لجريدة عمان:
2024-12-28@16:36:14 GMT

الربيع الصيني

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

تحدثت في الجزء الأول من هذه المقالة عن قدرة المفكر على رؤية الأمور والأحداث ومآلاتها أبعد مما يراه بقية الناس، ولا أخفي أنني كتبت ذلك وفي خَلَدي المفكر المصري الراحل د.عبدالوهاب المسيري أولا وقبل أي أحد آخر، وكذلك المفكران المسلمان الجزائري مالك بن نبي والإيراني د.علي شريعتي، كما كنت أشاهد آخرين من أمثال تشومسكي ذلك المفكر الحر؛ حسنا، لماذا هؤلاء تحديدا؟.

امتاز كل واحد من هؤلاء المفكرين بمزية تغلب مساره الفكري وتميّزه على من سواه، ولكنهم اجتمعوا في كونهم كانوا صادقين في مشروعاتهم الفكرية أولا، وكانوا مناهضين للظلم والقهر والاستعمار وكل ما يمس كرامة وحرية وحق الإنسان أيا كان لونه وجنسه ودينه وعرقه، المواجهة التي كانت -في غالبها- بين الغربي، وكل ما ليس غربيا ويراه الغربيون حقا مشروعا لهم.

أقدم ذكرى لي مع حدث هزَّ العالم العربي-الإسلامي وحرّك الناس، كانت الانتفاضة التي أعقبت استشهاد محمد الدرّة، ولم أتخيّل أنني سأعيش لأرى حدثا يشبه إرهاصات ما قبل الحرب العالمية الثانية، بل ومِن أين يمكن أن يبدأ؟ من فلسطين!. تلك الأرض الوحيدة التي ظلّت طوال هذه السنوات فريدة -يُراد لها ذلك- تشبه القطعة الأثرية التي يُحتَفظ بها في المتاحف، كعادة الغربيين في الاحتفاظ والاحتفاء بما أبادوه أو ساهموا في انقراضه. ففي عالم ظننَّا جميعا أننا تخلصنا فيه من بقايا الاستعمار، نفاجأ بأننا نشهد تكالب الغرب -عدا بعض الشرفاء- على شرعنة الاحتلال وإبادة المدنيين. وما نعيشه اليوم -منذ استشهاد الدرّة- شيء غير مسبوق بتاتا، وكأن العالم الحر كان بانتظار أن يحدث شيء كهذا يتيح له الحديث ومناقشة الموضوع مناقشة حرة وبلا خوف، لذلك اجتاحت الأصوات المناهضة لحرب الإبادة والتطهير العرقي الشوارع بالمظاهرات في شتى أنحاء العالم.

في خضم هذه المسرحية الهزلية كلها، يترقب الصينيون المنطقة كمن يتحيّن فرصة الانقضاض على فريسته؛ فالولايات المتحدة وإن كانت أقوى قوة في العالم الآن؛ إلا أن المثل العربي الشهير «اتسع الفتق على الراتق» ينطبق على حالها أوضح مما مضى. فإثارة الصراعات والحروب في شتى أنحاء العالم ليست شيئا يجلب الطمأنينة بحال، بل إن حلفاء اليوم قد يغدون أعداء الغد حين يرون ما يفعله بهم حليفهم وكيف يتخلص منهم فور فراغ المهمات المنوطة بهم. لا يمكن بحال أن تكون أمريكا المسيطرة الفعلية على العالم كله بمواطنين أمريكيين فقط، بل إن السيطرة تتم بالوكالة فحسب؛ ولأنها كذلك فإن تلك السيطرة مشيّدة على الرمال، متى ما تحركت تلك الرمال، انهدّ برج بابل الزجاجي وتكالبت الحكومات الصاعدة قبل الشعوب في التنكيل بالإمبراطورية الساقطة. يتجلى ذلك في الدول التي اعترفت بفلسطين مؤخرا -حتى وإن كان الاعتراف أشبه ما يكون بالأمر المعنوي- قبل مدة من الزمن لم تكن أية دولة -عدا تلك المحاربة أساسا- تستطيع مخالفة الإرادة الأمريكية، والجميع يعمل تحت تلك الإدارة كما يفعل موظفو الشركات، واليوم يتم التحدث جهارا عن الطغيان الأمريكي ووجوب إيقاف الأمر عند حد معين يسمح للحكومات بالتنفس قليلا، ثم تطور إلى أن أصبحت كتلة بريكس أقوى وأكثر قدرة على مواجهة هيمنة العم سام.

بدأ الصينيون منذ مدة طويلة في اختراق المنطقة، وإذا كان الوجود الصيني الخشن باديا في إفريقيا التي أضحت طاردة للأوروبيين الذين تعاملوا معها باعتبارها مزرعة ومنجما لا دولا ذات سيادة وشعوبا لها حريتها وأحلامها وطموحاتها؛ جاء الصينيون إلى إفريقيا حاملين معهم مبدأ المعاملات التجارية الحرة، ولا نعلم إن كان سيستمر الأمر على حاله، أم أن المثل العماني «تمسكن، لين تتمكّن» سيغدو سيد المشهد فيما بعد. أما في مناطق أخرى فقد استعمل الصينيون القوة الناعمة في اختراق الشعوب أنفسها ؛ فبدءا بما يعرف بالمراكز الصحية التي تقدم خدمات المساج والعلاج الطبيعي، وتتجاوزها إلى أنشطة غير أخلاقية وغير مشروعة، وليس انتهاء بإغراء كبار التجار بالتعامل الحصري مع الشركات الصينية وبأسعار منافسة وكاسحة تماما. هذا الاختراق سمح للصينيين بدراسة نفسيات واتجاهات وعقائد وأطباع شعوب المنطقة، وهو ما يسمح باستعمال تلك الدراسات وتطبيقها على الواقع. ولنضرب مثالا على ذلك؛ فمن يتوقع أن يجد اللبان (البخور) أو أعلام مؤسسات عسكرية وحكومية، أو قلادة عليها صورة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- في موقع صيني كعلي إكسبريس!، وقد ذكرت هذه الأمثلة لما لها من خصوصية لا تجعل مسألة (العرض والطلب) هي الأساس فيها، فمن سيطلب القلادة أكثر من العمانيين؟ ومن سيطلب تلك الأعلام أيضا!. أعتقد أنها أسئلة مشروعة وينبغي الوقوف عندها بجدية والنظر في مآلاتها، كي لا يتسع الفتق على الراتق فيما بعد.

أما عن التغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، فإن الأمور في صالح دول العالم الثالث -رغم مقتي الشديد لهذه التسمية- إلى حد ما، فمَن يأخذ زمام المبادرة اليوم كي تكون المعاملات بين الدول بمبدأ العدالة والمساواة، بعبارة أخرى بمبدأ المقايضة العادلة؛ لا بمبدأ التنمّر الذي يجبر الدول الضعيفة على دفع الإتاوات القاصمة للدول القوية صاحبة السلاح والعتاد التدميري، فيما تغلّف تلك العلاقات غير المتكافئة بعبارات من قبيل «الحماية» و«الدفاع المشترك» وغيرها. ولأنني أؤمن بأن الحياة تحمل في طياتها الخير والشر على السواء، فأنا على يقين بأن الإرادة الصادقة والعمل الدؤوب يصنعان الفرق في موقع أي أمة على الخريطة، ولا تقاس الأمم بحجمها ولا كثرة عددها، ولنا في تايوان وكوريا الجنوبية شاهد ودليل. فبدون هاتين الدولتين، كيف سيكون شكل العالم اليوم؟ وأين سيكون التطور التكنولوجي قد وصل؟. وإذا كان لي من أمنية، فإنني أتمنى أن تتيح لي الحياة مشاهدة عالمنا العربي يرفل في ثوب بهي من السلام والحرية المطلقة والاستقرار التام، فحتى لو بدت الأمور على قدر كبير من الظلامية والضباب، فإن الأمثلة حولنا كثيرة، من مجاعة الصين إلى الحصار المفروض على إيران، فكلها أمم نفضت عن نفسها الرماد وقامت -أو تكاد- لتثبت للعالم بأنه يتسع للخير، كما اتسع كثيرا لشتى أنواع الشرور، كما أتمنى أن نحلّق بجانب التنين -على الأقل- حين يأتي دوره، لا أسفل منه ولا خلفه.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أسعار النفط تتجه لمكاسب أسبوعية بفضل التفاؤل الصيني

لم تشهد أسعار النفط تغيراً يذكر، اليوم الجمعة، لكنها تتجه لتسجيل ارتفاع أسبوعي وسط تفاؤل بأن تؤدي جهود التحفيز الاقتصادي إلى تعاف في الصين، لكن ارتفاع الدولار حد من المكاسب.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت سنتين اثنين إلى 73.24 دولار للبرميل، وهبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي سنتاً واحداً عن مستوى إغلاق أمس الخميس إلى 69.61 دولار.

وصعد خام برنت 0.4 % خلال الأسبوع فيما ارتفع خام غرب تكساس 0.2%.

ورفع البنك الدولي، أمس الخميس، توقعاته لنمو اقتصاد الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن ضعف ثقة الأفراد والشركات إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات ستظل تلقي بظلالها خلال العام المقبل.

وعدلت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، تقديراتها للناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بالرفع بواقع 2.7%، لكنها قالت إن هذا التغيير لن يكون له تأثيراً يذكر على النمو الاقتصادي هذا العام.

Oil prices set for weekly gain on China stimulus optimism https://t.co/jEpJcKQj9Q pic.twitter.com/qnZFWw27Qb

— Reuters Africa (@ReutersAfrica) December 27, 2024

ونقلت رويترز عن مصادر هذا الأسبوع أن السلطات الصينية وافقت على إصدار سندات خزانة خاصة بقيمة 3 تريليونات يوان (411 مليار دولار) العام المقبل، في وقت تعمل فيه بكين على تكثيف التحفيز المالي لإنعاش الاقتصاد المتعثر.

ولكن ارتفاع الدولار أثر على أسعار النفط وحد من المكاسب.

وارتفعت العملة الأمريكية بنحو 7% في الربع الأخير من العام وظلت مستقرة عند أعلى مستوى في عامين تقريباً مقابل نظرائها من العملات الرئيسية، وذلك بعد أن أشار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى إبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025.

ويزيد ارتفاع الدولار من تكلفة النفط بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.

وقالت مصادر في السوق الثلاثاء إن أحدث تقرير أسبوعي للمخزونات الأمريكية من معهد البترول الأمريكي يظهر أن مخزونات الخام هبطت 3.2 مليون برميل الأسبوع الماضي.

ويترقب المتعاملون التقرير الرسمي للمخزونات الذي تصدره إدارة معلومات الطاقة لمعرفة ما إذا كان سيؤكد هذا الانخفاض. ومن المقرر أن تصدر بيانات إدارة معلومات الطاقة، اليوم.

وتوقع محللون في استطلاع أجرته "رويترز" انخفاض مخزونات الخام بنحو 1.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 20 ديسمبر (كانون الأول)، إلى جانب تراجع مخزونات البنزين ونواتج التقطير 1.1 مليون برميل و0.3 مليون برميل على الترتيب.


مقالات مشابهة

  • العملاق الصيني «علي بابا» يتمدد في المغرب
  • "ترند" يومي.. انفرادات "اليوم" تحظى بأعلى المشاهدات في 2024
  • صور متداولة أذهلت العالم لما التقطه الطيران المسير مساء اليوم من سماء صنعاء(تفاصيل)
  • العملاق الصيني علي بابا يحل بالمغرب فما الانعكاسات الاقتصادية؟
  • أسعار النفط تتجه لمكاسب أسبوعية بفضل التفاؤل الصيني
  • الرئيس الصيني يزور روسيا في 2025
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم
  • أسعار النفط ترتفع بدعم التحفيز الصيني وانخفاض المخزونات الأمريكية
  • هذا ما تتعلمه الولايات المتحدة من إخفاقاتها السياسية في الربيع العربي
  • وزير الاقتصاد يناقش تعزيز الاستثمار والتجارة مع السفير الصيني