أمنح نفسي بين الفينة والأخرى إجازة من كل شيء. أخطط لأن لا أعمل أو أخرج وأجعل الملل يقود نهاية أسبوعي. أسقط في جحر الأرنب -كما يقول التعبير الشائع- وأتبعه للنهاية. الاستسلام للملل الذي قادني هذه المرة إلى عالم رباب (1958-2010).
لا تسعفنا المصادر كثيرا (كما هو الحال دائما عند الحديث عن الفن العربي) في معرفة تجربة رباب.
الشعر القصير غير المصفف، السمرة، الحواجب غير المشذبة، الوجه الخالي تقريبا من المكياج، والملابس التي يُمكن أن تُعد cross-dressing التي لا تنسجم مع قواعد المظهر النمطي للمطربة العربية وقتها، أو لأي وجه إعلامي نسائي حتى، إذ يشترط -وربما إلى الآن- الظهور بمظهر محدد، لا يدع مجالا لتعبير المرء الشخصي عن ذاته/ا. وتقول -في خضم حديثها عن الحرب مع المؤسسة- أنه لو كان لها أن تُهديهم أغنية، لأهدتهم «اشمعنى أنا؟» تكهن رباب الشخصي أن هذه الحرب -أو التهميش على الأقل- تأتي ضد مظهرها، بالإضافة إلى صراحتها، ومواقفها السياسية (أو ما يُقابل ثقافة الكانسل Cancel culture وقتها).
لطالما تطرقت دراسات الموسيقى العربية إلى موضوع ذكورية الأغنية العربية الكلاسيكية، أي أن يكون المخاطب ذكرا سواء كان المغني ذكرا أو أنثى، إذ تحل ألفاظ مثل حبيبي عوضا عن حبيبتي أو حلو، جميل، أسمر. يُستثنى من ذلك ربما الأغاني الفصحى (كما نراه في أغاني عبدالحليم، كاظم الساهر مثلا)، على اعتبار أن في الفصحى نوعا من التحرر القادم أولا من الانفصال عنها، كونها مخالفة للغة المحكية، ولأنه -ثانيا- يُنظر إليها باعتبارها لغة رفيعة، لغة الشعر والغزل. أقول إن هذا هو أحد أوجه التشديد على فصل التجربة الشخصية عن التجربة الثقافية/الفنية. الفصل الذي تفرضه الأعراف الاجتماعية، وما يؤدي إليه من حيادية، أو التغني بالحب في شكله المطلق المفرغ من التجربة الفردانية.
جميعنا يلجأ إلى إنشاء قوائم تشغيل Playlist حسب المزاج. لي صديق مثلا لديه قائمة يُسميها «المرأة القوية» التي تجمع الأغاني التي تحتج فيها المرأة بصوتها الغاضب أمام ما لا يُمكن القبول به. فيها أغانٍ من نوع: لا والله - فيروز، وولعت كثير - سلمى وزياد الرحباني. وأتخيل أن أغاني رباب (أتحداك، أنا أقدر، أرجوك) يمكن أن تنتمي بسهولة لهذه القائمة.
ما يحبب في رباب هو جديتها في العمل الفني، تقول مثلا في إحدى اللقاءات: «للحين ما عطيت» تعليقا على ما أنجزته خلال مشوارها. ثمة جدية لا يُمكن إغفالها في عملية اختيار كلماتها (حتى أنها كتبت بعض أغانيها)، في التلحين، إذ تقول إنه «الملحن تطلع روحه معاي». وإلى نهاية العملية الإنتاجية.
يحلو للمذيعين التحدث عن «الغيرة بين الفنانات»، وهو نوع من الهوس بالـ cat-fight. لكنها حين تُسأل تجدها تجيب بأوتوماتيكية بريئة «والله حشى.. ما اعرف أغار.. بالعكس أتمنى الفنانات يزيدون»، وبالطبع أكثر ما يُقرب المرء لها هو اعترافها بأنها لا تعرف كيف تصنع ثروة، وأن البيت حتى البيت الذي تسكنه هو بالإيجار، رغم ما قد يتوهم الجمهور من كون الشهرة تصنع المال.
ثمة مجموعة من الموضوعات التي يُجر إليها الفنان جرا، ولا يمكن للواحد منّا إلا أن يحترم الفنان الذي يجيد التعامل مع هذا النوع من الأسئلة، من ضمنها الحديث عن رداءة ما تنتجه أجيال الفنانين الجديدة الذين يعتمدون على التكنولوجيا لتحسين أصواتهم، يأتي هذا -طبعا- في سياق الحديث عن هبوط الفن وابتعاده عن الغناء الأصيل. إنها تُجيد التعامل مع هذه الأسئلة، فهي مثلا تتحدث عن «تلميع» الصوت باعتباره إحدى المهارات التي يجدر بالفنان الاستفادة منها، وتتحدث عنه كجزء من الجهد المبذول ليخرج العمل بشكل لائق.
جرح رباب الأكبر هو حرمانها من دخول الكويت بعد الغزو، كونها حاملة للجواز العراقي (رغم أنها عاشت في الكويت طوال حياتها، إذ قدمت عائلتها من العراق وهي بعمر الستة أشهر)، أجج هذا الموقف، غناؤها -في مرحلة سابقة للغزو- لصدام. رغم أن علينا أن ننتبه أن هذا حصل في وقت كان يُعدّ صدام للكثيرين -ممن هم بالطبع لا ينتمون للأقليات في المجتمع العربي- المنقذ، وصاحب المواقف، الذي سيُغير تاريخ المنطقة (وقد فعل هذا بالطبع). لبس رباب للأسود، وغناؤها للكويت خلال الغزو، كل هذا لم يشفع لها، وبقي موقف السلطات منها غير متغير حتى وفاتها في الشارقة ودفنها هناك.
ما خرجت منه بعد تجربة الهوس الصغيرة هذه برباب، هو خيبة من كون المذيع -وإلى اليوم- يحوم حول المناطق نفسها، ويخشى -ربما أكثر من السابق حتى- مقاربة المواضيع الحساسة. بالطبع المذيع أو المعد ليس الملام هنا؛ لأن المؤسسة والنظام بأسره -وبشكله الحالي- لا يُمكن إلا أن يُنتج مثل هذا النوع من المحتوى، وأن الحل الوحيد -رغم ما أمامه من تحديات خاصة به- هو اللجوء إلى الفن البديل، والإعلام البديل، الذي نجد فيه محتوى يُمثلنا، ويُقارب همومنا على نحو أفضل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مفاجأة غير متوقعة.. ما الذي حدث لنجم فيلم "Home Alone"؟
لا يزال فيلم "Home Alone" بجزأيه الأول والثاني، من أبرز الأفلام التي تُعرض خلال موسم الأعياد، إذ ارتبطت مغامرات الطفل كيفن ماكاليستر وأفخاخه العبقرية بروح الكريسماس لدى الكثيرين.
اعلانوبينما تظل شخصية كيفن، التي جسدها ماكولي كولكين، في بؤرة الاهتمام، تساءل العديد من عشاق الفيلم عن مصير دانيال ستيرن، الذي لعب دور مارف، اللص الساذج وأحد طرفي الثنائي الإجرامي. وقد جسّد ستيرن الشخصية ببراعة، وجعل من اللص شخصية محبوبة رغم كل ما تعرض له من إصابات في الفيلم.
بين ارتجاجات الرأس، والعنكبوت الكبير الذي زحف إلى فمه، والمسمار الذي اخترق قدمه، كانت شخصية مارف جزءاً لا يُنسى من هذه الكوميديا الكلاسيكية. ولكن رغم الشعبية الواسعة التي حققها، قرر دانيال ستيرن الابتعاد عن هوليوود واتخاذ مسار مختلف تمامًا في حياته.
جو بيشي في دور هاري ودانييل ستيرن في دور مارف 20th Century Foxحياة هادئة بعيدًا عن الأضواءبعد مسيرة طويلة في التمثيل، قرر دانيال ستيرن الابتعاد عن أضواء الشهرة والحياة الصاخبة ليختار نمط حياة أكثر هدوءًا وبساطة في الريف. استقر ستيرن في مزرعة ريفية، حيث وجد شغفه الجديد في تربية الماشية وزراعة اليوسفي، إلى جانب ممارسته لفنه المفضل وهو النحت.
في رسالة عبر موقعه الإلكتروني، أوضح ستيرن أسباب هذا التغيير قائلاً: "قدمت العديد من الأفلام الرائعة، لكنني شعرت بحاجة للبقاء مع عائلتي والتركيز على شغفي بالفن. كانت النتيجة حياة مليئة بالرضا الشخصي والإبداع".
دانيال ستيرن في دور مارف20th Century Foxورغم ابتعاده عن الشاشة الكبيرة، وجد ستيرن طريقه للتواصل مع معجبيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على تيك توك، ويتابعه أكثر من 138,000 شخص. يتفاعل المتابعون بشكل كبير مع منشوراته، خاصة في فترة الأعياد، اذ يشاركون ذكرياتهم عن أفلام "Home Alone".
وقد كتب أحد المعجبين: "لقد كنت جزءاً كبيراً من طفولتي، وأطفالي الآن يشعرون بالبهجة نفسها عند مشاهدة أفلامك. شكراً لك سيد ستيرن". وعلّق آخر قائلاً: "رائع أنك تشاركنا أعمالك الفنية الآن. لقد أضفت الكثير من الضحك والذكريات الجميلة إلى حياتنا".
Relatedمن التشويق إلى الدراما.. أفضل أفلام عام 2024 عليك أن تشاهدها قبل نهاية العامهل يمكن لأفلام الرعب أن تكون مصدرا للراحة بدلا من الخوف؟تجمع ضخم لعشاق سلسلة أفلام "حرب النجوم" في بوينس آيرساختار دانيال ستيرن إذاً الابتعاد عن حياة الشهرة وأضواء هوليوود ليعيش حياة أكثر هدوءاً واستقراراً. وبفضل أعماله على وسائل التواصل الاجتماعي، استطاع الحفاظ على رابط قوي مع جمهوره، الذين يقدّرون دوره في أفلامهم المفضلة، ويعجبون بتحوله إلى فنان ومزارع في حياته الجديدة.
وفي المرة القادمة التي تشاهدون فيها "Home Alone"، ربما تعيدون التفكير في حياة نجوم الفيلم خارج الشاشة. وبينما تتذكرون مغامرات كيفن المليئة بالأفخاخ، تذكروا أن دانيال ستيرن، الذي قدم أحد أكثر الشخصيات الكوميدية تأثيراً، يعيش الآن حياة مليئة بالسلام والإبداع بعيداً عن الأضواء.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية في مزاد لأفلام هوليوود.. بيع باب "تايتانيك" بمبلغ 663 ألف يورو نجمة أفلام إباحية مؤيدة لفلسطين تزور إيران وتثير ضجة مسلسلات وأفلام أقل واستثمارات أكثر.. ما هي استراتيجية نتفليكس الجديدة؟ تيك توكعيد الميلادفيلم تشويقفيلم سينمائيفنانونسينمااعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة وهجوم إسرائيلي واسع على اليمن يعرض الآن Next يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء تحطم الطائرة في كازاخستان يعرض الآن Next من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأمريكيون بهوياتهم الأصلية؟ يعرض الآن Next كله إلا سارة.. نتنياهو ينتقد وسائل الإعلام دفاعًا عن زوجته: ارتكبوا جريمة اغتيال معنوية خطيرة بحقها يعرض الآن Next لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والاستراتيجية ولا يمكن السماح بانهيار سوريا اعلانالاكثر قراءة فرنسا: إنقاذ 240 شخصا في جبال الألب بعد أن بقوا عالقين في الجو بسبب انقطاع الكهرباء عن مصعد التزلج أردوغان يهنئ الشعب السوري على رحيل "الأسد الجبان الذي فرّ" ويحذر الأكراد من استغلال الظروف غواتيمالا: السلطات تستعيد عشرات الأطفال والنساء من قبضة طائفة يهودية متشددة كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى 38 قتيلا و29 ناجيا هجوم روسي ضخم بالصواريخ الباليستية على قطاع الطاقة في خاركيف وإحباط محاولة اغتيال في روسيا اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحايابشار الأسدروسياقطاع غزةكازاخستانوفاةسورياعيد الميلادتركياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أذربيجانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024