ثمّة استعارة تعجبني كثيرا «زوجة زعيم العصابة»، وهو يُشير إلى انتقاد زوجة رجل العصابة لأفعال زوجها الإجرامية على نحو يُظهر تفوقها الأخلاقي، فيما تتمتع هي بمزايا الثراء، والبذخ، والحماية التي لا يُمكن أن تتوفر إلا نتيجة لأعماله.
هذه الاستعارة تصوير مثالي للنفاق، وازدواجية المعايير، وهي تصف ببراعة علاقة أوروبا بإسرائيل، وليست أوروبا فحسب حقيقة، بل أيضا دول مثل تركيا التي تُحافظ على شعبيتها بشتيمة إسرائيل بين حين وآخر، أو تنكيس أعلامها في المناسبات الحزينة بينما يُمررون من تحت ذلك كل ما من شأنه أن يضمن لإسرائيل البقاء، والازدهار، والتمدد.
إسرائيل المتفوقة في صناعة الأسلحة، وتقنية المعلومات، وتقنيات المياه، تتخذ من فلسطين مختبرا لها، ومن الفلسطينيين عيّنة اختبار. يرصد لنا كتاب «مختبر فلسطين: كيف تُصدر إسرائيل تقنيات الاحتلال إلى العالم» لأنتوني لونشتاين، وكيف صارت دولة الاحتلال رائدة في إنتاج الأسلحة العسكرية، وفي تطوير أدوات التجسس، واستراتيجيات القمع، والتدريب عليها، وكيف جعلت من «الاحتلال» سلعة قابلة للتصدير؛ فهي لا تكتفي بدعم الديكتاتوريات والإبادات حول العالم عبر الأدوات التكنولوجية، بل واستغلت كمّ المعارف التي جنتها من تجارب الاحتلال والفصل العنصري، وصارت تُصدّر هذه الخبرات لكل مُضطهِدٍ يطلبها. ولا يفوتنا أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل؛ فأوروبا التي تنتقد إسرائيل إذا ما أفرطت في العنف، تُرحّب بتوفر من يقوم بالأعمال القذرة نيابة عنها.
لعل واحدة من اللحظات المفصلية التي قادتنا إلى هنا هي تلك اللحظة التي أعطت إسرائيل الجرأة لأن تفعل ما تشاء، فكانت ليلة الحادي عشر من سبتمبر اللحظة المناسبة لأن يُصدّر الاحتلال نفسه باعتباره المقاتل المخضرم الخبير في حروب الإرهاب، فمن استراتيجيات نزع الإنسانية، إلى سردية الحضارة في مواجهة البربرية، ومن تقنيات التعرف على الوجوه، إلى القنص الدقيق الأسهل من «طلب بيتزا من مطعم باستخدام هاتف محمول».
المعارف والخبرات في مجال الاضطهاد والإبادة كانت رهن إشارة ديكتاتوريات وديمقراطيات العالم على حد سواء، وإن كانت الدولة توجه أسلحتها ضد شعوبها، أو ضد المهاجرين (المكسيكيين بالنسبة لأمريكا، والقادمين من الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا) وما تمنعكم أخلاقكم من ارتكابه، سلّموه إلى الآلات والبرامج، ولوموها متى ما اعترض الناس عليها، فالخطأ التقني هو عذر مثالي، يرفع الحرج والمسؤولية وتأنيب الضمير إذا ما حلّ مرة، لا سمح الله.
أما العذر الآخر فهو إلقاء اللوم على الشركة المسؤولة، فخصخصة قطاع الأمن والقطاع العسكري في إسرائيل جزء أساسي من ممارساتها وعقليتها. فوق أن إسرائيل بشكل عام غير مضطرة لدفع أثمان سياسية بسبب ممارساتها، فإنها وفي المرات القليلة التي تُهدّد فيها بالمحاسبة، تلقي بالمسؤولية على الشركة الخاصة بسبب إساءة التطبيق.
ثمة فائدة أخرى للخصخصة، فما كان يتم التعامل معه بين الدول باعتباره تعاونا أمنيا، أصبح مع الخصخصة فارغا من معانيه السياسية، ولا يعدو كونه تعاونا بين شركتين حدث أن يكون مقر إحداهما إسرائيل، والأخرى في أمريكا.
ثمة بين يدي الاحتلال عيّنة بحث بلا صوت أو حقوق، وفوق هذا، لديها ثروة لا تُقدّر بثمن، وهي قواعد البيانات الممتهنة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة. إذ تُمثّل هذه القواعد مصدرا حيويا لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التعرف على الوجوه -على سبيل المثال- في مجال المراقبة الجماعية، وقطاع الذكاء الاصطناعي المعتمد على تعلم الآلة، يعتمد بشكل كبير على مفهوم «التدريب» باستخدام البيانات، واختبار مدى صحة توقعات النظام، والتصحيح، للقيام بتوقعات أكثر دقة. غرض يبدو للشعب المحتل وبياناته وخصوصيته المسلوبة مثاليا له، بل ووسم إجادة كفيل بالتسويق والدعاية لمنتجات التسليح والقمع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بعد الإمتناع عن اخراجهم ..رسالة إسرائيلية جديدة بشأن الإفراج عن 620 أسيرا فلسطينيا وهذه شروطها التي لا تصدق
تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلي تأخير الإفراج عن الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين، الذين كان من المفترض الإفراج عنهم السبت الماضي، عقب تسليم المقاومة في قطاع غزة ستة أسرى إسرائيليين أحياء، وقبلهم بيومين أربعة جثث لأسرى الاحتلال.
وتضم قائمة الأسرى التي قررت حكومة الاحتلال تأجيل الإفراج عنهم حتى إشعار آخر، 620 أسيرا فلسطينيا بينهم من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، إلى جانب 445 من معتقلي قطاع غزة الذين جرى أسرهم بعد السابع من أكتوبر 2023.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اليوم الاثنين، في تقرير ترجمته "عربي21"، أن تل أبيب أبلغت الوسطاء أنه إذا أطلقت حركة حماس سراح الأسرى الإسرائيليين القتلى المتبقين في المرحلة الأولى، دون مراسم "مهينة"، فسيتم إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين.
ولفتت الصحيفة إلى أنه فيما يتعلق بما سيحدث عقب انتهاء المرحلة الأولى، فإن حماس لديها ثلاثة خيارات، الأول تمديد المرحلة الحالية، أو الموافقة على المطالب الإسرائيلية أو العودة إلى الحرب، منوهة إلى أنه من المقرر أن يتوجه وفد إسرائيلي قريبا إلى القاهرة أو الدوحة.
لكن حركة حماس شددت على رفضها الحديث عن أي خطوة متعلقة باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قبل الإفراج عن أسرى الدفعة السابعة من صفقة التبادل، وإلزام الاحتلال بتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.
وقال القيادي في حركة حماس، محمود مرداوي، في تصريحات نشرها في قناته عبر "تيلغرام": "لن يكون هناك أي حديث مع العدو عبر الوسطاء في أي خطوة، قبل الإفراج عن الأسرى المتفق على إطلاق سراحهم، مقابل الأسرى الإسرائيليين الستة".
وشدد مرداوي على ضرورة أن يقوم الوسطاء بإلزام العدو بتنفيذ الاتفاق، فيما استنكرت حركة حماس، في وقت سابق، بشدة قرار الاحتلال بتأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، مؤكدة أن هذا القرار يكشف مجددًا مراوغات الاحتلال وتنصله من التزاماته.
رسالة إسرائيلية وبحسب ما نقلته "يديعوت" عن مصدر إسرائيلي، فإن "إسرائيل نقلت رسالة خلال الساعات الأخيرة إلى الوسطاء، مفادها أن تل أبيب مستعدة للإفراج عن 620 أسيرا تأخر إطلاق سراحهم منذ يوم السبت، مقابل عودة الرهائن الأربعة الذين لقوا حتفهم اليوم، والالتزام بعدم إقامة احتفال مهين كما حدث مع إطلاق سراح أطفال عائلة بيباس والأسير القتيل عوديد ليفشيتس".
وأشارت الصحيفة إلى أنه فيما يتعلق باستمرار المفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية، فإن هناك تأكيدات من قبل تل أبيب بشأن استمرار عملها لاستكمال كافة أهداف الحرب، وقال مصدر إسرائيلي: "حماس أمام خيارات عدة، الأول هو مفاوضات بشأن المرحلة الثانية وستتم في غضون أيام".
ولفتت إلى أن "المفاوضات ستركز على تلبية المطالب الإسرائيلية المتعلقة، بإطلاق سراح جميع الأسرى، وإلقاء حماس لسلاحها، إلى جانب نفي قيادات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي على غرار نموذج بيروت عام 1982"، مضيفة أنه "إذا وافقت حماس على هذه الشروط فحينها يمكن إنهاء الحرب".
وتابعت: "بحال رفضت حماس ذلك، فإن إسرائيل ستحقق أهدافها عبر القتال العنيف، وستكون هذه المعركة بأسلحة وذخائر جديدة وصلت إلى تل أبيب بعد رفع الحظر الأمريكي عنها، إلى جانب الدعم غير المسبوق من إدارة ترامب التي تريد أيضا تدمير حماس