لجريدة عمان:
2024-09-13@03:45:05 GMT

فـي نمط تـكـوين المجال السّياسـي

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

اكتسب تـكوين المجال السياسـي العربي حـديث النـشأة طـابعـا خاصـا استمـر يفرض أحكامـه وكأنـه سمـت «أصيـل» في ذلك التـكوين، واقـتـرنت بدايـات عمليـة التـكـوين ذاك بالحقـبة الاستعماريـة التي شهـدت على إدارة سياسيـة أجنبـيـة مخـتـلفـة عما كان معـهـودا من أساليب في الحكـم.

لم يكـن الاستعمار قـد أحـدث نظامـا سياسيـا جـديدا (امتـدادا لنظامـه السياسي) في البلاد العربيـة التي احتـلـتها قـواتـه وأقام فيها سلطـة كـولونياليـة، وإنـما أنشأ إدارة سياسيـة أشرف عليها موظـفون مدنيـون أوروبيـون استـقـدمهم لهذا الغـرض.

تلك كانت نقطـة بدايـة التحديث الإداري والسياسي في البلدان العربية الموطوءة أراضيـها. وهـو سـلك المعهـود والمدروج عليه من أساليـب التـنظيـم العـقلاني في دول أوروبا نفسها، لكـنـه ما ذهـب بعيـدا في تحـويل البنيات والعلاقـات إلى الحـد الذي يقيم فيه نسخة جديدة من النظـام السياسـي الأوروبي الحديث في المستعمرات، أو أن يعيد إنتاجه فيها، بل اكتـفى بتحـديث مـس السطـوح والقـشور (الإدارة مـثـلا)، في الوقت عينـه الذي ما قـاد فيه ذلك التحديث إلى تقـويض تقاليـد السياسة والسـلطة وأبـنـيـتهـا في تلك المجتـمعات، وإنـما أبـقى عليها مثـلما كانت وتـعايـش معـها، بـل أعـاد إنتاجـها بما هي مـورد مـن مـوارد مشـروعـه للسيـطرة والإخضاع.

ذلك كان أول عـهـد البلاد العربيـة بتحديـث مس بـنيـان الدولـة فيها وأحـدث فيه تعـديلا هـو الأول من نـوعه في تاريخها. إنـه التـعديل الذي أضاف إليها الأدوات والأساليب من دون أن يصادر منها المضمـون الذي استمـر يجـدد نفسـه متـوسـلا طـاقـة جديدة تـزود بها من عمليـة التحـديث تلك، وما إن جـلا الأجنـبـي وقـواتـه العسكريـة وإدارتـه ومستوطـنـوه عن البلاد العربيـة فنالت هـذه استقـلالها، حتـى وجـدت الأخيرة نفسـها تـرث نظام إدارة استـعماريا عصريا جـنبا إلى جنب مع النـظام السياسـي القـديم الذي استـعاد سلطانـه على الدولـة والمجتمع بعد انقطـاع اضطـراري.

ولقـد قضـت المصلحـة بأن يقـع الإبـقاء على النـظام الإداري والسياسـي الحـديث، المـوروث عن الاستعمار، وعـدم المساس بـه لما في ذلك من كبير منفعـة ليـجد نفسـه متجاورا، في الآن عيـنه، مع النظام القـديم وكأنـهـما نظـام واحـد! وذلك بالذات ما وقـع للنـظام الاقتصادي الحديـث، الذي تـولـد من عمليـات الرسملة وتحـديث البنى الإنتاجيـة، حين وجـد نفسـه - هـو أيضا - متعايـشا مع نـظام إنـتاج تـقليدي قبل - رأسمالـي ومتـآلفا معه، حتى من غـير تـناقـض، وكأنـهما نـظام إنتاجـي واحـد.

يتعـلق الأمـر في هذا، إذن، بأزمـة عميقـة في تـكوين المجال السياسـي العربي المظهـر الصارخ لها هـو خروج ذلك المجال عن أي نـموذج سياسـي من النـماذج الموصوفة في النـظريـة السياسيـة؛ فـلا هـو نمـوذج تـقـليدي صـاف بحيث يـنسب إلى دول ما قبل العصر الحديث، ولا هو نموذج سياسي حديث صاف بحيث يـنسب إلى نظـام الدولـة الوطنـيـة الحديثـة. إنـه - وهـذا هـو الأنكـى في الموضوع - مـزيـج من سمات النظاميـن مـعا، على نحـو يبـدو معه وكأنـه نظـام مهـجـن: يـعـثـر فيه كـل على ضالـته وينـتصـر بـه لمقالـتـه؛ مـن يبـغي الأصالة ويحرص على التـمسـك بها، ومـن يشايـع الحداثـة فلا يكـف عن الدعـوة إليها والدفـاع عنها. ومع أن مضمون النظـام الدولـي التـقليدي هو الذي ما برح يعيد إنتاج نفسـه في نظـام الدولة اليوم من موقع السيادة والسيطـرة، إلا أنه يتعسـر على التحليل، في الكثير من الأحيان، أن يـفـك خيوط الاشتـباك بين التـقليد والتـحديث في نظام اشتغال Fonctionnement هذا المجال السياسـي لشـدة تـداخـلهما على أن الحقيقة التي لا تـقـبل التجاهـل، هنا، هي أن المضمـون التـقليـدي للسلطـة ذاك ما نجح في الصمـود والاستمرار والتجـدد إلا لأنـه عميـق الجـذور في بنية الدولـة، وبنـيوي غيـر طـارئ وهذا ما يثيـر شـكـا في مدى صلابـة التـحديث السياسـي ونجاعـة عمليـاته الجراحيـة المجـراة على النـظام التقـليدي منذ الحقبـة الكـولونياليـة؛ مثـلما يطرح استفـهاما حـول ما إذا كانت آلياتـه ستقـود، حتمـا، إلى ضمـور التـقليـد وانتـصـار التحديث أم أن الأفـق مـنسـد أمام هـذا الإمكـان!

والحـق أن البـلاد العربيـة تـتـفاوت في ما بيـنها على صعيـد تغـلغـل قيـم كـل من النظـاميـن القـديم والحـديث في مجالها السياسـي، ومـرد التـفاوت ذاك إلى عـوامـل عـدة، منها مدى زمـن التحديث الذي وقـع على بنياتها السياسيـة ومدى مساحتـه التي طالها؛ ومنها مدى ثـقـل مواريـث الدولـة التـقليديـة في هذا البلـد العربـي وذاك؛ ثـم منها نـوع النـخب السياسيـة التي تعـاقبت على السلطـة ونـوع البرامـج السياسيـة التي حملـتـها، ثـم طفـقت تطبـق منها ما أرادت تطبيـقـه وما استطاعـت تطبيـقه. هذه ملاحظـة مصروفـة إلى التـنبيـه على ما في التـعميم من المغبـة ومن إساءة الفـهم والإدراك. مع ذلك، ليس يمنعـنا هذا الاستـدراك من القـول إن الشـطر الأعظـم من السياسة ما زال يـصنـع في البـلاد العربيـة في نطـاق المؤسسات التـقـليديـة على الرغـم من وجـود مؤسسات حديثـة، مثـل الحكـومات والبرلمـانـات والأحـزاب والمنظـمات المدنيـة؛ وفي المقابـل ما زال المجتمـع السياسـي الحديث يتعايش مع سلطان التـقليـد تعايشـا مـديدا لا صـدام فيه، وأحيـانـا، ما زال يشارك في تعـزيز ذلك التـقـليـد وتـوطيـده من خـلال المشاركـة في إعـادة إنـتاجـه.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

استعراض دور التشريعات القانونية وتطبيقاتها المهنية في المجال الصحي

 

مسقط- الرؤية

بدأت أمس بالمركز الرئيسي للبنك الوطني العماني أعمال الندوة القانونية الأولى حول "دور التشريعات القانونية وتطبيقاتها المهنية والقضائية في المجال الصحي"، بتنظيم من كلية عمان للعلوم الصحية، وذلك تحت رعاية سعادة الدكتور سعيد بن حارب اللمكي وكيل وزارة الصحة للشؤون الصحية، وبمشاركة واسعة من مختلف الفرق الصحية والأكاديمية والقضاة والمستشارين القانونيين والأطباء والعاملين في مؤسسات القطاع الصحي، وطلبة القانون والعلوم الصحية.

وتأتي هذه الندوة في إطار الجهود المستمرة لتعزيز التعاون بين القطاعين الصحي والقانوني، وتسليط الضوء على أهمية التشريعات القانونية في تحسين جودة الرعاية الصحية وحماية حقوق المرضى والممارسين الصحيين، إذ تركزت الندوة على دراسة تأثير التشريعات الحالية وكيفية تطويرها بما يتماشى مع التطورات الحديثة في هذا المجال.

وأكد الدكتور فهد بن محمود الزدجالي عميد كلية عمان للعلوم الصحية، أن الندوة القانونية تعكس التزام الكلية بتعزيز المعرفة القانونية والعملية في المجال الصحي، وتوفر منصة مهمة لتبادل الأفكار والخبرات بين المختصين والإسهام في صياغة سياسات صحية أكثر فاعلية.

وتضمن برنامج الندوة ثلاث جلسات رئيسة ناقشت الإشكاليات العملية والتحديات القانونية التي تواجه القطاع الصحي؛ حيث تطرقت الجلسة الأولى إلى الجوانب التشريعية والقانونية في المجال الصحي وتضمنت ورقتي عمل، الأولى قدمها الدكتور قيس السابعي المدير المساعد بالمحكمة الابتدائية بصحار وسلط فيها الضوء على التشريعات القانونية في المجال الصحي، والثانية قدمها الدكتور ناصر العزري المدير العام للموارد البشرية بوزارة الصحة عن أهم التحديات التي تواجه تطبيق هذه التشريعات.

وخصصت الجلسة الثانية للحديث عن الممارسات التطبيقية والمبادئ القضائية في المجال الصحي، إذ افتتحت الجلسة بورقة عمل بعنوان الأخلاقيات المهنية لمزاولي المهن الطبية للبرفسور يحيى الفارسي أستاذ علم الأوبئة والصحة العامة بجامعة السلطان قابوس، وجاء في المحور الثاني من الجلسة قراءة لأهم المبادئ القضائية في المجال الصحي من تقديم الدكتور محمد الشعيلي الباحث القانوني بالمكتب الفني بالمحكمة العليا، واختتمت الجلسة بورقة عمل بعنوان المعايير الأخلاقية والقانونية للأخطاء الطبية قدمتها الدكتورة أمل البلوشية مقررة اللجنة العليا للأخطاء الطبية.

وتناولت الجلسة الثالثة أهم التحديات والطموحات للجوانب التشريعية والتعليمية في المجال الصحي بعرض ثلاث أوراق عمل تتعلق بالتحديات القانونية التي تواجه المؤسسات التعليمية والطبية وكيفية التعامل معها، من تقديم الدكتورة أسماء البلوشية مدير دائرة شؤون المتدربين بالمجلس العماني للاختصاصات الصحية، وشاركت الدكتورة قمرة السريرية المديرة العامة لمركز ضمان الجودة بوزارة الصحة بورقة عمل حول التحديات القانونية التي تواجه تسجيل الحوادث الطبية وأهمية التوثيق الطبي، واختتمت الندوة الدكتورة إيناس محمد قطيشات عميدة كلية القانون بجامعة صحار بورقة عمل عنوانها التحديات القانونية المرتبطة بالتطورات الطبية والتكنولوجية مع التركيز على دور الذكاء الاصطناعي أنموذجا للتطورات التكنولوجية.

مقالات مشابهة

  • استفادة أكثر من 431 ألف أرملة في الوسطين الحضري والقروي من الدعم الإجتماعي المباشر
  • 19.2 مليار درهم حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات
  • نصائح لتشجيع طفلك على تكوين الصداقات في المدرسة.. «مضمونة وفعالة»
  • “ماغناتي”: 19.2 مليار درهم حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات
  • تعاون بين الإمارات والهند في المجال النووي السلمي
  • اتفاقية تعاون بين الإمارات والهند في المجال النووي السلمي
  • استعراض دور التشريعات القانونية وتطبيقاتها المهنية في المجال الصحي
  • تيبازة: توقيف 5 أشخاص تورطوا في تكوين جمعية أشرار والسرقة
  • وزير الزراعة يبحث مع سفير سيراليون آفاق التعاون المشترك
  • بحث إنشاء المستودعات البيطرية بجنوب الباطنة