في أواخر السبعينيات غنّى المطرب الكويتي عوض الدوخي قصيدة الشاعر الأموي عبد الله بن عبيد الله ابن الدمينة الأكلبي (ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد) وسرعان ما ذاع صيتها، وبعد أن اشتهرت، غنّاها كثيرون من بينهم: كرامة مرسال، وليلى عبدالعزيز، وعبدالكريم مرعي، ومحمد الشعلان، ولعل آخرهم المطرب السعودي محمد عبده الذي غنّاها في مهرجان الغناء بالفصحى في الرياض عام 2023م وهو مهرجان تنظمه وزارة الثقافة السعودية بهدف العناية باللغة العربية، وتعزيز حضورها والاحتفاء بها، والالتفات إلى النصوص الشعرية العربية الخالدة، فالمطرب الراحل عوض الدوخي بحث في بطون التراث، حتى وجد ضالّته في قصيدة ابن الدمينة التي يقال إن العباس بن الأحنف كان إذا سمعها يترنح ويقول لصديقه إسحاق بن إسماعيل: أأضرب هذا العمود برأسي من حسن هذا الكلام؟ فيقول له إسحاق: لا، ارفق بنفسك، ففيها وجد وحنين وعذوبة ألفاظ فعلّق هذه الدرّة الثمينة على جيد حنجرته، فكانت أغنية (ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد) التي ذاع صيتها عندما غنّاها، فردّدتها الألسن:
ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجدِ
لقد زادني مسراك وجدا على وجدِ
إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى
على غصن بانٍ أو غصون من الرند
بكيتُ كما يبكي الوليد ولم أكن
جليدا وأبديت الذي لم أكن أبدي
وليس اختياره لهذا النص بغريب، فالمطرب الكويتي المولود عام 1932 والمتوفى عام 1979م بدأ حياته الفنية بقصيدة سجلها في إذاعة الكويت عام 1955م وكانت قصيدة للشاعر عبدالله محمد باحسن بعنوان «صوت يشوقني برق من الحي لامع» أعقبها في عام 1959م بقصيدة «يامن هواه أعزه وأذلني» وهي من كلمات الإمام سعيد بن أحمد البوسعيدي:
يا من هواه أعزّه وأذلّني
كيف السبيل إلى وصالك دلني
وتركتني حيران صبا هائما
أرعى النجوم وأنت في نوم هني
عاهدتني أن لا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني
لكن أغنيته (ألا يا صبا نجد) حققت له شهرة واسعة، وكيف لا تحقق هذه الشهرة وقد توفر لها ثالوث النجاح: الكلام الآسر، واللحن الجميل، والصوت الشجي!؟ فقد غنّاها صاحب الصوت الرخيم عوض الدوخي ووضع ألحانها أحمد سالم سعيد الشعيبي الشهير بأحمد الزنجباري الذي يعد اليوم رائد الأغنية الكويتية، فقد أبدع في صياغة لحن فريد مستمد من الإيقاعات الخليجية المتنوعة مستعينا بالكورس الذي زاده جمالا، وحلّق مع كلمات القصيدة، ومن أشهر الأغاني التي لحّنها (السحر من سود العيون)، عن قصيدة للشاعر أحمد شوقي، وغنّاها المطرب سعود الراشد عام 1956 وفي الاحتفاء بأحمد الزنجباري الذي أقيم ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي السادس 1999م أعيد غناء هذه الأغنية التي تقول كلماتها:
السحر من سود العيون لقيته
والبابلي بلحظهن سقيته
الفاترات وما فترن رماية
بمسدّد بين الضلوع مبيته
ولم تكن تلك الأغاني موجهة للنخب المثقفة فقط، بل للعامة، التي أقبلت عليها مثلما يقبل الشباب اليوم على القصائد التي يغنّيها المطرب كاظم الساهر، وفي آخر حفل حضرته له في دار الأوبرا السلطانية مسقط، كان عندما ينتهي من أداء أغنية يخيّر الجمهور بين أداء أغانٍ شعبية، أو قصائد؟ فيختارون القصائد، ومن قبله نجاة الصغيرة وفائزة أحمد وهيام يونس التي ما زلنا نردد أغنيتها (تعلق قلبي طفلة عربية) والأخيرة تنسب للشاعر الذي عاش في عصر ما قبل الإسلام امرئ القيس، وهي لا تقلّ جمالا عن أغنيتها (سمراء) التي كتبها الشاعر يحيى توفيق ووضع ألحانها جميل محمود، وتقول كلماتها:
سمراءَ رقّي للعليلِ الباكي
وترفّقي بفتىً مناهُ رضاكِ
ما نامَ وجدا تجاسرَتْ عيناهُ
بينَ المروجِ فغازلتْ عيناكِ
وهو الذي باتَ اللّيالي باكيا
يرعى النّجومَ لعلّه يلقاكِ
بهذه الأغاني ارتقت الأغنية العربية بالذوق، وسجّلت حضورا استثنائيا، واليوم وأنا أصغي إلى الأصوات المشاركة بمهرجان الأغنية العمانية الثاني عشر الذي أقيم بمسرح المروج بصلالة، كم كنت أتمنّى أن أستمع إلى أغنية كلماتها مكتوبة باللغة العربية الفصحى! فالأغاني الست المختارة، كانت مكتوبة بالعامية، رغم تقديري لشعرائها، وظننت أن لجنة الاختيار لم تجد نصّا مغنّى بالفصحى يلبّي حاجة المهرجان ويرتقي إلى طموحاته، وحين تقصّيت عن الأمر علمت بأن الأغاني الـ(33) التي تقدّمت للمشاركة في المهرجان لم تكن من بينها أغنية واحدة مكتوبة بالفصحى !
وهنا ألفت نظر المطربين الشباب إلى ضرورة العودة إلى تراثنا الأدبي والبحث عن نصوص مكتوبة باللغة العربية الفصحى إن لم يجدوا نصوصا لدى شعرائنا المحدثين تلبّي طموحاتهم، فالأمل معقود بهم وحناجرهم التي حين تصدح بمثل هذه النصوص المحفوظة في المدوّنة الشعريّة العربيّة وتشكّل هويّة مشتركة، ستشقّ طريقها إلى أذن الجمهور العربي لأنها تكون قد تجاوزت الأطر المحلية، وانطلقت تحلّق في فضاءات واسعة مثلما حلّقت أغنية عوض الدوخي (ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد).
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الإجرام الذي لن ينتهي بشهادة الأعداء
الحق واضح ومعلوم يدركه الجميع حتى الكاذب يعرف أنه يكذب ويخالف الحقيقة والواقع؛ وهي سنة من سنن الله في المجتمع البشري والإنساني لكي يتميز الناس ويدرك العقلاء حسنات الصدق وتبعاته وعواقب الكذب ومآلاته.
الله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن الكريم تسلية للنبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم حينما كذّبه قومه وأخبره أنهم لا يكذبونه ولكنهم جاحدون وظالمون قال تعالى ((قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون))الانعام-33.
العرب الأصلاء كانوا يرون الكذب نقصاً في الرجولة لا يليق ومن أمثالهم “ان الحق ما شهدت به الأعداء”، أما اليوم فالمواجهة مع الأعداء من صهاينة العرب والغرب، وهم يعتمدون على الأكاذيب والإشاعات كسلاح مدمر إلى جانب الأسلحة الإجرامية التي يريدون من خلالها إبادة الضحايا على أنهم مجرمون واجب قتلهم وإبادتهم بدون حياء ولا خجل.
في الحرب الإجرامية العدوانية على غزة وفلسطين اتفقت تصريحات قادة ومسؤولي الدول الغربية على الالتزام بتسويق دعايات الإجرام الصهيوني وهو أمر ليس بجديد ولا غريب عليهم، لأنهم لم يتعلموا في مدرسة النبوة المحمدية، بل درسوا في مدرسة “الميكيافلية” و”الغاية تبرر الوسيلة”.
لن نستعرض كل تلك الأكاذيب التي تحتاج إلى مجلدات لتوثيقها، بل سنورد بعضا منها فيما يخص معركة طوفان الأقصى في قضية الأسرى .
فمثلا لوبي الحكم في البيت الأبيض السابق “بايدن وشلته” في بداية المعركة أشاعوا أن المقاومة قتلت الأطفال وقطعت رؤوسهم وسرت الأكاذيب في وسائل الإعلام اليهودية والمتيهودة كالنار في الهشيم، رددها الرؤساء ورؤساء الوزراء في الغرب وفي الشرق وفي الهند والسند، ومن يدعمون الكيان المحتل بدون التأكد منها، ولما اتضح زيفها وكذبها؛ نشروا التكذيب ولكن بعد أن نسجوا كذبة أخرى حتى يشغلوا الناس عن معرفة أكاذيبهم الإجرامية.
ولا يختلف الأمر فيما يخص لوبي الحكم الحالي، إلا من حيث أن الأول قاتل ومجرم قد يكثر الصمت وهذا قاتل ومجرم له صوت عالٍ وغطرسة بلا حدود؛ فمثلا تصريحه القائل (ان الرهائن عادوا وكأنهم آتون من المحرقة أجسادهم هزيلة مثل الناجين من الهلوكست؛ تم إطلاقهم وهم بحالة سيئة-وتم التعامل معهم بقساوة مروعة من خرجوا سابقا كان شكلهم أفضل؛ لكن من الناحية النفسية والعقلية هم عانوا، لا يمكن أن أتحمل ذلك في مرحلة معينة سنفقد صبرنا، لقد كانوا محاصرين لا يأكلون لأكثر من شهر)، ترامب لا يهمه حصار غزة ولا الإجرام الذي تعرض ويتعرض له الأسرى الفلسطينيون فذلك لا يعنيه، بل ما يهتم له ويعنيه، هو أمر القتلة والمجرمين الذين ينفذون سياسة الحلف الصهيوني الصليبي (صهاينة العرب والغرب).
العالم كله شاهد الإجرام الفظيع الذي تعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون كيان الاحتلال، منهم من فقد عقله ومنهم من قطعت أطرافه ومازالت آثار التعذيب على أجسادهم، اما من قتل تحت التعذيب فلم يخرج، وتقارير المنظمات الحقوقية واعترافات الصهاينة موثقة، لكن ترامب وفريقه الإجرامي لا يكترثون لذلك.
الناشط الأمريكي “دان بليزيريان” تحدث في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية واعترف؛ أن الإسرائيليين من المقبول لديهم الاغتصاب الجماعي للسجناء الفلسطينيين، وفي اعترافات مجندة إسرائيلية “أن وحدة من الجنود الصهاينة اقتادوا طفلا من الفلسطينيين وتناوبوا على اغتصابه وهي وزميلتها تشاهدان ذلك” دان قال: إن أمريكا تمول جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها جنود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ترامب قد يبدو حريصا على عدم تمويل الجرائم من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، لذلك استعان بالمال السعودي والإماراتي وغيرهما من الممولين في العالمين العربي والإسلامي، –السعودية تكفلت بتريليون دولار والإمارات صحيح أنها لم تعلن عن مساهمتها، لكنها لن يقل سخاؤها عن منافستها، فقد تكفلت بدعم ضحايا اليهود وأسرهم وسيَّرت الجسور الجوية والبرية، ولولا الحصار اليمني لفاقت وتصدرت الدول الأخرى في إمداد الإجرام الصهيوني لإكمال جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية؛ بالإضافة إلى مصر وغيرها من الداعمين للإجرام الصهيوني الصليبي؛ لأنهم يريدون إبادة المقاومة ويعتبرونها كفرا.
لن نعيد تكرار الحديث عما نقلته وسائل الإعلام وعدسات المصورين في عمليات التبادل لكي نبين ونؤكد كذب ترامب وكل المجرمين المتضامنين مع الإجرام الصهيوني، وسأكتفي بإيراد اعترافات مجندة إسرائيلية تم استدعاؤها عقب طوفان الأقصى لأداء الخدمة تقول : تم استدعائي وأجري الفحص الطبي الشامل بما في ذلك فحص العذرية الذي لم يكن من بين بنود الفحص الطبي؛ لم اعترض لكن تقرب منها أحد الضباط وكسب ثقتها وشعرت بالأمان معه وفي يوم من الأيام دس لها مخدرا في شرابها ولعب بها، وبعد ذلك تم استدعاؤها إلى مكتب مسؤول رفيع واخبرها انه سيتم الإعلان عن اختفائها وانها لدى المقاومة وبعد أن يتم إطلاق سراحها في عملية التبادل، سيجري لها فحص العذرية وتحميل المقاومة المسؤولية عن ذلك؛ مع أنه تم وضعها في منشأة سرية في عاصمة الكيان المحتل؛ وأن كل شيء كان معدا ومخططا له مسبقا؛ وأكدت أن هناك الكثير من الفتيات تم التلاعب بهن من أجل اتهام المقاومة، وذلك جزء من الحرب الإعلامية التي لا تقل إجراما عن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وقالت: إن الناس في غزة طيبون، لكن علينا تنفيذ الأوامر.
إسرائيلية أخرى روت أن رجال المقاومة لم يمسوها بسوء مع أنها خافت حينما انكشفت أجزاء من جسمها أمامهم، فقد حافظوا عليها وعلى كرامتها .
التحالف الإجرامي اليهودي الصهيوني يشن حملاته الإجرامية، مستخدما كل الأكاذيب والإشاعات ليغطي جرائم الإبادة والجرائم التي يرتكبها، لأنه لا شرف له ولا كرامة وإلا لو كان يمتلك ذرة من ذلك لما عمل ويعمل على إبادة الأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة ولا شفقة، فقد قصف مستشفى السرطان في صعدة وقال إنه استهدف قيادات الحوثي.
أسيرة صهيونية محررة أطلق عليها رجال المقاومة “سلسبيل” كانت تعتقد حسب اعترافاتها أن المقاومة سيقيدونها لديهم، لكنهم لم يفعلوا ذلك وكانت تخاف من عدم إجراء صفقات التبادل “صحيح أنهم كانوا يراقبوننا- لكنهم قالوا لنا سنحميكم حتى لو قتلنا معا- وفعلا كانوا يحموننا من القصف بأنفسهم ويقدمون لنا الطعام والماء ولم يلمسوننا حتى ونحن نمارس الرياضة معهم وضعوا مناشف على أيديهم –لانهم يعتبرون المرأة لديهم كالملكة؛ يتمتعون بعزيمة وإرادة لا تقهر ومهما فعلنا فلن يحنوا رؤوسهم لنا بل يتجهزون لتحرير وطنهم”.
المقاومة الفلسطينية أعلنت أنها تريد تحرير الأسرى لدى سلطات الاحتلال مقابل الأسرى الأحياء والأموات، لكن الإجرام لا يفهم غير لغة الإجرام، فعاود ارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في غزة واليمن؛ رفض قادة الاحتلال تنفيذ بنود وشروط عمليات التبادل، لأنها كشفت بعضا من جرائمهم واتجهوا لاستكمال مشاريعهم الإجرامية بدعم وتأييد من صهاينة العرب والغرب.
الجامعة العربية أصدرت قراراتها والإجرام كان رده عمليا وعلى أرض الواقع، لأن من جملة القرارات تكفلها بإعادة إعمار غزة، بمعنى أن عليهم ان يستكملوا جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وهي سترسل الأكفان أما الإغاثة وإيقاف الإجرام فليس بمقدورها فعل أي شيء وعلى الأشقاء الفلسطينيين أن يواجهوا قدرهم، إما الموت جوعا أو أن يتكفل شذاذ الآفاق بإبادتهم، وحسب تصريح “نتن ياهو” يعودون إلى غزة، لأنه ليس لهم بديل وسيقبلون اذا أعطيناهم منازل في منطقة آمنة، لن تكون هناك حماس تقتلهم وتهددهم وتعذبهم، إما ما ارتكبه الإجرام الصهيوني فهو الرحمة والرأفة بعينها، ولا يختلف الأمر لدى المجرمين من الساسة الداعمين للحلف الصهيوني الصليبي، لأنهم بلا أخلاق ولا قيم ولا مبادئ، أما صهاينة العرب فقد أضافوا وجمعوا إلى ما سبق السفالة والانحطاط والعمالة والنفاق.