السلامة الإقليمية تعني كل شيء
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
منذ عام 2014، ظلت روسيا تنتهك سلامة أراضي أوكرانيا من خلال التوغلات، والضم غير القانوني. والآن تنتهك أوكرانيا سلامة أراضي روسيا بتوغلها في منطقة كورسك.
الفارق بين الحالتين كبير بطبيعة الحال. فقد استحوذت روسيا الاتحادية رسميا، على شبه جزيرة القرم واستولت على أراضيَ في منطقة دونباس في أوكرانيا، ولا يخفي فلاديمير بوتن نيته إخضاع أوكرانيا بالكامل.
في صياغة اتفاقيات بيلوفيزا في ديسمبر من عام 1991، اتفق زعماء جمهوريات سوفييتية رئيسية على ضرورة احترام الحدود القائمة بالكامل، حتى برغم أن كثيرا منها لم تتبع أي منطق عرقي أو جغرافي. وربما يكون وادي فرغانة في أوزبكستان المثال الأكثر وضوحا، فقد اندلع هناك تمرد مسلح خطير قبل ثلاثة عقود من الزمن. على نحو مماثل، كانت شبه جزيرة القرم قضية إقليمية مثيرة للجدال الشديد في ذلك الوقت. برغم ذلك، كان أولئك الذين أشرفوا على عملية الانتقال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مدركين تمام الإدراك لحقيقة مفادها أن البديل لقبول الحدود القائمة سيكون فوضى واسعة الانتشار. وعلى هذا فقد صادَق البرلمان الروسي على الاتفاق وقبل كل الحدود الموضحة فيه، على الرغم من معارضة الأصوات القومية الأكثر حماسة. في الوقت ذاته، شَـكَّـلَ زعماء ما كان يُعرف آنذاك بالجماعة الأوروبية لجنة من رجال القانون البارزين، بقيادة الفرنسي روبير بادانتير، لوضع مبادئ إدارة الأزمة الناشئة في يوغوسلافيا. ومرة أخرى، كانت الحدود هي القضية المركزية. كانت منطقة البلقان دوما عبارة عن فسيفساء لغوية، وعِـرقية، وطائفية من الشعوب، ولم تعكس الحدود التي أنشئت على مدار القرون السابقة هذه الفوارق. خلصت لجنة بادانتير إلى ضرورة احترام هذه الحدود رغم ذلك، خشية انزلاق المنطقة إلى الفوضى وسفك الدماء.
قَـبِـلَ زعماء أوروبا توصية اللجنة رسميا، وجعلوا من سلامة الأراضي حجر الزاوية في جهودهم لإدارة تفكك يوغوسلافيا. ولكن بطبيعة الحال، ظلت بعض التعقيدات قائمة. كان وضع كوسوفو محل نزاع، لأنها لم تصبح جمهورية كاملة مثل الجمهوريات الأخرى. ولو مُنِحَت وضعا مماثلا للوضع الذي حصلت عليه الجمهوريات اليوغوسلافية السابقة الأخرى في عام 1991، لكان الاعتراف باستقلالها أمرا بسيطا ومباشرا.
لكن هذا لم يحدث ولم تتقبل بعض الدول حقيقة مفادها أن الاعتراف باستقلال كوسوفو هو السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدما إلا في عام 2008، بعد عدة جهود دبلوماسية مكثفة داخل وخارج الأمم المتحدة. ولكن حتى في هذا الحدث، كانت الحدود تعتبر مقدسة، ولا شك أن بعض الحدود أعيد ترسيمها دون عنف خلال هذه الفترة، كما حدث عندما انقسمت تشيكوسلوفاكيا بشكل متناغم إلى جمهورية التشيك وسلوفاكيا. لكن هذه العملية جاءت في أعقاب اتفاق متبادل بين جميع الأطراف المعنية، وظل مبدأ السلامة الإقليمية هو الأكثر أهمية.
على نحو مماثل، عندما اندلعت موجات تمرد عارمة في الشيشان في منتصف تسعينيات القرن العشرين ومرة أخرى في عام 1999 ــ والتي أسفرت عن حربين شديدتي الدموية ــ لم يلمح الزعماء الأوروبيون حتى إلى أنهم ربما يعترفون بأي إعلانات استقلال من جانب أولئك الذين يأملون في الانفصال عن روسيا الاتحادية. ولكن في عام 2008، انتهكت روسيا ذاتها مبدأ السلامة الإقليمية من خلال الاعتراف بإعلان استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا، ودعمهما عسكريا. لم تخدع إعادة ترسيم الحدود الجديدة على هذا النحو أحدا، حتى أن بيلاروسيا لم تعترف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين. لكن ذلك كان علامة على ما كان آتيا في أوكرانيا في عامي 2014 ثم في عام 2022.
من السهل تماما أن نزيل الغبار عن خريطة قديمة ونطالب ببعض الأراضي التي ربما كانت ترفع علما مختلفا ذات يوم. في أوروبا، كان هذا الدافع مصدرا لحروب كثيرة. وفي حالة كورسك، كانت المنطقة ذات يوم جزءا من الكومنولث البولندي الليتواني، الذي هيمن على المنطقة لقرون من الزمن. لكن هذا في غير محله الآن، كما كانت الحال مع ضم كاترين الثانية لشبه جزيرة القرم من الإمبراطورية العثمانية في عام 1783. إن احترام سلامة الأراضي هو الأساس الذي يقوم عليه السلام والأمن والازدهار في أوروبا. وإذا لم يعد هذا المبدأ قائما، فلن يصمد أيضا العالم الذي نعتبره أمرا مسلما به.
كارل بيلت وزير خارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيس الوزراء من عام1991 إلى عام 1994، وقد شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلامة الأراضی من الزمن فی عام
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي يبحث مع نظيره الزامبي تطورات الأوضاع الإقليمية
يستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية زامبيا، هاكيندي هيتشيليما؛ اليوم الاثنين، بقصر الاتحادية؛ لبحث تعزيز العلاقات الثنائية والتشاور بشأن تطورات الأوضاع الإقليمية.