لجريدة عمان:
2025-04-24@13:22:53 GMT

الفضاء: حيث لا تحتاج إلى عضلاتك

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

أن «أصبح رائد فضاء» هو حلم ممتنع للكثير من الناس، وأغلب الناس يذكرون هذه الأمنية ولو من باب الاستبعاد والتندر لصعوبة تحقيقها، وعند التفكير فيها فأول ما يخطر في البال هو تلك المشاهد المتعلقة بالحرية الفريدة للحركة للرواد وهم في داخل محطات الفضاء، حيث يتقلبون بكل حرية في حركات بهلوانية غير ممكنة على الأرض، دون أن تقيدهم الجاذبية نحو الأسفل، بل ويقومون بسكب بعض المياه على شكل كرات في الجو ثم السباحة نحوها وابتلاعها بشكل فكاهي، وأغرب ما في شعور انعدام الجاذبية فهو فعليا عدم وجود الحاجة تقريبا للعضلات لرفع أي شيء مهما كان وزنه، فإذا كنت تريد نقل قطعة تزن طنا من مكان لآخر داخل محطة الفضاء، فأنت بحاجة فقط لدفعها بطرف إصبعك حتى تندفع في الاتجاه الذي تريد دون بذل أي جهد تقريبا.

فكيف تحدث هذه الظاهرة من الأساس؟

ظاهرة الشعور بانعدام الجاذبية في الفضاء هي نتيجة لمبدأ بسيط يمكن تقريبا لأي أحد استيعابه، ولكن في البداية دعنا نوضح أنها ليست بسبب البُعد عن سطح الأرض -كما يتخيل البعض- فمقدار قوة الجاذبية فعليا على ارتفاع 400 كم فوق سطح البحر -وهو متوسط ارتفاع محطة الفضاء الدولية- يبلغ حوالي 90% من مقدارها الذي نشعر به هنا على سطحها، أما السبب الفعلي لعدم الشعور بها فيمكن توضيحه بالمبدأ التالي: تخيل أنك أمسكت بحجر صغير ثم رميته، بالتأكيد سيقطع مسافة معينة ثم يسقط في مسار على شكل قوس، وإذا أردت أن تطيل المسافة، فعليك أن تزيد السرعة التي رميته بها، فيطول القوس الذي يقطعه قبل السقوط، وهكذا. الآن تخيل أنك تستطيع رمي هذا الحجر بسرعة هائلة بحيث يقطع مسافة تعادل محيط الكرة الأرضية ثم يرجع إليك من خلفك! نظريا هذا ممكن، لكن المشكلة ستكون هي أن الحجر سيلقى مقاومة شديدة من الهواء وتقل سرعته تدريجيا، بخلاف أنه لن يبقى متماسكا من الأساس بسبب قوة الاحتكاك التي ستولد حرارة شديدة تؤدي لاحتراقه وتفككه، لذلك، الحل هو أن نقوم بالطريقة نفسها، ولكن، في مكان لا يوجد فيه هواء يعيق هذه السرعة: الفضاء. أي أن الصاروخ الذي يحمل مركبة الرواد إلى محطة الفضاء الدولية يصل بهم إلى سرعة كبيرة تبلغ حوالي 8 كيلومترات في كل ثانية، ثم يترك مركبتهم تقترب ببطء من المحطة التي تسير بنفس السرعة لتلتحم بها قبل أن ينتقلوا للعيش على متنها ويبقوا فعليا في حالة «سقوط دائم»، أي كأنهم يسقطون بسرعة ثابتة إلى مكان لا نهاية له، وهو ما يشعرهم بعدم وجود الجاذبية، وهي تجربة لم يشهدها الجسد البشري من قبل منذ أن بدأت الخليقة على متن هذا الكوكب سوى قبل 63 عاما فقط.

هذا الشعور العجيب والمميز بالإضافة لمشهد الأرض المدهش من الأعلى تتسابق على توفيره وتطويره حاليا عدة الشركات بأسعار باهظة، يستطيع تحملها بعض الأغنياء، وأعني دفع ملايين الدولارات من أجل رحلة سياحية إلى الفضاء مدتها في بعض الأحيان بالكامل ربع ساعة فقط، لذلك، هذا الشعور لم يجربه حتى الآن سوى قلة محظوظة من البشر.

هذه التجربة ليست مجرد متعة مجردة، فوجودك في الفضاء لفترات طويلة يصاحبها الكثير والكثير من الظواهر الصحية السلبية التي لم يكن البشر على علم بها قبل بدء عصر الفضاء، ومن ضمنها الدوار الذي يصيب الرواد لفترة مؤقتة بعد الوصول بسبب عدم الإحساس بالاتجاهات، لأن الدماغ اعتاد على قوة شد الجاذبية باتجاه الأسفل.

ليتخذه مرجعًا للإحساس بباقي الاتجاهات، ويعاني رواد الفضاء كذلك من ضعف مناعة الجسم، وتقلبات الساعة البيولوجية التي تدلك على الليل والنهار؛ لأن المحطة تدور حول الأرض بمقدار 16 مرة في اليوم، لذلك يشهد قاطنوها 16 شروقًا للشمس و16 غروبًا لها.

هذا بخلاف المشاكل النفسية كالتوتر والكآبة التي يسببها العيش داخل بيئة محطة الفضاء المغلقة تمامًا والشبيهة بالسجن، وتكاد تخلو من أدوات الترفيه سوى وجود قبة زجاجية تراقب من خلالها مشهد الأرض البهيج والمميز أسفل منك ووجود تواصل دائم بالصوت والصورة مع العائلة والأصدقاء،

وهناك حادثة معروفة حدثت بين عامي 1973 و1974، حين أضرب 3 رواد فضاء في محطة سكاي لاب الفضائية الأمريكية عن القيام بالتجارب والأنشطة داخل المحطة، وامتنعوا عن التواصل مع الأرض بسبب إجهاد العمل المتواصل لمدة 84 يومًا، واعتبروا ذلك اليوم يوم إجازة وراحة لهم رغم معارضة مديريهم، وهو ما أفضى لاحقًا إلى دراسات أكثر عمقًا للظروف النفسية التي يعاني منها الرواد في عزلة الفضاء، وتطوير برامج التأهيل النفسي قبل السفر لفترات طويلة. أما سيدا المشكلات الصحية في الفضاء فهما هشاشة العظام وضمور العضلات؛ لأن الراحة المطلقة للجسد -الذي لم يعد بحاجة حتى لحمل وزنه أو بذل جهد لحمل أي شيء- تقلل كثيرا من استخدام العضلات والعظام فتفقد قوتها وكثافتها، ولربما شاهدت كيف أن الرواد بعد عودتهم إلى الأرض وإخراجهم من مركبتهم الفضائية يتم حملهم على الأكتاف لعدم قدرتهم على الوقوف والمشي بسبب هذه العلة.

وهنا يأتي دور المشي والجري، كأسلوب تقليدي لحماية الرواد من هشاشة العظام وضمور العضلات، حيث يجب عليهم الجري يوميا على آلة المشي -وهم مشدودون بأحزمة عليها كي لا يطفوا في فضاء المحطة- لمدة لا تقل عن ساعتين يوميًا؛ لأن الجري يرغم الجسد على بذل جهد يحفظ العظام والعضلات وينشط الدورة الدموية ويرفع المعنويات، وأيضًا التأكد من اتباع نظام تغذية صارم يتم إعداده في الأرض بعناية بواسطة مختصين غذائيين يختارون المكونات بعناية لتساعد على نمو العضلات وتجنب ضمورها وفقدان العظام لكثافتها.

هذه الآثار الصحية السلبية التي تظهر أثناء وجود البشر في الفضاء يهتم بها فرع جديد من الطب يعرف باسم «طب الفضاء»، وهو الفرع الذي يدرس وجود الجسم البشري في ظروف انعدام الجاذبية، وهذا الفرع ابتكر الكثير من الحلول والأدوية وأساليب العلاج التي أصبح لها استخدام فعلي لحالات مرضية لعامة الناس هنا على ظهر الكوكب، وفي عام 2013 حضرت محاضرة حول طب الفضاء قدمها د. نبيل محسن، والذي كان حينها طبيبا في المستشفى السلطاني وله علاقة بأبحاث طب الفضاء في إحدى الدول الغربية، وكنت قد ذهبت إلى المحاضرة وفي بالي أن لدي معلومات معقولة حول دور علوم الفضاء في تطوير الطب، لكن بعد دقائق من بدء المحاضرة تفاجأت بالكمية المذهلة من الاختراعات والحلول الطبية والدوائية التي نشأت من رحم هذه الأبحاث، لدرجة أنني أدركت أنه لو لم يكن لأبحاث الفضاء سوى هذه المخرجات في الحقل الطبي لوحده لكانت فعلا استحقت كل المال والجهد المبذول فيها، فعمليات ليزر العيون، وصمامات القلب، وأدوية تقليل ضمور العضلات وهشاشة العظام، وجهاز قياس حرارة الأذن الداخلية، وتقنيات منع نزيف ما بعد الولادة، هي بعض هذه الابتكارات الكثيرة جدا لعلوم الفضاء في مجال الطب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محطة الفضاء فی الفضاء

إقرأ أيضاً:

مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة

مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة

تاج السر عثمان بابو

1

جاء مؤتمر لندن الذي عقد في 15 أبريل الجاري بعد دخول الحرب عامها الثالث، واستمرار معاناة الشعب السوداني من التشريد الذي وصل إلى أكثر من 12 مليون داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان الآلاف من الأشخاص، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب والعنف الجنسي، والتعذيب الوحشي للمعتقلين حتى الموت في سجون طرفي الحرب.

ضم المؤتمر: المملكة المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، ووزراء خارجية وممثلين من كل من: كندا، تشاد، مصر، إثيوبيا، كينيا، المملكة العربية السعودية، النرويج، قطر، جنوب السودان، سويسرا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، أوغندا، والولايات المتحدة الأمريكية،

بعد فشل المؤتمر في إصدار بيان ختامي صدر بيان من الرؤساء المشاركين،

استند البيان على المبادئ والآليات التي تم التوصل اليها في مخرجات المؤتمر الإنساني الدولي حول السودان والدول المجاورة، المنعقد في باريس بتاريخ: 15 أبريل 2024.

أشار البيان إلى قضايا عامة لا خلاف حولها مثل:

وقف الحرب وتخفيف معاناة الشعب السوداني، والتزامهم الراسخ بسيادة السودان، ووحدته، واستقلاله، وسلامة أراضيه، ودعمهم المستمر لتطلعات السودانيين نحو مستقبل سلمي، موحد، ديمقراطي، وعادل، ورفع الاهتمام الدولي بالتكلفة البشرية الباهظة للحرب. وتكثيف الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية. مع الاعتبار لدور المدنيين في إعادة بناء مستقبل السودان. إضافة لمسؤولية طرفي النزاع في حماية المدنيين، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. والاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024)، وإعلان جدة، إضافة إلى الركائز الستة الأساسية الواردة في خارطة طريق الاتحاد الأفريقي (مايو 2023) لحل النزاع في السودان.

2

كما أعطى البيان أسبقية للتوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار ووقف الحرب،  والحفاظ على وحدة السودان ومنع  تقسيمه، بما في ذلك تشكيل حكومة موازية التي قد تقوض سيادته وسلامة أراضيه وتُهدد تطلعات شعبه الديمقراطية.

إضافة للانتقال إلى حكومة مدنية: شدد المشاركون على أن القرار السياسي بشأن مستقبل السودان يجب أن يصدر عن السودانيين أنفسهم، في أوسع وأشمل تمثيل ممكن، وليس مفروضًا من الخارج. وغير ذلك مما جاء في البيان.

3

كما أشرنا فشل المؤتمر في إصدار بيان ختامي بسبب خلاف مصر والسعودية والإمارات، لكن صدور البيان من الرؤساء المشاركين يعتبر خطوة إلى الأمام لها ما بعدها، لكنها تحتاج إلى إرادة.

كما أشرنا سابقاً العامل الخارجي مساعد في وقف الحرب، لكن العامل الداخلي المتمثل في الحراك الجماهيري هو الحاسم، كما يقول المثل السوداني “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع أمرك”.

فقد تم استبعاد طرفي الحرب، والتأكيد على الحكم المدني الديمقراطي، لكن ذلك يستوجب أوسع نهوض جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الإنسانية، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وحماية السيادة وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.

[email protected]

الوسومالسعودية السودان الولايات المتحدة تاج السر عثمان بابو تشاد جنوب السودان فرنسا كندا مؤتمر لندن مصر وقف الحرب

مقالات مشابهة

  • مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة
  • إشارات أرضية تصل الفضاء.. هل من مجيب؟
  • ما هي حكاية يوم الأرض الذي يحتفل به العالم في 22 أبريل من كل عام؟
  • طهران: المحادثات النووية مع واشنطن في الاتجاه الصحيح لكن تحتاج إلى وقت أطول
  • مواقف الحق لا تحتاج إلى إعلانات مموَّلة
  • 5 أمور تحتاج إلى معرفتها حول مسابقة أوليمبوس الدولية للكمان الكلاسيكي
  • رائد فضاء يعود إلى الأرض بعد 7 أشهر بحفنة ساحرة من الصور التي وثقها للكون
  • بعد 110 أعوام.. ساعتان ذريتان تختبران صحة نظرية النسبية في الفضاء
  • المسند: أشعة الشمس التي تصل إلى كوكب الأرض لا تقوم بتسخين الغلاف الجوي
  • رائد فضاء يعود في يوم عيده الـ70 إلى الأرض