مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن العلاقة السودانية المصرية: علاقة استراتيجية منذ أن نال السودان الاستقلال في الأول من يناير 1956م، ورغم أن العلاقة في مسيرتها التاريخية تأخذ مستويات مختلفة صعودا وهبوطا، ولكن الجانبين ينظران لها من الجوانب الأمنية والاقتصادية ومياه النيل بأنها علاقة لا فكاك منها.
ولكي يفهم الموقف المصري من الحرب الدائرة في السودان لابد من الرجوع لملف العلاقة الأمنية بين البلدين في مراحل مختلفة.. في عهد الديمقراطية الثانية وبعد حرب 1967م عقد مؤتمر الخرطوم الذي تمت فيه مصالحة مصر مع المملكة العربية السعودية والتفاهم حول وقف الحرب في اليمن.. موقف السودان مع مصر في حرب الاستنزاف في عهد جمال عبد الناصر، وأيضا مشاركة السودان في حرب أكتوبر 1973م، ثم وقوف السودان مع أنور السادات عند ذهابه “تل أبيب” وكلها قضايا مرتبطة بالأمن..
تعرضت العلاقة بين السودان ومصر إلى هزة كبيرة، بعد انعقاد المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي في الخرطوم في 25 إبريل 1991م، وتخوفت مصر من تسرب الجماعات الإسلامية المتطرفة وخاصة العناصر المصرية عبر حدودها الجنوبية مع السودان، وكانت الخرطوم تعتقد أن المؤسسات المصرية “جامعة القاهرة فرع الخرطوم– البعثة التعليمية المصرية– المركز التجاري المصري– نادي ناصر– بعثة الري المصري” هي مراكز مراقبة وجمع معلومات تديرها المخابرات المصرية، لذلك أسرعت بمصادرتها وإغلاق بعضها.. وكذلك مصر حاصرت حركة المجموعة الأمنية التي كان في سفارة السودان في مصر.. ثم جاءت محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا والتي كان وراءها كما ذكر الدكتور الترابي شخصياً في حوار أحمد منصور معه في قناة الجزيرة، علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع الذي كان يشغل رئيس جهاز الأمن والمخابرات في ذلك الوقت.. وأذكر أن لجنة التنسيق العليا “للتجمع الوطني الديمقراطي” كانت طالبة من مصر السماح لها بعمل إذاعي على موجة قصيرة.. ثم صفحة في إحدى الجرائد المصرية الحكومية “الإهرام– الجمهورية– أخبار اليوم” واعتقدت المعارضة لقد جاء الوقت الذي سوف توافق السلطات المصرية على الطلب.. ولكن رفضت مصر..
سألت محمد الحسن عبد الله يسن الذي كان يشغل رئيس اللجنة التنسيقية العليا للتجمع عن سبب رفض المصريين.. ٌقال إنهم قالوا له إن مصر إذا وافقت على “الإذاعة وصفحة في جريدة حكومية” هذه بمثابة إعلان حرب ولا نريد أن تتطور العلاقة إلى ذلك.. وعندما حضر سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي للقاهرة أنزل في فندق “المريدين” شارع صلاح سالم مدينة نصر. وبعد اسبوع من حضوره اتصل بي سيد احمد في السابعة صباحا وقال لي أنا نقلت من فندق مريدين إلى هيلتون رمسيس وسط البلد بالقرب من ماسبيرو وأريدك أن تحضر إلي في التاسعة صباحا دون أن تخطر أي شخص بمكاني، ذهبت إليه في الموعد المضروب وجدت معه اللواء أحمد رجب المسؤول عن الملف السوداني في المخابرات، وكان الحديث يدور حول قضية التصعيد بين القاهرة والخرطوم.. كانت رؤية أحمد رجب التي كررها عدة مرات، أن السودان يمثل لمصر أهم ركيزة في إستراتيجية أمنها، نحن لا نريد أن نتدخل في الصراع السياسي الدائر في السودان هذه مسألة تهم الأخوة والأحزاب في السودان، لكن في الجانب الأمني ويتعلق بوحدة السودان؛ من باب النصيحة أنني بسمع بعض القيادات تدعوا إلى الكفاح المسلح لإسقاط النظام، وإذا وافقتوا على ذلك، سوف تشكل خطرا كبيرا على مستقبل السودان.. وسمعت نفس الحديث بعد سنة من اللواء عمر قناوي وكيل وزارة المخابرات المصرية واللواء محمود عبد الخالق مسؤول الملف السوداني في المخابرات في بيت محمد الحسن عبد الله يسن ومجموعة من القيادات الاتحادية..
في بداية 1997م اتذكر جاءت القاهرة في طريقها للخرطوم مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت للشؤون الأفريقية في عهد الرئيس بيل كلينتون، قالت في تصريح لها إن زيارة الخرطوم يجب أن تمر بالقاهرة. وقالت إن المصريين يحبذوا أن تؤخذ أي معلومات عن السودان من بنك المعلومات في القاهرة.. هذا القول كان يغضب قيادات المؤتمر الوطني.. وأتذكر في أول زيارة إلى الخرطوم 2007م بعد 18عاما غياب عنها. أصر علي الصديق الراحل الدكتور تاج الدين السنوسي أن أزوره في مركزه ” آفاق” في حي أركويت، وهو مركز يهتم بالقضايا والعلاقات السياسية الدولية، وتعرضنا في النقاش كيف استطاع السودانيون أن تكون لهم علاقة مباشرة مع واشنطن دون المرور على القاهرة.. ودخل علينا شخص عرفني به الدكتور تاج الدين أنه اللواء معاش حسب الله عمر كان يشغل مسؤول الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات، وقال كان مكتبه في باريس.. قال حسب الله إنهم استطاعوا أن يفتحوا خطا ساخنا مباشرة مع واشنطن دون المرور على أي عاصمة..
إن التقاء وفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكي في القاهرة، هذه مربوطة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للقاهرة في المساعي التي يقوم بها مع مصر لوقف إطلاق نار في غزة.. وفي نفس الوقت يلتقي بالمبعوث بيرييلو، وربما يلتقي بالوفد السوداني للإجابة على أي تساؤلات يمكن أن تطرح.. القضية الأخرى أن الأمريكيين يعتبرون مصر تلعب دورا مهما في عملية التوافق بين الأطراف.. رغم أن مصر لها موقف معلن على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الإسلامي أن تكون المنطقة خالية من الميليشيات.. القضية الأخرى أن مصر بحكم إستراتيجيتها الأمنية لا توافق أي تدخل خارجي في السودان، وتعتبر الجيش يمثل العمود الفقري للسودان والذي يحفظ وحدة البلاد ويجب الوقوف إلى جانبه.. لكنها في ذات الوقت لا تتدخل في خيارات الشعب السوداني في النظام الذي يريده تطبيقه… نسأل الله حسن البصيرة…
zainsalih@hotmail.com
الوسومالخرطوم الديمقراطية الثانية السعودية السودان القاهرة حسن الترابي زين العابدين صالح عبد الرحمن سيد أحمد الحسين مادلين أولبرايت مصر نافع علي نافعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الخرطوم الديمقراطية الثانية السعودية السودان القاهرة حسن الترابي سيد أحمد الحسين مصر نافع علي نافع فی السودان فی حرب
إقرأ أيضاً:
حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
على الرغم من الأحداث الجسام والمآسي الإنسانية الضخمة التي خلفتها الحرب المستمرة في السودان منذ عامين، إلا أن استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم وتحرير مبنى القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري في قلب العاصمة، ومؤسسات سيادية وأحياء سكنية، يظل العامل الأبرز في حكايات الحرب اليومية الدامية.
إذ إن تحرير الخرطوم نقل توازن القوة لصالح الجيش بدرجة كبيرة، ففضلا عن استعادة العاصمة من مليشيا الدعم السريع والتي جاءت بعد زحف طويل ابتدأه الجيش من ولاية سنار 500 كيلومتر شرقي الخرطوم مرورا بولاية الجزيرة المهمة في وسط السودان ووصولا للعاصمة بمدنها الثلاث أمدرمان، الخرطوم والخرطوم بحري، فإن هذا الزحف مثّل تغييرا جوهريا في تكتيك الجيش الذي ظل يستخدم سياسة الدفاع عن مقاره تاركا لمليشيا الدعم السريع أن تتمدد في مساحة واسعة من جغرافيا البلاد، قبل أن يعيد الجيش تنظيم صفوفه ويعدل خطته في أيلول/ سبتمبر الماضي ويبدأ هجومه الواسع.
واليوم وبعد استعادة الجيش للخرطوم، حيث عبر الجسور من أمدرمان نحو الخرطوم وبحري وانتهى بدحر الدعم السريع إلى خارج العاصمة الخرطوم، تكون المرحلة الأولى من الحرب قد حُسمت لصالح القوات المسلحة السودانية، إلا أن هناك شوطا طويلا ينتظر الجيش لا يقل صعوبة عن مشوار تحرير وسط السودان، حيث تسيطر المليشيا على أربع من خمس ولايات في إقليم دارفور غربي السودان، مهد المليشيا وأرض حاضنتها الاجتماعية.
وقد كثفت المليشيا من هجماتها على الفاشر، عاصمة الإقليم، وسط تقارير عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ترتكبها المليشيا في محاولتها المستميتة لإسقاط الفاشر ليتسني لها تكوين حكومة موازية ظلت تعد لها منذ فترة انطلاقا من نيروبي، بعد توقيع تحالف سياسي َمع مجموعة منشقة من تحالف القوى المدنية (تقدم) التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، ولكن حالت انتصارات الجيش في الخرطوم والخلافات بين المكونات الداعمة للمليشيا دون إنجازها.
والأسبوع الماضي أدانت منظمات حقوقية ودول أبرزها مصر وقطر وتركيا وجامعة الدول العربية؛ هجوم المليشيا على معسكر زمزم للنازحين وارتكاب مجازر وسط المدنيين خلفت عشرات الجرحى والقتلى بينهم نساء واطفال.
حصاد الحرب خلال عامين.. دمار وانتهاكات مروعة
لم يصدق السودانيون ما آلت اليه الأمور في العاصمة الخرطوم، فبعد دخول قوات الجيش السوداني إلى المدينة وجد الناس أن حجم الدمار أكبر مما يتصورون، حيث بلغ حجم الخسائر في البنية التحتية الصحية حوالي 11 مليار دولار وخروج 70 في المئة من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، فيما بلغ عدد الضحايا ما بين 70 ألفا و100 الف قتيل بين المدنيين، حسب تقارير وإحصاءات منظمات محلية ودولية.
وما زالت معاناة الآلاف مستمرة من نقص الخدمات الضرورية من الماء والغذاء والكهرباء والخدمة الطبية داخل العاصمة بسبب الدمار غير المسبوق في البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، حيث توقفت معظم محطات المياه عن الخدمة بعد تعرضها للقصف، فيما تمت سرقة كابلات الكهرباء وشبكاتها الرئيسية وبيع محتوياتها من النحاس وتهريبها إلى دول الجوار.
وتسببت حرب العامين في لجوء حوالي عشرة ملايين مواطن سوداني إلى دول الجوار والخليج (منهم ثلاثة ملايين إلى جمهورية مصر العربية)، والبقية موزعون ما بين إثيوبيا وإرتريا وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وتشاد والمملكة العربية السعودية والإمارات وبعض دول المنافي البعيدة، فيما آثر حوالي ثمانية ملايين النزوح داخل السودان إلى المناطق الآمنة في شرق وشمال السودان وأوسطه قبل سقوط ولايتي الجزيرة وسنار في أيدي مليشيات الدعم السريع، والتي غادرتها بعد انفتاح الجيش وتحريره لأجزاء واسعة من البلاد منذ مطلع العام الحالي.
وتشير التقديرات إلى خسائر عامة تجاوزت 215 مليار دولار، وقد تصل إلى ضعفيها حال تم حصر الخسائر المماثلة في ولايات دارفور وأجزاء من ولايات كردفان، بجانب تراجع العملة الوطنية وتوقف عجلة الإنتاج وتوقف صادرات السودان المتمثلة في الذهب والصمغ العربي والفول السوداني واللحوم.
وفي محور التعليم تعطلت العملية الدراسية، وحُرم حوالي ستة ملايين طالب من الوصول إلى المدارس، و714 ألف طالب من مواصلة تعليمهم الجامعي بسبب إغلاق الجامعات وتخريبها جراء الحرب.
وبعد إغلاق مطار الخرطوم الدولي صبيحة الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2023 توقفت جميع شركات الطيران الدولية، وبالرغم من انتقال الحكومة السودانية الي العاصمة المؤقتة في بورتسودان لم تعد شركات الطيران العالمية للعمل في السودان باستثناء الخطوط المصرية والإثيوبية.
في هذه الظروف تسابق الحكومة السودانية الزمن في رحلة تطبيع الحياة وعودة سكان العاصمة إلى منازلهم التي أخرجتهم منها مليشيات الدعم السريع بداية الحرب وحولتها إلى ثكنات عسكرية، بهدف الاحتماء بالمدنيين واتخاذهم دروعا بشرية أمام هجمات الجيش السوداني.
وفي سبيل ذلك اتخذت الحكومة السودانية عدة خطوات بدأت بإعلان الأمانة العامة لمجلس السيادة بداية العمل في إعادة تأهيل القصر الرئاسي، أحد أبرز معالم العاصمة الذي تم احتلاله صبيحة أول أيام الحرب تمهيدا لإعلان سيطرة قوات التمرد على الحكومة بواسطة قائدها حميدتي والذي شوهد وسط جنوده عند مدخل القصر الرئاسي، وهو الظهور الأخير له داخل العاصمة قبل مغادرته لها لتلقي العلاج من إصابة بالغة يرجح أنه تعرض لها في الأيام الأولى من الحرب، فيما أعلنت قوات الشرطة عشية الذكرى الثالثة لانطلاق الحرب بداية عودة وحدات من قواتها إلى الخرطوم لمباشرة عمليات حفظ الأمن وتأمين المنشآت الحيوية.
وتنشط منظمات مجتمع مدني وجمعيات في دعم الجهود الحكومية لمساعدة السكان في العودة إلى منازلهم، عن طريق صيانة شبكات المياه والكهرباء وحملات النظافة والتعقيم وإزالة مخلفات الحرب والمتفجرات ودفن الموتى.
الفاشر.. المعركة الجديدة وملامح النموذج الليبي تلوح في الأفق
ثلاث ليال عصيبة عاشتها مدينة الفاشر وسكان معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور، فقد تعرضت المنطقة للقصف المدفعي والهجمات الأرضية والجوية المتواصلة بواسطة مليشيا الدعم السريع، في واحدة من أعنف موجات العنف التي تعرض لها المدنيون منذ اندلاع الحرب، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، خلفت الهجمات أكثر من 100 قتيل، بينهم 20 طفلا، وإصابة ما لا يقل عن 200 آخرين. كما أُعلن عن مقتل 14 من موظفي منظمات الإغاثة الدولية الخيرية، في قصف استهدف مناطق سكنية ومقار إنسانية داخل مخيمي زمزم وأبو شوك. كما لقي متطوعون من الكوادر الطبية مصرعهم من ضمن الضحايا المدنيين.
إدانة دولية وإقليمية لأحداث الفاشر
وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، القصف بأنه "كارثة إنسانية متكاملة"، وأضاف: "ما يحدث في شمال دارفور يهدد حياة مئات الآلاف، ويُظهر استهانة صارخة بالقانون الدولي الإنساني." كما أصدرت جامعة الدول العربية بيانا أدانت فيه الهجمات "بأشد العبارات"، واعتبرت ما حدث "جريمة ضد النازحين الأبرياء"، منوّهة بقرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024) المطالب بفك حصار الفاشر وسحب الجيوش وكافة المظاهر العسكرية المهددة لحياة المدنيين من محيط المدينة، فيما سارعت عدد من الدول لإدانتها وسط مخاوف من مجازر وعمليات تطهير عرقي على غرار ما حدث لقبيلة المساليت في عاصمة غرب دارفور (الجنينة).
وتسعى مليشيا الدعم السريع لإسقاط مدينة الفاشر تمهيدا لإعلان الحكومة الموازية من داخل إقليم دارفور بولاياته الخمس الواقعة تحت سيطرتها، مع وعود بالحصول على اعتراف ودعم إقليمي ودولي.
وتشهد ولايات دارفور عمليات استقطاب وتجنيد مستمرة تقوم بها مليشيات الدعم السريع للشباب المقاتلين بواسطة زعماء الإدارة الأهلية إضافة إلى بقايا القوات المنسحبة من الخرطوم، تأهبا للهجوم على الفاشر، وسط مخاوف من ارتكاب جرائم جديدة ضد المدنيين فيها.
وما زالت قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني والقوات المشتركة المساندة لها صامدة داخل المدينة المحاصرة قرابة العامين، فيما أطلق حاكم إقليم دارفور، مني اركوي مناوي، نداء لقيادة الجيش بضرورة التحرك العاجل نحو المدينة بعد اتساع رقعة انتشار الجيش السوداني.
ويشكل سقوط مدينة الفاشر حال وقوعه خطوة مهمة في اتجاه إعلان حكومة تحالف (الدعم السريع والأحزاب المنشقة عن الدكتور عبد الله حمدوك)، وتطبيق النموذج الليبي في السودان وبداية صفحة جديدة من النزاع وعدم الاستقرار في السودان ومحيط الإقليمي.
دبلوماسيا وسياسيا، نظرت محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ في الدعوى المقدمة من الحكومة السودانية ضد الإمارات لدورها في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة السودانية العودة إلى مفاوضات جدة إلا بعد تطبيق البنود الموقعة والقاضية بانسحاب الدعم السريع من المدن والأحياء السكنية والأعيان المدنية وتجميع قواته داخل ثكنات عسكرية خارج المدن.
وتحظى معركة الفاشر باهتمام دولي وإقليمي واسع باعتبارها النسخة الجديدة من حرب السودان في عامها الثالث، حيث ترمي مليشيا الدعم السريع بكامل ثقلها السياسي والعسكري لدخول المدينة الصامدة في وجه الحصار والمذابح والمجازر البشرية المتكررة ضد المدنيين لإرغامهم على النزوح. ويقود معركة الفاشر من جانب الدعم السريع؛ نائب القائد العام عبد الرحيم دقلو شخصيا، فبعد جولة خارجية قام به الأخ غير الشقيق لقائد المليشيا لجلب العتاد والسلاح، عاد دقلو إلى دارفور وأشرف بنفسه على تدريب المئات من الشباب بغرض إعادة الروح لقواته المنهكة الهاربة من الخرطوم، يقابل ذلك صمود أسطوري لقوات الجيش السوداني والقوات المشتركة مع اقتراب فك الحصار عن الفاشر بواسطة متحرك الصياد وقوات أخرى تتمركز في إقليم كردفان.
استهداف البنى التحتية وسيلة جديدة للضغط على البرهان
تصاعدت جماهيرية قائد الجيش السوداني الجنرال البرهان عقب الانتصارات الكبيرة في ولاية الخرطوم والجزيرة، وبدأت مظاهر الحياة من خلال العودة الطوعية من داخل وخارج السودان، وسط تنبؤات بعودة الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم بالتزامن مع إعلان عدد من البعثات الدبلوماسية رجوعها إلى مقارها الأساسية واتساع الرقعة الأمنية، وتأكيدات القائد البرهان بمضي مسيرة التحرير الكامل للتراب السوداني.
واتجهت مليشيا الدعم السريع الي استهداف البنية التحتية في عدد من الولايات أبرزها الشمالية ونهر النيل، حيث دخلت الأخيرة أسبوعها الرابع بلا كهرباء بعد استهداف سد مروى ومحطات الكهرباء في عدد من مدن الولاية، كما تأثرت ولاية الخرطوم والبحر الأحمر بتعطيل محطة كهرباء عطبرة بواسطة مسيّرات الدعم السريع.
كما قصفت مسيّرات الدعم السريع مستشفيات وأعيان مدنية في ولاية النيل الأبيض، بجانب المجزرة البشعة في ضاحية صالحة في أمدرمان التي راح ضحيتها 31 شابا مدنيا قتلتهم قوات الدعم السريع، ووثقت ذلك وأقرت به للعالم الذي لم يحرك ساكنا تجاه ذلك. ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي في إطار ضغوط للعودة إلى المفاوضات التي يرفضها الجيش حاليا.
ووسط المعاناة التي يعيشها المواطن السوداني بسبب انقطاع الكهرباء والماء مع دخول فصل الصيف، بث البرهان تطميناته بأن مسيّرات الدعم السريع لن تستطيع تهديد المنشآت الخدمية قريبا.