أوبنهايمر وحدود التطور العلمى
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
نتطلع إلى العلم باعتباره طوق نجاة للبشر من الأوبئة الفتاكة، وقسوة الطبيعة، والتوحش الإنسانى. لكن فى بعض الأحيان يتحول العلم الحديث إلى آلة شر كريهة، ويصبح التطور التكنولوجى والعلمى عدوًا للإنسان، فتصدق مقولة «ومن العلم ما قتل».
ولا شك أن سيرة العالم الأمريكى الشهير روبرت أوبنهايمر التى قدمها فيلم جديد كتبه وأخرجه كريسوفر نولان، وعرض مؤخرا فى كثير من البلدان ومنها مصر تعد نموذجا واضحا على قصة العلم الذى يضر بالبشر، والذى قد يجعل صاحبه يشعر دائما بعذاب الضمير تجاه إنجازاته.
لقد سافر روبرت أوبنهايمر إلى ألمانيا لدراسة الفيزياء فى إحدى جامعاتها الشهيرة، فى ظل صحوة علمية عظيمة شهدتها ألمانيا فى مختلف العلوم خلال الربع الأول من القرن العشرين، وهناك حصل على درجة الدكتوراه ليعود بعدها أستاذا لمادة الفيزياء، وواحدا من أهم المتخصصين فيها فى بلاده.
وفى سنة 1939 وبعد هروب ألبرت أينشتاين من مختبرات النازية وهجرته إلى الولايات المتحدة، وقع الرجل على خطاب مرسل إلى الرئيس الأمريكى روزفلت ينبه فيه إلى أن ألمانيا النازية قد تتمكن من تطوير قنبلة ذرية نتيجة الأبحاث العلمية المتطورة التى أجرتها فى مجال الانشطار النووى لليورانيوم.
وبناء على ذلك الخطاب قررت الولايات المتحدة إنشاء مشروع مانهاتن، وعهد لأوبنهايمر برئاسته للوصول إلى تصنيع القنبلة الذرية قبل ألمانيا، وتم تخصيص أكبر ميزانية لذلك. ورغم وطنية أوبنهايمر فإنه كان يشعر دائما بتشكك فى آثار ما يعمل على تطويره، وكثيرا ما ذهب إلى صديقه وأستاذه أينشتاين طالبا المشورة، فقال له إن عليه أن يواجه عواقب إنجازه. ويتزايد قلق الفيزيائى الأمريكى بعد عمل تجربة للقنبلة الذرية، ثُم يشعر بعدها بالأسى الشديد عندما يقرر الرئيس الأمريكى ترومان إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما ونجازاكى باليابان لتعصفا بحياة مئات الآلاف من البشر وتحولا حيوات الأحياء إلى جحيم.
وساعتها يُدرك الرجل أنه تم توظيفه وتوظيف عبقريته العلمية فى جريمة إنسانية بشعة، يحاول المرة تلو المرة التبرؤ منها، لكنه يتعرض لضغوط واتهامات تشكك بوطنيته وتربط بينه وبين الشيوعية.
ويبتكر الفيلم محاورات خيالية بين العالمين العبقريين إينشتاين وأوبنهايمر تثير فى نفوسنا تساؤلات آنية مكررة حول حدود استخدام العلم الحديث وسبل تقنين التطور التكنولوجى وتحجيمه وقصر استخدامه على الجوانب السلمية والحضارية.
ويأتى ذلك ونحن نشهد بالفعل جدلاً جارياً حول حدود التطور العلمى خاصة فى مجال الذكاء الاصطناعى، وطرح البعض لضرورة وضع ميثاق أخلاقى للذكاء الاصطناعى له تخوفاً من استخداماته ضد الإنسان.
إن كل ذلك يؤكد لنا أن التطور العلمى مهما بلغ من الرفعة فى حاجة لقيم أخلاقية محصنة لتوجيهه لخير البشرية، فما فائدة منجزات الحضارة إن لم تحد من تمدد الشرور فى العالم؟.
ولا شك أن مثل هذا الجدل، وهذه القضية تحديداً يستفز كثيراً من عقول الشباب فى مصر، والتى أسعد كلما لامست حماسها وسعيها لمواكبة العلم الحديث واللحاق بالعلوم التكنولوجية المتقدمة. وهذا أمر عظيم ومبشر خاصة فى ظل كثير من الإحباطات المحيطة.
وسلامٌ على الأمة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: طوق نجاة
إقرأ أيضاً:
حكومات المستقبل.. بيئة ممكنة لخدمات رقمية آمنة وشاملة
كشف تقرير أصدرته القمة العالمية للحكومات، عن تحول مستقبلي جوهري في دور وعمل الحكومات ينقلها من مزوّد مركزي للخدمات، إلى بيئة تمكين نشطة تتيح للمتعاملين الوصول للخدمات، عبر فضاء رقمي يوفر الخدمات ويضمن الموثوقية، والخصوصية، والسلامة، والعدالة.
وأكد تقرير "مستقبل تطور الحكومات: التعامل مع المنصات الرقمية"، الذي أصدرته مؤسسة القمة العالمية للحكومات بالتعاون مع شركة أوليفر وايمان العالمية، محورية دور الحكومة في توفير الوصول إلى المنصات الرقمية المشتركة للخدمات، وتناول التحديات التي تواجه الحكومات في مسيرتها للتكيف مع العصر الرقمي وتطوراته، التي تشمل المساواة الرقمية والرقابة التنظيمية والأمن السيبراني والسيادة الوطنية.
وتطرق التقرير إلى سلسلة من الحلول لمواجهة التحديات، التي تتطلب من الحكومات إعادة تصميم دورها في الفضاء الرقمي لضمان الوصول السلس والعادل للمتعاملين، وتحقيق السلامة والأمن للمستخدمين، والتي تشمل ثلاثة مسارات ونموذجين للمنصات الرقمية التي ستشكل مستقبل الحكومات.
وأكد التقرير أن التطور المستقبلي للحكومة، يتطلب ترسيخ دور الحكومات في الفضاء الرقمي من خلال المشاركة الفاعلة في تطويره وتنظيمه ومتابعته والإشراف عليه، وتناول عدداً من محددات ومبادئ نجاح الحكومة في أداء دورها، منها المرونة في مواكبة توقعات الأفراد والتعامل الاستباقي معها، وضمان الشفافية في الاستخدام الأخلاقي والآمن للتكنولوجيا والبيانات واحترام الخصوصية، وتشجيع الابتكار في استخدام وتطوير التكنولوجيا.
واستعرض التقرير المهام الأساسية للحكومات منذ بدايات العمل الحكومي، والتي تشمل الحفاظ على السيادة وصون الاستقرار وسلامة الدول، ومراقبة النزاعات والفصل فيها والحفاظ على النظام العام وسلطة القانون، وتنظيم الاقتصاد وتحقيق الاستقرار والنمو والتوزيع العادل للموارد، وتوفير السلع وتقديم الخدمات.
وتناول التقرير التطور الذي شهده نموذج العمل الحكومي، المتمثل بمفهوم الحكومة كمنصة، الذي يقوم على استضافة منظومة الخدمات الحكومية ضمن مركز رقمي واحد، يشمل واجهات برمجة التطبيقات والمكونات المشتركة والمعايير المفتوحة ومجموعات البيانات القياسية، وبناء الخدمات المدعومة بإجراءات حوكمة تهدف إلى الحفاظ على سلامتها، وعلى أمن وخصوصية المستخدمين وضمان الشفافية والمساءلة.
واستعرض التقرير ثلاثة نماذج للمنصات الحكومية، تشمل؛ النموذج المقتصر على فئة محددة من الحكومات، ونموذج الخدمات الحكومية القائم على منصات تضم نطاق الخدمات بالكامل وتستخدمها الهيئات المركزية والبلدية والإقليمية ، ونموذج الخدمات الشاملة المستخدم على نطاق واسع يتجاوز التطبيقات الحكومية ويشمل الاستخدام في البنوك والمؤسسات غير الحكومية والتجارية إضافة إلى الاستخدام الحكومي.
وأكد أن التطور المقبل للعمل الحكومي يرتبط بقدرة الحكومات على أداء دورها في إدارة الفضاءات الرقمية، في ظل تزايد الاعتماد على الشركات الخاصة لحماية حقوق المتعاملين وضمان الوصول العادل إلى الخدمات، ما يفرض جملة تحديات منها انعدام المساواة الرقمية، والرقابة التنظيمية والحوكمة، والأمن السيبراني.
وأشار التقرير إلى إمكانية تحقيق التطور المستقبلي لدور الحكومة من خلال نموذجين للمنصات الرقمية، نموذج الهيمنة القائم على منصات رقمية تخضع للملكية أو الرقابة الكاملة للحكومة، والنموذج الأرخبيلي المَجزأ القائم على منصات رقمية مجزأة ذات ملكية شبه حكومية، لافتاً إلى أن النموذجين يختلفان من حيث الملكية والسيطرة والأمن، ضمن ثلاثة مسارات، تشمل المسيطر، والمدير، والمُنظم .
من جهته، أكد محمد يوسف الشرهان مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، حرص المؤسسة من خلال إطلاق التقارير المتخصصة، على توسيع دائرة المعرفة الحكومية، ودعم جاهزية الحكومات لمتطلبات وتحديات المستقبل، وتعزيز مرونتها في استباق المتغيرات المدفوعة بسرعة التطور التكنولوجي.
من جانبه، قال عادل الفلاسي الرئيس التنفيذي لشركة أوليفر وإيمان بدولة الإمارات، والشريك في قسم الخدمات الحكومية ومؤسسات القطاع العام، إن التقرير الجديد يعالج بعض المخاطر الحساسة ويسلط الضوء على الفرص المتاحة في الوقت الراهن من خلال استطلاع المسارات الممكنة ونماذج المنصات الرقمية التي سترسم معالم التطورات التالية التي ستشهدها الحكومات.
وقال سامي محروم، مدير لدى أوليفر وإيمان، إن التحول الرقمي أسهم في إعادة رسم معالم الحياة اليومية للأفراد، وأدى إلى تحول في دور الحكومات وخاصة في مجالات الإدارة العامة وقنوات تقديم الخدمة.