المجالس المحلية والتطور التاريخى (2)
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
تحدثت فى المقال السابق عن تاريخ نظم الإدارة المحلية فى مصر منذ نشأتها إبان الحملة الفرنسية عام 1798، مرورا بقرارات وقوانين عصر محمد على والقوانين المكملة لها فى دساتير 1923 و1830 و1956 و1964 و1971، حتى صارت لها شخصية اعتبارية ومالية مستقلة، تجمع فى تشكيلها ما بين الانتخاب بالنظام الفردى والتعيين لشخصيات عامة وبعض كبار المسئولين بالقطاعات الخدمية ذات الطبيعة الجماهيرية.
واليوم نواصل التطور التاريخى لهذه المجالس، التى تركت فى بداية نشأتها بصمة واضحة فى الشارع المصرى ولاسيما عقب صدور القانون رقم 57 لسنة 1971، وإلغاء القانون رقم 124 لسنة 1960، حيث أصبح هناك مجلسان أحدهما تنفيذى برئاسة المحافظ وعضوية السكرتير العام ورؤساء المصالح الحكومية، ويصدر تشكيله بقرار من رئيس الجمهورية، والثانى شعبى برئاسة أمين الاتحاد الاشتراكى (التنظيم السياسى الذى كان يدير الشئون المصرية آنذاك).
وانضم إلى المجلس التنفيذى أعضاء لجنة الاتحاد الاشتراكى بالمحافظة وأمناء المراكز، بالإضافة إلى شابين وسيدتين وخمسة أعضاء من المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى. ولأول مرة، ووفقا لذلك القانون بات من حق المجلس رفع تقرير فى المحافظ ـ إذا أخطأ أو انحرف عن المسارـ لرئيس الجمهورية، بشرط أن يكون التقرير موقعا بموافقة ثلثى الأعضاء، أما إذا كان مسئولا أو مديرا لمصلحة فيرفع بشأنه تقرير يوافق عليه أغلبية الأعضاء إلى رئيس الوزراء، وعلى التوازى كانت هناك مجالس أخرى تنفيذية مصغرة فى المدن والقرى تعمل بنفس الآلية والاختصاصات.
ونجحت إلى حد ما المجالس الشعبية، التى تم تشكيلها بالانتخاب والتعيين على مستوى المحافظة والمدينة والقرية، فى مراقبة ومتابعة أداء التنفيذيين وحل بعض المشاكل الجماهيرية. وفى عام 1975 صدر القانون رقم 52، الذى نص على تشكيل لجنة عليا للإدارة المحلية، تكون حلقة الوصل بين المجلسين التنفيذى والشعبى والوزارات المعنية ورئاسة الجمهورية، ولم تضف هذه اللجنة جديدا فتم إلغاؤها عام 1979 بالقانون رقم 5، الذى منح المحافظين صلاحيات قوية لإدارة المرافق الخدمية والعامة نيابة عن الوزراء المختصين فى خطوة استهدفت توسيع رقعة اللامركزية وتسريع مشروعات التنمية.
وفى العام نفسه (1979) صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 43 بإنشاء مجلس المحافظين برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزير الحكم المحلى (تسمية خاطئة تماما)، ثم تم تغيير هذا المجلس إلى مجلس أعلى للحكم المحلى، تم إلغاؤه أيضا عام 1988 بالقانون رقم 145، وعاد مسمى (وزير التنمية المحلية)، وتقرر أن تجرى انتخابات المجالس الشعبية المحلية بنظام القوائم الحزبية، وحصل رؤساؤها على عضوية مجلس المحافظين، إلى جانب حق استجواب المحافظ ورؤساء المصالح والوحدات المحلية، والعديد من الصلاحيات الأخرى الخاصة بالمدن الصناعية ولجان الخدمات، وكذلك حق إعداد موازنة المحافظة والموافقة على مشروعات المجلس التنفيذى أو رفضها. وفى عام 1996 صدر قانون 84، وتم تعديل نظام الانتخاب؛ ليجمع ما بين الفردى والقائمة.
ورغم كل هذا التعديلات، عجز نظام الإدارة المحلية عن مكافحة الفساد وتحقيق آمال وتطلعات الجماهير، وغلبت على أداء أعضائها المصالح الشخصية والفئوية، ودخلوا فى صراعات خفية مع نواب البرلمان، إلى أن قامت ثورة 25 يناير، وصدر قرار المجلس العسكرى بحل كل المجالس الشعبية المحلية.
وإذا كان دستور 2014، منح هذه المجالس صلاحيات واسعة، إلا أن استمرار تعطيلها، أوجد خللا كبيرا فى وتيرة إنجاز مشروعات المحافظات بسبب غياب الرقابة الشعبية الحقيقية، ومع استقرار مؤسسات الدولة، تعالت الأصوات مجددا بقانون جديد للإدارة المحلية بشقيها التنفيذى والشعبى يلبى طموحات الشعب المصرى فى تحقيق العدالة الإجتماعية.
وللحديث بقية..
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المقال السابق مصر عصر محمد على القانون رقم
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير
زهير عثمان
تشهد الساحة السودانية تصاعداً في تعقيد الصراعات السياسية والعسكرية، حيث تُعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقوات الدعم السريع فاعلين رئيسيين في المشهد السوداني. ورغم اختلاف أهدافهما وسياقاتهما، يتشاركان النفوذ العسكري والسياسي. يُثير هذا التساؤل حول مصير البلاد إذا ما قررت الحركة الشعبية إعلان حكومة في مناطق نفوذها، وما قد يعنيه ذلك على المستويين الداخلي والإقليمي.
الفروق الأساسية بين الحركة الشعبية والدعم السريع
الأيديولوجيا والأهداف
الحركة الشعبية لتحرير السودان , تعتمد الحركة على رؤية سياسية واضحة تُعرف بـ"السودان الجديد"، التي تسعى لإعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس المواطنة والمساواة واحترام التنوع. تهدف إلى إنهاء التهميش التاريخي لمناطق مثل جبال النوبة والنيل الأزرق.
الدعم السريع وطرحه نعلم انها تفتقر قوات الدعم السريع إلى أيديولوجيا متماسكة أو رؤية سياسية طويلة المدى. يُنظر إليها كقوة عسكرية تهدف إلى تعزيز نفوذ قيادتها، وعلى رأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع التركيز على تحقيق مكاسب تكتيكية بدلاً من طرح مشروع وطني شامل.
القاعدة الشعبية والجغرافية
الحركة الشعبية اسست والان تمتلك قاعدة شعبية راسخة في المناطق المهمشة مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، وتطرح نفسها كممثل للمهمشين والمظلومين في السودان.
الدعم السريع قاعدته الأساسية في دارفور مع توسع نفوذها إلى مناطق أخرى، لكنها تُعتبر أكثر ارتباطاً بالبُنى القبلية والمصالح الاقتصادية لقادتها.
الشرعية والممارسات
الحركة الشعبية بالرغم تعرضها لانتقادات في قضايا كثيرة مثل علمانية الحكم والحقوق المدنية ، إلا أنها تُعتبر فاعلاً سياسياً مشروعاً يسعى إلى تغيير بنية الدولة السودانية.
الدعم السريع يواجه انتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتمادها على القوة العسكرية المفرطة في حروبها كلها .
إعلان حكومة من قبل الحركة الشعبية: السيناريوهات والتداعيات
الأثر على وحدة السودان
إعلان حكومة في مناطق نفوذ الحركة الشعبية سيُعيد إلى الأذهان تجربة جنوب السودان. قد يُعزز ذلك الشعور بانعدام الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة، ويُؤدي إلى مزيد من الاستقطاب.
التحديات الداخلية
الاعتراف الدولي أول ما ستواجه الحركة تحدياً كبيراً في الحصول على اعتراف دولي بحكومتها.
الخدمات والبنية التحتية: تعتمد هذه المناطق على المركز في تقديم الخدمات، ما يعني أن إعلان حكومة سيضع عبئاً هائلاً على موارد الحركة.
التداعيات الإقليمية
التدخل الإقليمي وقد يدفع إعلان حكومة دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان إلى اتخاذ مواقف متباينة، بناءً على مصالحها.
التوازنات الجيوسياسية سيُربك ذلك حسابات القوى الدولية والإقليمية لفترة وخاصة التي تسعى لاستقرار السودان.
مقارنة مع تجربة الدعم السريع
إذا كانت قوات الدعم السريع تُركز على تثبيت نفوذها داخل النظام الحالي، فإن الحركة الشعبية قد تسعى لتأسيس كيان مستقل تماماً. الفرق الجوهري هو أن الدعم السريع لا يمتلك مشروعاً سياسياً متكاملاً، بينما للحركة الشعبية رؤية تتجاوز حدود السلاح.
وفي حال أعلنت الحركة الشعبية حكومة في مناطق نفوذها، سيشكل ذلك تحولاً جذرياً في المشهد السياسي السوداني. بينما تظل احتمالات نجاحها مرتبطة بقدرتها على كسب الاعتراف الدولي والتعامل مع تحديات داخلية معقدة. ومع ذلك، يبقى الحل الأمثل هو السعي نحو تسوية سياسية شاملة تُعالج جذور الأزمات السودانية وتجنب البلاد سيناريوهات التفكك والمزيد من الصراع.
zuhair.osman@aol.com