قيادة أوروبا لعملية إعادة إعمار أوكرانيا
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
من عليه دفع تكاليف عملية إعادة بناء أوكرانيا بعد انتهاء الحرب؟ بعد فترة وجيزة من الحرب الروسية الأوكرانية، قمتُ أنا مع المؤلفين المشاركين بتقدير تكلفة إعادة بناء أوكرانيا بحوالي 200-500 مليار يورو (220-550 مليار دولار) ودعونا أوروبا إلى قيادة جهود التعافي. وبعد أكثر من 500 يوم من الموت والدمار، ربما تضاعفت التكاليف المتوقعة، إن لم تكن هناك تكاليف إضافية.
تعمل الولايات المتحدة أيضا على الاستثمار بشكل متزايد في مستقبل أوكرانيا، كما يتضح من دعمها الاقتصادي والعسكري الهائل لأوكرانيا، لكن هناك العديد من الأسباب التي تدفع أوروبا إلى أخذ زمام المبادرة في تنسيق وتمويل عملية التعافي في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب. أولا وقبل كل شيء، تتماشى مصالح أوروبا بشكل وثيق مع مصالح أوكرانيا. وفي حين استفادت الولايات المتحدة إلى حد كبير من سقوط جدار برلين عام 1989، كانت الفوائد التي تعود على الدول الأوروبية أكبر بكثير. وعلى نحو مماثل، فقد تتحمل أوروبا خسائر أكبر في مقابل العودة إلى الوضع القائم قبل الحرب، ناهيك عن التهديد الوشيك بالتصعيد النووي. ثانيا: يجب على الأوروبيين إدراك أنه حتى لو ظل الدعم العسكري الأمريكي لأوروبا وأوكرانيا على حاله بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024 - وهو أمر صعب، نظرًا للوضع الحالي للسياسة الأمريكية - فمن المرجح أن يتلاشى حماس أمريكا لتقديم الدعم المالي طويل الأجل، بغض النظر عن النتيجة. يعمد كل من الديمقراطيين والجمهوريين إلى تبني المواقف الشعبوية على نحو متزايد، حيث يُركز الشعبويون في الغالب على القضايا المحلية، مع أقل قدر من الاهتمام ببقية العالم. ثالثا: منح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا بالفعل مركز المرشح للانضمام إليه، وبذلك أقر بأن أوكرانيا أصبحت تُشكل جزءًا لا يتجزأ من أوروبا ويجب أن تكون جزءًا من الكتلة. وبالنظر إلى أن أوكرانيا ستحتاج على الأرجح إلى مساعدة تقنية كبيرة لتحسين معايير الحوكمة الخاصة بها وتلبية شروط الانضمام، يتعين على الاتحاد الأوروبي بذل كل ما في وسعه لتسريع هذه العملية. فضلا عن ذلك، استفادت الدول الأوروبية من الإنفاق العسكري الأمريكي لعقود من الزمان. واليوم، تنفق الولايات المتحدة ضعف ما تنفقه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الدفاع الوطني كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من خفض ميزانيتها العسكرية إلى المستويات الأوروبية، فستوفر ما يقرب من 400 مليار دولار سنويا. وعلى النقيض من ذلك، إذا رفعت أوروبا الإنفاق إلى مستويات الولايات المتحدة، فسوف تنفق ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنويًا، وهو ما يكفي بسهولة لدفع تكاليف إعادة بناء أوكرانيا وأكثر من ذلك بكثير. سيغطي هذا المبلغ أكثر من الشطر الذي خصصه الاتحاد الأوروبي لإعادة بناء أوكرانيا بعد الحرب.
وبطبيعة الحال، لا يسعنا إلا التساؤل عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيمتنع عن مهاجمة أوكرانيا في حال عززت أوروبا قدراتها الدفاعية. ومع ذلك، فإن التقرير الصادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية في فبراير، والذي يشير إلى أن فرنسا ستستنفد ذخيرتها الحالية في غضون أسابيع بحالة نشوب نزاع مسلح حاد، لا يوحي بالكثير من الثقة في الاستعداد العسكري للدول الأوروبية. وفي حين اتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطوات لزيادة الإنفاق الدفاعي، تسعى هذه التدابير ببساطة إلى تلبية عتبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي التي حددها حلف شمال الأطلسي.
لماذا تنفق أوروبا على دفاعها أقل بكثير مما تنفقه الولايات المتحدة؟ في بحثهما المتميز الصادر عام 1966 بعنوان «النظرية الاقتصادية للتحالفات»، جادل الاقتصاديان مانكور أولسون وريتشارد زيكهاوزر بأن البلدان الأكبر حجما غالبا ما تتحمل حصة غير متناسبة من التكاليف المرتبطة بالأعمال التي تخدم الصالح العام. وتُعد المساهمات الضئيلة من قبل الدول الأعضاء الأصغر حجمًا في حلف شمال الأطلسي مثالاً واضحًا على ذلك. على سبيل المثال، تنفق دولة مثل كندا 1.3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع لأنها تعلم أن الولايات المتحدة ستتحمل العبء الأكبر، الأمر الذي يجعل التقلبات في ميزانيتها الدفاعية المتواضعة ضئيلة نسبيًا. لكن هذه النظرية لا تخلو من النقائص: كما أظهرت حرائق الغابات غير المسبوقة هذا الصيف، لا تسعى الحكومة الكندية إلى إنفاق الكثير على مكافحة حرائق الغابات أيضًا. لكنها تقدم نظرة ثاقبة حول الأسباب وراء تحمل الولايات المتحدة في كثير من الأحيان تكاليف احتياجات الدفاع القومي للدول الأخرى. ومع ذلك، فقد أكد تقرير حديث صادر عن معهد كيل للاقتصاد العالمي مدى تراجع مساهمة بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، في جهود الحرب الأوكرانية. وفي حين تعهد الاتحاد الأوروبي مؤخرا بتزويد أوكرانيا بمبلغ إضافي قدره 50 مليار يورو بحلول عام 2027، فإن ثلث هذا المبلغ فقط سوف يُقَدم كمنح صِرفة. وسيتم تقديم الباقي كقروض لن تتمكن أوكرانيا على الأرجح من سدادها. من المؤكد أن إعادة بناء أوكرانيا مهمة ضخمة ومكلفة سيعتمد نجاحها على العديد من العوامل، بما في ذلك التزام أوكرانيا بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة. ومع ذلك، يتعين على الدول الأوروبية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية لقيادة هذه الجهود، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع مستوى الديون وتباطؤ النمو بالنسبة لاقتصاداتها في المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الدول الأوروبیة
إقرأ أيضاً:
بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.. خسائر كبيرة في الخزانة الأمريكية «فيديو»
تحدث الدكتور أنور القاسم، الخبير الاقتصادي، عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع استمرار الحرب الروسية الأمريكية، مشيرًا، إلى وجود ارتفاع كبير في الأسعار وخسائر جسيمة للخزانة الأمريكية.
وأضاف «القاسم»، خلال مداخلة هاتفية عبر شاشة قناة القاهرة الإخبارية، أن التضخم الذي ليس مقتصرًا على الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا الدول الكبرى، خاصة الدول السبع الصناعية.
وذكر، أن السبب في ذلك يرجع إلى الزيادة الكبيرة على مستوى أسعار المواد الأولية، وتوقف سلاسل الإمداد الغذائي، والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، مما أثر بشكل كبير على دخل المواطنين الأمريكيين.
وأوضح، أن خسائر الدول الأوروبية لا تقل عن تلك التي تكبدتها واشنطن، لافتا إلى أن أمريكا تظل أكبر مانح للمساعدات العسكرية والمدنية لأوكرانيا، ما يجعل تلك المساعدات تحسب من ضمن الخسائر التي تكبدتها أمريكا ولا زالت.
اقرأ أيضاًإجلاء مناطق حدودية جديدة.. آخر تطورات الحرب الروسية الأوكرانية (تفاصيل)
بقيمة 40 مليار يورو.. البيت الأبيض يكشف عن قرار «الناتو» القادم بشأن الحرب الروسية الأوكرانية
خبير استراتيجي: الحرب الروسية الأوكرانية مركز ربح لشركات السلاح الأمريكية