤلاء الناس."
متطوعون يحملون دلاء من الطين بعد الفيضانات بلدة بايبرتا بالقرب من فالنسيا، إسبانيا، الأحد، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024Hugo Torres/APتأثر السكان المحليون بلطف المتطوعين، حيث قال أنجل مارتينيز: "أريد أن أشكر جميع الغرباء الذين جاءوا من بلدات بعيدة لمساعدتي. من الرائع أن أرى كيف يهرع الناس للمساعدة عندما يرون الأضرار."
مع استمرار الكارثة، أعلن سانشيز عن إرسال 5000 جندي و5000 شرطي إضافي إلى المنطقة، مما يعكس التزام الحكومة بمواجهة هذه الأزمة الكبيرة.
امرأة تدفع دراجة هوائية على طول شارع موحل بعد الفيضانات في بلدة بايبرتا، بالقرب من فالنسيا، إسبانيا، الأحد، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024Hugo Torres/APتظل الفيضانات واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدتها إسبانيا في التاريخ الحديث، مما يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية للتخفيف من آثارها.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إسبانيا تواجه أسوأ فيضانات منذ نصف قرن.. أكثر من 205 قتيلا والبحث مستمر عن مفقودين إسبانيا: الأمطار الغزيرة تتسبب في فيضانات تودي بحياة 72 شخصًا على الأقل إسبانيا تتحدى الطقس: عرض عسكري مهيب بمناسبة اليوم الوطني في مدريد فيضانات - سيول ضحايا إسبانيا أزمة المناخ بحث وإنقاذ إجلاء اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في مولدوفا تظهر تقدم المرشح المؤيد لموسكو بنسبة 51,17% يعرض الآن Next سبابٌ وشتائم في استقبال ملك إسبانيا لدى زيارته منطقة تضررت جراء الفيضانات في مقاطعة فالنسيا يعرض الآن Next قطاع غزة.. قصفٌ وغذاء شحيح وارتفاع جنوني في الأسعار يزيد من معاناة من قُدر له أن يبقى على قيد الحياة يعرض الآن Next انتخابات أمريكا: هل تصوت ولاية أيوا لصالح هاريس؟ استطلاع للرأي يظهر تقدما مفاجئا للمرشحة الديمقراطية يعرض الآن Next من بينها أمستردام ولندن ومدريد.. التغير المناخي يُهدّد نصف المدن الكبرى في العالم اعلانالاكثر قراءة إسبانيا وجهودٌ مضنية للبحث عن جثث غرقت في وحلِ أسوء كارثةٍ طبيعية في تاريخ البلاد المعاصر الوثيقة الأمنية الأكثر سرية: كيف بات الإسرائيليون ضحية حملة كذب من آلة السم التابعة لمكتب نتنياهو واقعة صادمة في إيران.. امرأة تتجرّد من ملابسها في إحدى الجامعات! دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما قصف بلا هوداة ومقتل 50 طفلا في جباليا ونتنياهو الحل بإعادة حزب الله شمال الليطاني باتفاق أو من دونه اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024غزةفيضانات - سيولالذكاء الاصطناعيدونالد ترامبإسبانياإسرائيلروسياتركياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بيدرو سانشيزتغير المناخالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024