من المستغرب الذي لن نجد له أي مسوغ في أوروبا عامة، وبعض الدول الاسكندنافية كالسويد والدنمارك على وجه الخصوص، أن استهداف ثاني أكبر دين في العالم بتعداد «2» مليار مسلم، يتطور بصورة غير عقلانية، بدأ بالمساس بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وتدرج إلى التطاول على القيم الإسلامية، ومضايقة المسلمين، ويقف الآن عند حرق نسخ من المصحف الشريف.

.. في عدوانية تتعارض مع جوهر التعايش والتسامح الذي يرفعه الغرب الذي يطالب دول الشرق الأوسط باحترامه، كما يتعارض مع مصالحه في هذه المنطقة، وهي مصالح متعددة ومتنوعة قديمة/ وجديدة، والإشكالية الكبرى هنا تورط جهات حكومية في بعض العواصم الأوروبية بمثل هذه الجرائم.

وهنا نوجه لهذه العواصم التساؤلين التاليين:

الأول: ماذا بعد جرائم استعراضات حرق المصحف الشريف؟ نترقب بقلق كبير ما سيحدث بعد هذه الاستعراضات التي تتفرج عليها الشرطة، بل وتحميها بعد تجدد حرق نسخ من المصحف الشريف في الدنمارك مؤخرا، فلا تزال البيئات نفسها قائمة التي تستعدي عقيدة الشعوب المسلمة، وتمس جوهر إيمانها، وحتى بعدما قررت السويد مؤخرا اتخاذ إجراءات تشريعية لوضع حد لهذه الاستعراضات، ذكرت أن ذلك قد يتطلب بضع سنوات، وطوال هذه السنوات القلق سيظل قائما من تصعيد الاستعراضات.

ربما تكون خطوة السويد تكتيكا لامتصاص الغضب والمقاطعات، ولو كانت جادة ومعها أوروبا، لسارعوا إلى استصدار تشريعات مستعجلة توقف جرائم هذه الاستعراضات، وهي فعلا تبدو في هذا التوصيف الأخير اسما على مسمى، فعمليات الحرق تصور، وتنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحراسة الشرطة، مما يكون لها تداعيات سيكولوجية على كل مسلم في العالم.

الثاني: كيف تحول النظام العلماني إلى هذه الراديكالية المتدرجة في العنف ضد الآخر؟ ومن ثم هل المطلوب من الآخر أن يظل متسامحا؟ وإلى متى؟

أبسط ما ينبغي التفكير فيه يدور حول ما ستنتجه هذه الراديكالية من راديكاليات عالمية جديدة على اعتبار الانتشار الجغرافي للمسلمين، وستكون أقوى، وهي في سياقات ردة الفعل على جرائم الفعل طبيعية من حيث إنتاجها -نوعا وكما- وهي من الحتميات في حالة الاستمرارية؛ لأن الاستهداف هنا لا يمس المصالح والمنافع المادية، حتى يمكن للعقل أن يوازن بين حجم الضرر لردود الأفعال على الفعل، وإنما تمس العقيدة التي تأطرت عليها ذهنيات الشعوب، وشكلت عواطفها ومشاعرها، وكذلك قناعاتها العقلية للوجود ولما بعد الوجود، الأغلبية المسلمة هي الآن في طور الاستنكار القلبي، وهو أضعف الإيمان، ولسنا ندري ماذا يتفاعل تحت السطح.

وينبغي أن نحمل الأنظمة الغربية ما قد تنتجه العلمانية الراديكالية بنسخها اليمينية المتطرفة من راديكاليات أيديولوجية وفكرية واسعة النطاق في العالم، فالكرة الآن في ملعبها، والبوصلة قد تحولت إليها، فعوضا أن تطالب الدول العربية والإسلامية بتشريعات ومواقف سياسية لصناعة التعايش وتعميم التسامح، تصبح الآن هي المطالبة بذلك وبإلحاح، فالفعل يولد صيرورة ردة الفعل حسب ماهية الفعل، ومناطق استهدافاته المادية والروحية، والاستهداف هنا -نكرر- يطال مناطق الواجدان والذهنيات، والمسلمات المقدسة، وبالتالي علينا التحذير من أسوأ الاحتمالات.

والأسوأ سيتلاقى مع مجموعة تداعيات كبرى ناجمة عن تحولات مصيرية تلقى بظلالها السلبية العميقة، بعضها على معيشة الشعوب، والأخرى تستفز قيمها ومنظومة الأخلاقية كمحاولة الغرب نشر أفكار مثل الإلحاد والنسوية والمثلية.. إلخ وهى جميعها تصنع سيكولوجيات محتقنة ومنفعلة، يمكن لأي شرارة كاستمرارية حرق المصحف الشريف أن تشعلها فجأة.. إلخ، وهنا نخاطب العقول لكبح جماح الراديكالية اليمينية المتطرفة التي تنتشر في أوروبا بجنون الحرية الفردية دون إعمال العقل بأن هذا الجنون قد ينتج جنونا ممتدا وعابرا للحدود السياسية لدول العالم، وسيكون الغرب أكبر المتضررين لمصالحه وتوجهاته المعاصرة في وقت تطرق موسكو وبكين أبواب الدول العربية والإسلامية بسياسة احترام الخصوصيات وعدم التدخل في شؤون الدول في حقبة تفتح باريس ولندن أبوابا جديدة بالمنطقة، وبالذات الخليجية لسد الفراغات التي تتركها واشنطن خلفها في توجهاتها نحو آسيا والمحيط الهادي وأوكرانيا.

على الفاعلين السياسيين والمفكرين في الغرب مهما كانت اتجاهاتهم الفكرية أن يتّعظوا بتاريخ نظرائهم في ممارسة الراديكالية التي تقصي فكر وإيديولوجية الآخر، وكيف صنعوا العداوات بين شعوب العالم، تسيل من خلالها الدماء البريئة حتى الآن، بعضهم رحلوا بثقل هذه السيئات، وآخرون رحلوا بعد أن كفروا بأفكارهم كالإلحاد، لكن بعد ماذا؟ بعد أن أسسوا جيوشا فكرية في نصف العالم تحارب النصف الآخر.

وقد قمنا بعملية بحثية عن نماذج يمينية متطرفة، أعلنت العداء للإسلام، وأصلته في ذهنيات الملايين بالعالم، لكنها قبل وفاتها أسلمت، فوجدنا في مقدمتهم الفيلسوف البريطاني «أنطوني جيرارد نيوتن فلو» أهم منظري الإلحاد طوال «50» عاما، وقد ألّف 30 كتابا عن الإلحاد، وتقول المصادر إنه قبل وفاته بثلاث سنوات دخل الإسلام، وألّف كتابا بعنوان «هناك إله» كفر أنطوني بالإلحاد بعد أن انكشفت له الحقائق، لكن هذا المصير لم يتعظ منه الملايين الذين لا يزالون يدافعون عن الإلحاد، وأدخلوا أنفسهم -كما تقول المصادر- في شكوك رغم وجود كتابه «هناك إله» يقطع الشك بالقين.

وهناك أيضا الكثير من المتطرفين اليمينين أسهموا في صناعة العداوة، لكنهم مؤخرا أدركوا الحقيقة، والقائمة البحثية هنا طويلة، وسنذكر منها، اليميني المتطرف الألماني آرث واغنر الذي كان عضوا بحزب «ألمانيا البديلة» المعادية للإسلام واللاجئين ولديها مقاعد في البرلمان الألماني، لكن في عام 2018 أعلن واغنر إسلامه واستقال من الحزب، وربما الأغرب من ذلك - وفق المصدر الذي نقلنا عنه - أن يعتنق أرنوا فان دورن، عضو حزب الحرية الهولندي الذي يرأسه المتطرف جيرت ويلدرز المعادي للإسلام في عام 2012 الإسلام بعد عام واحد من استقالته من ذلك الحزب، ويتوجه للحج بعد ذلك، وفي عام 2014 اعتنق ماكسنس باتي، عضو الجبهة الوطنية وهي حزب فرنسي من أقصى اليمين، الإسلام، وهناك أمثلة عديدة لإعتناق الإسلام من قبل من كانوا محسوبين على اليمين المتطرف.

وهنا نتساءل، هل يمكن أن نرجع الآن حالة العداء القوية ضد الإسلام من قبل اليمين المتطرف إلى دخول قادة هذا اليمين الإسلام؟ لذلك فالحفاظ على وجودهم الفكري يحتم تحويل الإسلام إلى عدو، بل وعداء وجودي، هذه نتيجة يمكن استخلاصها من سياقات هذا التحليل، لكن، ومهما كانت، فإنه على الأنظمة الأوروبية أن تحمي حق التعايش والتسامح بقوة التشريع وتطبيقه عاجلا، لأنها لو تركت الأفراد والجماعات تعبث به -أي الحق- فلن يكون حصريا على بلدانها فقط، وإنما سيكون معولما.

وعليهم العلم أن سياستهم الاجتماعية تصنع حالة عداء مستحكمة مع كل المسلمين لحقبة الخمسين سنة مقبلة، وسترتد عليهم، فأوروبا وبالذات لندن وباريس تؤسس الآن مصالح جديدة وعميقة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في الخليج لسد الفراغ الأمريكي الذي حول بوصلته لآسيا والمحيط الهادي وأوكرانيا، وهل تعتقد بسياستها الاجتماعية الراهنة أنها ستتمكن من تأمين مصالحها القديمة/ الجديدة؟ وعليها كذلك أخذ العبرة بتداعيات سياساتها في القارة الإفريقية، وهنا تظهر بكين وموسكو من بين البدائل المستدامة لدول المنطقة وشعوبها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المصحف الشریف

إقرأ أيضاً:

ترامب يهدد أوروبا بعقوبات ورسوم جمركية ويطالب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5%

في خطوة مفاجئة، هدد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات جمركية على صادراته، بما في ذلك السيارات والآلات، إذا لم يعمد الاتحاد إلى شراء كميات كبيرة من النفط والغاز الأمريكي.

اعلان

وأشار ترامب إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعوض العجز التجاري الكبير مع الولايات المتحدة من خلال هذه المشتريات، محذرًا من فرض التعريفات إذا لم يتحقق ذلك.

ويعدّ الاتحاد الأوروبي هو بالفعل أكبر مستورد للنفط والغاز الأمريكي، وفقًا لبيانات الحكومة الأمريكية. ومع ذلك، لا توجد كميات إضافية متاحة حاليًا، حيث أن الولايات المتحدة تصدر بالفعل كل ما لا تستهلكه محليًا. وقد تعهد ترامب بزيادة إنتاج البلاد من النفط والغاز، مما قد يتيح كميات إضافية للتصدير في المستقبل.

وفي سياق متصل، أفادت تقارير إخبارية أن ترامب يطالب دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أبلغ فريق ترامب المسؤولين الأوروبيين عن نيته في هذا الصدد، مما يثير تساؤلات حول التزامات الحلفاء في المستقبل.

رئيسة الاتحاد الأوروبي تصرح باستعداد الاتحاد لشراء النفط من الولايات المتحدة الاميركية بعد فوز ترامب بالرئاسة

فيما أشار تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن الاتحاد الأوروبي استورد بالفعل خلال الربع الأول من عام 2024 ما نسبته 47% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، و17% من النفط الأمريكي. إلا أن هذه النسب قد بلغت حدها الأقصى وفقًا للمحللين، مما يعقد زيادة الواردات بشكل كبير.

وفي تطور آخر، كشفت الصحيفة نفسها أن فريق ترامب أبلغ مسؤولين أوروبيين بأن الولايات المتحدة تطالب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق ضعف الهدف المتفق عليه حاليًا والمحدد بنسبة 2%.

Relatedارتفاع أسعار النفط وتوقعات بتخفيض كميات مخزونه.. إثر ضربات نوعية وبعيدة المدى بين أوكرانيا وروسياخلال دفاعه عن صناعة النفط والغاز..الرئيس الآذري يهاجم الغرب في كوب 29: "معاييركم مزدوجة"ارتفاع أسعار النفط بنسبة 1% بعد سقوط الأسد وتغير السياسات الاقتصادية في الصين

ومن جهة أخرى، أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية انخفاضًا في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، مما ساهم في تهدئة المخاوف بشأن التضخم ودعم هدف الاحتياطي الفيدرالي في الوصول إلى معدل تضخم بنسبة 2%. ورغم التحديات الاقتصادية، شهدت الأسواق الأمريكية ارتفاعًا في الأسهم، حيث ارتفع مؤشر داو جونز بنسبة 1.55%، ومؤشر S&P 500 بنسبة 1.52%، ومؤشر ناسداك بنسبة 1.65%.

وتثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالقطاعين النفطي والغازي، بالإضافة إلى التزامات الناتو الدفاعية. ومن المتوقع أن تواصل هذه القضايا التأثير على السياسات الاقتصادية والتجارية في الأشهر المقبلة.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية أزمة سقف الدين تتصاعد وشبح الإغلاق يلوح في الأفق: مجلس النواب الأمريكي يرفض خطة ترامب لتمويل الحكومة "لماذا لا تصبح كندا الولاية الـ 51؟".. مزاح ترامب يشعل الجدل ويهدد استقرار حكومة ترودو "قرار غبي وغير مدروس".. ترامب ينتقد سماح بايدن لكييف بضرب العمق الروسي بصواريخ أمريكية تعاون اقتصاديدونالد ترامبضرائبالولايات المتحدة الأمريكيةأسعار النفطحلف شمال الأطلسي- الناتواعلاناخترنا لك يعرض الآن Next قصف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف مستشفى كمال عدوان في غزة.. وحماس تؤكد أن الاتفاق بات أقرب من ذي قبل يعرض الآن Next مشروع كهروضوئي جديد في الفاتيكان.. خطوة نحو مدينة خضراء بالكامل يعرض الآن Next من "هيئة تحرير الشام" إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف عن أسعد الشيباني؟ يعرض الآن Next الفلسطينيون في خان يونس ينتظرون ساعات للحصول على وجبة يومية وسط القيود الإسرائيلية يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحاياقطاع غزةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني تغير المناخاعتداء إسرائيلعيد الميلادقصفبشار الأسدرجل إطفاءكوارث طبيعيةسورياحرائقالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي
  • السلطة المحلية.. الخيار الأنسب لتوزيع السلطات في الدولة الليبية
  • لاعبو كرة القدم: تعبنا من كثرة المباريات.. وبطولة الفيفا الجديدة هي القشة التي قصمت ظهر البعير
  • مولوي من السعودية: مصمّمون على أن نخرج إلى لبنان الذي نريده وتريدونه
  • مفاوضات غزة – تفاصيل الملفات التي تم الاتفاق عليها حتى الآن
  • سوريا والغرب ونظرية المٌدان تحت الطلب!
  • كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟
  • غارديان: إحجام أوروبا عن دعم أوكرانيا الآن يعني زحف الظلام في 2025
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • ترامب يهدد أوروبا بعقوبات ورسوم جمركية ويطالب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5%