سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي.. هل فات أوانه؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
كتب الكثير من الكتاب عن ثورة الذكاء الاصطناعي وما سيحدثه في مجريات الأحداث بالعالم، بداية من تعاملنا البدائي معه، مرورا بكيفية الاستفادة منه، وما سيحدث من تصورات في المستقبل، ولكن فيما يتعلق بالحروب فإن وتيرة القلق سترتفع حدتها مع دخول الذكاء الاصطناعي المجال، وإلى جانب تغير المناخ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب كبيرة على البشرية.
وأثبت الذكاء الاصطناعي فعلا قدرته على دخول مجال الحروب، ففي شهر مارس من عام 2020 استخدمت طائرات بدون طيار -تركية الصنع- تقنية مبتكرة للتعرف على وجوه المقاتلين في ليبيا، والآن وبعد 3 سنوات لا يزال هناك غياب ونقص في تنظيم استخدام الأسلحة المتقدمة، تلك الأسلحة التي يبدو أنها جاءت من صفحات رواية بائسة في الخيال العلمي.
الأسئلة التي ترد في بالي وتستحق أن تُطرح للنقاش نابعة من فكرة «استحالة ضمان تقيد الأسلحة ذاتية التحكم -الذكية- بالمبادئ الدولية الإنسانية»، فهل يمكن لتلك الأسلحة أن تفرِّق بين البشر المدنيين والمقاتلين؟ وهل تستطيع تلك الأسلحة المستقلة تقليل الضرر الذي سيقع على المدنيين؟ وهل ستتراجع أسلحة الذكاء الاصطناعي عن كثير من مواقفها بناء على عواطف بشرية؟ تلك العواطف التي تكون مهمة بشكل كبير في كثير من المواقف السياسية؟!
في ظل غياب التحكم البشري سيكون من الصعوبة الفصل في قضايا جرائم الحروب، ويمكن وصف ذلك -من الناحية الأخلاقية- بالتجريد الرقمي للإنسانية، إذ سيكون مسموحا للآلات باتخاذ قرارات قتل البشر عن طريق قاعدة بيانات بالأشخاص المستهدفين، ومن الناحية الاستراتيجية فإنها خطوة سهلة لامتلاك الدول لتلك الأسلحة المستقلة، ولكن الأهم في هذا النوع من التسلح تقليل الخسائر على البلدان، كما ستسهم تلك الأسلحة في حسم موقف البلدان من خوض الحروب أم لا.
والأمر الخطير في استخدام أسلحة الذكاء الاصطناعي إذا ما امتلكتها جهات ومنظمات غير حكومية في عتادها العسكري، وذلك سيكون له تداعيات كارثية، خاصة مع صعوبة إثبات مصدر تلك الأسلحة، ما يعني أن ذلك سيحدث فوضى عارمة، وإذا ما وجهت لتلك المنظمات أصابع الاتهام من السهل عليها إنكار تبنيها لما سببته من فوضى.
وقد قال فلاديمير بوتين في عام 2017 بشأن التسلح بالذكاء الاصطناعي: «من سيصبح الزعيم في مجال التسليح بالذكاء الاصطناعي هو من سيكون حاكم العالم بأسره»، واليوم تبدو مقولته صحيحة أكثر من أي وقت مضى.
يشهد العالم اليوم سباقا محموما -وصامتا في الوقت نفسه- في مجال تحديث الذكاء الاصطناعي وتوظيفه بشكل عام، وفي هذا العام، طلب البنتاغون مبلغًا وقدره 145 مليار دولار من الكونجرس الأمريكي، لسنة مالية واحدة فقط، وذلك بهدف إنفاقه على التكنولوجيا الحيوية وتعزيز التعاون مع الشركات الخاصة، كما يهدف البنتاغون من خلال ذلك إلى «بناء جسور مع النظام الديناميكي للابتكار في الولايات المتحدة»، بالإضافة إلى تمويل مشاريع تطوير الذكاء الاصطناعي.
وفي شهر ديسمبر الماضي، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مكتب رأس المال الاستراتيجي، والذي يعرف اختصارا بـ «OSC» وغايته تشجيع الاستثمار من القطاع الخاص في تكنولوجيات الاستخدام العسكري، ومن مهام هذا المكتب كذلك جمع الأفكار من القطاع الخاص حول تكنولوجيات الجيل المستقبلي، واحدة منها وصفت بـ «الذكاء الاصطناعي الموثوق والاستقلالية»، ولكن دون معرفة المعني تحديدا بهذا المفهوم.
ولكن، نأمل أن يكون هذا المفهوم معنيا بخضوع تلك التكنولوجيات العسكرية المستقلة للمسائل الأخلاقية والإنسانية خاصة فيما يتعلق بخوض الحروب، أو ربما يكمن ربط هذا المفهوم بالمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وبالحديث عن الصين، فإن لديها سياسة تعرف بـ «MCF» وهي الاندماج العسكري المدني، وحدث ذلك أول مرة في الصين عام 1990، وهي سياسة مشابهة للسياسة الأمريكية إلا أن الأخيرة سبقت الصين بمراحل طويلة، ولكن الصين اليوم تسعى إلى محاكاة النظام الأمريكي العسكري، وذلك منذ تولي «شي جين بينغ» السلطة، بما في ذلك سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي.
وتماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف سياسة «MCF» إلى امتلاك تقنيات التسلح بالذكاء الاصطناعي، من خلال إنشائها صناديق تدعم الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
المخاوف من امتلاك أسلحة الذكاء الاصطناعي لا يمكنها أن تحدث من امتلاك الدول لها، فلا يُشترط أن تقدم أي دولة في العالم حججًا مقنعة لكي تمتلك تلك التقنيات في الحروب، كما لا يمكن بأي حال من الأحوال حاليا أن يتم حظر استخدام تلك الأسلحة الذكية، لذلك يجب أن يكون هناك تركيز عالمي بشكل عاجل على ضرورة وضع معايير عالمية، ولو كانت معايير دنيا ومبدئية بشأن استخدام تلك الأسلحة، ولا بد أن ينصب هذا التركيز في وضع آلية للتحول التدريجي نحو استخدامها نظرا لطبيعة الحروب ذاتها.
في مارس الماضي، تحدث أحد المسؤولين الأمريكيين عن استخدام نموذج «LLM» -وهو نوع من أنواع خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتي تستعمل تقنيات التعلم العميق والمجموعات الضخمة من البيانات من أجل فهم وتلخيص وإنشاء والتنبؤ بالمحتوى الجديد- تحدث عن استخدامها في الحرب المعلوماتية، وإنشاء المعلومات المزيفة، وفي تلك الأثناء تعرض نظام «ChatGPT» للانتقادات ووجهت له دعاوى قانونية بسبب «الهلوسة»، ولكن يمكن الاستفادة من تلك المعلومات الزائفة لإنشاء محتوى مزيف ضد بلدان أخرى. بل ويمكن استخدام نموذج لغوي لإنشاء أخبار مضللة وزائفة، بل ووثائق مزورة للنيل من إحدى الدول. وأفاد المسؤول بأن «ChatGPT» أصبح حديث البلد.
وفي شهر مايو الماضي طلبت الشركات الأمريكية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك«ChatGPT»، من الكونجرس تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي.
ولكن لو تم وضع معايير، إلا أنه سيكون من الصعب تحديد معيار استخدام الذكاء الاصطناعي في الدول عموما أو حتى في المؤسسات الخاصة، سواء بسبب اختيار الدولة «مثل الصين»، أو بسبب ضعف المؤسسات «كما يحدث في روسيا»، أو من خلال تعاون مربح بعناية «مثل هدف الولايات المتحدة».
وفي إسرائيل تم استحداث شركات تكنولوجيا متخصصة في المجال العسكري المدني، تلك الشركات قام بإنشائها عسكريون متقاعدون، واعترف الجيش الإسرائيلي باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف من خلال الجو، إلا أنها تزعم أن هناك تدخلا بشريا في استخدام تلك التكنولوجيا، ولكنها لا تخضع لتنظيم أي مؤسسة!
من الضروري بعد كل ما تم ذكره أن تنظر البلدان التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مسألة تنظيم استخدامها لتلك التكنولوجيا الذكية، وتسأل نفسها بشكل جاد عن أهمية سن قوانين لتنظيم العملية بشكل فعال وتقوم بإنشاء مؤسسات معنية بذلك.
وعلى عكس تنظيم التسلح النووي، اليوم لم يحرز العالم سوى القليل من التقدم في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، لأنه منشغل في الابتكارات، بالتالي فإن فرص سن القوانين والتنظيم تتقلص بشكل سريع، فهل ستواكب الدول عمليات الابتكار وتسن القوانين بشكل متوازن مع التقدم السريع؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة من خلال فی مجال
إقرأ أيضاً:
منصة جديدة معززة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل استثمارات مغاربة العالم (وزير)
أكد كريم زيدان وزير الاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، أن الحكومة تولي أهمية خاصة لجذب الاستثمارات الأجنبية، لاسيما استثمارات مغاربة العالم، بوضعها عددا من الإجراءات لاستقبالهم ومواكبتهم.
وأكد الوزير خلال مشاركته في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، أن الحكومة منذ مجيئها وضعت خارطة طريق استراتيجية وعملية لتحسين مناخ الأعمال بشراكة مع مختلف الفاعلين لتحديد الأوراش التي سيتم العمل عليها خلال الفترة من 2023 إلى 2026.
« هذه الخطة تحتوي على 46 مبادرة لها تأثير مباشر على تشجيع الاستثمار وتسهيل العراقيل التي تواجه المستثمرين »، يقول الوزير، مشيرا إلى أنه تم إطلاق 83 في المائة من هذه المبادرات بمتم 2024.
بالموازاة يتم تنظيم جولات دولية للتعريف بالعرض المغربي في مجال الاستثمار والتواصل مع شركات دولية من أجل جلب مشاريع استراتيجية ذات قدرة على خلق منظومة اقتصادية واعدة ومنها منظومة التنقل الكهربائي.
ومنذ دخول ميثاق الاستثمار الجديد حيز التنفيذ، سجل الوزير أن اللجنة الوطنية للاستثمار صادقت على 171 مشروعا استثماريا منها 53 مشروعا استثماريا ممولا باستثمارات أجنبية من 18 دولة بقيمة إجمالية تعادل 94 مليار درهم ما يناهز 30 في المائة من إجمالي الاستثمارات المصادق عليها، وستساهم هذه المشاريع في خلق أكثر من 54 ألف منصب شغل.
أما عن استثمارات مغاربة العالم، يقول زيدان، فتعمل الوزارة، تنفيذا للتعليمات الملكية، على تعزيز التواصل معهم بمختلف الوسائل المتاحة، وتعزيز بنيات الاستقبال والتوجيه والمواكبة لهم على المستويين الوطني والدولي، مع العمل على منصة خاصة معززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتوفير كل المعلومات المتعلقة بالاستثمار وترجمتها للغات بلدان الإقامة.
كما تم وضع خلية خاصة لتتبع استثمارات مغاربة العالم على مستوى وزارة الاستثمار.
كلمات دلالية الإسثمار الأجنبي مغاربة العالم