يشكّل المؤتمر القومي العربي نموذجا مصغّرا للواقع العربي اليوم بإيجابياته القليلة ومآسيه وخيباته وهمومه الكثيرة، فالدورة الثانية والثلاثين للمؤتمر (تأسس عام 1990 في تونس) لم تحمل الكثير من الأفكار الجديدة أو الطروحات غير التقليدية في مواجهة التحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، رغم محاولات القائمين عليه رفد المؤتمر بناشطين جدد من الشباب والنساء والإعلاميين والباحثين، ورغم بعض الأوراق والاقتراحات التي قدّمت من أجل تفعيل عمل المؤتمر ودوره في الدفاع عن القضايا العربية والمواطنين العرب شرقا وغربا وفي بلاد الاغتراب.



فقد انعقد المؤتمر القومي العربي يومي 30 و31 تموز/ يوليو الماضي في بيروت بحضور حوالي 280 شخصية من أعضاء المؤتمر والمراقبين والإعلاميين، ونُقلت جلسة الافتتاح عبر قناة الميادين في محاولة لتأكيد الاهتمام الإعلامي بأعمال المؤتمر، لكن نقاشات المؤتمر وبيانه الختامي لم ينالا الاهتمام الكافي من قبل وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، باستثناء بعض التغطيات التلفزيونية القليلة وبعض المقالات والتقارير التي نُشرت عن أعمال المؤتمر من قبل بعض اعضائه والمسؤولين عنه، وإن كانت زيارة وفد من الأمانة العامة للمؤتمر لسوريا واللقاء مع الرئيس بشار الأسد قد حظيا ببعض الاهتمام والانتقادات أيضا في ظل استمرار الأزمة السورية وعدم الوصول إلى حلول سياسية لها.

وقد تناول المؤتمر في أعماله قضايا المشروع النهضوي العربي وهي: الوحدة العربية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، الديمقراطية، التجدد الحضاري. كما أعد الدكتور زياد الحافظ تقريرا عن الأوضاع الدولية والإقليمية وتأثيراتها على الوطن العربي، وخُصصت جلسة خاصة لبحث الوضع في السودان، وجلسة للبحث في تشكيل جبهة عربية- عالمية لمواجهة التحديات المختلفة واعد ورقة العمل حولها الدكتور ماهر الطاهر، كما نوقشت أوضاع المؤتمر ومخيم الشباب العربي.

ورغم الجهد الذي بذله أعضاء المؤتمر والمشرفون عليه ومعدو الأوراق الأساسية، فإن المشارك في أعماله لا يلحظ وجود المعطيات العلمية الدقيقة حول الواقع العربي والتحديات التي يواجهها العالم العربي، باستثناء بعض الارقام القليلة التي أشار إليها عدد من المتحدثين حول عدد المعتقلين السياسيين في الدول العربية والتي تفوق عشرات الآلاف، وأزمة الهوية في دول الخليج العربي في ظل وجود حوالي 18 مليون مقيم غير عربي في هذه الدول مما يشكّل تحديا كبيرا على مستقبلها.

المشاركون في المؤتمر قدّموا الكثير من الآراء والملاحظات حول الواقع العربي المآساوي في كافة وجوهه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك حول التحديات الجديدة التي تواجه الدول العربية في ظل استمرار الصراعات الداخلية والدعوات إلى الفيدرالية والتقسيم، وما يشهده السودان من حرب داخلية جديدة، واستمرار الصراعات في اليمن وليبيا ولبنان وسوريا، وتراجع الديمقراطية في معظم الدول العربية، والمخاوف من المتغيرات والتطورات التكنولوجية والقيمية والاجتماعية.

وقد تكون النقطة الوحيدة الإيجابية في صورة العالم العربي اليوم هي تصاعد المقاومة في فلسطين واستمرار دور المقاومة في لبنان رغم الضغوطات التي تتعرض لها، وقد حاول بعض المشاركين تقديم صورة إيجابية للواقع العربي اليوم في ظل المتغيرات الدولية وبعد الاتفاق السعودي- الإيراني وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لكن في المقابل كانت هناك آراء أخرى تشير إلى الصورة السلبية للواقع العربي في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واستمرار حصار بعض الدول العربية، وعدم تقدم العلاقات العربية البينية بالمستوى المطلوب.

لكن الوجه الأخطر في نقاشات أعمال المؤتمر القومي العربي غياب ما يمكن الإشارة إليه: الفكرة العربية الجديدة في ظل التحديات المختلفة وعدم وجود مفكرين عرب قادرين على تجديد المشروع النهضوي العربي في ظل غياب معظم المؤسسين للمؤتمر القومي العربي وأبرزهم الدكتور خير الدين حسيب، وعدم وجود مفكرين عرب يقدمون أفكارا جديدة قادرة على مواكبة المتغيرات العالمية اليوم، مع أهمية بعض الإشارات والملاحظات والاقتراحات العملية التي وردت في كلمات عدد من المتحدثين.

فالمواطنون العرب اليوم لم يعودوا يطمحون لتحقيق الوحدة العربية والتي أصبحت شعارا غير واقعي، ولكنهم يتمنون الحفاظ على وحدة كل دولة عربية على حدة، ووقف الصراعات داخل كل دولة وبين مختلف الدول العربية، كما أن المواطن العربي أصبح يفكر فقط بتأمين لقمة عيشه، أو حماية حريته وأمنه واستقراره وعدم اعتقاله بسبب مواقفه وآرائه السياسية أو يأمل أن يتمكن من السفر، وقسم كبير من المواطنين العرب أصبحوا يفضلون الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت في البحر المتوسط ولو أن وصولهم إلى الأماكن التي يريدون الوصول إليها غير مضمون، كما أن ملايين العرب أصبحوا لاجئين أو نازحين داخل دولهم أو في دول أخرى، وكل ذلك يؤدي إلى نتائج خطيرة على واقع الإنسان العربي.

فاين تكمن الأولويات اليوم في اهتمامات المفكرين والناشطين القوميين؟ وكيف يمكن للمؤتمر القومي العربي أن يساهم في تقديم بعض الأفكار الجديدة أو الاقتراحات العملية من أجل مواجهة مختلف التحديات؟ طبعا المشاركون في المؤتمر يؤكدون أنهم ليسوا حزبا سياسيا ولا يوجد لديهم أدوات تنفيذية لتحقيق بعض الاقتراحات العملية، لكن على الأقل من المهم أن يكون صوت المؤتمر القومي العربي أكثر وضوحا في مواجهة استهداف الديمقراطية ومن أجل الدفاع عن المعتقلين السياسيين والبالغ عددهم عشرات الآلاف، وهناك حوالي خمسين عضوا على الأقل من أعضاء المؤتمر مسجونون في السجون العربية، حسبما أشار الدكتور خالد شوكات في ورقته عن أزمة الديمقراطية في العالم العربي.

وفي الخلاصة، رغم أهمية عودة المؤتمر القومي العربي إلى عقد دوراته السنوية وما يصدر عنه من مواقف وما يشهده من نقاشات، فإن الحاجة الدائمة لتجديد الفكر العربي والمشروع النهضوي العربي ووضع آليات جديدة لمتابعة ذلك يبقى أمرا ضروريا، والمسؤولية لا تقع فقط على الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي أو على الاعضاء المشاركين فيه، بل هي مهمة كل المفكرين والمثقفين والإعلاميين العرب والقيادات العربية والأحزاب العربية.

ونحن نحتاج مجددا إلى مشروع متكامل لنقد الواقع العربي والبحث في تجديد المشروع العربي وإلى قراءات نقدية أكثر عمقا، وإلى من يستعيد الفكر العربي الإصلاحي أو التغييري ومن يحمله إلى العالم، من أمثال الكواكبي والأفغاني ومالك بن نبي وساطع الحصري وقسطنطين زريق والطاهر عاشور ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وهشام شرابي، وغيرهم العشرات من العلماء والمفكرين الذين حاولوا نقد الواقع العربي والإسلامي وتقديم أفكار جديدة لمواجهة مختلف التحديات.

twitter.com/kassirkassem

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المؤتمر القومي الأفكار العالم العربي الأزمات العالم العربي أزمات أفكار المؤتمر القومي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المؤتمر القومی العربی العالم العربی الدول العربیة العربی الیوم

إقرأ أيضاً:

الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي

في عالم تتداخل فيه التكنولوجيا مع تفاصيل الحياة اليومية، أصبحت الطائرات المسيّرة الصينية جزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من الأمريكيين. من الزراعة إلى الإنقاذ، تتجاوز استخداماتها الفعّالة مجرد أدوات طائرة، لكنها تواجه الآن تحديات تشريعية تهدد وجودها في الأسواق الأمريكية.

اعلان

وتمثل الطائرات المسيّرة الصينية مثالًا حيًا على الابتكار التقني الذي غيّر قواعد اللعبة في العديد من المجالات، مثل الزراعة وخدمات الطوارئ. ففي ولاية كارولاينا الشمالية، يعتمد المزارع راسل هيدريك على هذه الطائرات لرش الأسمدة على حقوله بكفاءة وبتكلفة أقل بكثير من المعدات التقليدية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد الكبير يثير قلقًا لدى صناع القرار الأمريكيين الذين يرون فيه خطرًا على الأمن القومي والتنافسية الاقتصادية.

راسل هيدريك يشغل طائرة مسيرة في مزرعته.Allison Joyce

ومع تصاعد المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، تسعى الحكومة الأمريكية إلى تقليص الاعتماد على المنتجات الصينية.

ويأتي هذا التوجه في سياق قيود سابقة فرضتها واشنطن على شركات الاتصالات الصينية والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى توجهات مماثلة في مجالات أخرى كأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.

ولم تكن القوانين الجديدة بعيدة عن هذه المواجهة؛ إذ تضمن قانون الدفاع الذي أقرّه الكونغرس مؤخراً بنوداً تمنع شركتين صينيتين من بيع طائرات مسيّرة جديدة في الولايات المتحدة، إذا تبيّن أنها تشكل خطرًا "غير مقبول" على الأمن القومي الأمريكي. وقد سبق أن مُنعت بعض الوكالات الفيدرالية من شراء هذه الطائرات، مع استثناءات محدودة، بينما فرضت ولايات عدة قيودًا على استخدامها في برامج مدعومة حكوميًا.

ورغم المخاوف الأمنية، هناك أصوات تنتقد هذه الإجراءات، مشيرة إلى تأثيرها السلبي على قطاعات حيوية. ومن بين هذه الأصوات، المزارع هيدريك الذي يؤكد أن الطائرات الأمريكية لا تزال بعيدة عن منافسة نظيراتها الصينية من حيث الأداء والسعر. ويشارك هذا الرأي العديد من الخبراء الذين يرون أن البدائل الأمريكية ليست جاهزة بعد لسد الفجوة، مما قد يضعف قدرات المستخدمين المحليين على تنفيذ مهامهم اليومية بكفاءة.

طائرة مسيرة من طراز DJI التابعة لراسل هيدريك تنشر غطاء المحاصيل في مزرعته.Allison Joyce

وتحتل شركة "DJI" الصينية موقع الصدارة في سوق الطائرات المسيّرة، حيث تُعرف منتجاتها بأسعارها التنافسية وأدائها العالي. تُستخدم هذه الطائرات في تطبيقات متعددة، بدءًا من البحث عن ضحايا الكوارث الطبيعية وصولًا إلى تصوير الأفلام. ورغم ذلك، فإن وجودها المهيمن أثار مخاوف متزايدة، حيث أدرجتها الحكومة الأمريكية في قوائم سوداء بسبب مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وعلاقات مع الجيش الصيني.

Relatedتايوان قلقة من تهديد جديد.. وتؤكد أن "الصين ترسل إلى المنطقة أكبر أسطول بحري منذ عقود"قبل عودة ترامب.. بايدن يدفع لوضع استراتيجيات جديدة للتعامل مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصيندعوات غير مسبوقة: ترامب يدعو زعماء من العالم بينهم الرئيس الصيني لحضور حفل التنصيب

لكن القوانين الجديدة لم تأت دون تحديات؛ فقد تسببت في تعطيل العديد من البرامج الحكومية والخاصة التي تعتمد على الطائرات المسيّرة، مما دفع بعض الولايات مثل فلوريدا إلى تخصيص ميزانيات ضخمة لمساعدة الوكالات المحلية على الانتقال إلى بدائل جديدة. ومع ذلك، وصف خبراء هذه المرحلة بأنها "فوضى عارمة"، حيث واجه المستخدمون صعوبات تتعلق بتعلم أنظمة تشغيل جديدة وإعادة ضبط الشبكات والتطبيقات المستخدمة.

وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الصناعة الأمريكية سد الفجوة وابتكار بدائل قادرة على منافسة المنتجات الصينية؟

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ترامب يهدد أوروبا بعقوبات ورسوم جمركية ويطالب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5% ميتا تواجه غرامات تفوق 251 مليون يورو بعد تسريب بيانات المستخدمين في 2018 دعوات غير مسبوقة: ترامب يدعو زعماء من العالم بينهم الرئيس الصيني لحضور حفل التنصيب ضرائبالصينالولايات المتحدة الأمريكيةالسياسة الصينيةالوارداتزراعةاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إصابة أكثر من 25 إسرائيليًا إثر صاروخ يمني والكنيست يمدد حالة الطوارئ لعام إضافي يعرض الآن Next ترامب والصحة العالمية كلاكيت ثاني مرة.. الرئيس المقبل ينوي الانسحاب من المنظمة فهل يفعلها مجددا؟ يعرض الآن Next طلاق أسماء الأسد.. رحل بشار عن سوريا فهل ترحل عنه زوجته؟ يعرض الآن Next عاجل. وول مارت تبيع قمصانا عليها صورة السنوار وإسرائيل تستشيط غضبا يعرض الآن Next عاجل. 12 قتيلًا على الأقل بإنفجار في مصنع للمتفجرات شمال غرب تركيا اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادبشار الأسددونالد ترامبإسرائيلشرطةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أوروباسورياضحاياأبو محمد الجولاني ماغدبورغنيويوركالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • «التضامن» تنظم احتفالية اليوم العربي للمسنين 23 يناير المقبل
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي الأمين العام لجامعة الدول
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي أمين عام جامعة الدول العربية
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي بالأمين العام لجامعة الدول العربية
  • الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي
  • الغرف العربية: البحث العلمي مفتاح التنمية المستدامة في العالم العربي
  • هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
  • رئيس دائرة الخليج العربي واليمن بجامعة الدول العربية يلتقي رئيس دائرة العلاقات الخارجية بمؤتمر مأرب الجامع
  • أبو الغيط: مجلس الوزراء العرب للأمن السيبراني.. إضافة جديدة لمنظومة الأمن القومي العربي
  • تغيير الوظيفة وإضافة الأبناء.. رسوم تجديد بطاقة الرقم القومي وغرامة التأخير