احتفل المئات من أقباط مدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، مساء اليوم الأربعاء، بالليلة الختامية لصوم السيدة العذراء مريم، بكنيستها بشارع الكنيسة بإسنا، مقر المطرانية، الذى أستمر 15 يومًا، بتقديم النذور وإشعال الشموع أمام الأيقونة بالإضافة إلى نحر الذبائح، بمناسبة ذكرى إعلان إصعاد جسد السيدة العذراء إلى السماء، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وترأس نيافة الأنبا يواقيم، أسقف عام إسنا وأرمنت، مراسم أحتفالات الليلة الختامية، بصلوات رفع بخور عشية والنهضة الروحية والتسبحة، بمشاركة أباء كهنة الإيبارشية، وخورس الشمامسة والشعب القبطي.

وشهد الاحتفال طواف عدد من الشمامسة أرجاء الكنيسة، حاملين الشموع والصلبان التي تعلوها صور العذراء مريم ومن خلفهم الأب الأسقف والآباء الكهنة حاملين أيقونة السيدة العذراء، وسط أصوات التراتيل والتماجيد المطوبة للعذراء مريم وسط فرحة من شعب الكنيسة الذي تهافت لأخذ البركة من أيقونة العذراء.

وفي هذا الصدد يقول القمص متاؤس القمص زخاري وكيل مطرانية إسنا وأرمنت، إن الأقباط يحتفلون بصوم السيدة العذراء مريم في هذه الفترة من كل عام، إحياءً لذكراها، وينتهي الصوم مع الاحتفال الكبير بعيد السيدة العذراء، وتشهد كنيسة العذراء في مدينة إسنا حضورًا كبيرا من الأقباط والمحبين الذين يتوافدون على الكنيسة في هذه الأيام المقدسة.

وأضاف وكيل مطرانية إسنا وأرمنت، إن صوم السيدة العذراء مريم له قصة حقيقية حدثت لجسد السيدة العذراء مريم بعد وفاتها، حيث إن جسد السيدة مريم يشاء الله أنه لا يظل في الأرض لحكمة منه، وتكريمًا للسيدة العذراء، فأرسل الملائكة وأخذوا جسد السيدة مريم بالكفن وصعدوا به إلى السماء، وموجود في مكان مخفي لا يعلمه إلا الله، وهذا مثل ما حدث مع جسد النبي إيليا وغيرهم، وما حدث أن توما أحد تلاميذ السيد المسيح كان موجودا خارج أورشاليم وعندما كان يمشي في الصحراء وجد الملائكة يأخذون جسد السيدة العذراء مريم ويصعدون به إلى السماء، وعندما نادى عليها قال له أحد الملائكة «تعالى وخذ البركة من جسد السيدة العذراء مريم، وذهب وأخذ البركة وتمسك في شريط الكفن حتى أخذه معه إلى الأرض، وهو موجود في إحدى الكنائس التي سميت باسمه».

وأوضح القمص متاؤس القمص زخاري، أن توما عندما عاد إلى فلسطين وأبلغه باقي التلاميذ أن العذراء ماتت وتم دفنها، فسألهم عن مكان دفنها وذهبوا إلى القبر فلم يجدوها، فحكى لهم ما شاهده من الملائكة وصعودهم إلى السماء وهم يحملون جسد السيدة العذراء، فصاموا الـ15 يوما هذه حتى يروا جسد السيدة مريم وهو صاعد إلى السماء، وبعد انتهاء الصوم رأوا جسد السيدة مريم والملائكة تصعد به إلى السماء.

وقال القس هارون صموئيل كاهن كنيسة العذراء مريم بإسنا، إن كل الأديان تكرم السيدة العذراء مريم، وكل الكتب السماوية تحدثت عن العذراء مريم، كما سميت سورة باسمها في القرآن، فالكل يقدر العذراء مريم، وهي من جمعت الأديان السماوية، لذلك تقوم الطوائف الكنسية جميعها بصيام هذه الأيام تكريم للسيدة العذراء مريم، كما أن هناك بعض الطوائف تصوم في أوقات مختلفة، منهم من يصوم من بداية شهر أغسطس.

وأشار القس هارون صموئيل، إلى أن هناك العديد من التقاليد التي تميز صوم السيدة العذراء عن باقي الأصوام، حيث يقوم الأقباط بعمل تسابيح وترانيم يومية منظومة بألحان كنسية خاصة لصوم السيدة العذراء مريم، كما يتم عمل نهضات يومية طوال فترة الصوم، وهي موعظة تلقى كل يوم، وهناك صلوات كل يوم طوال فترة الصوم، كما يتم عمل دورة للصليب بوضع الشموع على صورة السيدة العذراء مريم.

وفي نفس السياق، كثفت مديرية أمن الأقصر بقيادة اللواء محمد الصاوي مدير الأمن، من تواجد قوات الشرطة وخبراء المفرقعات بمحيط الكنائس والأديرة، خلال تشديد إجراءات التفتيش للوافدين إليها وتفعيل البوابات الإلكترونية، وتواجد قادة الكشافة ومسئولي الأمن الإداري بالكنائس للتعرف على الوافدين من المناطق المجاورة لها أو من خارجها لمساعدة رجال الأمن خلال عملية التفتيش، وذلك في إطار خطة تأمين الكنائس خلال فترة الاحتفال.

 

IMG-20240821-WA0127 IMG-20240821-WA0128 IMG-20240821-WA0125 IMG-20240821-WA0126 IMG-20240821-WA0124 IMG-20240821-WA0129 IMG-20240821-WA0130 IMG-20240821-WA0123

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: محافظة الأقصر الاقصر صوم السيدة العذراء عيد العذراء مريم كنيسة العذراء شمامسة جنوب الاقصر الليلة الختامية العذراء مريم إشعال الشموع أسقف عام إسنا وأرمنت اسنا جنوب الأقصر احتفالات السیدة العذراء مریم جسد السیدة العذراء جسد السیدة مریم إلى السماء IMG 20240821

إقرأ أيضاً:

ليلة أُسري بي من إسطنبول

الساعة الثانية عشرة مساء، على كرسيٍّ متهدِّلٍ للخلف، أراقب ندف الثلج المتهادية من السماء، لحظات قليلة بدَّلت الأرض جِلدها، والسماء لونها، انحسر الظلامُ رويدا رويدا، وتسلَّل الضوء خفية، خفية، تلاشت الحدود بين السماء والأرض، لم تَعُد السماء تحتكر بَثَّ النور، انبعث اليوم من الأرض أيضا.

لم يَعُد التأملُ في ذلك الجمال من نافذة الغرفة كافيا، ارتديتُ ما وَقَعَتْ يدي عليه من اللباس، ثم انطلقتُ لأقابل الأرضَ وجها لوجه، لأحتضن هدايا السماء البيضاء، وأقبِّل بعض ثغورها المترامية على عشب إسطنبول.

خطوتُ إلى الخارج بضع خطوات، فإذا بالأرض تمتدُّ أمامي بثوبها الأبيض، خاشعة كأنها في صلاةٍ صامتة، فانحنيتُ برفق، وكأنني أقدِّم امتناني لهذا الجمال، لهذا المشهد الذي كان قبل سنوات قليلة حلما بعيد المنال، أصبح اليوم واقعا أُعايشه، منغمسا فيه كما ينغمس طفلٌ في حضن أمه.

بعد خطواتٍ معدودة، وقعت عيني على مقعدٍ تحت شجرٍ مبيَّض، جلستُ عليه، ثم أرخيتُ رأسي ورائي، ومددتُ يديَّ على جانبيه، ورحتُ أتنفَّس بعمق، وكأنني أمتصُّ الهواءَ من السماء نفسها، كان الهواء يتسلَّل ببطء عبر أنفي، فيلامس صدري، شاقّا طريقا باردا لطيفا، يتسرَّب إلى أعماق جسدي، ويتغلغل في تجاويفه، فتُصيبني رعشةٌ مثل همسةٍ ناعمة في ليلٍ ساكن، تلبَّسني حينها سكونٌ غريب، وكأن روحي تتسرَّب من جسدي.

فجأة، اهتزَّ الكرسيُّ هزَّة قوية، وكأنه ينخلع من مكانه طائرا، لشدة فزعي أغمضتُ عينيَّ، ثم أدخلتُ يدي تحت ظهره وقبضتُ عليه بشدة، أحسستُ بأن قدميَّ عالقةٌ بين السماء والأرض، للحظةٍ، شعرتُ أنني أطير مع النجوم، وأحلِّق وسط السحاب، ثوانٍ قليلة فقدتُ بردَ إسطنبول، فكَّرتُ بأن أرفع جفنيَّ، لكن الوقت لم يُسعفني، ارتطم الكرسيُّ بالأرض، غارسا أعمدته الأربعة في ترابها، وكأنها تعود لجذورها.

ببطءٍ وخوفٍ، فتحتُ عينيَّ، وإذا الأرضُ غير الأرض، والسماءُ غير السماء، شيءٌ ما قد تغيَّر، الأرض لم تَعُد بيضاءَ ولا خضراء، والمنازل لا تشبه تلك التي عرفتها منذ خمس سنوات، سكينةٌ غشيتني لرؤيتها، هدوءٌ سرى في جسدي، وبسمةٌ شقَّت فمي، تُرى، أين أنا؟ ما هذا المكان القريب إلى روحي؟ ما سرُّ السعادة التي شعرتُ بها؟ ما الهدوء الذي ينبض به قلبي؟

كانت تلك السعادة أكثر من مجرد شعورٍ عابر، وكأنني عدتُ خمس عشرة سنة إلى الوراء، إلى اللحظة الأولى التي حطَّت قدمي في المدينة الساحرة، تلك المدينة التي تُشبع روحك قبل جسدك، الخطواتُ بين أزقتها جلساتُ علاجٍ نفسيٍّ مكتملة، لا نَسيمَ فيها، لكن هواءها ألطف من نسيم إسطنبول بأسرها.

الآن فقط، شعرتُ وكأنني لم أعرف الهمَّ، ولا الحربَ، ولا النزوحَ، ولا مرارةَ فقد الأهل، ولا هواجسَ الغربة مطلقا، طعمُ الحرية لأول مرةٍ منذ سنوات، نبضُ الحياة في كل حبَّات ترابها.

نعم، أعرف هذه المدينة حارة حارة، بيتا بيتا، لطالما سِرتُ سنواتٍ بين أزقتها، لطالما ابتسمتُ وبكيتُ وحزنتُ وابتهجتُ بين أحضانها، طفولةٌ وشبابٌ مرَّا منها، كانت أمّا حنونا، وأبا مشفقا، سهرت لياليَ طويلة تستر زلَّاتِ طفولتي، وتحرس طيشَ مراهقتي، وفيَّةٌ كما لم تكن مدينةٌ أوفى منها، لم أكن أسكنُ عليها، بل في أعماقها، كعادة كلِّ مَن وَلَجها، لم تكن أرضا تُداس، بل أمّا تحتضن.

الساعةُ الآن الثامنة من مساء العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، اللحظةُ التي عرفتُ فيها هذه المدينة لأول مرة، وصلتُ إليها من أقصى الشمال، قاطعا مسيرة نصف يومٍ بقلبٍ متلهِّف، وروحٍ تواقة لم تتُقْ لغيرها قبلها ولا بعدها، تذكرتُ أنني لأسبوعٍ لم أُرَ إلا مبتسما، لم أنمْ فيه إلا سويعاتٍ قليلة، قضيتُ جُلَّ أيامه متنقِّلا بين شوارعها، راكبا مرة، تائها أخرى، وعلى العكس من مشاعر خوف الضائعين بين أزقة المدن الكبيرة، كنتُ سعيدا بكل لحظاتها، ربما مرَّ جُلُّ الليل وأنا أبحث عن طريقٍ أعود به إلى مضجع الرأس، لكن في كل ذلك كنتُ أشعر أنني في مسكني، وفي حضن أمي.

اليوم، بدت لي هذه المدينة ليست كما كانت في أول لقاءٍ بيننا، كانت كعجوزٍ شائخةٍ وامقة، تراقبني بعينٍ صامتةٍ، وأخرى دامعة، ترغب في أن تبثَّ لي أحزانها، لكنها، وكعادة الأمهات، تسمع شكوى بنيها ولا تشكو لهم، كانت تتألَّم بصمت، ولا تجرؤ على البوح، لكن كل زاويةٍ فيها تحكي ما بها، تكشف عن أحزانها، وما صنع الغرباء بها.

في تلك اللحظات، تذكرتُ كيف كانت شوارعها ومنازلها في لقائي الأول بها، ثم بعد ذلك بسنواتٍ طويلة، حتى حلَّ البلاءُ عليها فجأة، محتلّا قاسيا، يسابق الزمن في قتلها، كانت المدينة، رغم ما بها، تنتظر، تأمل أن يعود إليها أبناؤها، وتعانقهم من جديد، تحمل بين جوانبها أملا ضئيلا لا يزال حيّا رغم طعنات غزاتها، تقاوم بكل ما تبقَّى لها من قوة.

ربما في يومٍ من الأيام، سيعود هؤلاء الأبناء ليمسحوا عنها الغبار، ويبعثوا فيها الحياة كما كانت من قبل.

ربما في يومٍ من الأيام، سيعود الفجر ليشرق على أطرافها، وتعود كما كانت دائما، متألقة، وأبديةَ الجمال.

ربما في يومٍ من الأيام، تنبعث شوارعها من جديد.

ربما في يومٍ من الأيام، تعود ضحكاتُ الناس في أزقتها، وزغاريدُ النساء في حواريها.

ربما في يومٍ من الأيام، تعود صنعاء، كما عرفتها طفلا: جميلة، بهية، بشوشة، نضرة، حنونة، كريمة، دافئة.

كنتُ قد وصلتُ إلى ميدان التحرير قبل انبلاج الفجر بساعةٍ تقريبا، قعدتُ على ذلك الجدار المطلِّ على الميدان، كما كنتُ أجلس قبل سنوات، تأملتُ المباني المطلة عليه، فذكرتني بذكرياتٍ قديمة، لمّا كنتُ أهرب إليها في كل ضائقة، آتيها مكفهرّا، فتُعيدني مبتسما، آتيها حزينا، فتبعثني مشرقا بهيّا.

لكنها اليوم، وقد سرقوا منها رونقها، وأحالوها إلى جدرانٍ عتيقةٍ لا تحمل بين طياتها إلا ذكرياتٍ حزينة، شعرتُ بأنها تخاطبني بصوتٍ مبحوحٍ لشيخٍ في رمقه الأخير، تستنجد بي، وتحمّلني آهاتها، تنتظر مني وفاء لها، كدتُ أسقط مغشيّا عليَّ، فلم يَعُد بي طاقة لأتحمَّل معاناتها، عاجزا عن إنقاذها.

رحلتُ من التحرير هاربا من عتاب جدرانه الصامتة، قعدتُ على كرسيّ متهالك على مقربة من أحد منازل صنعاء القديمة، وفجأة، كما في الأولى، اهتزّ المقعد، ووجدتني بلمح بصر في إسطنبول، مغطى بالثلج، ترتعد أطرافي، وقد رآني صديق فاستغرب حالي، وهبّ لمساعدتي، ثم لأسبوع كامل بقيتُ في أحد مستشفيات إسطنبول أشكو من علة عجز الأطباء عن تشخيصها، تلك هي علة "اللوعة لصنعاء"، لا دواء لها سوى تلك المدينة التي لم أستبدل بها عشقا، مهما تجملت وتزينت غيرها.

مقالات مشابهة

  • مجهولون أقدموا على نزع تمثال السيدة العذراء في سنيا - جزين
  • الأنبا توما يترأس يوم الدعوات الإيبارشي للمنطقة الشمالية بكنيسة السيدة العذراء بكوم غريب
  • بالصور.. جامعة الأقصر تشارك في فعاليات النسخة الثانية لمهرجان القصير للتراث والفنون
  • الأنبا توما يترأس اللقاء الروحي لشباب إيبارشية طهطا
  • بالصور.. البابا تواضروس يفتتح سمينار الرهبنة القبطية
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في القداس الإلهي ببازيليك السيدة العذراء بمصر الجديدة
  • مسلسلات رمضان 2025.. تفاضيل شخصية مريم الخشت في«الشرنقة»
  • شاهد بنفسك.. الليلة القمر يظهر مع نجم سبيكا لمعانه مثل الشمس 13.5 مرة
  • ليلة أُسري بي من إسطنبول
  • بالصور.. نقابة الفلاحين تكرم مدير أمن الأقصر ومدير البحث الجنائي