«مزاعم الاستدامة الأولمبية والشعاب المرجانية في تاهيتي»
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
هل ستكون الألعاب الأكثر خضرة؟ من المؤكد أنّ هذا هو ما وعدت به باريس عندما جعلت الاستدامة البيئية والابتكار والقيادة من العناصر الأساسية لنجاح مساعيها لاستضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في هذا العام 2024م. ووعدت اللجنة المنظمة بتحقيق تقدم «تاريخي» فيما يتعلق بأهداف المناخ، وخفض البصمة الكربونية للألعاب السابقة في ريو ولندن إلى النصف.
ولتحقيق هذه الغاية تعمل باريس على خفض انبعاثات الكربون عبر السفر والبناء والعمليات مثل تقديم الطعام والإقامة. وسيربط جميع المواقع الأولمبية بشبكة الكهرباء العامة؛ مما سيجنب توليد الكهرباء بالديزل.
ولتعزيز الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية؛ قُلّلت عمليات البناء الجديد من خلال استخدام الأماكن القائمة والمؤقتة.
إنّ هذه الأهداف كلها جديرة بالثناء وتتوافق مع مسعى اللجنة الأولمبية الدولية المتمثل في استخدام الألعاب «لإلهام مستقبل مستدام في جميع أنحاء العالم». ولكن على الرغم من هذه الادعاءات الجريئة، فإنّ الطريقة التي نظمت بها باريس مسابقة ركوب الأمواج في تاهيتي توضح مدى صعوبة تحويل تلك الأقوال إلى واقع.
رياضة ركوب الأمواج الأولمبية على جزيرة مرجانية في المحيط الهادئ
ظهرت رياضة ركوب الأمواج أول مرة في ألعاب أولمبية في طوكيو في عامي 2020 و2021. لكن تنظيم وإدارة حدث دولي لركوب الأمواج أمر صعب؛ فلا تستطيع سوى قِلة من المدن ضمان أمواج عالية الجودة وظروف جوية مثالية طوال مدة الحدث.
ورغم أنّ سباقات ركوب الأمواج في طوكيو كانت تسير بسلاسة، إلا أنّ جودة الأمواج على الساحل الشرقي لليابان لم تكن مثالية لمنافسة عالية الأداء.
أشارت تقارير أولية إلى أنّ باريس كانت تبني مسبحًا صناعيًا للأمواج. لكن مثل هذا المرفق الذي يستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، ويكلف الكثير من المال من الصعب أنْ يتوافق مع أهداف الاستدامة التي تدعيها الدولة المضيفة.
بعد ذلك أصبح ساحل فرنسا الأطلسي هو المكان المقترح لإقامة مسابقات ركوب الأمواج، ولكنه استبدل فيما بعد بمنطقة تيهوبو في تاهيتي (بولينيزيا الفرنسية) على بعد حوالي 16 ألف كيلومتر من باريس.
ورغم التزام اللجنة الأولمبية الدولية بنموذج «مدينة مضيفة واحدة»؛ فإن التغييرات السياسية الأخيرة في أجندتها (2020+5) تسمح بمزيد من المرونة. فقد أصبح من الممكن الآن استضافة الألعاب الأولمبية بمشاركة عدة مدن وحتى مناطق أو بلدان.
وليس من الصعب أن نفهم لماذا أصبح شاطئ تيهوبو الخيار المفضل؛ فهو أحد أكثر مناطق ركوب الأمواج تحديًا وإثارة في العالم، وهو بالفعل جزء من حلبة ركوب الأمواج الاحترافية العالمية (على الرغم من أنّه كان يعدّ حتى وقت قريب خطيرًا للغاية بالنسبة للنساء، اللائي استبعدن من عام 2006م حتى عام 2022م).
وفي هذا العام (2024م) ستعرض مسابقات ركوب الأمواج طبيعتها الرياضية المذهلة كرياضة حديثة على الألعاب الأولمبية على شواطئ جزيرة بولينيزية خلابة. وزعم المنظمون أنّ إقامة الحدث في تاهيتي «سيجلب شعورًا بالانتماء إلى الأراضي الفرنسية فيما وراء البحار».
وفي النهاية أثبت اختيار مكان ممارسة رياضة ركوب الأمواج أنّه مثير للجدل إلى حد كبير؛ مما تسبب في احتجاجات محلية ودولية.
المحلي مقابل العالمي
إنّ تيهوبو مستوطنة صغيرة تقع على الجزيرة الرئيسية على الساحل الجنوبي الغربي لتاهيتي. وقد شعر السكان المحليون بالقلق في البداية عندما كشفت خطط مسربة لقرية أولمبية عن بنية أساسية جديدة ضخمة.
وشمل ذلك طرقًا مزدوجة، وجسرًا للسيارات، وأساسات كهرباء، وسدودًا ساحلية، وممرًا عائمًا للمتفرجين، ومنصة تتسع لمائتي موظف.
ولقد استجاب السكان المحليون والجماعات البيئية بسرعة؛ الأمر الذي أثار اهتمام وسائل الإعلام؛ فطالبوا بمزيد من الشفافية والمشاركة العامة. وكما قال رئيس بلدية تيهوبو رونيو بوارو:
«يتقبل شعبنا الألعاب الأولمبية؛ ولكن ذلك يأتي بشروط [...] والهدف هو الحفاظ على بيئتنا.»
وفي نهاية المطاف تُوصِل إلى حلول وسط. فكان من المقرر أنْ تقلص البنية الأساسية الجديدة إلى الحد الأدنى، مع إقامة المتنافسين على متن سفينة سياحية، والموظفين الأولمبيين والصحافة والمسؤولين مع السكان المحليين أو في بيوت الضيافة المحلية.
ونظرًا لوجود سعة محدودة للمشاهدين المباشرين؛ ستُركّب شاشات عرض في المدينة المحلية وفي العاصمة بابيتي.
برج المتاعب
ومع ذلك كان القلق الأكبر يتعلق ببناء برج تحكيم جديد من الألومنيوم ليحل محل البناء الحالي، والذي عدّه منظمو الألعاب الأولمبية غير آمن.
وتضمن ذلك الحفرَ في الشعاب المرجانية الحساسة، وهو ما يقول عنه العلماء إنه قد يكون له عواقب وخيمة على النظم البيئية للشعاب المرجانية.
انطلقت عريضة عالمية لوقف تشييد البرج الجديد. وقالت رابطة ركوب الأمواج الدولية (المسؤولة عن تطوير وإدارة رياضة ركوب الأمواج الأولمبية) إنّها لن تدعم أي بناء جديد على الشعاب المرجانية.
ورغم ذلك فقد قيل إنّ رئيس اللجنة المنظمة في باريس ورئيس بولينيزيا الفرنسية «كانا متفقين» و«متحدين في رغبتهما في بناء برج التحكيم هذا». وهو ما حدث بالفعل؛ وإنْ كان في نسخة مصغرة.
ولكن العديد من التاهيتيين ما زالوا منزعجين مما عدّوه عملية غير محترمة. فوصف راكب الأمواج التاهيتي فاهيني فييرو (والذي يمثل فرنسا في الحدث) بيئةَ الشعاب المرجانية بأنّها «معبدنا»، وقال: «إنّه اعتقاد روحي، وتجسيد حي لتراثنا وأرض أجدادنا».
ومن عجيب المفارقات -كما كشفت أبحاثنا السابقة- أنّ مثل هذه المعتقدات تعبر عن جوهر الأصول البولينيزية لرياضة ركوب الأمواج، والتي حرصت اللجنة الأولمبية الدولية على إبرازها من خلال إدراج رياضة ركوب الأمواج في الألعاب الأولمبية.
التمويه الأخضر
إنّ الجدل الدائر حول فعالية ركوب الأمواج في دورة الألعاب الأولمبية في باريس يسلط الضوء على التحديات العديدة التي تواجه تنظيم أحداث ضخمة مستدامة.
ولكن العديد من الباحثين والناشطين لا يزالون غير مقتنعين بالادعاءات البيئية التي تدعيها اللجنة الأولمبية الدولية. وقد تساءلوا عما إذا كانت المنظمة تقوم حقا بـ«التمويه الأخضر» Greenwashing.
الواقع أنّ اللجنة الأولمبية الدولية تظل انتقائية للغاية في كيفية قياس عملياتها لدعم مختلف التوقعات المثالية والوعود البيئية. وقد أظهرت الأبحاث التي قيّمت استدامة الألعاب الأولمبية بين عامي 1992م و2020م تراجع هذه الاستدامة بمرور الوقت.
لكن جورجينا جرينون (مديرة التميز البيئي لباريس 2024م) تقول: «نريد أنّ نثبت أنّ نموذجًا آخر ممكن، وأن ننشئ إرثًا للأحداث الرياضية الكبرى. لا ندعي أننا مثاليون؛ لكننا نريد أن نثبت أننا قادرون على القيام بالأمور بشكل مختلف».
لا شك أنّ استضافة منافسات رياضة ركوب الأمواج في تاهيتي يمثل طريقة مختلفة للتعامل مع الأمور. ولكنه يثير المزيد من التساؤلات حول ادعاءات اللجنة الأولمبية الدولية بأنّها رائدة في مجال الاستدامة البيئية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللجنة الأولمبیة الدولیة الألعاب الأولمبیة رکوب الأمواج فی الأمواج ا
إقرأ أيضاً:
تقرير الاستدامة لـ"الوطنية للتمويل" يستعرض الالتزام بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية
مسقط- الرؤية
تُواصل الوطنية للتمويل- الشركة الرائدة في مجال التمويل في سلطنة عُمان- إحراز تقدم ملموس في تنفيذ مبادرات مستدامة تحقق نتائج ملموسة، إذ توثق نسخة تقرير الاستدامة لعام 2024 الذي أُصدِر مؤخرًا أبرز الإنجازات والخطوات الفاعلة التي حققتها الشركة حتى الآن، وتستعرض بشكل شامل استراتيجيتها المتكاملة في دمج ممارسات الاستدامة ضمن عملياتها التشغيلية، كما يتضمن التقرير تسليط الضوء على رؤيتها المستقبلية وخططها الطموحة لمواصلة هذا المسار سعياً نحو التأثير الإيجابي المُستدام.
وقال طارق بن سليمان الفارسي الرئيس التنفيذي لشركة الوطنية للتمويل: "شكّل إصدار تقرير الاستدامة لعام 2024 محطة مفصلية في مسيرتنا، حيث يُبرز الأثر العميق والمُلهم لمبادراتنا في مجالات البيئة والمجتمع والحوكمة، ويحدد بوضوح مسارنا لمواصلة التقدم في هذا المسار، كما يُجدد هذا التقرير التزامنا الراسخ بأهداف الاستدامة، مما يُعزز دورنا الريادي في دعم جهود الاستدامة الوطنية وتمكين وطننا من اغتنام الفرص المستقبلية الواعدة".
ويُعد تنفيذ مبادرة Be Green على مستوى الشركة أحد أبرز إنجازات الشركة في إطار استراتيجيتها للاستدامة، حيث تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الوعي البيئي بين الموظفين، وتُشجّع المبادرة الكوادر على تبنّي سلوكيات وممارسات مستدامة تُسهم في تقليل الأثر البيئي للشركة. ومن أبرز النجاحات التي حققتها هذه المبادرة، إعادة تدوير أكثر من 15,000 كيلوجرام من الورق، مما يعكس التزام الشركة بدورها الريادي في مجال دعم الاستدامة البيئية.
ويشكّل التفاعل الفعّال مع الموظفين عنصراً أساسياً في استراتيجية الاستدامة لشركة الوطنية للتمويل، وقد حافظت الشركة على معدل تعمين يتجاوز 90% خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يعكس التزامها بتطوير الكوادر الوطنية والطاقات الشبابية الواعدة، كما وفّرت الشركة برامج تدريبية متنوعة لدعم النمو المهني والشخصي، إلى جانب بيئة عمل مرنة تعزز التوازن بين الحياة والعمل، وهو ما انعكس في تحقيق نسبة رضا وظيفي بلغت 80% وفقاً لتقرير الاستدامة الصادر مؤخراً من الشركة.
وساهمت الشركة الوطنية للتمويل بشكل فاعل في تمكين المجتمع من خلال تعاونات وشراكات مثمرة مع مؤسسات مجتمعية رصينة مثل دار العطاء لدعم المبادرات البيئية والمجتمعية. وكان لفريق "هِمّة" التطوعي دور محوري في هذه الجهود، حيث جسّد القيم المؤسسية بروح العطاء والريادة. كما أسهمت هذه الجهود في تعزيز الشمول المجتمعي والعدالة والاستدامة، وتمكين الفئات المجتمعية ذات الأولوية.
وتولي الشركة اهتمامًا خاصًا بتمكين الكفاءات العُمانية الشابة، حيث تسعى لبناء جيل من القادة المستقبليين، ويظهر ذلك جليًا من خلال مشاركتها في مبادرة الحرم الجامعي الأخضر مع جمعية البيئة العُمانية، التي تهدف إلى تنشئة جيل واعٍ قادر على إحداث تغيير إيجابي ملموس. كما تؤكد شراكاتها مع إنجاز عُمان وشراكة التزامها بتطوير الروح الريادية لدى الشباب وتمكينهم لمواجهة التحديات في مجال ريادة الأعمال.
وتبنت الشركة نهجًا متميزًا في الإقراض المسؤول، حيث تدرك دورها كشريك مالي مسؤول في دعم استقرار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولتعزيز هذا الالتزام، قدمت الشركة الوطنية للتمويل نظام إدارة بيئي واجتماعي (ESMS) يدمج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG) في عملية اتخاذ القرار، مما يضمن تحقيق تأثير إيجابي ومستدام على البيئة والمجتمع.
وأبرمت الشركة الوطنية للتمويل مؤخرًا شراكة تاريخية مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، العضو في مجموعة البنك الدولي، في خطوة هامة ضمن مسيرتها نحو تحقيق أهداف الاستدامة. وفي إطار هذا التعاون، تقدم مؤسسة التمويل الدولية تمويلاً بقيمة 120 مليون دولار أمريكي لدعم مبادرات التمويل الأخضر التي تقودها الشركة الوطنية للتمويل.
وساهمت الشركة الوطنية للتمويل بشكل بارز في دعم مبادرات التنوع الاقتصادي في سلطنة عُمان من خلال تمويل أول مصنع للألواح الشمسية في البلاد -شيدا-. يُعد هذا المشروع خطوة هامة نحو تعزيز قطاع الطاقة المتجددة، ويعكس التزام الشركة بدعم المشاريع الوطنية المبتكرة التي تساهم في دفع عجلة التقدم في مختلف المجالات.