صحيفة التغيير السودانية:
2024-09-16@09:36:06 GMT

مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان

مصر والرؤية الأمنية في حرب السودان

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن العلاقة السودانية المصرية: علاقة استراتيجية منذ أن نال السودان الاستقلال في الأول من يناير 1956م، ورغم أن العلاقة في مسيرتها التاريخية تأخذ مستويات مختلفة صعودا وهبوطا، ولكن الجانبين ينظران لها من الجوانب الأمنية والاقتصادية ومياه النيل بأنها علاقة لا فكاك منها.

. وفي هذا المقال آخذ جانب العلاقة الأمنية، وهي علاقة تخللتها أيضا العديد من المطبات الصعبة..

ولكي يفهم الموقف المصري من الحرب الدائرة في السودان لابد من الرجوع لملف العلاقة الأمنية بين البلدين في مراحل مختلفة.. في عهد الديمقراطية الثانية وبعد حرب 1967م عقد مؤتمر الخرطوم الذي تمت فيه مصالحة مصر مع المملكة العربية السعودية والتفاهم حول وقف الحرب في اليمن.. موقف السودان مع مصر في حرب الاستنزاف في عهد جمال عبد الناصر، وأيضا مشاركة السودان في حرب أكتوبر 1973م، ثم وقوف السودان مع أنور السادات عند ذهابه “تل أبيب” وكلها قضايا مرتبطة بالأمن..

تعرضت العلاقة بين السودان ومصر إلى هزة كبيرة، بعد انعقاد المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي في الخرطوم في 25 إبريل 1991م، وتخوفت مصر من تسرب الجماعات الإسلامية المتطرفة وخاصة العناصر المصرية عبر حدودها الجنوبية مع السودان، وكانت الخرطوم تعتقد أن المؤسسات المصرية “جامعة القاهرة فرع الخرطوم– البعثة التعليمية المصرية– المركز التجاري المصري– نادي ناصر– بعثة الري المصري” هي مراكز مراقبة وجمع معلومات تديرها المخابرات المصرية، لذلك أسرعت بمصادرتها وإغلاق بعضها.. وكذلك مصر حاصرت حركة المجموعة الأمنية التي كان في سفارة السودان في مصر.. ثم جاءت محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا والتي كان وراءها كما ذكر الدكتور الترابي شخصياً في حوار أحمد منصور معه في قناة الجزيرة، علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع الذي كان يشغل رئيس جهاز الأمن والمخابرات في ذلك الوقت.. وأذكر أن لجنة التنسيق العليا “للتجمع الوطني الديمقراطي” كانت طالبة من مصر السماح لها بعمل إذاعي على موجة قصيرة.. ثم صفحة في إحدى الجرائد المصرية الحكومية “الإهرام– الجمهورية– أخبار اليوم” واعتقدت المعارضة لقد جاء الوقت الذي سوف توافق السلطات المصرية على الطلب.. ولكن رفضت مصر..

سألت محمد الحسن عبد الله يسن الذي كان يشغل رئيس اللجنة التنسيقية العليا للتجمع عن سبب رفض المصريين.. ٌقال إنهم قالوا له إن مصر إذا وافقت على “الإذاعة وصفحة في جريدة حكومية” هذه بمثابة إعلان حرب ولا نريد أن تتطور العلاقة إلى ذلك.. وعندما حضر سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي للقاهرة أنزل في فندق “المريدين” شارع صلاح سالم مدينة نصر. وبعد اسبوع من حضوره اتصل بي سيد احمد في السابعة صباحا وقال لي أنا نقلت من فندق مريدين إلى هيلتون رمسيس وسط البلد بالقرب من ماسبيرو وأريدك أن تحضر إلي في التاسعة صباحا دون أن تخطر أي شخص بمكاني، ذهبت إليه في الموعد المضروب وجدت معه اللواء أحمد رجب المسؤول عن الملف السوداني في المخابرات، وكان الحديث يدور حول قضية التصعيد بين القاهرة والخرطوم.. كانت رؤية أحمد رجب التي كررها عدة مرات، أن السودان يمثل لمصر أهم ركيزة في إستراتيجية أمنها، نحن لا نريد أن نتدخل في الصراع السياسي الدائر في السودان هذه مسألة تهم الأخوة والأحزاب في السودان، لكن في الجانب الأمني ويتعلق بوحدة السودان؛ من باب النصيحة أنني بسمع بعض القيادات تدعوا إلى الكفاح المسلح لإسقاط النظام، وإذا وافقتوا على ذلك، سوف تشكل خطرا كبيرا على مستقبل السودان.. وسمعت نفس الحديث بعد سنة من اللواء عمر قناوي وكيل وزارة المخابرات المصرية واللواء محمود عبد الخالق مسؤول الملف السوداني في المخابرات في بيت محمد الحسن عبد الله يسن ومجموعة من القيادات الاتحادية..

في بداية 1997م اتذكر جاءت القاهرة في طريقها للخرطوم مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت للشؤون الأفريقية في عهد الرئيس بيل كلينتون، قالت في تصريح لها إن زيارة الخرطوم يجب أن تمر بالقاهرة. وقالت إن المصريين يحبذوا أن تؤخذ أي معلومات عن السودان من بنك المعلومات في القاهرة.. هذا القول كان يغضب قيادات المؤتمر الوطني.. وأتذكر في أول زيارة إلى الخرطوم 2007م بعد 18عاما غياب عنها. أصر علي الصديق الراحل الدكتور تاج الدين السنوسي أن أزوره في مركزه ” آفاق” في حي أركويت، وهو مركز يهتم بالقضايا والعلاقات السياسية الدولية، وتعرضنا في النقاش كيف استطاع السودانيون أن تكون لهم علاقة مباشرة مع واشنطن دون المرور على القاهرة.. ودخل علينا شخص عرفني به الدكتور تاج الدين أنه اللواء معاش حسب الله عمر كان يشغل مسؤول الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات، وقال كان مكتبه في باريس.. قال حسب الله إنهم استطاعوا أن يفتحوا خطا ساخنا مباشرة مع واشنطن دون المرور على أي عاصمة..

إن التقاء وفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكي في القاهرة، هذه مربوطة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للقاهرة في المساعي التي يقوم بها مع مصر لوقف إطلاق نار في غزة.. وفي نفس الوقت يلتقي بالمبعوث بيرييلو، وربما يلتقي بالوفد السوداني للإجابة على أي تساؤلات يمكن أن تطرح.. القضية الأخرى أن الأمريكيين يعتبرون مصر تلعب دورا مهما في عملية التوافق بين الأطراف.. رغم أن مصر لها موقف معلن على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الإسلامي أن تكون المنطقة خالية من الميليشيات.. القضية الأخرى أن مصر بحكم إستراتيجيتها الأمنية لا توافق أي تدخل خارجي في السودان، وتعتبر الجيش يمثل العمود الفقري للسودان والذي يحفظ وحدة البلاد ويجب الوقوف إلى جانبه.. لكنها في ذات الوقت لا تتدخل في خيارات الشعب السوداني في النظام الذي يريده تطبيقه… نسأل الله حسن البصيرة…

zainsalih@hotmail.com

الوسومالخرطوم الديمقراطية الثانية السعودية السودان القاهرة حسن الترابي زين العابدين صالح عبد الرحمن سيد أحمد الحسين مادلين أولبرايت مصر نافع علي نافع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الخرطوم الديمقراطية الثانية السعودية السودان القاهرة حسن الترابي سيد أحمد الحسين مصر نافع علي نافع فی السودان فی حرب

إقرأ أيضاً:

منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ 3-3

عبد الله علي إبراهيم

قبل أن تقع هذه الحرب استدعتها أقلام مثل منصور خالد بثقافة لم تتمثل لقواعد البحث في شعواء المعارضة أو تزكية النفس.
رأينا كيف قصر منصور قصر عمل الألته على أبناء جبال النوبة كجماعة مستحقَرة لأنها كانت نهباً قديماً للنِّخاسة. ولم يثبت هذا بالبحث. فجاءت الدراسات المستجَدَّة بما وسّع نطاق من خدموا الألته فوضح شمولها غير النوبة. فلم يَقصِر كتاب أحمد العوض سكنجا "من دَرَك الرَّقيق إلى دَرَج العُمَّال" (1996) الشغلة على النوبة. وهو كتاب قرأه منصور منذ تأليفه "جنوب السودان في المخيلة العربية" (2000) وأشاد به على صفحة 415 منه. ثم اعتمده في ثبت مراجعه في كتابه "السودان: أهوال الحرب" (2003). وعلى إلحاف منصور على مسألة النوبة والألته في كتابين؛ مرَّت سنوات ثلاث على صدورهما، لم يتمهل فيستجلي بيِّنة الأمر كما يجدر بباحث طويَّته البحث عن الحقيقة.
ويغري ما جاء عند سكنجا بدراسة الألته كي نبلغ تاريخاً اجتماعياً كاشفاً نافعاً يتجاوز منصور الذي كم ضَيَّق واسعاً! فواضح من مكاتبات الإداريين الإنجليز حول هذه المهنة العصيبة أنها ممّا تحكَمت فيه سياسات استعمارية للعمل والأجر والثقافة والإدارة. فـــالألته عملٌ مأجور لم يسبق في البلاد. فلم يفرضه الإنجليز سُخْرة حتى. مع أن السخرة كانت ضرباً معتمداً في الخدمة للمستعمرين تجلت في تعبيد الطرق وتنقية القنوات في جنوب البلاد وشمالها كما سنرى في فصلٍ قادم من هذا الكتاب (. . . ومنصور خالد).
وليس واضحاً في المكاتبات أن الإنجليز قصدوا النوبة بتلك الخدمة بإغراءٍ من منزلتهم الدنيا في التراتب الاجتماعي كما اعتقد منصور. فقد كانت الألته معروضة في سوق العمل لمن يأخذها. وقد رأينا أن النوبة لم يكونوا وحدهم فيها بل جمعت أشتاتاً من السودانيين. ولجذب العاملين للخدمة فيها جعلها الإنجليز المهنة الأعلى أجراً. فقد حصل العامل بين 120 إلى 170 قرشاً في الشهر. وهذا أعلى بكثير من أجر المياومين الآخرين. وبلغ أجر المياوم فيها ثلاثين قرشاً خلال الأزمة الاقتصادية في 1929.وتحاشاها كثير من العمال مع ذلك وقبلوا بأجر تراوح بين ثلاثة إلى أربعة قروش في اليوم للخدمة في غير الألته. وعليه فالنظر في الألته كعمل مأجور في سياق استعماري حداثي هو الخطة المثلى للعلم بهذا الجانب من تاريخنا الاجتماعي. وهذا التعريف الحسُن بالمسألة هو ما يسمِّيه منصور ب "تسوير المسألة" أي تحديدها. فتعريف مسألة البحث على وجهها الحق هو أول عتبة في طريق فهمها بشكل ناجز. فالتشخيص كما يعرف كل طبيب هو أسُّ العلاج.
من جهة أخري ستنبهم علينا خدمة الألته إذا لم نقرأها على خلفية سياسة المناطق المقفولة تلك التي زعم الإنجليز تبنيها للحفاظ على ثقافات "زنج" السودان من تأثيرات الثقافة العربية الإسلامية الشمالية. وكان رائد هذه السياسة، وعُرفت ب "سياسة النوبة" في مديرية كردفان ومديرها آي جى جيلان (1928-1932). وقامت هذه السياسة على "كرتنة" النوبة في جبالهم وحجبهم عن الهجرة للشمال. واستخدم الإنجليز "الكَشَّة" لحمل النوبة المهاجرة حملاً لإخلاء الخرطوم. ولكن سرعان ما تغلَّب منطق العمل المأجور على الثقافة. فعلى اتّفاق مدير مديرية الخرطوم مع سياسة النوبة إلا أنه كان الأعلى صوتاً في الاحتجاج على "كشة" النوبة. فقد صارت خدمتهم في الألته، في مقتضى سوق العمل، ماسَّة لا يسُدُّ مَسَدَّهم أحدٌ. وحذّر مفتش الصحة، من جهة أخرى، أنه لو توقّف وفود الجنوبيين والنوبة إلى الخرطوم فسينهار النظام الصحي. وسادت البراجماتية على الثقافة. وتوقَّفت الحكومة عن "كَشَّة" النوبة. وقَبِل بذلك حتى جيلان، واضع السياسة، وفوَّض الأمر لمدير الخرطوم مع التذكير ألا يشجع النوبة على البقاء في الخرطوم ما وسعه بالبحث عن بدائل للعمل بغير النوبة. ولكنه قَبِل مع ذلك أن يبقى بالخرطوم النوبة المنبتُّون (the detirblized) ممن لا رباط قبلي حي لهم بالجبال ما لم يكونوا نواة استيطان لنوبة طازجين من الجبال. واستمر الإنجليز مع ذلك على سياسة عدم تشجيع لا الجنوبيين ولا النوبة للوفود الى الخرطوم.
ومتى "سوَّرنا" مسالة الألته والنوبة على هذا النحو فسدَت حُجّة منصور في الربط بين عمل النوبة هذا والرق الشمالي ومترتباته. فلم يأتِ النوبة للألتة كطائفة مستحقَرة ترسَّبت عن الرق. فقد جاءها سودانيون آخرون بعضهم لم يضرسهم الرق بنابه. كما جاء النوبة للمهنة المسيئة في ملابسات سوق العمل الذي فتحه الإنجليز على مصراعيه. وسيكون من المفيد أن ننظر إلى اختيار بعض النوبة العمل في الألته في مقتضى هذا السوق. فهل دفعهم لولوج هذا السوق حاجتهم للنقد لسداد ما عليهم للحكومة من جزية ودقنية فُرضت نقداً؟ وهل اضطرهم إلى هذه الشغلة حاجز من لغة، أو مؤهل، أو صلة نافذة حالت بينهم دون أشغال أخرى؟ فقد أوقفت بعض الجماعات السودانية بعض الخدمات على نفسها. مثل شغل الدَّريسة للرباطاب والمرمطونات للنوبيين. وكان هناك من بين هذه الجماعات من يـُجَنِّد لها من أهله. فواضح أن جبر الهجرة للعمل بالشمال (وفي مثل شغلة الألته) كان قوياً لم تصمد له حواجز سياسة جبال النوبة التي لم تُرد للنوبة أن يكونوا في الشمال أبداً.
ما جئنا به أعلاه هي طرائق البحث في التاريخ الاجتماعي على هدي كتاب منير. وكان حَرَيـَّاً بكتاب سكنجا المنير أن يُسعف منصور دون الترويج الأيديولوجي لعقائده التي قوامها "افتراضات وساوس، وشوائع ملهوجة، وثوابت مزعومة" كما اشتكي هو نفسه منها في شغل غيره.

ibrahima@missouri.edu

   

مقالات مشابهة

  • لوفيغارو: 3 أسابيع في قلب السودان المدمر والمعزول عن العالم
  • دراسة تكشف العلاقة بين فيروس كورونا وإصابة الشباب بضعف السمع
  • أحمد مجدي: برنامج أفلام «برواز مكسور» بملتقى ميدفست مصر يمس كل شخص منا
  • شريف نور الدين: الارتباط مسئولية كبيرة والزواج قديمًا كان أمر مقدس
  • دراسة تبحث العلاقة بين المواعدة على الإنترنت والفجوة الاقتصادية بين الأسر
  • القتال يتصاعد في الخرطوم ومعارك الفاشر تحتدم
  • كيف تؤدي سياسات أوبك إلى تعقيد العلاقة مع شركات النفط الكبرى؟
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ 3-3
  • رغم توقف المفاوضات.. المجلس السيادي: الحرب في السودان ستنتهي خلال 3 أشهر
  • محادثات القاهرة: مصر وأميركا تتفقان على إنهاء الأزمة السودانية