لجريدة عمان:
2024-12-24@12:15:13 GMT

مرعوشيًا أو مدريديًا: الفيزياء والرياضة

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

مرعوشيًا أو مدريديًا: الفيزياء والرياضة

لم يكن يتصور أحد في القرن التاسع عشر أن كثيرًا من الرياضات الجماعية والفردية ستركز عليها استثمارات دول بل تكتلات اقتصادية؛ لأنها جذبت كثيرا من المهتمين والمتابعين حول العالم، بل والأكثر غرابة أن تكون هناك فرق علمية فيزيائية وبيولوجية تستعين بها كثير من الأندية لتساعد على معرفة كيفية توفير طاقة اللاعبين والمهارات اللازمة لتجنب أي مشاكل بدنية تبعًا لطبيعة أرض الملعب والملابس والحالة الجوية، بل والأكثر من ذلك ففي لعبة كرة القدم تتم دراسة كيفية وقوة واتجاه التسديدات من خلال تحليل حركة الرياح ووزن الكرة وشكل الحذاء وطريقة ضرب الكرة ومقدار قوة الضرب وعوامل أخرى مؤثرة.

في هذا المقال عزيزي القارئ سنتحدث في البداية عن نبذة علمية عن قوانين الحركة من ناحية فيزيائية وكذلك سنذكر بعض الرياضات التاريخية وبعدها سنعرج على الحديث عن بعض المبادئ الفيزيائية المطبقة في رياضات حولنا والتي قد لا ننتبه لها بحكم التعوّد ولذلك سنحاول تقديم تفسير مبسط لها قدر الإمكان.

الرياضة -كما هو واضح- حركات محسوبة والحركة كانت وما زالت من الأمور المشاهدة في كل شيء حولنا فكيف استطاع العلماء دراستها ووضع قوانين تحاول تفسيرها فيزيائيًّا؛ أي كيف تم ربط المسافة التي يقطعها الجسم مع الزمن عندما يتحرك بسرعة ثابتة أو متغيرة (التسارع) مثل ما تتغير سرعة السيارة أثناء القيادة من مكان إلى آخر خلال زمن محدد، ومجمل هذه القوانين التي باتت تُعرف بقوانين الحركة الثلاثة الشهيرة والمنسوبة للعالم إسحاق نيوتن (1642-1727م) وذلك منذ أن نشرها في كتابه المسمى «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية».

وإحقاقًا للحق أود عزيزي القارئ قبل الخوض في تفاصيل المقال أن نكون منصفين ونتوقف لنعرف أصل قوانين الحركة -ولا يعني هذا التقليل من أعمال نيوتن المهمة في الفيزياء- تسبق بداية عصر النهضة الأوروبية بـ 600 سنة فكما تعلمون أن العلم تراكمي البنيان وفيما يلي ذكر لبعض العلماء الذين تحدثوا في هذا الفن أو ما نسميه بدايات الفهم الفيزيائي المقنن للحركة وطبعا بالتأكيد هناك عدد أكثر من العلماء الذين لم يذكروا هنا وذلك لعدم الإطالة، حيث ورد في كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا (981–1036م) حول القانون الأول للحركة التالي: «إنك لتعلم أن الجسم إذا خُلِّي وطباعه، ولم يَعْرِضْ له من خارجٍ تأثيرٌ غريبٌ، لم يكن له بُدٌّ من موضع معين وشكل معين، فإن في طباعه مبدأ استيجاب ذلك، وليست المعاوقة للجسم بما هو جسم، بل بمعنى فيه يطلب البقاء على حاله»، والمختصون يعلمون أن هذا بالضبط ما ذكرة نيوتن في قانونه الأول.

وفيما يلي ما ذكره هبة الله بن ملكا البغدادي (1087- 1164م) في كتابه المعتبر في الحكمة حول القانون الثاني حيث يقول (قبل نيوتن بـ 550 سنة تقريبا): «كلما اشتدت القوة ازدادت السرعة فقصر الزمان، فإذا لم تتناه الشدة لم تتناه السرعة، وفي ذلك تصير الحركة في غير زمان أشد؛ لأن سلب الزمان في السرعة نهاية ما للشدة». وهكذا مع القانون الثالث المشهور «لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه» حيث يقول فخر الدين الرازي (ت 1209م) في كتابه المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات: «الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط، لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلًا معوَّقًا بفعل الآخر». والحديث هنا يطول فابن الهيثم كذلك ذكر حديثًا طويلًا يصف فيه الحركة ولعل هذه السنوات وهي بداية الألف الأول الميلادي تقريبًا بعد أربعمائة سنة من هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كان للحضارة الإسلامية امتداد كبير وتمازجت فيها كثير من الأعراق والثقافات وأدى إلى نتاج معرفي مهم ثم حدث نقل معرفي بيني ومع غير الخاصة في الأندلس وهي مدرسة أوروبا الأولى كما يعرف الجميع[1].

ذِكر تلك الحقبة جعلني أبحث عن الألعاب التي اشتهرت بين العرب والمسلمين إبان أوج حضارتهم العلمية والفكرية، فنجد مثلًا رياضة العدو (الركض لمسافات طويلة) كانت من ضمن الألعاب حيث ذكر المحسِّن التنوخي [2] من أن السلطان البويهي بالعراق مُعِزّ الدولة (ت 356هـ/ 967م) كان شديد العناية ببعض الرياضات كالعَدْو والمصارعة والسباحة، فأنفق فيها الأموال ونظّم لها الفرق ونشرها بين الناس. لكن رياضة العدْو تحديدا استولت على جُلّ عنايته ورعايته؛ لأنه «احتاج إلى السُّعاة (العدَّائين) ليجعلهم فُيوجا (رُسُلًا) بينه وبين البلدان المحيطة، فيقطعون تلك المسافة البعيدة في المدة القريبة، وأعطى على جوْدة السَّعْي الرغائبَ (الجوائز الكبيرة)، فحرص أحداثُ (فتيان) بغداد على ذلك» وكان من نتائج هذا السباق المحموم شعبيًّا والمدعوم رسميًّا أنَّ الناس «انهمكوا فيه وأسلموا أولادهم إليه، فنشأ ركابيان (عدّاءان) لمعز الدولة: يُعرَف أحدُهما بـ«مرْعوش»، والآخر بـ«فضْل»، يسعى كل واحد منهما نيفًا وثلاثين فرسخًا (200 كم تقريبا) في يوم من طلوع الشمس إلى غروبها، حتى صار جميع من ببغداد إما مرعوشيًّا وإما فضليًّا!!

وقد رتّب معز الدولة على كل فرسخ من الطريق قوما يحضون عليهم، فصاروا أئمة السعاة ببغداد، وانتسب السُّعاة إليهم وتعصب الناس لهم». وهذا التشجيع يحصل في كل منافسة ففي عصرنا الحالي ينتسب البعض رياضيًّا حسب تشجيعه فيقول أنا برشلوني أو مدريدي ولست هنا لنقاش هذا التأثير على الناشئة وخاصة مع آلة الإعلام والتسويق التي يعلمها الجميع ولكن ما أردت قوله إن الانقسام في التشجيع أو ما يسمى حاليًّا بـ«الكلاسيكو» قديم قِدم الرياضة نفسها.

بعد هذه الجولة التاريخية لا شك أن دور علماء الفيزياء الكلاسيكيين الأوروبيين كان استكمالًا مهمًّا في فهم مفهوم الحركة، فبعد نيوتن جاء لورنتز العالم النيذرلاندي المشهور بتحويلاته التي فيها عامل لورنتز (جاما ɣ) والتي تعتمد على السرعة النسبية بين الراصد وجسم متحرك. وهو العامل الذي استخدمه لاحقًا آينشتاين في معادلات الحركة في النظرية النسبية مع بداية القرن العشرين، ولنفهم هذا التحول لنأخذ المثال التالي: إذا افترضنا قطارا يسير بسرعة v مقاربة من سرعة الضوء c وبه راكب يقوم بقياس طول القطار ونفترض أن الطول الذي يحصل عليه داخل القطار L ونفترض أن مشاهدا يقف على رصيف المحطة يقوم هو أيضا بقياس طول القطار الذي يمر أمامه بالسرعة v فهو يحصل على الطول L’ (طول أقصر) .

أي أن نسبية قياس طول القطار بالنسبة لمشاهدين أحدهما يتحرك مع القطار ويقيسه والآخر يشاهده من المحطة يعطي قراءتين مختلفتين وذلك حسب سرعة الراصد. وهذه النسبية لست فقط في الطول فكذلك الزمن يتمدد لراكب يسير في صاروخ يقترب من سرعة الضوء وتشمل هذه النظرية الكميات الفيزيائية المهمة الأخرى كالكتلة والطاقة وكمية الحركة وغيرها من الكميات. الفيزياء الكلاسيكية قدمت نظرة مهمة لفهم الحركة على المستوى الكبير المنظور macro ولكن فيزياء الكم مع النسبية قدمت تفسيرات أكثر روعة للنظام المتناهي الصغر micro كعالم الذرات ومكوناتها، ولكي تكون الصورة أكثر تناغمًا فإن فهم حركة الإلكترون مثلا بطريقة أعمق تجعلنا نفهم خصائص المادة وكذلك تجعلنا نفهم أن الحقيقة ما زالت أعقد من النظريات المقترحة ولو أنها تعطينا تصوُّرًا ذا معنى رياضي وأن التجارب المعملية ليست بعيدة عن النتائج المتوقعة، ولكي لا نغوص أكثر في الفيزياء حان الوقت لأخذ أمثلة تربط هذا العلم بالرياضة.

عزم الدوران وتأثير ماجنوس

فمن ضمن الأمثلة المشهورة للظواهر والمبادئ الفيزيائية في عالم الرياضة هما عزم الدوران وتأثير ماجنوس، فعزم الدوران أو الزخم الزاوي الذي يشبه دوران الإلكترون حول النواة في مداره حسب النظرية الكلاسيكية فمثلا في رياضة رمي القرص تزداد سرعة دوران اللاعب حول نفسه كلما زاد عزم الدوران وبالتالي قوة الجذب المركزي لكي يبقى القرص مقبوضا بيد اللاعب والذي لو أفلته لتحرك بنفس اتجاه الحركة ولكن يتم الإفلات عند الوصول لأقصى سرعة دورانية متزنة يستطيعها اللاعب لأنها تعني زيادة في سرعة انطلاق القرص ووصوله لمسافات أبعد، وهذا يعني أنه لا بد من تناغم تأرجح الذراع ودوران الجسم، مما يساعدك على اكتساب الزخم اللازم للرمي، فكلما تمكن اللاعب من اكتساب المزيد من الزخم، كان ذلك أفضل.

أما عند استخدام المضرب لضرب الكرة بدل رميها مثل ما يحدث في لعبة تنس الطاولة، ولكونها عملية فيزيائية مركبة فبمجرد خروج الكرة من المضرب، يتم تحديد مسارها واتجاهها من خلال القوة والدوران الموجهين للضربة، ولكن يتم تحديد المسار نفسه من خلال الجاذبية ومقاومة الهواء وتأثير الدوران غالبا ما تؤدي الضربة المتشابهة إلى نتيجة مماثلة من حيث الدوران والسرعة والاتجاه، وهذا يجعل اللاعب الثاني يتعلم كيفية التعامل مع هذه الكرة الساقطة لأنها بكل بساطة فهم كيف تدور تحت تأثير الهواء والجاذبية والاتجاه الأصلي الموجه ومن هنا تأتي البراعة في تحليل كل ذلك في كل عملية استلام وإرسال للكرة بين اللاعبين، لا أخفيكم أنني كنت أمارس هذه اللعبة بكثرة أيام الدراسة الجامعية الأولى ولعلني لو تحدثت عنها لما أردت التوقف ففيها من فنون الفيزياء الكثير لأن تدوير الكرة وسرعتها يعتمد على نوع المضرب وكذلك امتصاص ارتداد الكرة وارتفاع الشبكة، وكنا نطور من مهاراتنا في اللعب كلما أدخل أحدهم تقنية جديدة فهي بالفعل تغذية ذهنية وبدنية في آن واحد.

أما تأثير ماجنوس فنراه واضحا عند تحريك كرة مثل كرة كالبيسبول أو كرة القدم، ولكي نبسط الأمر، دعونا نتحدَّث عن اتجاه الكرة عند رميها أو ركلها من منطقة بعيدة عن المركز (مركز الكرة)، حيث تتسبب هذه القوة في دوران الكرة إما في اتجاه عقارب الساعة أو عكس اتجاه عقارب الساعة، وتعتمد كيفية انحناء الكرة عندما تكون في الهواء على سرعة الدوران والاتجاه، ينطبق المبدأ نفسه على الكرة المنحنية في لعبة البيسبول الشهيرة، فعندما يرمي اللاعب الكرة، يكون الرامي دورانا سريعا ينتج عنه انحناء الكرة أثناء الطيران، ويحدث هذا الانحناء عندما تدور كرة القدم لتنشأ قوة احتكاك بين الهواء المحيط بها وسطح الكرة في اتجاه الدوران، وعند الدوران العلوي تؤدي الكرة إلى انخفاض سرعة الهواء في القسم العلوي من الكرة مقارنة بسرعة الهواء في الأسفل، وهذا التغيير يؤدي إلى تغيير اتجاهها.

هندسة ريشة المضرب

وهنا يجرنا الحديث لإحدى الألعاب المثيرة فيزيائيًّا ألا وهي كرة الريشة أو الريشة الطائرة وتصنع الكرة (الشتلكوك) من ريش جناح الإوزة ويتكون من 16 ريشة، وتعد الريشة الطائرة جسمًا خفيف الوزن وممتدًا، حيث يبلغ وزنها 5 جرامات وطولها 10 سم، مما يمنحها قوة سحب كبيرة للغاية، وعلى الرغم من قوة السحب الكبيرة، لا تزال الريشة الطائرة قادرة على تحقيق سرعات قصوى تزيد على 300 ميل في الساعة (137 مترا في الثانية). والأسئلة هنا كثيرة لعل البداية تكون حول شكل وتركيب الكرة فهي ذات شكل مخروطي مفتوح يتكون من ريش أو بلاستيك (أو بديل صناعي) مدمج في قاعدة مستديرة من الفلين أو المطاط، شكل الريشة يجعلها مستقرة للغاية من الناحية الديناميكية الهوائية، وبغض النظر عن الاتجاه الأولي، فإنها ستتحول إلى فلين طائر أولا، وتظل في اتجاه الفلين الذي هو القاعدة.

كما قام العلماء بالتحقيق في كيفية تأثير هندسة الريشة على ديناميكيات انقلابها من خلال إجراء تجارب السقوط الحر في خزان مياه. وعلى وجه الخصوص، قاموا بمقارنة نماذج أولية للريشة ذات تنانير ريشية بزوايا فتح مختلفة. ووجدوا أن زوايا الفتح الصغيرة جدا أو الكبيرة جدا تؤدي إلى أوقات انقلاب واستقرار طويلة، ومن غير المستغرب أن يتم اختيار هندسة الريش الحقيقية تجريبيا بحيث تكون لها زوايا فتح متوسطة تسمح لها بالانقلاب والاستقرار بسرعة.

الحديث عن الفيزياء في الرياضة طويل وعميق ويمكن القول إنهما غير منفصلين فأي حركة رياضية هي ظاهرة طبيعية تحتاج لقوانين فيزيائية تفسيرية اكتشفت أم لا، لذلك الرياضة مليئة بالعلوم، فكما يحتاج الرياضي -هنا نتحدث عن أي رياضي بشكل عام حتى الذي يتمرن لنفسه- للتمرين البدني يحتاج لتمرين ذهني علمي يساعده في اتخاذ قراراته أثناء التمرين والتنفيذ في الميدان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

الأجهزة الأمنية تستجيب لاستغاثة مواطن غير قادر على الحركة وتنقله للمستشفى

تبلغ للأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة استغاثة من (أحد الأشخاص – مقيم بدائرة قسم شرطة المطرية) مريض وغير قادر على الحركة لنقله لإحدى المستشفيات لتلقى العلاج.

على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية لمحل البلاغ، وتم مساعدته وإنزاله من مسكنه بمعرفة قوات الحماية المدنية ونقله لإحدى المستشفيات لتلقي العلاج.

ومن جانبه، تقدم المبلغ بالشكر لأجهزة الأمن على سرعة الاستجابة وتقديم المساعدة له.

مقالات مشابهة

  • كيف تحسن سرعة الإنترنت في المنزل بخطوات بسيطة؟
  • يابوس تحت القصف: محاولات جر الحركة الشعبية إلى الحرب
  • الاستجابة لاستغاثة مواطن غير قادر على الحركة لنقله للمستشفى
  • الصين تختبر طائرة 4 أضعاف سرعة الصوت
  • هل الحركة في الصلاة تبطلها؟.. دار الإفتاء توضح الأحكام
  • الأجهزة الأمنية تستجيب لاستغاثة مواطن غير قادر على الحركة وتنقله للمستشفى
  • مستمرة في الحركة.. كيف انفصلت الهند عن أفريقيا وإلى أين تتجه؟
  • الدوران داخل الدائرة الخبيثة..الى متى
  • الأجهزة الأمنية تستجيب لاستغاثة مواطنة غير قادرة على الحركة وتنقلها إلى المستشفى
  • دعاء للمذاكرة وعدم النسيان.. «اللهم إني أسألك سرعة الحفظ والفهم»